عثمان نواى: الإنقاذ تحاول إخراج اسوأ ما فينا : التعبئة بالخطاب العنصرى
في مسعى نظام الإنقاذ لإنقاذ نفسه، تقوم الآلة الإعلامية للكيزان خاصة علي وسائط التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة ببث العشرات من التسجيلات …
بقلم: عثمان نواى
في مسعى نظام الإنقاذ لإنقاذ نفسه، تقوم الآلة الإعلامية للكيزان خاصة علي وسائط التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة ببث العشرات من التسجيلات العنصرية التي تنضح كراهية والفاظ نابية في وصف أبناء السودان من مناطق النزاعات والشعوب الأصيلة في البلاد. حيث يقوم الكيزان عبر آلياتهم الإعلامية النازية الهتلرية لصناعة الكراهية يقومون بشكل ممنهج باستدعاء صور التعالي العرقي الاثني عبر استخدام الألفاظ المرتبطة بتاريخ الرق في السودان، وذلك إثباتا لأنفسهم ذلك الوهم بانهم لازالوا قادرين على أن يكونوا سادة على الآخرين من مكونات السودان من الشعوب الأفريقية الأصيلة. وما هذه التمارين المستمرة لهذا الخطاب العنصرى الا هو ناتج حقيقي من الخوف من مواجهة حقيقة زوالهم الوشيك وتحديات سقوطهم الماثلة لهم قبل الآخرين.
حيث تتسرب سموم هذه التسجيلات الصوتية العنصرية البغيضة لأغراض متنوعة وأسباب عديدة لا تخلو من غرض رئيسي وهو التعبئة العامة عبر الشحن العنصرى وأشعال نار الكراهية والخوف من الاخر حتى يتم التمسك بهتلر السودان عمر البشير رئيسا لمجموعات تخشى من الاخر. هذا الخوف من الاخر هو آلية حشد كيدية وبغيضة يستخدمها النظام لكي يحكم الالتفاف حوله من بعض المجموعات التي يتم برمجتها بشكل مستمر لكي تظل تتبنى استخدام اسوا ما في محمول السودان التاريخي و الثقافي وهو تاريخ الاسترقاق كوسيلة تعبير عن ذاتها وعن هيمنتها على السودان وسيادتها المتوهمة عليه.
للاسف ان هذا الواقع الذي يحلو للإنقاذ العيش فيه من خلال بيئة ملوثة بالكراهية والعنصرية والتجييش علي اساس ديني وعرقي هو نفسه امتداد للأسف لتاريخ طويل من استخدام آليات مماثلة في التعبئة في داخل السودان ضد الآخر من شعوب السودان الاصيلة والمضطهدة تاريخيا . لم يكن ابدا خطاب الخوف من الاخر ونعته بأشد الأوصاف العنصرية حكرا على الكيزان، فقد تم استخدام ذات هذا الخطاب ضد علي عبد اللطيف ووصفه بابن الشوارع لأنه حاول قيادة ثورة ضد المستعمر. وشنت عليه حملات التشهير والإهانة في الصحف التي كانت تسمي (وطنية) وقتها ومن ضمن قيادات سياسية (وطنية) كما تدعي. هذا الخطاب العنصرى لم ينجو منه الجنوبيون الأوائل الذين طالبوا بالفيدرالية قبل الاستقلال، واتهموا بمحاولة تقسيم السودان، وفي النهاية أيضا اتهموا بالجهل وفرضت عليهم الوصاية وتم صناعة استقلال ودستور لا يشمل اي من مطالبهم أو حقوقهم. هذا الخطاب أيضا استخدم في عهد عبود ضد الارساليات ومثقفى الجنوب ومن بعد ذلك فرض اللغة العربية في مناطق السودان (المكفولة) والتي هي كانت (مقفولة) ايام الإنجليز وأصبحت بعدهم تحت كفالة ووصاية الحكومات المسماة (وطنية). هذا الخطاب التخويفي العنصرى استخدمه أيضا محمد أحمد المحجوب عندما كان رئيسا ضد المتعلمين من الجنوبيين وشن عليهم حملات ممنهجة واعتقالات وترهيب في فترة حكمه. وكذلك استخدم ذات الخطاب ضد فيليب غبوش ومن كانوا معه في برلمان 1964 عندنا رفضوا التعريب والدستور الإسلامي، حيث اتهموا (بالعنصرية والجهوية) واتهموا انهم ينكرون علي السودان