في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. إظلام إعلامي وقتل الحقيقة وصحفيون في مواجهة الموت
تقرير: عمر عبدالعزيز ـ سليمان سري
يمر اليوم العالمي لحرية الصحافة والصحفيين السودانيين يعيشون في أوضاع مآساوية حيث يتزامن ذلك مع دخول الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، عامها الثاني في ظل إنهيار شامل تشهده البلاد.
لم يكن الصحفيين السودانيين استثناءً مما يحدث فقد لحقت بهم أضرار الحرب لكنهم واجهوا استهدافًا من نوع آخر، يتعلق بهويتهم كصحفيين فظلوا مكان استهداف من قبل طرفي الصراع غير قادرين على القيام بواجبهم في التغطية الصحفية والوصول لموقع الحدث، كما أن عاجزين عن التعبير عن أرائهم وتتزايد معاناتهم مع استمرار الحرب التي لاتلوح في الأفق أي بوادر حل والعودة للتفاوض لتبدأ بوقف إطلاق النار والدخول في عملية سياسية شاملة تنهي معاناة الشعب السوداني.
ومع ذلك مازال الذين يعملون في دروب المهنة يواجهون تعسف طرفي الصراع بالتضييق عليهم وتقييد تحركاتهم غير أن ذلك لم يمنعهم من البحث عن الحقيقة ونقل المعلومة من مصادرها وفق المعايير المهنية والمصداقية.
استهداف:
اعتبر السكرتير العام لنقابة الصحفيين السودانيين محمد عبدالعزيز أن هنالك العديد من الصعوبات والتحديات التي تواجه المواطنين والصحفيين بشكل خاص في مناطق الاشتباكات.
وقال في حديث لـ”راديو دبنقا” إذا تجاوزنا التهديدات العامة التي تواجه المواطنين من أعمالق القصف والقنص وغيرها من الإجراءات، والنقص في الخدمات الطبية والصحية. فإن الصحفيين مستهدفين من طرفي الصراع، فالصحفي أين ما وجد في منطقة مناطق الصراع فهو مستهدف باعتبارك يمكن أن تكون شخص معادي أوتحمل خطاب تعبر عن آراء أو مواقف، أو تنقل حقائق لايجب أن يتم نقلها.
وأضاف: ” فأنت كصحفي مستهدف من الطرفين حتى يتم التأكد من نواياك ومن هويتك، والتأكد من أن تقوم بنقل الخطاب الدعائي للطرف الذي تتواجد على منطقة سيطرته”. وأشار إلى أن العمل دائمًا ما يكون فيه صعوبات كبيرة، سواء الحركة على مستوى الأرض أو على مستوى التواجد في المناطق العامة، فحركتك كصفحي لايمكن أن تعمل بشكل واضح بالتقاط الصور وحتى أخذ الإفادات البسيطة وغيرها ممكن أن تكون وسيلة للاستهداف الشخصي الذي يعرضك للتحقيق والاستجواب.
وقطع بأن الصحفي غير قادر للعمل بشكل طبيعي في المناطق حتى التي يمكن أن تكون آمنة وخارج دائرة الاشتباك.
وأرجع اسباب هذه الحرب هدفت منذ الطلقة الأولى بتغيير المشهد الإعلامي بحيث يكون مسرح لخطاب سياسي ودعائي لكل طرف، ودلل على ذلك بأنه ظهر من خلال خروج قنوات الإعلام المستقلة عن العمل والصحف المحلية، وأن التغطية باتت رهينة للقنوات الإقليمية ووسائل الإعلام العالمية.
وأشار النقابي عبد العزيز إلى أن الصحفيين تعرضوا لاستهداف واضح وبشكل ممنهج، وذكر مقتل 6 صحفيين قال بينهن حادثتي استهداف ممنهج، داعيًا السلطات المحلية والمجتمعين الإقليمي والدولي للتحقيق فيها وتقديم الأشخاص الذين تورطوا في هذه الانتهاكات للمحاكمة، سواء الزميلة حليمة إدريس التي كانت تعمل في قناة سودان بكرة التي تعرضت للدهس بعربة من قبل قوة محسوبة لقوات الدعم السريع. أو الزميل أحمد عربي، المذيع في قناة النيل الأزرق والذي قتل في منطقة أمدرمان على أيدي أشخاص يرتدون زي القوات المسلحة.
