لا زالت حكومة الاخوان المسلمين، تعتقد أنها يمكن أن تدير دولة كاملة، بالاعتماد على الإعلام الكاذب، وتضليل الناس .. وتظن أنها يمكن أن تتغلب على الضائقة المالية بالشائعات، مع أن قضية الإقتصاد لا تحتمل غير الحقائق المجردة، لأنها تمس حياة الناس اليومية، في أكلهم وشرابهم. لقد شهد الدولار إرتفاعاً جنونياً، خلف وراءه كافة الإجراءات، لمحاصرة ما نتج عنه من تضخم فظيع، جعل أسعار السلع التي كانت أصلاً غالية، ترتفع بصورة مبالغ فيها. ولقد فضحت الأزمة المالية، العجز الاقتصادي لحكومة الاخوان المسلمين، مما جعلها تعترف بأنها طبعت المليارات، لتغطي نفقات ضرورية !! وهذا ما يسمى التمويل بالعجز، وهو خطيئة إقتصادية مدمرة، لأنها تغمر السوق باوراق مالية، لا مقابل لها من النقد الأجنبي أو الذهب.. أما من حيث الدين، الذي يدعيه الإخوان المسلمين، فإن طباعة أوراق بلا رصيد، وإدعاء أنها تبرئ ذمة حامل السند، كذب صراح، وخداع وتدليس، وأكل لأموال الناس بالباطل، ودعم للحكام المستفيدين من هذا الوضع، وهذا ما حذر الله تعالى منه في قوله (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
وبدلاً من أن تتحمل حكومة الاخوان المسلمين المسؤولية، وتخاطب الشعب بالحقائق، وتطلب منهم التعاون للخروج بالبلاد من أزمتها، إعتمدت على الكذب، فأطلقت كتائب الجهاد الإلكتروني- والتي يسميها النشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي “الجداد الالكتروني”- لتحدثنا عن وديعة مليارية قادمة من قطر، أو من الامارات ، وأن سعر الدولار قد نزل الى ثلاثين جنيها، وأن المشكلة قد حلت .. بل أن زوجة السيد الرئيس الاستاذة وداد ، كتبت في صفحتها في “تويتر”، أنها كانت في اجتماع ، خلص الى أن المشكلة قد حلت، وأن الدولار سوف يهبط حالاً !! وحين حددت السفارة الأمريكية بالخرطوم، 40 جنيهاً سعراً لصرف الدولار الواحد مقابل الجنيه السوداني، في معاملاتها القنصلية، وأعلنت في صفحتها الرسمية على الفيس بوك، بأن العمل بهذا القرار، في جميع أقسامها، سيبدأ في يوم الثلاثاء 6 فبراير 2018م، هرع المواطنون الى المصارف ليسحبوا أموالهم، ليشتروا الدولار أو الذهب، حتى لا تفقد نقودهم قيمتها.. فما كان من حكومة الاخوان المسلمين، إلا أن منعت السحب، أكثر من ذلك استدعت الشرطة لتفرق المواطنين بالقوة، حتى لا يسحبوا أموالهم. والغرض من منع الناس من سحب أموالهم، هو ألا يشتروا الدولار، فيرتفع سعره أكثر، وتزداد الأزمة.. ومن ناحية أخرى، وهذه هي الأهم عند الاخوان المسلمين، أن يعجز الناس عن شراء الدولار، فيقوموا هم بشرائه لأنفسهم، ويهربونه خارج البلاد، وإن فاقم ذلك الأزمة التي يدعون السعي الى حلها !! فقبل أسبوع قام عدد من الرأسماليين السودانيين، بالذهاب الى يوغندا بغرض الإستثمار هناك، وهؤلاء لا بد أن يكونوا قد سحبوا أموالاً طائلة، من العملة الصعبة، ومن هؤلاء رأسماليين قدامى موالين للنظام مثل علي ابرسي، وآخريين جدد، وكلاء عن نافذين في النظام، يسرت لهم الحكومة إخراج ملايين الدولارات، ثم جاءت تمنع الناس من سحب المئات من أموالهم !! وحين اشتدت الأزمة كتب الطيب مصطفى خال الرئيس (سيدي الرئيس اذهب قبل فوات الأوان الى صديقتنا وقت الضيق قطر وآتينا بوديعة تحد من جموح الدولار وكذلك بقروض سلعية توقف المضاربة على الدولار) وهكذا لا يخجلون من التسول باسم السودانيين بعد أن نهبوا أموالهم وحولوها الى عشرات الشركات كما صنع الطيب مصطفى بمجموعة “كاتيا” !! ولأن الطيب مصطفى رجل جاهل، يظن أن “شحدة” وديعة تضخ أموالاً في السوق، ستحل المشكلة، مع أن هذه الودائع جاءت أكثر من مرة، وهي، من ضمن عدة أسباب، أوصلتنا الى ما نحن فيه الآن.
