عودة الأزمة السودانية لدائرة الاهتمام بعد توسع المعارك
أمستردام: 10 يوليو 2024: راديو دبنقا
شهدت الأيام الأخيرة الماضية زخما دبلوماسيا إقليميا ودوليا أعاد وضع الأزمة في السودان كواحدة من أولويات المجتمع الدولي. حيث استقبلت بورتسودان للمرة الأولى نائب وزير الخارجية السعودية، وليد بن عبد الكريم الخريجي، في زيارة هدفت لبحث إمكانية استئناف منبر جدة، وأوضحت الحكومة في بيان رسمي أن المباحثات تناولت أيضا توسيع قاعدة الوسطاء لكن الفريق عبد الفتاح البرهان أبدى تحفظه على وجود أي طرف يدعم “مليشيا التمرد”. وجدد نائب وزير الخارجية السعودي حرص المملكة على أمن واستقرار السودان ودعمها اللامحدود له باعتبار أن استقرار السودان له تأثير مباشر على أمن واستقرار المنطقة.
مصر وإثيوبيا
كما استقبلت بورتسودان رئيس الوزراء الأثيوبي، أبيي أحمد، بعد أيام معدودة من تنظيم القاهرة لمؤتمر للقوى السياسية والمدنية السودانية لبحث قضايا وقف الحرب ومعالجة الأزمة الإنسانية ورسم خارطة طريق للمسار السياسي لفترة ما بعد وقف العدائيات. من جانبه دعا الاتحاد الأفريقي للقاء للقوى المدنية والسياسية في أديس ابابا في مسعى لتحديد معالم المسار السياسي، لكن مقاطعة عدد من الفاعلين الرئيسيين لأعمال المؤتمر أثارت شكوكا بشأن جدواه.
على ذات الصعيد، تنطلق في جنيف جلسات اللقاء الذي دعا إليه المبعوث الخاص للأمين العام للسودان، رمطان العمامرة، لمناقشة الأوضاع الإنسانية في البلاد وكيفية إيصال المساعدات الضرورية للمتضررين في وقت يواجه فيه 25 مليون سوداني نقصا حادا في الغذاء واحتياجاتهم الضرورية. وتسلم وفدا الجيش وقوات الدعم السريع دعوات من الأمم المتحدة للمشاركة في هذا الاجتماع الذي “سيركز على الإجراءات التي يتعين اتخاذها لضمان توزيع المساعدات الإنسانية على جميع السكان السودانيين المحتاجين، بجانب بحث الخيارات لضمان حماية المدنيين، وتحديد سبل التقدم في التدابير الإنسانية المحددة وحماية المدنيين من خلال وقف إطلاق النار المحتمل”.
تكثيف التحركات الدبلوماسية بعد توسع الحرب
راديو دبنقا سأل البروفيسور سليمان بلدو، مدير المرصد السوداني للشفافية والسياسات، الذي ابتدر حديثه بملاحظة أن كل التحركات الدبلوماسية الأخيرة أتت بعد الحملة الخاطفة التي قامت بها قوات الدعم السريع في ولاية سنار وفي اتجاه ولاية القضارف والطريقة التي استولت بها هذه القوات على قيادة الفرقة في سنجة، ثم بعد ذلك في الدندر.
وأضاف البروفيسور سليمان بلدو أنه قد سبق ذلك الأحداث في منطقة جبل مويه، ذات الموقع الاستراتيجي المهم الذي يربط بين كل ولايات جنوب وشرق السودان ما يضع كل هذه الولايات في مرمى نيران قوات الدعم السريع وانتشارها. ونوه إلى أن مواقف الجيش في هذه المعارك كانت التراجع المستمر الأمر الذي أدى إلى انزعاج كبير في دول الجوار والأوساط العالمية.
مخاوف المجتمع الدولي والإقليمي
وعدد مدير المرصد السوداني للشفافية والدراسات في حديث لراديو دبنقا عدد من الأسباب التي تقود إلى انزعاج المجتمعين الإقليمي والدولي وفي مقدمتها أن انهيار الجيش السوداني سيقود إلى انهيار الدولة السودانية. كما أن هناك توقعات بزيادة حجم المشاكل الإنسانية مقارنة بما هي عليه الأن الأمر الذي قاد لتصنيف الوضع في السودان باعتباره أكبر كارثة إنسانية على مستوى العالم حاليا، فيما يختص بأعداد النازحين وانعدام الأمن الغذائي وانتشار المجاعة التي نرى مشاهدها الأن في معسكرات النازحين واللاجئين، خصوصا سوء التغذية الحاد الذي تعاني منه أعداد كبيرة من الأطفال والذي يحصد أرواح الأطفال يوميا وفق التقارير المتداولة.
وشدد البروفيسور سليمان بلدو إلى أن كل هذه الأسباب دفعت إلى زيادة التدخلات الدبلوماسية من دول الجوار أو المنظمات العالمية المعنية بتحقيق الأمن والسلام على المستوى العالمي.
الأزمة الإنسانية في قلب التحرك الدولي
في السياق اعتبرت مصادر مطلعة وثيقة الصلة بالملف الانساني موافقة الجيش وقوات الدعم السريع على المشاركة في اللقاء الذي دعا له مبعوث الأمين العام، رمطان العمامرة، بانه يمثل أول تعاطي إيجابي مع القرارات الصادرة عن مجلس الأمن ومجلس الأمن والسلم الأفريقي ذات الصلة وأولى الخطوات التي يباشرها رمطان العمامرة في إطار التكليف المسند له وفق قرار مجلس الأمن رقم 2740 والقرار الأخير لمجلس الأمن بشأن الفاشر والصادر بالرقم 2736.
وذكرت نفس المصادر أن التفاوض سيتم بشكل غير مباشر بين الطرفين وبشكل مماثل “للنموذج الإنساني السوري” وبغرض إيصال المساعدات الإنسانية للمجتمعات الأكثر حوجة في مناطق سيطرة الطرفين والسبل الكفيلة بتوفير الحماية للمدنيين.
إحياء منبر جدة
واعتبر البروفيسور سليمان بلدو، في حديث لراديو دبنقا أن اجتماع جنيف هو أيضا محاولة لإحياء منبر جدة واتفاق 11 مايو 2023 عبر التزام الطرفين بمبادئ القانون الدولي الإنساني وتسهيل حماية المدنيين، حيث يشارك الطرفان في لقاء جنيف بنفس وفديهما إلى منبر جدة مع السماح لكل وفد بإضافة مندوبين إضافيين لخصوصية موضوع المعونات الإنسانية. وأضاف أن لقاء جنيف يمثل محاولة جادة من الأمم المتحدة لتولي التنسيق في إعادة إحياء منبر جدة في جانبه العسكري بعد أن توقفت المفاوضات لعدم توفر الإرادة السياسية لدى طرفي الحرب للتوصل إلى وقف إطلاق نار محدود وبدوافع إنسانية فقط.
وشدد مدير المرصد السوداني للشفافية والدراسات أن هذا الجهد هو الأهم من بين كل التحركات الدبلوماسية التي شهدتها الأيام الأخيرة خصوصا وأنه يجمع ما بين المسار العسكري عبر السعي لوقف إطلاق النار والمسار الإنساني عبر بذل جهد حقيقي لإيصال المعونات للملايين من المواطنين الذين يعانون من الحرمان من الغذاء وتهددهم المجاعة.