إظلام إعلامي:
واعتبر السكرتير العام لنقابة الصحفيين السودانيين في حديثه لـ”راديو دبنقا” أن الانتهاكات والاستهداف الممنهج ضد الصحفيين، أدى لما يعرف بمسألة الاظلام الإعلامي وقال أن المناطق التي تشهد اشتباكات وعنف ادت لتقلص أعداد الصحفيين المتواجدين فيها.وهذا أدى لغياب الحقيقة وغياب التغطية الموضوعية. وأن تكون التغطية الموجودة فيها مجرد دعاية لطرف ضد طرف آخر.
وذكر أنه بجانب عمليات القتل هنالك عمليات أخرى تتعلق بالإصابات والنهب وغيرها التي تعرض لها الصحفيون، التي لم يتم احترام هوياتهم المختلفة، وأضاف أن المخاطر العامة التي تواجه المواطنين والتي جزء كبير من الصحفيين فقدوا مصادر دخلهم، حتى المتواجدين كان يصعب إيصال المساعدات لهم من أسرهم أو من النقابة، بسبب انقطاع شبكات الاتصال والانترنت، إضافة إلى ما يعانوه من نقص الخدمات الأساسية من المياه والكهرباء والصحة، ويكونوا تحت رحمة عمليات القصف والغارات الجوية أو المدفعية.
وحيا عبدالعزيز جموع الصحفيين أينما كانوا وهم صامدين في مواجهة التحديات المختلفة في اليوم العالمي لحرية الصحافة، وقال أن رسالته لهم بالالتزام بالمهنية والانحياز للحقيقة والتعبير عن اصوات من لاصوت لهم، والانحياز للمواطن وعكس الصعوبات والتحديات الكبيرة التي يواجهها ويقاسيها في ظل هذه الظروف الصعبة.
نداءعالمي:
من جهته قال عضو سكرتارية شبكة الصحفيين السودانيين خالد أحمد لـ”راديو دبنقا”، يحل علينا اليوم العالمي لحرية الصحافة في ظل أوضاع إنسانية وأمنية صعبة جدًا يعاني منها الصحفيين السودانيين، وأضاف: “يظل العشرات منهم عالقين في دائرة الحرب مع حالة من التشرد واللجوء، وأن المئات منهم في دول الشتات ويعانون من ظروف معيشية صعبة جدًا”، وأشار كذلك إلى من هم في الداخل يعانون من سوء الأوضاع وعدم توفر مصادر دخل نتيجة لتوقف الصحف الورقية، وقال حتى الآن لايوجد سعي من الناشرين لدفع تعويضات مالية للصحفيين.
وأشار عضو سكرتارية شبكة الصحفيين إلى الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيين من طرفي النزاع وإعاقة تحركاتهم، بفرض قيود أمنية مشددة إضافة للاعتقالات والقتل، ووصف التضامن الدولي والإقليمي بالضعيف مقارنة بحجم المآساة التي يعيشها الصحفيين، وأعاب على المؤسسات والمنظمات المهتمة بحرية الرأي والتعبير والتي تقدم الدعم المعنوي والمادي في مثل هذه الظروف، بأن دعمهم محدود وغير فعال ولاتصل للصحفيين الحقيقيين.
وقال أحمد: “نحن في شبكة الصحفيين ندعو لإطلاق نداء عالمي لكل المنظمات المهتمة بحرية التعبير وحرية الصحافة والدول المحبة للسلام، للعمل على حماية الصحفيين السودانيين. بجانب سعي السكرتارية للعمل من داخل الوسط الصحفي لإنشاء صناديق تكافلية وحث الناشرين على دفع تعويضات مالية والضمان الاجتماعي وعدم تركهم يواجهون مصيرهم لوحدهم.
