قبور في المنازل.. ومدافن في الأحياء السكنية
أثار دفن العازف المعروف خالد سنهوري أمام منزله في الملازمين بأمدرمان، خلال الاسبوع الماضي، موجة من الحزن، وتسبب في جرح غائر أدمى أفئدة محبيه خاصة وسط القطاع الفني.
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع في الخامس عشر من ابريل، انتشرت ظاهرة الدفن خارج المقابر على نطاق واسع نظرا لعدم توفر ممرات آمنة إلى المقابر في ظل تصاعد وتيرة القتال.
وفي مايو الماضي، دفن جثماني الطبيبتين الشقيقتين ماجدة وماجدولين يوسف غالي داخل منزلهما في العمارات بعد مصرعهما بسبب قذيفة والعثور عليها بعد فترة من الزمن.
وفي السابع عشرمن ابريل بعد الحرب بيومين، أضطر الطلاب والعاملين الذين كانوا عالقين في مبنى كلية الهندسة في جامعة الخرطوم لدفن جثمان زميلهم خالد الطقيع الطالب بكلية الأداب في الميدان الغربي بالجامعة بعد أخذ الإذن من اسرته وموافقة إدارة الجامعة لتعذر إخراجه من الجامعة.
وبلغ عدد قتلى الحرب الدائرة في مختلف أرجاء البلاد والتي دخلت شهرها الرابع أكثر من الف قتيل وسط المدنيين وآلاف الجرحى بحسب إحصائيات وزارة الصحة، ولكن الأرقام لا تشمل العسكريين من الطرفين، أو المدنيين الذين توفوا لانعدام الماء والغذاء والرعاية الطبية.
دفن داخل المنزل
وقال أصدقاء العازف خالد سنهوري إنه توفي نتيجة لهبوط حاد، حيث مكث أياماً بدون أكل وماء ودواء حيث لا تتوفر (أي بقالة ولاسوق مفتوح لا كهرباء لا ماء) ولم تتوفر عربة لنقله إلى المستشفى.
وبحسب تقارير اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء فإن نحو 80 في المائة من المستشفيات خارج نطاق الخدمة بسبب الهجمات وإن المستشفيات العاملة في العاصمة لا تتجاوز الأربعة مستشفيات
ودفن سنهوري أمام منزله نظرا لسيطرة الدعم السريع على الحي، وعدم توفر عربة تنقله إلى المقابر لمواراته الثرى، و عدم وجود ممرات آمنة للمشيعين مما جعل شقيقه واثنين من جيرانه في الحي يوارونه الثرى أمام منزله.
ويقول العازف شوقي عبدالرحمن، وهو أحد أصدقاء الفقيد، في مقابلة مع راديو دبنقا، إن الوسط الفني أصيب بصدمة لوفاة سنهوري ودفنه أمام منزله، مبينا إنه كان يعاني من جلطة، وظل أصدقاؤه يحاولون نقله إلى القاهرة للاستشفاء ولكن اندلاع الحرب قطع الطريق أمام تلك المحاولات.
وتداول ذووه صورة لمقبره أمام المنزل محاطاً بالطوب من كل جانب.
صدمة نفسية
ويضيف شوقي(تألمنا كثيرا لوفاة خالد ودفنه أمام منزله.. جميع المغنين والعازفين يعيشون صدمة نفسية )، وأردف ( لا يرضينا أن يدفن امام منزله ولكن لم يكن أمام شقيقه سوى اكرامه ودفنه أمام المنزل لعدم توفر خيارات بديلة) موضحاً إن معظم الفنانين خرجوا إلى الولايات بسبب الحرب الدائرة قي الخرطوم. ويضيف قائلاً ( نأمل أن تنجلي الغمة وتعود الموسيقى إلى الخرطوم نغما في مواجهة أي لغم).
وبحسب إحصائيات منظمة الهجرة الدولية فإن عدد النازحين الذين فروا من الخرطوم خلال الثلاثة أشهر الماضية بلغ نحو مليون و٩٠٠ الف شخص بما يعادل ربع عدد سكان العاصمة.
وظل دفن جثامين الموتى في الخرطوم منذ اندلاع الحرب أمراً يؤرق الأسر منذ اندلاع الحرب، وتقول مبادرة سلامة التي تنشط في مجال تقديم المساعدات للمحتاجين في تقريرها لشهر يونيو إن عدم توفر الممرات الآمنة أدى لتأخير أو حتى فشل عمليات الإخلاء وجمع الجثث. واشارت إلى اعتقال أحد متطوعيها أثناء عمله في تسليم أحد الجثامين لذويها.
توقف جمع الجثامين
من جهته، قال المنسق الاعلامي للهلال الاحمر هيثم ابراهيم لراديو دبنقا إن الجمعية توقفت عن عمليات جمع الجثامين في الخرطوم ودفنها منذ ١٧ يونيو بعد نهب اثنين من مركباتها التي تعمل في مجال نقل الجثامين من قبل مجموعة مسلحة لا ترتدي زياً عسكرياً محدداً.
وبشأن دفن الجثامين في المنازل والأحياء السكنية، يبدي هيثم تحفظه إزاء التعليق على ذلك، ويضيف (الوضع غير طبيعي ولا توجد مسارات آمنة، ومن حق المواطنين فعل ما يناسبهم ) وامتنع عن إبداء الرأي بشأن أي مجهود أهلي.
وقال إن الهلال الأحمر ظل ينشط، منذ اندلاع الحرب، في جمع الجثامين من الطرقات والمناطق شبه الخالية من السكان ودفنها، حيث تمكن من دفن 123 جثماناً في مقابر الشقيلاب ومقابر اليرموك جنوب الخرطوم. وأوضح إنهم جمعوا الجثامين من السوق المركزي والمحلي والمناطق المجاورة لعفراء وابو حمامة والعمارات.
