فتح المعابر لمرور الإغاثة.. بارقة أمل
أمستردام: 21 أغسطس 2024: راديو دبنقا
ثلاث رسائل تم تداولها خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، أشارت بوضوح إلى أن هناك تقدما قد أحرز فيما يتعلق بفتح المعابر التي تسمح بإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين عبر الحدود وعبر خطوط القتال. الرسالة الأولى تصريح صدر عن وزير الخارجية الأمريكي، انتوني بلينكن، في ختام زيارته لمصر يعلن فيها عن التوصل لاتفاق بشأن فتح المعابر التي تسمح بوصول الإغاثة، لكن دون إعطاء مزيد من التفاصيل.
وكان المبعوث الخاص الأمريكي، توم بريلليو، قد كشف خلال مؤتمر صحفي في جنيف مساء الاثنين 19 أغسطس 2024 أن هناك جهود تبذل لفتح معبري الدبة وسنار التقاطع بعد أن وافقت الحكومة السودانية على فتح معبر أدري.
الرسالة الثانية، جاءت في شكل إعلان من مجلس السيادة السوداني عن وضع المعابر الحدودية تحت السلطة المباشر للمجلس، وهو إعلان كان سيمر باعتباره جزء من توسيع المؤسسة العسكرية لهيمنتها المتزايدة على المؤسسات الإيرادية للدولة، لكن تزامنه مع المفاوضات من أجل فتح المعابر لتمرير الإغاثة إلى داخل السودان أعطاه بعدا مختلفا.
الرسالة الثالثة، صدرت عبر تغريدة من قوات الدعم السريع تلخص ما دار في اجتماع وفد الدعم السريع مع الوسطاء في جنيف في 20 أغسطس 2024 وجاء فيها “الالتزام الكامل بالتعاطي الإيجابي مع كافة الأفكار والمقترحات المطروحة بما يساعد في تخفيف معاناة السودانيين سيما دخول المساعدات عبر معبري الدبة وأدري إلى جميع المحتاجين”.
ويعني ذلك أن المعضلة المتبقية في طريق فتح المعابر الثلاث التي طالب بفتحها الوسطاء الدوليون هو معبر سنار التقاطع وطريق القضارف-مدني-سنار.
مقترح الحكومة السودانية
ظل مطلب فتح المعابر الخارجية والداخلية مطلبا ملحا للمنظمات الدولية العاملة في مجالات العون الإنساني ومنذ أن بدأت التحذيرات من حدوث مجاعة محتملة في السودان في نهاية العام الماضي. وبعد تردد، قررت الحكومة السودانية في شهر مارس الماضي فتح معبر الطينة الحدودي لإدخال المساعدات عبر الأراضي التشادية إلى إقليم دارفور. وأضافت الحكومة السودانية عدداً من المسارات عبر عدة مدن منها بورتسودان، وعطبرة، ومليط، والفاشر، ومسار أخر من مصر عن طريق البحر الأحمر وبورتسودان، وآخر عبر معبر وادي حلفا – دنقلا، إلى جانب مسار من جمهورية جنوب السودان بواسطة النقل النهري والطريق البري من الرنك إلى كوستي بولاية النيل الأبيض. كذلك تمت الموافقة على استخدام مطارات الفاشر وكادوقلي والأبيض، في حالة تعثر الوصول عبر الطرق البرية. لكن هذا المقترح لم يجد طريقه للتنفيذ باعتبار أنه يغطي فقط المنافذ الخارجية والداخلية الواقعة تحت سيطرة الجيش السوداني ويستثني بوضوح المناطق الواسعة التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
اتفاق الأمم المتحدة مع قوات الدعم السريع
في شهر يوليو الماضي، دعا رمطان العمامرة، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان، إلى مشاورات في جنيف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع من أجل التوصل إلى اتفاق يسمح بإيصال المساعدات الإنسانية. وفيما عاد وفد الجيش السوداني إلى بورتسودان دون تقديم أي التزامات، تحدثت مصادر صحفية في جنيف عن التوصل إلى اتفاق بين مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة وقوات الدعم السريع يتيح إيصال المساعدات الإنسانية الي المتضررين من الحرب في السودان وتعزيز حماية المدنيين.
ويشمل الاتفاق إقامة مراكز في كل من دارفور وكردفان، والخرطوم والجزيرة، على أن تلتزم قوات الدعم السريع بحماية القوافل والعاملين في مجال المساعدات الإنسانية. كما يشمل الاتفاق فتح المعابر الحدودية لمرور المساعدات الإنسانية من تشاد عبر معبر أدرى، ومن جنوب السودان عبر معبر أم دخن وفور برنقا وأويل، إلى جانب العمل على تأسيس مركز للأمم المتحدة في زالنجي لتوزيع المساعدات بالتعاون مع الوكالة السودانية للإغاثة والعمليات الإنسانية، التابعة لـقوات الدعم السريع.
