قراءة قانونية موجزة في إتفاق البرهان و حمدوك السياسي

إستشعاراً لضرورة تقديم قراءة قانونية لإتفاق برهان و حمدوك السياسي الذي أعطى إنقلاب 25 أكتوبر 2021 م شرعية سياسية و إن لم يعطه شرعية قانونية و دستورية يفتقر إليها من وقعاه، نتقدم بقراءة قانونية موجزة لهذا الإتفاق تؤسس لتحليل قانوني مستفيض لاحقاً إن توفر الوقت، نلخصها فيما يلي:

 

 

بقلم د . احمد عثمان

 

إستشعاراً لضرورة تقديم قراءة قانونية لإتفاق برهان و حمدوك السياسي الذي أعطى إنقلاب 25 أكتوبر 2021 م شرعية سياسية و إن لم يعطه شرعية قانونية و دستورية يفتقر إليها من وقعاه، نتقدم بقراءة قانونية موجزة لهذا الإتفاق تؤسس لتحليل قانوني مستفيض لاحقاً إن توفر الوقت، نلخصها فيما يلي:

1- من المهم التنويه أولاً إلى أن هذا الإتفاق هو إتفاق سياسي و ليس دستوراً أو قانوناً ينص على نصوص ملزمة و نافذة في حق جميع السودانيين. و هو بهذه الصفة يخضع للقواعد الحاكمة للعقد ، و يلزم فقط من وقعه وفقاً لنظرية خصوصية العقد (Privity of Contract)، فالمادة (111) من قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م تنص على أن "ينصرف أثر العقد إلى المتعاقدين و الخلف العام"، و المتعاقدين هنا هما الجنرال برهان و د. حمدوك و لا أحد غيرهما، و بذلك ينصرف العقد أو الإتفاق و آثاره عليهما فقط و لا يلزم أي جهة أو كيان أو أي مواطن سوداني بأية حال من الأحوال من ناحية قانونية.

2- حقيقة أن ما تم هو إتفاق/ عقد و خضوعه للقواعد الحاكمة للعقد، تحتم إعمال قواعد تفسير العقود في تفسيره، و تمنع الإنصراف للبحث عن إرادة طرفيه كلما كانت النصوص واضحة و صريحة. فالمادة (101-1) من قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م، تنص صراحةً على ما يلي: " إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الإنحراف عنها من طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين". و تنص المادة (97) من نفس القانون على أنه :" لا عبرة بالدلالة في مقابل التصريح". و هذا يحتم التوقف عن البحث عن إرادة ضمنية أو مستترة خلف نصوص الإتفاق الواضحة الجلية التي لا يجوز تفسيرها أو الإنصراف عنها للبحث عن إرادة متوهمة للطرفين.

3- الصفات التي وقع بها الطرفان الإتفاق/العقد منتحلة و غير صحيحة من ناحية قانونية، فلا الجنرال برهان يصح له أن يصف نفسه برئيس المجلس السيادي الإنتقالي، و لا د. حمدوك يصح له أن يصف نفسه برئيس مجلس الوزراء الإنتقالي.فالإتفاق في ديباجته، أمن على قرارات القائد العام للقوات المسلحة الصادرة بتاريخ 25 أكتوبر 2021م (قرارات بيان الإنقلاب) ، و بالتالي شرعن حل مجلس السيادة الإنتقالي و مجلس الوزراء الدستوريين، و لم يعد لطرفي الإتفاق أياً من الصفات التي إنتحلاها في الإتفاق. فتعيين البرهان لنفسه رئيساً لمجلس السيادة الخاص بالإنقلاب، جاء مكملاً لقرارات الإنقلاب الأصلية، و القرارات اللاحقة و المكملة لم يتم شرعنتها حتى بهذا الإنقلاب، وحتى إن تم ذلك فهذا لا يعطيها جميعاً شرعية دستورية، مما يعني أن هذه الصفة منتحلة بالكامل و غير دستورية، لأنها إحدى تبعات الإنقلاب على الدستور السائد وتقويضه في جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي و قانون القوات المسلحة بالإعدام.