إسلامه وعروبته في محاولة لقمع اي تمثيل عاجل لهذه المكونات .. وما تواني نميرى عن استخدام ذات الخطاب في قوانين سبتمبر ليطهر السودان من كل ما يربط بينه واصله الأفريقي في محاولة عقيمة لأسلمة السودان بالقوة والقوانين. الصادق المهدي في حكومة الديمقراطية لم يتوانى أيضا عن استخدام خطاب الكراهية والتخويف ضد الجنوب وضد الحراك المقاوم في جبال النوبة ودعم المليشيات القبلية مثل المراحيل التي ارتكبت جرائم حرب كبرى في الوقت الذي لا زال يدافع عن خطابه العنصرى بقوله في إحدي لقاءاته الأخيرة أن الحركة الشعبية هي التي كانت تقوم بابادة القبائل العربية في عملية تزييف واضح للتاريخ. وفي النهاية أتت الإنقاذ لكي تكون حسن الختام لهذا التاريخ الطويل من الخطاب العنصرى وخطاب الكراهية لتوصل البلاد إلى حالة الإبادة الجماعية والي استخدام الخطاب العنصرى بشكل يومي علي مجموعات الواتس اب وحتي يصبح آلية حشد وتعبئة سياسية بالدرجة الاولى.
وخلف آلة الكراهية والتخويف والعنصرية تجاه السودانيين في مناطق المقاومة هناك ذلك الخوف الدفين من هذه الشعوب الأصيلة التي ما فتئت تدافع حتي الموت عن حريتها في وجه المستعمرين من التركية إلى الإنجليز مرورا بمقاومة قهر الدولة المهدية ودمويتها. وما كان سعي محمد علي باشا حثيثا نحو السودان الا لأغراض تقوية دولته الجديدة وكان يبحث عن الرجال الاقوياء الأشداء الذين علم انه يجدهم في أرض السودان. فاختطف واسترق منهم ما استطاع تقوية لجيشه حتى بلغوا قوة تصل الي 30 الف أو يزيد في بعض الأحيان وماكان هؤلاء الا من نفس أراضي المقاومة الحالية . وما اسم الجهادية الا كناية على تلك الشجاعة وذلك الأقدام. وكذلك كان اسم هؤلاء الرجال حين حاربوا تحت راية المهدية ولو كان ذلك على مضض وبعد تمردات كبيرة منها تمرد الأبيض المشهور الذي كاد ينهي سيطرة الدولة المهدية في كردفان. وهؤلاء الرجال هم أنفسهم الذين كانوا نواة قوة دفاع السودان التي شكلها الإنجليز لحماية حدود مستعمرتهم الشاسعة من أطماع الدول الأوروبية الأخرى ولتحقق الانتصارات المشهودة في الحرب العالمية الأولى والثانية. وقد كتب الكاتب محمد ابو القاسم حاج حمد في كتابه حول المأزق التاريخي في السودان تحليلا للأسف ينم عن عنصرية جمة وانحياز عروبي كامل حينما فسر ميل الإنجليز لتجنيد قوة دفاع السودان من ابناء الرقيق المحررين أو من الذين آبائهم أغلبهم كانوا من بقايا الجهادية أو من عملوا في الجيش المصري قبل الاحتلال وسرح بعضهم وعاد إلى السودان بكامل فخر خدمته العسكرية. وفسر حاج حمد هذا الميل بأنه وسيلة الانجليز لصنع توازن قوة عبر صناعة قيادات عسكرية من المجمعوعات الأفريقية في السودان علي حساب المجموعات العرقية الشرق أوسطية كما كان يطيب له التصنيف. على كل حاول أيضا التقليل من وطنية هؤلاء السود في الجيش الجديد وقال إن الانجليز كانوا يبحثون فيهم عن الولاء لهم. لكن هذا تفسير كذبته الايام حيث أتى على عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ ليقودا الثورة الأولى على المستعمر في تاريخ السودان من داخل الخرطوم ومركز الحكم. لكن ثورتين الرجلين المنحدرين من جبال النوبة وجنوب السودان كانت امتدادا لعشرات الثورات التي قام بها أهل تلك المناطق داخل أراضيهم رفضا للمستعمر حتي بلغت ثورات النوبة وحدها أكثر من العشرين ثورة ضد الإنجليز منذ قدومهم وحتي 1923.
