في غياب القضاء.. “الزواج القهري”؛ جريمة لم تدون في تقرير مفوض حقوق الإنسان
الأربعاء 6/ مارس/2024م راديو دبنقا
تقرير: سليمان سري
انتقد عدد من القيادات المدنية والمدافعين عن حقوق الإنسان، تقرير المفوض السامي لحقوق الإنسان في جلسة الحوار التفاعلي المعزز حول السودان، ضمن برنامج جلسات الدورة 55 لمجلس حقوق الانسان، التي عقدت بجنيف، الجمعة، واعتبروا التقرير لم يلامس الواقع أو يواكب حجم الانتهاكات والجرائم المرتكبة والتي مازالت مستمرة، بينما أغفل التقرير تناول جريمة الزواج القهري الذي تمارسه عناصر قوات الدعم السريع في اجتياحهم لكل ولاية، واصفين التقرير بالضعيف
المديرة التنفيذية لشبكة نساء القرن الإفريقي د. هالة الكارب قالت حديثها لـراديو دبنقا “في تقديري إنَّ تقرير مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، جاء متواضعًا ولم يعبر عن ضخامة الانتهاكات في السودان الذي يمر بأضخم كارثة علي مستوى انتهاكات حقوق الانسان، وتعتقد بالمقارنة بأي من الحروب والأزمات الإنسانية التي حدثت في إفريقيا فإنَّ الفظاعات وجرائم الحرب التي حدثت في السودان هي الأكبر.
اغتصاب واسترقاق وزواج قهري للقصر
أما فيما يخص جرائم العنف ضد النساء تقول الناشطة النسوية هالة الكارب في حديثها لـراديو دبنقا “إن قوات الدعم السريع مارست الزواج القهري تحت تهديد السلاح للعديد من سكان أحياء وقري ولاية الجزيرة ومعظمهن من الطفلات دون سن الـ 18.
وفي ردها على سؤال حول عدد المختطفات وعدد حالات الزواج القهري في أحداث ولاية الجزيرة، قالت إنَّ هنالك علي الاقل اكثر من 200 حالة موثقة ومئات من الحالات غير موثقة أو اختفت، كما أن هنالك 500 حالة من دارفور. إضافة إلى اكثر من 100 حالة اختفاء، مطالبة بتدخل عاجل وضروري من منظمة الأمومة والطفولة “اليونسيف” في قضايا زواج واختطاف الطفلات.
بينما قال المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك إن العنف الجنسي بوصفه سلاحًا من أسلحة الحرب، بما في ذلك الاغتصاب، ظل سمة مميزة – ومؤسفة – لهذه الأزمة منذ بدايتها. وأضاف قائلا “منذ بدء النزاع في أبريل الماضي، وثّق مكتبي 60 حادثة عنف جنسي مرتبطة بالنزاع، شملت ما لا يقل عن 120 ضحية في جميع أنحاء البلاد، غالبيتهم العظمى من النساء والفتيات. ومن المؤسف أن هذه الأرقام لا تعكس إلى حد كبير الواقع.
بيد أن ما أشارت إليه المدافعة عن قضايا المرأة د. هالة الكارب، من ظاهرة الزواج القهري لم ترد في تقرير المفوض السامي لحقوق الإنسان كواحدة من الانتهاكات الخطيرة وظاهرة غير مسبوقة، صدمت المجتمع السوداني.
ودعت منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة اليونسيف للتدخل العاجل لمعالجة قضايا الاختطاف والزواج القهري. ووثقت شبكة نساء القرن الافريقي “صيحة” لـ 180 حالة عنف جنسي في السودان وقف تقارير سابقة. ورصدت حملة حديثة التكوين بإسم “معاً ضد الاغتصاب والعنف الجنسي” التي دشنت اعمالها رسمياً في يناير، في تقريرين، 245 حالة اعتداء جنسي على نساء.
وأعلنت هيئة محامي دارفور في يوليو من العام الماضي، انها ظلت منذ فترة تتلقى عدة بلاغات عن وجود أسواق للرق النسائي في شمال دارفور، وبحسب الأقوال المتواترة، فان السلعة عبارة عن نساء وفتيات تم اختطافهن وجلبهن من بعض المناطق المتأثرة بالحرب ومنها ولاية الخرطوم.
بينما نشرت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل “حكومية”، تقريرًا في سبتمبر الماضي، أوردت فيه إن عدد حالات الاغتصاب والعنف الجنسي منذ بدء القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع وحتى سبتمبر من العام الماضي بلغت 136 حالة.
وعلى ضوء ذلك تشير مديرة “صيحة” إلى أن العنف ضد النساء يعد أحد سمات هذه الحرب وترى أنها لم تحدث من فراغ بل حدثت واستمرت لأكثر من عشرين عامًا، عندما أطلق نظام المؤتمر الوطني يد مليشيات الجنجويد في قرى وأرياف دافور وتم اغتصاب مئات النساء والفتيات.
وتعيد “الكارب” التذكير بأن قوات الدعم السريع اقتحمت بيوت السودانيات والسودانيين منذ أول يوم في الحرب في الخامس العشر من أبريل من العام الماضي، وفق شهود عيان وأصوات مئات الضحايا وتؤكد على أنه تمت انتهاكات ضخمة في داخل البيوت من اغتصاب جماعي للنساء واسترقاق.
وقارنت بين ما سردته من انتهاكات وتقرير المفوض ورأت بأنه جاء متواضعًا ومختزلًا، وتضيف “ما يثير الدهشة أن التقرير جاء ضعيفًا من حيث تفاصيل المعلومات والقرائن التي قدمتها منظمات المجتمع المدني الدولية والمحلية وتقارير الأمم المتحدة والصحافة الدولية.
وخلصت المديرة التنفيذية لشبكة نساء القرن الإفريقي د. هالة الكارب في حديثها لـراديو دبنقا بالقول “يحدث كل ذلك أمام مؤسسة عسكرية عاجزة عن حماية المدنيين وغير متعاونة مع المجتمع الدولي، إضاقة إلى عدم مقدرتها للقيام بدورها المنوط بها.”
وتعبر عن أسفها لأن كل تلك الجرائم والانتهاكات تقع أمام مجتمع إقليمي ودولي لا يعير الكارثة السودانية الاهتمام الذى تستحق سواء من ناحية ما اسمته بالاستثمار في حماية المدنيين وهو أمر عاجل وهام أو الضغط علي الدعم السريع والجيش بشكل جاد لإنهاء الحرب.
تقديرات المجتمع الدولي
بينما يرى خالد طه عضو اللجنة التنفيذية لتجمع الأجسام المطلبية “تام” ومسؤول الإعلام فيها أن تقرير مفوض الأمم المتحد لحقوق الإنسان، كان جيدا من حيث المحتوى وطريقة التقديم. ويقول طه لـراديو دبنقا أن التقرير جاء متسقا إلى حد كبير مع حجم البشاعة التي ظلت ترتكب في حرب السودان منذ 15 ابريل من العام الماضي، وعبر عن اعتقاده بان هذا التقرير أيضًا يضع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أمام مسؤوليات مباشرة وخطوات يجب أن تتخذ حيال ما يحدث في السودان من انتهاكات لحقوق الإنسان.
لكنه يرى أن إقرار مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، بأن الأزمة في السودان “مأساة ” جاء متأخرا جدًا، من حيث التوقيت، بعد حرب قاربت العام، لكن الخطير في حديثه أن هذه الحرب تنزلق إلى (طي النسيان) وتتسم “بتجاهل خبيث للحياة البشرية”.
ويعتقد القيادي المدني في حديثه لراديو دبنقا أن إشارة المفوض السامي لحقوق الإنسان إلى أن الأرقام الفعلية لضحايا الحرب في السودان أعلى بكثير من المعلنة والمعروفة الان، إشارة صحيحة ومهمة جدًا وتعين على تأكيد واقع المأساة الإنسانية، خصوصًا وأن العمليات العسكرية تدور وسط مناطق مدنية، ولم تتم بعد أي عملية إحصاء للأضرار التي لحقت بالأرواح والممتلكات.
صافرة إنذار:
ويشير إلى أن التأكيد على حرب القوات المسلحة وقوات الدعم السريع والقوات التابعة لهما، أدت إلى قتل الآلاف و”خلقت مناخًا من الرعب المطلق” وأجبرت الملايين على الفرار، بينما استمرت معاناة من لم يتمكن من الفرار، بسبب تدمير الخدمات الطبية ومنع وصول الإعنات الإنسانية لهم، بالإضافة إلى فقد العديد من العاملين في المجال الإنساني والصحي حياتهم أثناء عملهم في إشارة لموظفي الصليب الأحمر، ويرى أنه مع استمرار تصرف الأطراف المتصارعة بإفلات مستمر من العقاب وافتقار واضح للمساءلة عن الانتهاكات المتعددة التي ارتكبت، واستمرار المماطلة في شأن وقف الحرب عبر التفاوض، يستوجب اتفاق الأطراف على وقف الحرب دون تأجيل مع ربط ذلك أهمية محاسبة مرتكبي الانتهاكات والتجاوزات لحقوق الإنسان، أيضًا دون تأخير.