حزن شديد:
وعبرت مسؤولة الحريات بنقابة الصحفيين السودانيين إيمان فضل السيد، عن حزنها الشديد لأن يمر اليوم العالمي لحرية الصحافة، والصحفيات والصحفيين السودانيين يعيشون أوضاعاً وظروفًا هي الأسواء طيلة مسيرة الصحافة منذ قرن وعقدين من الزمان.
وقالت مسؤولة الحريات بنقابة الصحفيين السودانيين لـ”راديو دبنقا”، منذ الوهلة الأولى لحرب 15 أبريل 2023 تحولت وسائل الإعلام بكآفة أشكالها هدفً مشروعاً لطرفي الصراع، وخرجت المؤسسات الإعلامية من سوق العمل، وذكرت بأن 90% من البنى التحتية للإعلام دمرت ونهبت تمامًا. ووجد الصحفيين أنفسهم عاطلين عن العمل وبلغت عدد العاطلين حوالي ألف صحفية وصحفي وتوجهوا للعمل في مهن أخرى.
واعتبرت “فضل السيد” في اليوم العالمي لحرية الصحفة هنالك غياب كامل للإعلام المهني ووصفت ذلك بأغتيال الحقيقة، نظرًا لغياب المعلومات والأخبار ذات المصداقية، وتراجع وفقًا لذلك التغطيات الملتزمة بقواعد وأخلاقيات المهنة لصالح الإعلام الحربي والأخبار المضللة.
واتهمت طرفي الصراع باحتكار المعلومات وبث معلومات مفبركة خاضعة للآلة الإعلامية للحرب، ورأته أنه وفقًا لذلك تفشت الخطابات الضارة التي تنخر في النسيج الاجتماعي، مثل خطابات العنصرية والكراهية.
قتل واختفاء واعتداء:
وعبرت النقابية إيمان فضل السيد عن اعتقادها بأن أكثر الجرائم التي تمت ممارستها على الإعلام والحريات الصحفية في عام الحرب، هي جريمة قطع الاتصالات وشبكات الانترنت، والتي قالت بأنها عمقت من تعقيدات العمل الصحفي وفاقمت من عمليتي الرصد والتوثيق للجرائم والانتهاكات، وأشارت إلى أن ولايات دارفور الخمسة انقطعت عن الاتصالات لأكثر من 8 أشهر متتالية، كما أن 80 % من ولايات السودان ظلت خارج التغطية تمامًا لأكثر شهر.
واعتبرت أن هذا الواقع فرض المزيد من التعتيم الإعلامي لما يحدث من جرائم على الأرض، وفرض المزيد من الضغوط على المواطنين بحرمانهم من أبسط الحقوق من بينها الحق في الحصول على المعلومات، وأقرت بفقدان الاتصال بعدد من الصحفيين منذ شهور بسبب انقطاع الشبكات وقالت لانعلم المصير الذي يواجهونه.
وأحصت مجمل الانتهاكات التي وقعت على الصحفيين بأنها وصل عددها إلى 393 حالة انتهاك مباشر على الصحفيين ووسائل الإعلام وفقًا لتقرير النقابة بمرور عام على الحرب. وأوضحت أنه على رأسها جريمة القتل مشيرةً إلى أن ستة صحفيين قضوا من بينهم صحفيتين، وأوضحت أن الذين تعرضوا لاعتداء جسدي بلغ عددهم ثمانية حالات من بينها ثلاث صحفيات بينما تعرض 39 صحفيًا للتوقيف والاحتجاز ومازال هنالك ثلاثة صحفيين قيد الاحتجاز.
معاناة الصحفيات:
وحول أوضاع الصحفيات قالت مسؤولة الحريات بنقابة الصحفيين السودانيين إيمان فضل السيد، إن الصحفيات يعانين من الحرب وتداعياتها المتمثلة في العنف والتشريد وفقدان العمل والانقطاع عن التواصل بسبب ظروف الحرب، وأكدت أن الصحفيات تعرضن لكآفة أشكال الجرائم والانتهاكات بداية من جريمة القتل حيث استشهدت صحفيتين هما سماهر عبدالشافع نتيجة بقذيفة، بينما دهست حليمة إدريس بعربة مقاتلة، و80 % فقدن وظائفهن ويعشن في مناطق نائية مع أسرهن ويواجهن ظروف سيئة وصعبة، المئات خسرن ممتلكاتهن وكآفة الحقوق الإساسية وفقدان ذويهن من القرابة من الدرجة الأولى.