هؤلاء الرجال وهذه الشعوب الثائرة المقاتلة حق للكيزان ومرتزقة الدعم السريع، حق لهم أن يخشوهم. وما بيدهم لمواجهة هذا الخوف سوي أسلحة العنصرية والتعالي الاثني لكي يستعيدوا رباطة جأشهم لمواجهة حقائق الواقع والتاريخ معا. وإذا كان البعض يتساءل لماذا يستخدم العنف المادي واللفظي بهذا الشكل ضد آبناء المناطق المقاومة الثائرة في السودان، فلان الحديد لا يفله الا الحديد. إذ علم أهل الإنقاذ أن أهل تلك المناطق لا يكسرهم التجويع ولا شظف العيش عن مقاومة مستمرة لأجل الحرية. ولذلك هم يخشون حق ما يخشون من يقف لهم بالمرصاد من داخل الجامعات وحتي منابر الكتابة وفي ساحات القتال وفي المحاكم الدولية والإقليمية. هؤلاء الذين يقاتلون لأجل الحياة وهم نازحون في المدن الكبرى يقاومون النظام العام والكشات ولكنهم في النهاية أيضا يذهبون إلى المدارس بل ويدخلون الجامعات.. بينما الفاقد التربوي وسواقط المدارس يدخلون الدعم السريع وجهاز الأمن والمخابرات. ولذلك يقتلون أبناء دارفور وجبال النوبة في الجامعات ويطردونهم من الداخليات. ولذلك يطاردون أمهاتهم واخواتهم بائعات الشاى والماكولات.. لا يريدون لهؤلاء القادمين من تحت رماد حروبهم وعنصريتهم ومقابرهم الجماعية أن يكونوا عليهم شهودا وعلي اجرامهم بل وقادرين بالقلم والعلم والعدالة وان استدعي الأمر البندقية علي انتزاع الحقوق والحرية والعدالة بل وربما قيادة هذه الدولة وإخراجها من أزماتها التاريخية المخزية.
ان المستعبدين عقليا داخل تاريخ الاسترقاق ومتوهمي استمرار الماضي علي الرغم من حركة التاريخ من قادة الكيزان ومخططي سياستهم العنصرية لتفريق جهود الشعب السوداني للتحرر والانعتاق من نير خطاب العنصرية والسلفية الدينية والتغييب الفكرى للعقول، أن هؤلاء يجب أن يتم سد الطريق أمامهم، وما مشاركة هذه التسجيلات الا للتأكيد لهم أن خططهم مكشوفة وأنها لا تنطلي على احد وأنها لا ولن تستفز الشعوب المقاومة في أراضي النزاعات كما أنها يجب أن مواجهة بوعي من أصحاب العقول النيرة من أهالي بقية السودان وان يعلنوها واضحة بأن هذا خطاب قد ولي عليه ألزمت وما عاد يمثل السودان الذي يجب أن يسعنا جميعا باحترام وحرية وعدالة. اذ أن الأثمان الغالية من الفشل المزمن لهذا المشروع العنصرى الديني التجييشي لا يحتاج إلى دلائل فكما فشل هتلر رغم قوته وكما فشل كل الجبابرة والظالمين من قبله كذلك يجب أن يعلم هؤلاء أن أقدار سقوطهم المدوي تتجلي كل يوم. وما هذا الخطاب العنصرى الفج الا سكرات موتهم الأخيرة التي لن تطول.
[email protected]