أما د. حمدوك الذي أقر في الديباجة بقرارات القائد العام التي حل بموجبها مجلس الوزراء الإنتقالي و فصله من منصبه، فإنه لا يملك هذه الصفة حتى و إن قبلنا جدلاً بشرعية الإتفاق الماثل. فالإتفاق  في الفقرة رابع عشر نص على أنه " بالتوقيع على الإعلان السياسي، يلغى قرار القائد العام للقوات المسلحة بإعفاء رئيس مجلس الوزراء الإنتقالي". و بالرغم من أنه ليس هنالك قرار بإعفاء رئيس مجلس الوزراء الإنتقالي منفردا لأن القرار الصادر كان بحل مجلس الوزراء، إلا أننا سنقبل ذلك تجاوزاً بإعتبار أن الإعفاء تم ضمنياً بقرار الحل، لنتوصل أن د. حمدوك وفقاً لهذا الإتفاق لا يستعيد صفته كرئيس وزراء إلا بعد توقيع الإتفاق أو الإعلان السياسي، فكيف تسنى له التوقيع بصفة لا يكتسبها إلا بعد التوقيع؟ بإختصار هذه الصفة منتحلة في حال شرعنة الإنقلاب و القبول بقرارات 25 أكتوبر 2021م و إعطاء الإنقلاب شرعية لا يستحقها حاول د. حمدوك إضفائها عليه بكل أسف. 

و مؤدى ما تقدم هو أن هذا الإتفاق/الإعلان، ملزم لبرهان و حمدوك شخصياً لا بصفتيهما المنتحلة، و لا يلزم حتى المجلس السيادي الإنقلابي أو المجلس السيادي المحلول، و لا مجلس الوزراء المحلول أو التكنوقراطي الإنقلابي الجديد.

4- و صف الإعلان لبرهان بالقائد العام مخالف للقانون و الدستور، و هو في كل الأحوال حتى و إن كان يمتلك هذه الصفة لا يحق له إصدار قرارات 25 أكتوبر 2021م من ناحية دستورية، و الإتفاق/الإعلان كوثيقة سياسية، لا تعط تلك القرارات أي شرعية دستورية، و يستلزم ذلك إصدار نصوص تشريعية دستورية من جهة لديها صفة في إصدارها، و الإنقلابيون و من معهم بالحتم لا يملكون هذه الصفة التشريعية. إذ تنص المادة (10-1) من قانون القوات المسلحة لسنة 2007م على ما يلي: " يكون للقوات المسلحة قائداً عاماً يعين بوساطة رئيس الجمهورية". و تحدد هذه المادة مهام القائد العام و ليس من بينها التشريع على أي مستوى، أو حتى ممارسة العمل السياسي. و تنص المادة ( 74) من الوثيقة الدستورية المعيبة و المفترى عليها بعد ذلك من الجنرال برهان، على ما يلي: " بإستثناء السلطات و الصلاحيات الممنوحة لمجلس السيادة بموجب هذد الوثيقة الدستورية ، تؤول كل سلطات و صلاحيات رئيس الجمهورية ذات الطبيعة التنفيذية الواردة في أي قانون ساري لرئيس مجلس الوزراء". و المعلوم أن المخلوع البشير لحين سقوطه، لم يعين الجنرال برهان قائداً عاماً للجيش، حيث كان منصبه هو مفتش عام القوات المسلحة و ليس قائده. كذلك المعلوم أن د. حمدوك لم يصدر قراراً بتعيين الجنرال برهان قائداً عاماً للقوات المسلحة وفقاً لسلطات رئيس الجمهورية التي آلت إليه بموجب الوثيقة الدستورية، فمن الذي عين الجنرال برهان قائداً عاماً للقوات المسلحة إذن؟ قد يقال أنه عين نفسه بنفسه بعد إنقلاب القصر حين كان رئيساً للمجلس العسكري الإنتقالي (مجلس إنقلاب القصر)، و لكن لا يوجد أي مرسوم بمثل هذا التعيين ضمن مراسيم تلك الفترة التي شرعنتها الوثيقة الدستورية المعيبة. و حتى إن وجد، فهو غير دستوري بموجب هذه الوثيقة نفسها، لأنه يتعارض من نصوص الوثيقة، مما يحتم إبطاله وفقاً لنص المادة (2-2 )من الوثيقة الدستورية التي تنص على ما يلي: " تعتبر المراسيم الصادرة من 11 أبريل 2019م و حتى توقيع هذه الوثيقة الدستورية سارية المفعول،مالم تلغ أو تعدل من قبل المجلس التشريعي الإنتقالي، وفي حال تعارض أي منها مع أحكام هذه الوثيقة الدستورية تسود أحكام هذه الوثيقة". فإن كان الجنرال برهان قد عين نفسه سراً بموجب مرسوم دستوري سري كقائد للقوات المسلحة، فإن هذا التعيين باطل لأنه يتعارض مع أحكام الوثيقة الدستورية التي أعطت سلطة التعيين للدكتور حمدوك بصفته رئيساً للوزراء. و هذا يعني أن وصف قرارات 25 أكتوبر 2021م الصادرة من قائد الإنقلاب الجنرال برهان بأنها صادرة من قائد القوات المسلحة ، و صف لا أساس دستوري أو قانوني له، و هو مجرد إدعاء يعطي قرارات الإنقلابي برهان صفة منسوبة للقوات المسلحة و هي في الواقع ليس لها علاقة بما تم من إنقلاب بصفة قانونية لأن من قام بالإنقلاب قام به بصفته الشخصية لا بصفته قائداً للقوات المسلحة بأية حال.