المعابر الثلاث
وقبل أن يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ، دعت الإدارة الامريكية إلى مفاوضات في جنيف بين طرفي الحرب في 14 أغسطس 2024 لبحث ثلاث قضايا وبحضور دولي وإقليمي معني بالأزمة السودانية: وقف إطلاق النار، إيصال المساعدات الإنسانية وآليات المراقبة التي تتيح ذلك. ورغم غياب وفد الجيش السوداني، إلا أن الوسطاء قرروا العمل في ملف إيصال المساعدات الإنسانية في ظل استحالة التفاوض على وقف إطلاق النار بغياب أحد الطرفين.
وباستخدام وسائل التواصل الحديثة، نجح الوسطاء في الحصول على موافقة جزئية على مقترح فتح المعابر الثلاث: أدري وهو معبر خارجي على الحدود مع تشاد ويقع في مناطق سيطرة الدعم السريع، وجاءت الموافقة من القوات المسلحة. معبر الدبة، وهو معبر داخلي يقع في مناطق سيطرة الجيش وجاءت الموافقة من قوات الدعم السريع. ويعني ذلك أنه قد تبقت معضلة فتح معبر سنار التقاطع وطريق القضارف-مدني-سنار وهي مناطق يتقاسم السيطرة عليها الجيش وقوات الدعم السريع.
معبر الدبة
دخلت الدبة إلى دائرة الضوء في مجال العمل الإنساني بعد اندلاع الحرب، حيث لجأ الجيش إلى استخدامها كطريق لإمداد قواته في ولاية شمال دارفور قبل أن تتحول إلى معبر إغاثي وتجاري بعد أن وسعت قوات الدعم السريع من سيطرتها على إقليم دارفور وشمال كردفان.
ويقول الصحفي محمد راجي في منشور على صفحته على منصة فيسبوك أن الإمدادات العسكرية والإغاثية والتجاري تصل من بورتسودان وتمر بمدينة عطبرة ثم تتجه شمالا إلى الدبة ومنها إلى مليط مباشرة والواقعة على مسافة 870 كيلومتر ومن ثم إلى الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور. وهناك مسار آخر يمر من الدبة إلى المالحة الواقعة تحت سيطرة القوة المشتركة التي تقاتل بجانب الجيش. ويمر هذا المسار عبر الصحراء ويمتد على مسافة تصل إلى 1000 كيلومتر، قبل أن يتجه جنوبا وعلى مسافة 350 كيلومترا نحو مليط. وتسيطر قوات الدعم السريع على منطقة حمرة الشيخ في ولاية شمال كردفان حيث يمر الطريق بين الدبة ومليط.
وأضاف محمد راجي أنه رغم اعتراض قوات الدعم السريع على استخدام هذا المعبر، إلا أنه يشهد حركة نشطة في نقل الضروريات إلى ولاية شمال دارفور خصوصا بعد أن بدأ كثير من التجار يستوردون السلع والمواد الاستهلاكية من مصر عن طريق وادي حلفا ومنها إلى الدبة ومنها إلى شمال دارفور.
ومن المهم الإشارة إلى أن هذا طريق الدبة-مليط-الفاشر يمر عبر مناطق صحراوية وهو طريق طويل وغير معبد مما يزيد من تكلفة النقل، كما أن المخاطر الأمنية تبدو ماثلة ما يعني أنه ستكون هناك حاجة ماثلة لتأمين القوافل التجارية.
معبر سنار التقاطع
يستمد هذا المعبر أهميته من كون سنار تقع على تقاطع عدد من الطرق الرئيسية التي تربط ما بين شرق السودان، ووسطه، وجنوبه، وغربه. وبالتالي يتيح استخدام هذا المعبر إيصال المساعدات الإنسانية إلى 9 ولايات يتقاسم السيطرة عليها الجيش وقوات الدعم السريع. ميزة أخرى أن كل الطرق التي تربط سنار بالمدن الرئيسية المستهدفة هي طرق معبدة ورغم تأثرها بفصل الخريف، إلا أن استخدمها يظل متاحا إلى في المناطق التي تحدث فيها انقطاعات.
وتقع الدمازين (ولاية النيل الأزرق) على بعد 216 كيلومتر من سنار، فيما تبعد سنار عن كوستي (ولاية النيل الأبيض) بحوالي 110 كيلومتر، وعن الأبيض (ولاية شمال كردفان) بمسافة 366 كيلومتر، وعن مدني (ولاية الجزيرة) بحوالي 86 كيلومتر، وعن القضارف (ولاية القضارف) بمسافة 285 كيلومتر وعن العاصمة الخرطوم بمسافة تبلغ 255 كيلومتر.
