فتحي فضل: يكتب عن تجربة اعتقاله(حول تجربة قاسية)

المره الاولى في حياتي ان اتعرض لعملية الاعتقال الذي استمر منذ مساء الاثنين 12 كانت /3 الى صباح السبت 24/3 ..
ورغم اني قد تعرضت لحوادث مماثلة في مواجهة اجهزة القمع في العديد من البلدان

فتحي فضل(ارشيف)

 

فتحي فضل

 

كانت المره الاولى في حياتي ان اتعرض لعملية الاعتقال الذي استمر منذ مساء الاثنين 12/3 الى صباح السبت 24/3 ..

ورغم اني قد تعرضت لحوادث مماثلة في مواجهة اجهزة القمع في العديد من البلدان .. اذكر من ضمن ذلك محاولة نظام الديكتاتور نميري بتقديم اسمي كمجرم هارب من العدالة في بداية السبعينات .. حيث تم ايقافي بمطار بيروت بقصد ترحيلي للخرطوم .. ولولا تدخل الزملاء والاصدقاء في الحزب الشيوعي اللبناني وحركة المقاومة الفلسطينية .. لتم لنظام الديكتاتور ما أراد .. كنت في حينها أقوم بواجبي في التضامن مع الشعب الفلسطيني وطلابه ..

لكن تجربة الاعتقال الاخيرة كانت قاسية الى حد .. وبالرغم من المعاملة المحايدة التي تلقيتها .. الا ان تجربة السجن لمدة 48 ساعة في زنزانة ( التلاجة ) .. كانت تؤكد اصرار النظام لكسر عزيمة المعتقل السياسي بوضعه في الثلاجة اولا .. ومع تجار العملة وبعض المعتقلين الاجانب .. ضمت الزنزانة / التلاجة ستة اشخاص كنت سابعهم .. ثلاثة شبان من ضحايا الاتجار بالعملة.. و ( مصري من جماعة الاخوان المسلمين .. وسوري داعشي ) ولا اعرف سبب اعتقالهم رغم ارتباط النظام بالتنظيمين – وأحد المنتمين لجبهة الشرق – ولم يتم بيني وبينهم اي نوع من التوافق .. لكن كان شوقهم لمعرفة الاخبار خارج المعتقل اهم من الاختلاف في الانتماء السياسي او الاهتمامات بشكل عام .. وقد حاولت قدر الامكان الاجابة على الاسئلة فيما يخص الاوضاع السياسية في السودان ومصر وسوريا .. لكني فشلت في الاجابة على بعض الاسئلة المتعلقة بسعر الدولار! .. او مسألة الهجرة التي غلبت على اسئلة الشبان الثلاثة ..

بعدها انتقلت الى كوبر في عنبر يضم 25 معتقلا من المتهمين بالتعامل والاتجار في العملة او التهريب .. او مايسمى عندهم وعند اهل القمع ( بالجرائم الاقتصادية ) وكنا اربعه معتقلين سياسيين زميلي وصديقي علي الكنين والفنان عبداللطيف عبدالغني والسياسي زروق بسيوني من الاتحادي الديمقراطي أحد قادة المعارضة بسنجة .. ووجدت نفسي والثلاثة الاخرين في سجن داخل سجن .. ورغم المعاملة الحسنة بين المعتقلين .. والاحترام الذي ابدوه نحونا .. خاصة علي وشخصي باعتبارنا من كبار السن .. الا ان مايشغل بالنا كان مختلفا للغاية .. وفي كثير من الاحيان وبينما كان يدور الحوار بيننا الاربعه وربما ينصت لحديثنا عدد بسيط من المعتقلين .. الا ان الاغلبية كانت مشغولة بهموم اخرى واهتمامات بعيدة كل البعد عن الوضع السياسي ..

كشخص .. انا لا اميل الى الحديث .. وربما احبذ في كثير من الاحيان الصمت والاستماع .. وكذلك لا اتمتع بمقدرات التواصل الاجتماعي  والاحاديث الخاصة .. لذا تجربتي في المعتقل اتاحت لي الفرصة بالاختلاء بالنفس ومراجعة الكثير من الاشياء الانسانية والسياسية .. وكنت اهرب دائما من الجو القاتم الى رحاب الذاكرة .. واعادة بعض المشاهد والقصص العائلية والشخصية .. وأتخيل مثلا وجود بعض اصدقائي – سيد عيسىوتجربته في السجن في عهدي نميري وديكتاتورية الاخوان..

الهرب الى داخل النفس .. ومعالجة وضع السجن المزدوج .. يفتح ويفسح الطريق للانسان للارتباط اكثر بالعائلة .. وبالحزب .. وبالشعب والوطن .. تملأ صور وتحركات افراد العائلة.. زوجتي بناتي واحفادي .. وقتا طويلا .. حيث تمر الساعات ببطئ قاتل .. لكن الانتماء العائلي والسياسي يظل البوصلة التي يجد فيها المعتقل الطريق الملائم – واظن الصحيح – ليس فقط للتغلب على صعوبة وقسوة السجن والبعد عن الاحباب والاصدقاء والمجتمع .. لكن كذلك مراجعة النفس – واعادة النظر فيما جرى بينه وبين الاقربين .. وبينه وبين نفسه في تعامله مع الاخرين .. فالحياه اليومية .. والجري واللهث خلف الاحداث والاجتماعات والالتزامات مع الاخرين لا تتيح للانسان فرصة اعادة النظر وتقييم ما قام به والاخرين ..

تظل الاسره .. الزوجه.. البنات والاولاد الشباب .. وفي حالتي الاحفاد مصدر للقوة والصمود .. ورغم انه وفي بعض الاوقات عندما يعلو صوت ابني وابن عطبره الفنان عبداللطيف – وردي الصغيرمغنيا بحنجرته الرائعه والحنونه واختياره الخاص للاغاني التي تمور بالشوق والحنين والاصرار على الحياه .. يقتلك الحنين الى من تحب وتقدر .. وتضغط عليك الاشياء .. وتنزلق دمعه او دمعتين .. بدون استئذان .. لكن كذلك وبدون خجل .. بل بالاعتراف بأنك انسان .. وانك جزء من عائلة صغيرة بحجم من تعرفهم وتحبهم .. لكنك دخلت الى المعتقل دفاعا عن مبادئ ساميه تربطك بالشعب والوطن .. وعلى امتداد العالم بكل قوى الحب والخير والتقدم والسلام والاشتراكية .

رصيد المعتقل السياسي وصموده مستمد من صمود وتفاني حركة التضامن التي تلعب فيها العائله دورا ثابتا ..

لكل عوائل المعتقلين السياسيين التقدير الكبير .. فأنتم مصدر الالهام والصمود لكل الزملاء والاصدقاء السياسيين الذين يتحدون النظام كل يوم من داخل معتقلاته .. وعن طريقكم وطريق حركة التضامن في الشارع .. ستغل يد القمع الزائد ويفرض اطلاق سراح كل اصدقائيالذين اعرفهم ولا يعرفوني – من سجون الديكتاتوريه ..

المودة والتقدير لكم جميعا ,,,

فتحي الفضل.

(منقول).

Welcome

Install
×