5- نص الإتفاق في ديباجته بعد الإشارة لإجراءات و قرارات القائد العام للقوات المسلحة المزعوم بتاريخ 25 أكتوبر 2021م  -يلاحظ أننا نستخدم النص المنشور بصحيفة الشرق السعودية بتاريخ 21/11/2021م- على الآتي: " و استشعاراً للمسئولية الوطنية، عليه تعهد الطرفان  بالعمل سوياً لإستكمال مسار التصحيح الديمقراطي…". و الأمر جلي و واضح و لا يحتمل التأويل، فهو يجعل إجراءات و قرارات الجنرال برهان في بيان إنقلابه أساساً للتصحيح الديمقراطي، و يتعهد الطرفان على إستكمالها بوضوح يجبه كل من يحاول تبرير هذه الشرعنة للإنقلاب بأي صورة من الصور. و لعله من المفيد أن ننوه إلى ما ورد ببيان الإنقلاب حرفياً في ديباجته حين نص على ما يلي:" فكان لزاماً علينا في القوات المسلحة و قوات الدعم السريع و الأجهزة الأمنية أن نستشعر الخطر و نتخذ الخطوات التي تحفظ مسار ثورة ديسمبر المجيدة حتى بلوغ الأهداف النهائية في الوصول لدولة مدنية كاملة عبر إنتخابات حرة و نزيهة. عليه و لتصحيح مسار الثورة تقرر ما يلي: …….". و النص يوضح أي مسار ديمقراطي و أي تصحيح يجب أن يستكمل دون مواربة أو تضليل، فكل النصوص اللاحقة في الإتفاق، تقرأ في ضوء هذه الديباجة و ضوء هذا التعهد بإستكمال مسار التصحيح الديمقراطي الذي أسس له بيان برهان الإنقلابي المنوه عنه في الديباجة و المبرر له و لحدوثه. فالديباجة خلصت بصريح العبارة أن ما سيأتي بعدها من إتفاق، يأتي " تأسيساً على قرارات القائد العام للقوات المسلحة".  و لا يفوتنا أن نسجل بأن الجنرال برهان قد قرأ بيان إنقلابه بصفته رئيس مجلس السيادة الإنتقالي لا القائد العام للقوات المسلحة وفقاً لما ورد في كل الأجهزة الإعلامية. 