والأزمة المالية لم تقع من السماء، وإنما هي نتيجة حتمية للأزمة الإقتصادية، التي نتجت عن الفساد .. فحكومة الاخوان المسلمين، التي حطمت كافة مشاريع التنمية الإنتاجية والخدمية، وباعت سفن هيئة الموانئ البحرية، وبواخر هيئة النقل النهري، وطائرات الخطوط الجوية السودانية، وقاطرات السكة حديد، وحطمت مشروع الجزيرة، والرهد، وكنانة، وعسلاية، ومشاريع النيل الأبيض الزراعية، وباعت البترول والذهب، ووزعت عوائدها على النافذين في الحزب، ولم يبق لديها مشروع واحد يورد للخزينة العامة عملة صعبة، ثم هي في نفس الوقت تحتاج الى أموال طائلة، لتصرفها على تسليح الدعم السريع، والدفاع الشعبي، وجهاز الأمن،هذا بالاضافة الى جسم ضخم، مترهل، من الدستوريين فنحن لدينا : رئيس جمهورية و2 نواب للرئيس و5 مساعدين للرئيس و9 مستشارين للرئيس و 31 وزير اتحادي و 43 وزير دولة اتحادي و31 وكيل وزارة اتحادي و32 مدير عام وزارة و18 والي و18 نائب والي و198 وزير ولائي و198 وكيل وزارة ولائي و 170 معتمد و 170 نائب معتمد و450 نائب برلماني و 1800 نائب بالمجالس التشريعية و5280 عضو مجالس محليات والمجموع هو 8456 دستوري يصرفون رواتب ومخصصات ولديهم سيارات ووقود وبدلات وبيوت وعلاج بالخارج وتذاكر سفر …الخ.
لقد كان كثير من السودانيين، حسني الظن بالسيد الرئيس، وتوقعوا ان يواجه الأزمة بمسؤولية، وبقرارات خطيرة، تغير مسار الحكومة، المسرعة، نحو الفشل التام .. ولكنه بدلاً من الحلول التي يتوقعها الشعب، هرع الى الجيش، وليس الجيش كمؤسسة وطنية، مستقلة، مسؤولة عن حماية البلد، وإنما الاخوان المسلمين داخل الجيش يستنجد بهم !! فقد جاء ( قال الرئيس السوداني عمر البشير أن المدنيين الذين كانوا يشاركونه الحكم هم سبب الانهيار الواقع حاليا في ادارة حكم البلاد من جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسبب الرئيسي وراء تراجع مشروع الانقاذ الوطني الذي قام البشير بثورة من اجل تحقيقه وان الفشل سببه هو “فساد المدنيين” الملكية” وتكالبهم علي المناصب والصراع بينهم الذي لا ينتهي،وقال خلال اجتماع مغلق جمعه ب300 من الضباط الاسلاميين في القوات المسلحة بمبنى التصنيع الحربي بكافوري ، قال البشير بنص العبارة ” الملكية غشونا واستمروا بغشنا طوال الفترة الماضية” في اشارة واضحة الي نوابه ومساعديه السابقيين “علي عثمان طه و نافع علي النافع”. واضاف بان الفترة المقبلة من الواجب ان تكون للقوات المسلحة القيام بواجبها وتحمل مسئوليتها تجاه الوطن بعد ان تلاعب السياسيون والمدنيون الذين ثبت ان اجندتهم شخصية وان طموحهم وصراعاتهم هي التي اهلكت البلاد. وان الاسلاميين في الجيش هم اهل الوجعة وانهم هم النواة الصلبة للجيش السوداني التي لا يجب ان تنكسر أو تلين مهما تشتد الضغوط. وان ساعة قيامهم بواجبهم قد حانت تجاه اصلاح حال البلاد وانقاذها.وانخرط الرئيس البشير في نوبة من البكاء وهو يذكر رفاقه ابراهيم شمس الدين والزبير محمد صالح، مما جعل الحضور يهتفون بالتكبير والتهليل للرئيس. وهو يذكرهم بحمل الامانة وثقلها عليه)( مونتي كارلو 2/2/2018م).
