فضيلي جماع : الكذب والعنصرية .. قوت النظام الحالي!

بدأ النظام بمسرحية كل فصولها الكذب. اتفق المؤلف والمخرج والممثلون على توزيع الأدوار وهم يسرقون السلطة الشرعية عبر انقلاب عسكري تقليدي تنقصه كل الحصافة. كان رجل الشارع العادي قد عرف منذ البيان الأول أنّ الإسلامويين هم من انقلب على السلطة. ولأن الكذب حبله قصير كما يقول مثلنا العامي ، فقد أذابت شمس الحقيقة الحارقة كل المساحيق، وبانت عورة النظام كأوضح ما تكون في رائعة النهار.

 

بقلم فضيلي جمّاع

 

أوقفتني أبيات بعامية سودانية فصيحة لشاعر الروائع أزهري محمد علي. كانت مثل شارة مرور حمراء ،توقفك غصباً عنك! تقول الأبيات – وهي خاتمة لمطولة له بعنوان (القتامة) ، أهداها لروح شهيد الفكر والحرية محمود محمد طه:

ضاقتْ خلاص

من كلِّ جانبْ

أمسينا في حدّ الكفاف

وأصبحنا كلنا في البلدْ

نحن المواطنين الأجانبْ

ضاقت خلاصْ !!

ما جعلني أقرأ الأبيات مراراً أنها أكدت ما بخاطري وخاطر الملايين هذه الأيام. فالمتابع لشأن بلادنا – أياً كان مقدار حدسه ووعيه بالشأن السياسي – يدرك دون كبير جهد أنّ البلد اليوم يقف على حافة الهاوية.. فإمّا التغيير الآن أو الطوفان! فالنظام الحالي ليس بدعاً بين أنظمة التسلط والقمع ، بل هو أنموذج صغير لأكثر أنظمة الطغيان تخلفاً. نظام أكثر ما يميز العصبة التي تديره آفتان كبيرتان: الكذب والعنصرية!

ففي الأولى ، بدأ النظام بمسرحية كل فصولها الكذب. اتفق المؤلف والمخرج والممثلون على توزيع الأدوار وهم يسرقون السلطة الشرعية عبر انقلاب عسكري تقليدي تنقصه كل الحصافة. كان رجل الشارع العادي قد عرف منذ البيان الأول أنّ الإسلامويين هم من انقلب على السلطة. ولأن الكذب حبله قصير كما يقول مثلنا العامي ، فقد أذابت شمس الحقيقة الحارقة كل المساحيق، وبانت عورة النظام كأوضح ما تكون في رائعة النهار.

وهكذا فإنّ ستة وعشرين عاماً من الكذب والدمار المستمر لكل الأعمدة التي تقوم عليها الأمة السودانية أضحت كفيلة اليوم بوضع ساكني ما تبقى من السودان في معسكرين اثنين: معسكر النظام الفاشي ومن يقفون معه من عضوية تنظيمهم وأذيالهم من آكلي فتات موائدهم. ومعسكر شعبنا الطيب المسالم عاشق الحرية والحق والجمال!

يتبجح الفاتح عزالدين (عرفت أنه رئيس برلمان زمن الحيرة) بأنهم بصدد سن قوانين جديدة تعاقب أي شخص أساء للبلد بالحرمان من الدفن في ترابه!

عليك الرحمة يا مولاي وسيدي محمد مفتاح الفيتوري شاعر الضمير الإنساني المعذب. هل سيأتي يوم نغبطك فيه على قبر حظيت به في المغرب الشقيق؟ أكمل “جعيرك” يا الفاتح عزالدين ، فلو أننا طبقنا المعنى الحرفي لما قلته عن معنى الإساءة للبلد لتوسلت أنت وقادة نظامك الفاشي العنصري للشعب السوداني أن يمسحوا عبارتك النتنة في وجهك !