6-  يزعم الإتفاق في أولاً  الآتية مباشرة بعد الديباجة، أن الطرفين إتفقا على " التأكيد على أن الوثيقة الدستورية لسنة 2019م تعديل 2020م هي المرجعية الأساسية القائمة لإستكمال الفترة الإنتقالية…" .  و هذا يشي في البدء بوجود مرجعيات أخرى غير أساسية، لأن هذه المرجعية أساسية و ليست وحيدة حسب النص، كما أنه يؤكد أنها مرجعية و إطار فقط، و ليست نصوصاً ملزمة لا يجوز تجاوزها، و فوق ذلك هي مرجعية الإتفاق عليها يأتي  تأسيساً على قرارات القائد العام للقوات المسلحة. و مفاد ذلك أنه في حال التعارض بينها و بين الأساس الذي بني عليه الإتفاق، يسمو الأساس الذي هو قرارات القائد العام للقوات المسلحة!! و هذا النص مقروءاً مع الديباجة بإعتبار أن نصوص العقود تقرأ معاً و لا تتجزأ من ناحية قانونية، مع الأخذ في الإعتبار أن الإتفاق صراحةً تم تأسيسه على بيان الإنقلاب، يؤكد أن جميع قرارات و إجراءات القائد العام الواردة ببيان إنقلابه قد تم الإتفاق على أن لها شرعية سياسية بموافقة الطرفين. و من المهم أن نذكر لأن الذكرى تنفع المؤمنين، أن هذه القرارات و الإجراءات التي تم شرعنتها تشمل ما يلي: أ. إعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد. ب. تعليق العمل بالمواد 11، 12، 15، 16، 24-3، 71، 72. ج. حل مجلس السيادة الإنتقالي و إعفاء أعضائه. د. حل مجلس الوزراء. ه. إنهاء تكليف ولاة الولايات. و. إعفاء وكلاء الوزارات. ز. تجميد عمل لجنة إزالة التمكين. و هذا يعني أن د. حمدوك قد قبل الإنقلاب و اتفق على أنه مسار تصحيح ديمقراطي، كما قبل كل الإجراءات المذكورة أعلاه بدون تحفظ و بنى عليها إتفاقه بكل وضوح.

7- أكد الطرفان في ثانياً على ضرورة تعديل الوثيقة الدستورية بالتوافق بما يحقق و يضمن مشاركة سياسية شاملة لكافة مكونات المجتمع عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول. والإتفاق على ضرورة تعديل الوثيقة الدستورية بهذا المنحى، يعني إستبدال أطراف الوثيقة الدستورية (قحت و العسكريين) ، بالعسكريين و القوى التي ترتضي أن تكون طرفاً في وثيقة دستورية يتوافق عليها أنصار العسكريين من إسلاميين و فلول و قوى لم تكن أصلاً طرفاً في هذه الوثيقة أو منحها لشعب السودان. و لا يفوتنا أن ننوه إلى تفادي مجرد ذكر قوى الحرية و التغيير التي كانت طرفاً في هذه الوثيقة، مما يؤكد أن هذا النص يكرس مطالبة العسكريين قبل الإنقلاب يتوسيع دائرة المشاركة لإدخال منسوبيهم و أنصارهم الذين نفذوا إعتصام القصر في دائرة السلطة، و الآن يودون أن يملكوهم سلطة تعديل وثيقة لم يكونوا هم طرفاً في إصدارها بالأساس!!

8- تمسك الطرفان في ثالثاً  بالشراكة بين المدنيين و العسكريين، و هذه الشراكة بكل تأكيد ليست الشراكة السابقة، لأنها ستتم وفقاً لثانياً أعلاه أي بعد تعديل الوثيقة الدستورية لتكوين حاضنة سياسية مدنية بديلة لقوى الحرية و التغيير، و ذلك يعفي ضمنياً الإنقلابيين من تبعات إنقلابهم بعد أن تم إعطاء إجراءاتهم و قراراتهم شرعية في الديباجة، و يكافئهم بالإستمرار في شراكة وفقاً لشروطهم التي فرضوها بالقوة عبر الإنقلاب العسكري، و يعفيهم من المحاسبة و يسمح لهم بالإفلات من العقاب بشكل واضح لا لبس فيه.

9- تم الإتفاق في رابعاً على أن يكون مجلس السيادة الإنتقالي مشرفاً على تنفيذ مهام الفترة الإنتقالية بالمادة ( 8 ) من الوثيقة الدستورية دون التدخل المباشر في العمل التنفيذي. و المقصود بالطبع هو مجلس السيادة الإنتقالي الذي عينه الإنقلاب حتماً، لأن المجلس الشرعي تم حله بواسطة إجراءات و قرارات قائد القوات المسلحة في بيان إنقلابه، و التي أقرها الإتفاق الماثل و اعتبرها تأسيسية لهذا الإتفاق. و الملاحظ أن الإشراف الوارد لم يتم تعريفه، و لكن من الممكن التوصل لتعريف بقراءة عجز النص الذي ينص على عدم التدخل المباشر في العمل التنفيذي. و هو قياساً بما يحدث في شركات المساهمة العامة و قواعد الحوكمة، يعني أن مجلس السيادة سينفرد بوضع السياسات العامة و يلزم مجلس الوزراء بتنفيذها و يراقب تنفيذه لها، لأنه هو المشرف على تنفيذ مهام الفترة الإنتقالية بحكم هذا الإتفاق!! و مفاد ذلك أن مجلس الوزراء سيصبح سكرتارية تنفيذية لإرادة مجلس السيادة الإنقلابي، تماماً كما كان يريد مجلس إنقلاب القصر عند بدء التفاوض الذي إنتهى بتوقيع الوثيقة الدستورية المعيبة، و التي قدم فيها ذلك المجلس بعض التنازلات سحبها الآن بوضوح. فالمشرف هو من يضع السياسات و يراقب تنفيذها، و المنفذ يقدم تقاريره لجهة إشرافه التي تحاسبه على أي تقصير.

10- كذلك تم الإتفاق في خامساً  على ضمان إنتقال السلطة في موعدها لحكومة منتخبة. و من المهم التنويه إلى أن هنالك مسودة للإتفاق كانت دائرة في الأسافير، تحدد تاريخاً واضحاً لهذا الإنتقال، تم شطبه بالقلم، و حذفه تماماً عند توقيعها. و هذا يجعل الأمر مفتوحاً بحيث من الممكن ألا يتحقق أبداً. و لا يمكن أن يقال بأن هذا التاريخ محدد في الوثيقة الدستورية ، لأن هذه الوثيقة نفسها متفق في هذا الإتفاق على ضرورة تعديلها لإستيعاب ربائب الإنقلاب، و هذا سيقود حتماً إلى تحكمهم في تعديلها و تبديل مواعيدها المنصوص عليها للإنتقال. و ببساطة هذا النص، يعني تفويضاً ضمنياً للعسكريين في الإستمرار في السلطة بلا سقوف و مواقيت محددة زمنياً، مما يقيض للإنقلاب الإستمرار إلى ما لا نهاية، إن لم يقم شعبنا – و هو قادر- بإسقاطه.

11- أيضاً تم الإتفاق في سادساً على إدارة الفترة الإنتقالية بموجب إعلان سياسي يحدد إطار الشراكة بين القوى الوطنية ( السياسية و المدنية) و المكون العسكري و الإدارة الأهلية و لجان المقاومة و قوى الثورة الحية و قطاعات الشباب و المرأة و رجالات الطرق الصوفية. و هذا يعني فرض إعلان بديل لإعلان قوى الحرية و التغيير ، و إقحام العسكريين في المعادلة لتمكينهم من فرض إرادتهم بوصفهم إنقلاباً عسكرياً يشكل سلطة الأمر الواقع، و في نفس الوقت يشكل إعلاناً بديلاً للإتفاق السياسي الموقع بين المجلس العسكري الإنتقالي ( مجلس إنقلاب القصر) و التيار التسووي لقوى الحرية و التغيير، الذي إنبنت على أساسه الوثيقة الدستورية المعيبة. و هذه خطوة متقدمة أخرى في سبيل إقصاء قوى الحرية و التغيير و تيارها التسووي، و بناء حاضنة جديدة لسلطة الإنتقال الوهمي المزعوم.

12- و في سابعاً إتفق على التحقيق في الأحداث التي جرت أثناء التظاهرات و إصابات و وفيات للمدنيين و العسكريين و تقديم الجناة للمحاكم. و يلاحظ أن نوعية هذا التحقيق لم تحدد، كما لم تحدد الجهة التي ستقوم به، و بما أن هناك إشارة لتقديم الجناة للمحاكم، يفترض أن من سيحقق هي النيابة المختصة المسيطر عليها من قبل الإنقلاب!!! و من المهم التنويه إلى أن الوصف التعميمي للقتل الممنهج بالأحداث، هو محاولة للتخفيف من صفته و التقليل من حالة القمع المفرط الراهنة المعتمدة كسياسة واضحة من قبل الإنقلابيين. و عدم وجود إسناد الأمر للجنة دولية مستقلة، يعني أن الأمر مجرد رفع عتب لتكوين لجنة شبيهة بلجنة نبيل أديب غير المستقلة، تقود الجميع إلى اللامكان و إلى إهدار دماء الشهداء و السماح للإنقلابيين بالإفلات من العقاب. فالتحقيق المهني و المحايد و المستقل مستحيل، حين يكون المجرم أو على أقل تقدير المشتبه به هو الإنقلابي المسيطر على السلطة.

13- أما في ثامناً فقد تم الإتفاق على تنفيذ إتفاق سلام جوبا و إستكمال الإستحقاقات الناشئة بموجبه و إلحاق غير الموقعين على إتفاق السلام. و لسنا في حاجة للقول بأن هذا الإتفاق الأزمة، ليس بحاجة لموافقة د. حمدوك على تنفيذه، لأنه مفروض من قبل المحور الإقليمي إستناداً لوثيقة أبوظبي المخفية، التي قسمت فترة ما بعد سقوط المخلوع البشير، إلى مرحلة ما قبل إنتقالية يحكمها التيار التسووي في قوى الحرية و التغيير، و مرحلة الإنتقال التي تبدأ بعد وصول الحركات المسلحة في تحالفها مع الإنقلابيين إلى السلطة. و من الواضح أنه الآن تم التخلص من التيار التسووي لصالح التحالف بين الإنقلابيين و الحركات المسلحة و أنصارهم من المدنيين، على أن يصبح د. حمدوك مجرد واجهة لهذا التحالف المعادي للثورة، و الذي تجمعت فيه كل القوى المضادة للثورة و المرتبطة بمحاور إقليمية.

14- و في تاسعاً إتفق الطرفان على الإسراع في إستكمال جميع مؤسسات الحكم الإنتقالي و ذلك بتكوين المجلس التشريعي و المحكمة الدستورية و تعيين رئيس القضاء و النائب العام، و لم يحدد أي سقف زمني لهذا الإسراع المطلوب، و ترك الأمر مفتوحاً لمن يهمه الأمر، مع عدم وضوح الرؤية حول كيفية تكوين المجلس التشريعي و المادة (24-3) الخاصة بتركيبته و تكوينه من ضمن المواد التي تم تجميدها بموجب القرارات الواردة في بيان الإنقلاب. فوفقاً للوضع الحالي، من المستحيل تكوين المجلس التشريعي إلا في حال رفع تجميد المادة المذكورة، أو تكوينه كيفما إتفق إستناداً لإتفاق سياسي لا لنصوص دستورية، أو تكوينه بعد تعديل النص المذكور بواسطة التحالف الجديد الذي سيكفل له السيطرة على المجلس المذكور، أخذاً في الإعتبار أن الإتفاق مصر على ضرورة تعديل الوثيقة الدستورية. لهذا الراجح هو تعديل النص بحرمان قوى الحرية والتغيير (التيار التسووي) من حصته بعد طرده من معادلة السلطة، و إعادة توزيعها بين أقطاب التحالف الجديد المعادي للثورة، مع إعطاء بعض العطايا لمن يقبل بمشاركة الإنقلابيين من التيار التسووي و هم بالأصل قليلين حتى هذه اللحظة مع إحتمال حصول تحولات فيما إذا ثبتت سلطة الإنقلاب أقدامها كسلطة أمر واقع.

15- و في عاشرا تم الإتفاق  على إبتدار حوار موسع و شفاف بين كافة القوى السياسية و المجتمعية و قوى الثورة الحية يؤسس لقيام المؤتمر الدستوري. و الأمر لا يحتاج إلى تعليق، إذ كيف يكون هناك حوار موسع و شفاف في ظل إنقلاب عسكري بالأساس؟ من الواضح أن الأمر يستهدف وضع دستور يخدم دولة الإنقلابيين و إمتداداتها مستقبلا فيما إذا قيض لهذا المؤتمر القيام، بحيث يتم هندسة فترة ما بعد الإنقلاب لتضمن إستمرار سلطة الإنقلاب و حماية مكتسبات التمكين مستقبلاً.

16- أما في أحد عشر فقد أكد الطرفان على ضرورة إعادة هيكلة لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، دون تحديد من سيقوم بإعادة هذه الهيكلة، و ما هو مصير قراراتها السابقة، و لا مصير الأموال التي قامت بإستردادها من منسوبي النظام السابق. و بما أن المجلس السيادي للإنقلاب هو المشرف على أعمال الجهاز التنفيذي وفقاً لهذا الإتفاق، يتوقع أن يكون الأمر من قبل و من بعد في يديه.

17- و تم الإتفاق في البند إثنا عشر على إطلاق جميع المعتقلين السياسيين. و قد يبدو ظاهر النص جيداً، لكن أزمته تكمن في تعريف من هم المعتقلين السياسيين المقصودين. فوفقاً لتصريحات الجنرال برهان المتتابعة، المعتقلين السياسيين هم من لم توجه لهم تهم جنائية من المعتقلين، و بما أن جميع سلطات الدولة في يد هذا الجنرال بحكم الأمر الواقع الذي فرضه الإنقلاب، فبإمكانه تقديم جميع المعتقلين السياسيين لمحاكمات جنائية و تلفيق التهم لهم، و كله بالقانون كما يقول الديكتاتوريين دائماً. هذا النص إن كان المقصود منه فاعلية و نفاذ، كان يجب أن ينص على إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين بما فيهم شاغلي المناصب الدستورية السابقين مع تسمية هذه المناصب و تحديد أجل لإطلاق سراحهم هو لحظة توقيع الإتفاق السياسي الماثل. و بما أن ذلك لم يتم، فتنفيذ هذا النص هو سلطة تقديرية للإنقلابيين، و لا أحد يستطيع إلزامهم بتنفيذه أو منعهم من التحايل على التنفيذ.

18- كذلك تم الإتفاق في ثلاثة عشر على بناء جيش قومي موحد. و هذه مخالفة صريحة لنص المادة ( 35-1 ) من الوثيقة الدستورية المسماة مرجعية لهذا الإتفاق و التي تنص على ما يلي: " القوات المسلحة و قوات الدعم السريع مؤسسة عسكرية وطنية…". و الواضح من النص هو إذا إعتبرنا أن القوات المسلحة هي الجيش – و هي كذلك- فهي تقف على قدم المساواة مع قوات الدعم السريع، و هما معاً يكونان المؤسسة العسكرية، و لا يصح في هذه الحالة المطالبة بدمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة لأن هذه المطالبة غير دستورية. أما إذا إعتبرنا الجيش هو المؤسسة العسكرية المذكورة، فهو أيضاً مكون من قطبين مستقلين و لا يصح أن يطلق عليهما جيش قومي موحد لأنهما غير مندمجين و لهما إستقلالية واضحة. و هذا بالطبع هو أحد أهم عيوب الوثيقة الدستورية التي قننت وجود قوات الدعم السريع دستورياً و حافظت على إستقلالية كيانها. و نحن بالطبع مع قيام جيش قومي موحد، لكن الوثيقة الدستورية مع حقائق سلطة الإنقلاب في الأرض تمنع ذلك، مما يعني أن هذا النص عبارة عن حبر على ورق و غير قابل للتنفيذ.

و لا نظن بأننا في حاجة لمناقشة النص رقم رابع عشر، الذي تم تكريسه لإلغاء قرار القائد العام للقوات المسلحة بإعفاء رئيس مجلس الوزراء الإنتقالي، لأننا سبق و أن ناقشنا أثره في البند (3) أعلاه.

و الخلاصة هي أن الإتفاق بين الجنرال برهان و د. حمدوك، هو بمثابة بيان ثان معزز لبيان الإنقلاب الأول، مؤيد له و معزز للقرارات و الإجراءات الواردة به، بإعتباره جاء تأسيساً على هذه القرارات و الإجراءات التي أعطاها شرعية سياسية، و هو مجرد رافعة للدكتور حمدوك تمكنه من أن يصبح رئيساً لمجلس وزراء الإنقلاب لا أكثر و لا أقل.

22/11/2021م

Welcome

Install
×