وقالت إن الحرب تسببت في تهجير 200 من الصحفيات من مناطق تواجدهم وفقًا لاستبيان أجرته النقابة لكن لظروف الحرب لم تشارك فيه عشرات الصحفيات، وقالت أن العشرات من الصحفيات للجوء لدول الجوار في ظروف بالغة السوء بعضهن دخلن بطرق غير شرعية، مشيرةً إلى أنهن يواجهن ظروف صعبة أثناء اللجوء أضطرت إحداهن للولادة أثناء رحلة هروبها من الجنينة في طريقها إلى تشاد. ونوهت إلى أن هنالك نحو 20 صحفية يعشن الآن في مناطق الاشتباكات ويواجهن تحديات جدية وحقيقية.
الحماية:
أكدت مسؤولة الحريات بنقابة الصحفيين السودانيين إيمان فضل السيد في الحديث لـ”راديو دبنقا”، أن النقابة لعبت دورًا في دعم حرية الصحافة ودعم الصحفيين برصد وتوثيق الجرائم التي يتعرضون لها، وبالتشبيك مع المنظمات والمؤسسات المهتمة بهذا الشأن، وناشدت طرفي الصراع بكف أيديهم عن الصحفيين والتوقف عن استهدافهم وعدم التعامل معهم كمجرمين.
وطالبت طرفي الصراع بتوفير الحماية للصحفيين بموجب القانون الدولي الإنساني، الذي قالت بأنه يكفل للصحفيين الحق في الحماية ومشددة على احترام الصحفيين الذين يقومون بآداء مهامهم بالتغطية الصحفية في النزاعات المسلحة.
وعبرت “فضل السيد” عن أسفها لعدم وجود استجابة أوتطبيق للقانون الدولي الإنساني من طرفي النزاع، فيما يتعلق بحماية الصحفيين جسديًا وقانونيًا، داعية لتكثيف حملات المناصرة وتقديم الدعم النفسي والمعنوي والمادي للصحفيين في مناطق الصراع.
وطالبت مسؤولة الحريات بالنقابة المجتمع الدولي بممارسة مزيد من الضغوط على طرفي الصراع خاصة في الجانب المتعلق بالطبقيات الإعلامية، لتمكين الصحفيين من القيام بواجبهم الصحفي دون مضايقات أو استهداف في ظل أوضاع الحرب والصراع المسلح.
الحماية والدعم:
وردًا على سؤال حول دور النقابة في توفير الحماية للصحفيين، قالت “فضل السيد” لـ”راديو دبنقا”، إن النقابة لديها عدة آليات للعمل على توفير الحماية للصحفيين لكنها استدركت قائلة بأنها بالقدر الذي يتوافق مع الظروف الموضوعية التي تعمل فيها النقابة.
وأشارت إلى أن من بين آليات النقابة، الرصد والتحقق والتوثيق وإصدار ونشر بيانات المناصرة إضافة إلى تقديم الدعم القانوني من خلال سكرتارية العون القانوني، والإبلاغ عن الانتهاكات والجرائم للمؤسسات المعنية بهذا الشأن لأجل توفير الحماية للصحفيين، بالقدر المسموح به أو الذي يمكن أن يشكل استجابة سريعة من هذه المؤسسات التي تعمل في مجالات حماية الصحفيين.
وحول تقديم الدعم للصحفيين قالت مسؤولة الحريات بنقابة الصحفيين السودانيين إيمان فضل السيد، إنَّ النقابة تعمل في ظل عدم وجود ميزانية ودخل مخصص أوموارد، لكن لديها تشبيك مع مؤسسات ومشاريع تطرحها لتقديم الدعم لتوفير فرص عمل وحماية مادية وقانونية.
وكشفت عن الكثير من المشروعات لدى النقابة والتي قالت بأنه تم التخطيط لها وطرحها، وقالت إنها تنتظر شراكات لتنفيذ هذه المشروعات مع النقابة لتعود بالفائد على الصحفيين من أعضاء النقابة.