وستكون بورتسودان نقطة إنزال المساعدات الإنسانية التي ستتوجه إلى سنار عبر طريق بورتسودان-كسلا-القضارف-مدني-سنار مما يجعل مهمات تأمين القوافل الإغاثية الأكثر تعقيدا باعتبار أنها ستمر بمناطق سيطرة متداخلة للجيش وقوات الدعم السريع وبعكس الحال في دارفور حيث تبسط قوات الدعم السريع سيطرتها الكاملة. ورغم الانتشار الواسع لقوات الدعم السريع في الولايات المعنية بهذا المعبر، إلا أن قوات الجيش السوداني تتواجد في مناطق حيوية مثل بعض مناطق الخرطوم والخرطوم بحري وأمدرمان وكذلك في المناقل وسنار والدمازين وربك وكوستي والأبيض وكادوقلي والدلنج.
وتتواجد في المناطق التي سيغطيها معبر سنار التقاطع عدد من المطارات الهامة التي يمكن استخدامها مستقبلا في نقل الإغاثة في حال تعذر استخدام الطرق البرية ومن بينها مطارات الدمازين وكادوقلي والأبيض.
معبر أدري
معبر أدري هو المعبر الحدودي الوحيد الذي تم الاتفاق على فتحه لإيصال المساعدات الإنسانية. وتسيطر قوات الدعم السريع بالكامل على أربعة من ولايات إقليم دارفور الخمس المعنية بأنشطة المعبر. وبمجرد الإعلان عن فتح المعبر، سارع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بالإعلان عن حصوله على تأكيدات تفيد بأن السلطات السودانية وافقت على نقل 131 شاحنة محملة بالمواد الغذائية وغير الغذائية عبر الحدود من تشاد عبر معبر أدري الأمر الذي سيلبي احتياجات مئات الآلاف من الناس.
وتقع المدينة على بعد كيلومترات من الحدود السودانية في جنوب غرب تشاد، وبها مطار يقع في شمال غرب المدينة يسمح بهبوط طائرات الإغاثة. وتبعد أدري عن الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور بحوالي 28 كيلومترا، فيما تفصلها عن زالنجي، عاصمة ولاية وسط دارفور، مسافة 154 كيلومترا، وعن نيالا، عاصمة جنوب دارفور، مسافة تبلغ 329 كيلومتر وعن الضعين، عاصمة شرق دارفور، 485 كيلومترا وعن الفاشر، عاصمة شمال دارفور بمسافة 341 كيلومترا.
وستواجه قوافل الشاحنات التي تحمل الإغاثة ثلاثة مصاعب رئيسية للوصول إلى أهدافها النهائية: أولها يتعلق بانقطاع الطرق وصعوبة الحركة في فصل الخريف، وثانيها عدم توفر الوقود بكميات كافية لرحلة العودة وأخيرا الأوضاع الأمنية غير المستقرة ووجود مجموعات متفلتة قد تعتدي على الشاحنات بالرغم من التزام قوات الدعم السريع بتوفير الحماية لهذه القوافل الإغاثية، مع العلم أن اتهامات طالت عناصر من الدعم السريع في الماضي القريب بالاعتداء على القوافل الإنسانية.
مغزى قرار مجلس السيادة
الكثيرون تسألوا عن مغزى القرار الخاص بأيلولة الإشراف على المعابر الحدودية لمجلس السيادة والذي تم الإعلان عنه يوم الثلاثاء 20 أغسطس 2024. راديو دبنقا سأل صلاح الأمين، الخبير في شؤون المنظمات الدولية الذي يقول إن الهدف من القرار هو فرض سيطرة مجلس السيادة على أذونات دخول المساعدات الإنسانية Non Objection Certificate (NOC) ودخول وخروج موظفي المنظمات الأجنبية بكافة المعابر.
وأوضح صلاح الأمين أن إصدار هذه الأذونات كانت تتولاه مفوضية العون الإنساني وهي تتيح للحكومة في بورتسودان أن تكون على دراية ومعرفة بأنشطة المنظمات التي تعمل في مناطق سيطرة الدعم السريع. وتوقع الخبير في عمل المنظمات الدولية أن يفتح مجلس السيادة مكتبا يتولى مسؤولية إصدار الأذونات، ما يعطي الانطباع بأن مهمته ستكون أمنية.
ورجح صلاح الأمين أن يكون هناك هيكل مماثل يتبع لقوات الدعم السريع سيتولى مهمات التنسيق والحماية وإصدار أذونات التحرك في الأراضي والمعابر التي تقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع.