في الرد على طلب تنحية النائب العام!!
سبق أن تطرقت في مقال سابق بعنوان (“الحبر” المحامي و”الحبر” النائب العام) حول ما قيل به حول الطعن حول صحة وسلامة قيام الأستاذ تاج السر الحبر بدور “الشاكي” بصفته محامٍ ضد مرتكبي جريمة إنقلاب الإنقاذ، وما يتسبّب فيه ذلك من تعارض مع دوره تجاه نفس القضية بعد تعيينه في منصب النائب العام.
سبق أن تطرقت في مقال سابق بعنوان ("الحبر" المحامي و"الحبر" النائب العام) حول ما قيل به حول الطعن حول صحة وسلامة قيام الأستاذ تاج السر الحبر بدور "الشاكي" بصفته محامٍ ضد مرتكبي جريمة إنقلاب الإنقاذ، وما يتسبّب فيه ذلك من تعارض مع دوره تجاه نفس القضية بعد تعيينه في منصب النائب العام.
وكنت في المقال السابق قد إبتسرت التعليق حول الموضوع في نقاط محدودة تناسب الوسيلة التي طرح بها عندئذ، وهي مقال صحفي، وها أنذا أعود إليه مجدداً بعد أن توسّع المأخذ وأضحى في صورة شكوى رسمية تقدم بها خمسة من كبار المحامين من أصحاب الولاء للنظام والتنظيم، لأتولى هذه المرة معالجة الموضوع بما يستحقه من توسُّع وتفصيل.
تنتهي صحيفة إعتراض المحامين بطلب تنحِّي الأستاذ تاج السر الحبر من منصبه بحجّة أن هناك تعارض مصلحة بين الدور الذي قام به كمحامٍ ووضعه الآن كنائب عام، وجاء في شرح ذلك بالعريضة أن الأستاذ الحبر، وهو يفعل ذلك، يقوم بدور (الخصم والحكم)، وإستندوا في ذلك على نص قانوني (المادة ٤٠ من قانون النائب العام) يقول بأن على وكيل النيابة أن يتنحى عن مباشرة أي إجراءات يكون طرفا فيها أو تكون لديه مصلحة بشأنها، ويقصدون من ذلك أن تقديم الأستاذ الحبر لعريضة الشكوى في خصوص البلاغ كمحامٍ جعل منه طرفاً وصاحب مصلحة في القضية.
مثل هذا الزعم يقال له بلغة العوام (تلكِّك) وفي مفردة أخرى يسمى (لعبَثَة) وهو ضرب من الأفعال التي يعلم صاحبها قبل غيره أنها لا تؤدي إلى نتيجة، ولكنه يعمد إلى فعلها بقصد تعطيل خصمه وتكديره. ذلك أنه وكما ذكرت في المقال المنوه عنه، ليس هناك من الأساس إختلاف في الدور الذي قام به “الحبر“ المحامي مع ما فعله "الحبر" النائب العام، ففي الحالتين كان هدفه ملاحقة المجرمين الذين دبروا ونفذوا الانقلاب، كما أنه ليس هناك "تعارض مصلحة" بين الموقفين، والصحيح أن هناك “تطابق مصلحة“ بين ما قام به الأستاذ الحبر في الفعلين.
تعارض المصلحة يقع في الحالة التي تتبدّل فيها الصفة التي يُباشر بها المحامي إجراءات القضية من واقع المركز القانوني الذي يربطه بأطرافها، أي أن تعارض المصلحة ينعقد لو أن الأستاذ تاج السر الحبر المحامي ظهر في موقف الدفاع عن المتهمين ثم أصبح نائبا عاماً، أو أنه باشر إجراءً في القضية بصفته قاضٍ ثم ترك القضاء وإشتغل بالنيابه أو المحاماة، وحتى في هذه الحالة تكون نصوص القانون وقواعد سلوك المهنة هي الأساس في منع المحامي أو القاضي أو وكيل النيابة من مباشرة أي إجراء في القضية وليس تعارض المصلحة أو لكونه صاحب مصلحة شخصية في القضية.
ليس هناك في قانون النائب العام ما يمنع من إكتساب المحامي صفة وكيل النيابة في تمثيل الإتهام بالقضايا الجنائية، ويحدث ذلك فعلياً أحياناً بالانفراد، وفي أكثر الأحيان بالتضامن والاشتراك مع وكيل النيابة وفي حضوره، كما أن النيابة العامة تقوم من نفسها بالاستعانة بكبار المحامين في تمثيل الاتهام في القضايا الكبرى ذات الصبغة العامة، كما حدث عقب ثورة أبريل 1985، حيث أسند لجان التحقيق وتمثيل الاتهام إلى عدد من كبار المحامين ورجال القضاء.
نأتي بعد ذلك للوصف الخاطئ الذي ورد في عريضة المحامين للدور الذي يقوم به الأستاذ تاج السر الحبر بصفته نائب عام في ضوء ما ورد بأنه يكون بذلك (الخصم والحكم)، والصحيح أن مهمة النائب العام في هذه القضية وغيرها أنه خصم لا حكم، ويبذل في سبيل ذلك كل ما لديه في الحصول على إدانة المتهم، ويطلب من المحكمة أن توقِّع في حقه أقصى عقوبة يسمح بها القانون، فالحكم هو المحكمة لا النائب العام. فليس مطلوباً من النائب العام – ولا ينبغي له – أن يكون في موقف الحياد في القضايا التي يتولى مباشرتها.
ليس فيما ورد أية تعارض مع مفهوم عدالة النيابة عند مباشرتها إجراءات التحقيق وتمثيل الإتهام، وهو المفهوم الذي جعل النيابة تكتسب صفة (الخصم العادل)، فالمعنى المقصود بعدالة خصومة النيابة هو أن النيابة تأخذ كل ما يقع تحت يدها ويكون في مصلحة المتهم ويؤدي إلى براءته أو تخفيف التهمة عنه في الإعتبار، وأنها تبحث في كل الأدلة بما في ذلك التي يقدمها المتهم حتى لو قادت إلى براءته أو تخفيف التهمة عنه. ومع ذلك تبقى النيابة خصم للمتهم، تودعه الحراسة، وتبحث في الأدلة ضده وتطالب المحكمة بتوقيع أقصى عقوبة عليه.
خلاصة ما ورد، أن الأستاذ تاج السر الحبر بصفته النائب العام، يُكمِّل المشوار الذي بدأه بصفته محامٍ في إختصام المتهمين في قضية عامة ليس له مصلحة شخصية فيها، وهو في الحالين ينوب عن المجتمع الذي دفع ثمن تبعات الجريمة التي وقعت على الوطن وإستمرت ثلاثون عاماً، وعلى بركة الله.