ويرى إن الوضع الطبيعي هو أن تحفظ الجثث في ثلاجات المستشفيات لدفنها بعد انجلاء الحرب، ولكنه أشار إلى ما تداولته وسائل الإعلام من اكتظاظ المشارح بالجثامين مجهولة الهوية قبل اندلاع الحرب.
وقال إن فرق الهلال الأحمر تلتزم بصرامة بالقوانين المنظمة لعمليات جمع الجثث ودفنها بملء استمارات عن الجثة ، وكتابة بياناتها بصورة دقيقة لو كانت معروفة الهوية ، و كتابة علاماتها الطبيعية وتقديراً لعمرها لو كانت مجهولاة، بجانب وضع رقم موحد في كيس الجثة والاستمارة وتعقيم المنطقة التي أخذت منها الجثة وغيرها من الإجراءات المنصوص عليها في القوانين المنظمة.
ويضيف إن الهلال الأحمر ظل يطالب طرفي الصراع بالإلتزام بالقانون الإنساني الدولي.
من جانبها قالت جمعية الصليب الأحمر في تقرير إنها قدمت مساعدات تتعلق بأكياس الجثث وأجهزة الحماية الشخصية (قفازات، أقنعة، أثواب واقية، أردية عازلة، مواد معقّمة ووقود) إلى جمعية الهلال الأحمر السوداني في الخرطوم لكي يتمكن المتطوعون من مواصلة جمع البقايا البشرية في العاصمة، والتعرف على هوية أصحابها.
رأي طبي
وقال الدكتور عطية عبدالله عضو اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء في مقابلة مع راديو دبنقا إن ذوي الموتى يضطرون لدفنهم في المنازل والأحياء السكنية لعدم توفر الممرات الآمنة، أو الأمن في محيط الأحياء والمدافن واستهداف أي تجمعات.
ويطالب الدكتور عطية جهات الاختصاص بإكرام المواتى ودفن الجثث بالطريقة الصحيحة والسليمة ، واتخاذ الاجراءات المتعارف عليها حسب القانون الدولي من أخذ عينات وتصوير الجثمان والبصمات وكل الاجراءات المنصوص عليها ، وحذر من طمس حقائق الحرب العبثية والجرائم ضد الانسانية الجارية داعياً للمحافظة على حقوق الضحايا.
كما دعا لوقف الحرب العبثية فوراً واحترام القانون الدولي وتمكين المنظمات الدولية من جمع الجثث وحفظها واكرامها بالطريقة المنصوص عليها قانوناً.
كارثة قانونية
وعلى الصعيد القانوني، قال المحامي عثمان بصري عضو مبادرة مفقود لراديو دبنقا ان دفن الجثث دون اتباع البروتكول المخصص لذلك يمثل كارثة قانونية في المقام الأول سواء على صعيد الاختفاء القسري أو على صعيد القتل خارج القانون.
ويشير، في مقابلة مع راديو دبنقا، إلى عدم اتباع الطرق السليمة في دفن الجثامين بما يهدر الحقوق القانونية للضحايا .
وقال إن المعروف عالمياً بأن الجهة المنوط بها اجلاء الجثث ودفنها في أوقات الحرب هي منظمة الصليب الأحمر ومعها الهلال الأحمر، حيث لديها بروتكول لدفن الموتى اثناء الحرب.
وقال إن عمليات الدفن الحالية تجري الآن دون اتباع البروتكول المشار اليه في أماكن بعيدة من المدافن المتعارف عليها سواء داخل المنازل او في الساحات و أحيانا بصورة جماعية في حفر.
تفاصيل صادمة
وفي مايو الماضي، دفنت الطبيبتان الشقيقتان ماجدولين و ماجدة يوسف غالية في منزلهم في العمارات شارع ٣١ بعلم ومتابعه من الكنسية القبطية في امدرمان بعد صعوبة وصولهم إلى العمارات نسبة للوضع الراهن ، وتعذر الدفن خارج المنزل، حيث جرى الدفن بواسطة فريق طبي من مستشفي الاطباء .
قالت أزهار شلقامي في استغاثتها التي دونتها عبر حسابها بموقع التواصل الاجتماعي تويترفي ذلك الحين إنها جدتها (ماجدولين) توفيت في منزلها منذ تسعة أيام، ولا سبيل إلى إخراجها ودفنها بسبب وجود قناصة في المباني. المنطقة قريبة من شارع البلدية.
وطالبت أزهار أن يقوم أي شخص يعرف جدتها بمواراة جثمان جدتها “حتى في حوش المنزل” حسبما قالت أزهار في استغاثتها.
وتوفيت الشقيقتان جراء إصابتهما بقصف داخل المنزل ولم يتمكن ذويهما من دفن الجثمان لمدة أربعة أيام بعد اكتشاف الجثامين واضطروا في نهاية الأمر لدفن الجثمانين داخل المنزل.
وليس بعيداً عن ذلك، فإنه بعد بداية الحرب بيومين في السابع عشر من ابريل ، توفي أحد العالقين في مبنى كلية الهندسة بجامعة الخرطوم وهو خالد الطقيع الطالب بكلية الأداب وأضطروا لدفنه في الميدان الغربي لجامعة الخرطوم بعد موافقة اهله وسماح ادارة الجامعة بذلك لحين انجلاء المعارك بسبب عدم تمكنهم من من الذهاب للمقابر. ولاحقاً تمكن العالقون من الخروج من مبنى الجامعة والمغادرة إلى ذويهم.
خلاصة القول إن استمرار الحرب الحالية ستؤدي إلى مزيد من التعقيدات والكوارث على مختلف الصعد.