ويزيد على ذلك بالقول أن الواضح في حديث المفوض الاممي لحقوق الإنسان في السودان أن أدلة كثيرة (موثقة بشكل جيد) قد جمعت، تؤكد إتباع الأطراف لأساليب عدوانية بشعة، وهجمات استهدفت مناطق سكنية، باستخدام أسلحة ذات تأثيرات واسعة النطاق، دمرت البنية التحتية المدنية الحيوية، وعمليات قتل على أسس إثنية، وعمليات نهب وترويع وإهانة؛ في مختلف أنحاء السودان، وأكد المفوض أن المفوضية الأممية ستتابع مع السلطات السودانية بغرض التحقيق ومحاسبة الجناة، والأهمية هنا في أنه حدد آلية إجراء التحقيق.
ويعتقد خالد طه أن هذا التقرير جاء شاملا وأكثر جدية من أي تقرير سابق، وهو تحرك راصد ومواكب للأحداث في السودان، لكن يظل الأهم هو القرارات التي يمكن أن يخرج بها اجتماع مجلس حقوق الإنسان على اساس التقرير.
وفي رده على سؤال إن كان ما ذكره المفوض مضمنا في تقارير المنظمات الوطنية، أم أنه اضاف معلومات جديدة، يقول خالد طه في هذا الصدد أن ما ذكر في التقرير، هو بعض من الكثير الموثق لدى أو بواسطة المنظمات المحلية، التي لديها قدرة اكبر من غيرها على الرصد والتوثيق اذا سمح لها بالعمل دون تدخلات من أطراف الحرب أو إملاءات تخفي أو تغير الحقائق. بالرغم من حجم وفداحة الانتهاكات، قد تحتاج إلى صقل وتدريب لبعض الكوادر العاملة في هذا الجهد الضروري.
ويضيف، لكن ما يمكن أن يؤثر على عملية رصد الانتهاكات هو استمرار حالة الحرب وقدرة الأطراف المتحاربة على إلحاق الأذى بكل من ينشط في شأن رصد وتوثيق الانتهاكات أو حتى المناداة بوقفها؛ خصوصًا على الذين هم داخل السودان حتى الان، في أي من مناطق سيطرة “القوات المسلحة” أو “مليشيا الدعم السريع”، حيث لا يمكن إجراء ذلك الرصد دون التعرض للمزيد من المخاطر؛ وهو ما يتطلب طرائق ومهارات خاصة، لكن على وجه العموم يظل الوضع خطير جدًا على الفاعلين في عملية رصد الانتهاكات وقد تستمر تلك المهددات إلى فترة ما بعد الحرب، لارتباط الموضوع بالمساءلة القانونية والأخلاقية.
رؤية قانونية:
وحول الرؤية القانونية لتقرير مفوض حقوق الإنسان في السودان، عبر المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان عبدالخالق النويري عن أسفه الشديد لعدم شمولية التقرير للانتهاكات والجرائم التي حدثت في الحرب، ويرى إن مهمة المفوض السامي لحقوق الإنسان يفترض أن تكون مهمة فنية بحتة بحسب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
ويعتقد النويري أن الانتهاكات التي حدثت أكبر مما ورد في التقرير وهي واضحة ومنشورة وبالمستندات عبر مقاطع الفيديو المنتشرة على كل مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك هنالك أقوال الشهود والضحايا، كلها حيثيات توثق للانتهاكات التي تم ارتكابها، بشكل يومي وإلى اللحظة لا تحتاج إلى بحث كثير.
ويضيف قائلا إن ما يحدث من انتهاكات حقوق الإنسان تتجاوز القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان واتفاقيات جنيف الأربعة، داعياً لتطبيق هذا القانون، ويشير إلى أنه منذ أول يوم في الحرب وإلى اليوم ما يحدث في الخرطوم والجزيرة ومعسكرات النازحين في دارفور وكردفان تعتبر جرائم حرب وترتكب بصورة فظيعة، ويتابع: مازالت مستمرة لم يتطرق إليها المفوض في تقريره ما يعني أن التقرير غير ملامس للواقع.