قلتها وسأقولها مراراً وتكراراً – شاء من شاء وأبا من أبا- هذا النظام عنصري حتى النخاع! إن حرب الإبادة الدائرة في غرب السودان (دارفور وجنوب كردفان) وفي جنوب النيل الأزرق منذ أكثر من عقد من الزمان يحكمها معيار واحد لا تتناطح فيه معزتان: حرب عنصرية يحاول سدنة النظام الفاشي أن يصبغوها بصبغة القومية مثلما صبغوا حربهم الدامية ضد إخوتنا في جنوب السودان بصبغة الدين! نظام تهيمن عليه نخبة المركز بعباءة أيديولوجية هذه المرة. من يتابع ويحلل تصاعد وتيرة حرب هذا النظام في دار فور وجنوب كردفان والأنقسنا في الأربع سنوات الأخيرة يتملكه العجب كيف أنّ نظاماً يقول بأن المواطنين الذين يتعرضون للإبادة تحت وابل القنابل وشظايا البراميل المتفتجرة في الجهات التي ذكرنا يمكن أن يكونوا تابعين لنفس البلد الذي تدعي تمثيله سلطة الإبادة.

منذ سنوات بدأ التضييق على طلاب دار فور في الجامعات والمعاهد العليا وبإشراف أجهزة الدولة ووفق تدبيرها. ولأنّ دارفور بثقلها السكاني ورفض أهلها للتمييز والتهميش ستظل دائماً (القندول الشنقل الريكة) فقد عمد النظام إلى وسيلة “فرق تسد” وهي من أساليب المستعمر العتيقة. لم يشغل نظام الإنقاذ نفسه بالتفرقة بين القبائل في أي ركن من السودان مثلما ظل يفعل في كردفان ودار فور. أنفق الملايين في هذا الصدد. أستمال بالمال والسلطة مرضى النفوس ممن يمكنهم الجلوس على جثث أهلهم مقابل المال والجاه. استخدم في هذا المنحى وشيجة العرق : (حرب الحمرة ضد الزرقة/حرب الرزيقات والمعاليا/حرب المسيرية ودينكا نقوك/ تأليب الحوازمة وولاد حميد ضد النوبة!) والمضحك المبكي أن هذه القبائل تجمع بينها علاقات تاريخية في العيش المشترك والأنساب لقرون. بل لا يستطيع أذكى الناس أن يميز أحيانا بين من هو العربي ومن هو ذو الأصل الأفريقي المحض من حيث اللون والملامح.

النظام الفاشي العنصري هو من يبيع خمراً قديمة في قنان جديدة ! ثم يهتدي في سعيه المحموم إلى خلق مرتزقة من غرب السودان – الجنجويد الذين ضعف دورهم القديم فكان لابد من خلق إطار جديد وإضافة اسم جديد لهم: (قوات الدعم السريع) !! بمعنى أكثر وضوحاً تمزيق النسيج الاجتماعي في دار فور وكردفان بخلق مليشيات منهم وفيهم تقتلهم وتغتصب نساءهم وتحرق قراهم ومزارعهم! وحين تنتهي هذه الحقبة الكريهة فإن أبناء وبنات هذه المناطق وحدهم من يدفعون ثمن التخلف المزري لأجيال ستأتي. والناس (كثير من المثقفين وسياسيي زمن الودار ) يلوذون بالصمت هذه الأيام ما دامت الحرب لم تطرق أبواب منازلهم وما داموا يراهنون على قيام ثورة شعبية (كيف تكون ؟ لا يهم!!)

أخشى أن أقول إن الحرب الأهلية يا سادة قد بدأت بالفعل. فبلطجية أمن النظام وعضوية حزب النظام الفاشي يصدرون البيان عقب البيان منادين بالثأر ، وأنهم سوف يهجمون على طلاب دار فور في غرفهم. ومن يرى صور الجرحى من طلاب دار فور الذين اعتدى عليهم طلاب النظام وجحافل أمنهم بالسواطير والسيخ والدولة تتفرّج يعرف أنّ حربا أهلية تطرق الأبواب على استحياء. ما يندى له الجبين أنّ هناك صمتاً يتمترس خلف اللامبالاة والخوف.. صمت المتعلمين والسياسيين والمثقفين!! تسألهم فيقولون لك : عندنا وقفة تضامنية مع أبناء دارفور ! كيف نسمي الخيبة بغير اسمها ؟ أفيدوني .. يرحمكم الله!

 

فضيلي جماع. : شاعر  وكاتب

Welcome

Install
×