أول ما تجدر الإشارة إليه، في التعليق على محاولة الرئيس البشير،لخداع زملائه العسكريين، واستغلالهم لمصلحته، هو السؤال: ما الفرق بين الإخوان المسلمين المدنيين والعسكريين ؟! ما الذي يجعل الاخوان المسلمين المدنيين، إنتهازيين، وأصحاب مصالح شخصية، على حساب الوطن، ويبرئ الاخوان المسلمين العسكريين، من نفس التهمة، لو وجدوا الفرصة ؟! ثم لماذا قبل البشير من الاخوان المسلمين المدنيين، كل هذه السنوات، فسادهم واستغلالهم السلطة لمصالحهم الشخصية، على حساب قوت الشعب، حتى أوشكت الحكومة على الإنهيار؟! ولماذا أضعف البشير الجيش، ونزع مخصصاته، وأعطاها لمليشيات الدعم السريع، بقيادة “حميدتي”، وهو في الأصل مدنياً وليس عسكرياً ؟! وإذا كانت هناك مشكلة كبرى في البلد، سببها “المدنيين”، فلماذا لم يخاطب البشير كل الجيش، أو كل قياداته، دون اللجوء الى مجموعة منه، تمثل الإخوان المسلمين، فينحاز إليهم، ويعتبرهم أهم من بقية زملائهم، لا لشئ غير ولائهم السياسي له ؟! هل تسييس الجيش، والقضاء على مهنيته، وتقسيمه على أساس الولاء السياسي، عمل في الاصلاح أم في الإفساد ؟!
ولماذا بكى الرئيس البشير ؟! لن يصدق أحد أنه بكى لأنه تذكر ابراهيم شمس الدين !! لأنه لو كان تذكره له يسبب له البكاء، لما تزوج أرملته، التي تذكره به كلما رآها .. لقد بكى الرئيس البشير، لأنه شعر أنه فقد الشعب تماماً، حين أوصله حد الجوع، وطالبه بألا يحتج على ذلك !! كما شعر أنه فقد القوات المسلحة، لأنه فضل عليها “الجنجويد”، غير المؤهلين عسكرياً، وأغدق عليهم الأموال، وضحى في سبيلهم، برفقاء السلاح !! كما أنه خائف من تصاعد موجة المظاهرات، ويخشى أنه لو حاول ردعها ب “الجنجويد”، أن يتصدى الجيش لهم، ويحمي أهله، بدلاً من حماية نظام متهالك، تقوده مليشيات من المرتزقة .. لهذا حاول أن يلعب بآخر الأوراق، وهو الإخوان المسلمين في الجيش، ليقمعوا له أي حركة معارضة، تحاول أن تبعده عن السلطة، حين يتصاعد ضده الغضب الشعبي .. ولكن حتى هؤلاء كيف يضمن ولاءهم، وهم يعلمون أنه لا عهد له، ولا ذمة ؟! ألم يبعد شيخه ورئيس التنظيم د. الترابي، ويضعه في السجن ؟! ثم ها هو يذم لهم زملائهم من الاخوان المسلمين المدنيين،فما الذي يمنعه غد، من ذمهم هم أنفسهم، لصالح اتفاقه مع جهة أخرى، مثل مليشيات ” حمدتي” أو غيرها ؟! إن الأمور التي أبكت السيد الرئيس، لن تزول قريباً، ولهذا أعتقد أنه سيبكي كثيراً جزاء ما كسبت يداه .