عثمان ميرغني: لماذا دستور جديد؟؟
بات مؤكداً أن حزب المؤتمر الوطني وحكومته عقدا العزم على طرح دستور جديد.. بدأ ترتيبات إعداده ولن يستغرق الأمر أكثر من ستة …
عثمان ميرغني
بات مؤكداً أن حزب المؤتمر الوطني وحكومته عقدا العزم على طرح دستور جديد.. بدأ ترتيبات إعداده ولن يستغرق الأمر أكثر من ستة أشهر لإجازته.. وطبعاً لن يواجه أية مطبات في طريقه الصاعد أمام البرلمان.. فالتجربة أثبتت أن النواب في خدمة الحزب الحاكم.. ليس نوابه ملك يمينه فحسب.. بل حتى النواب أصحاب الحقوق المجاورة من الأحزاب المتآنسة.
وطبعاً؛ السودان (أبو الدساتير) في العالم، لا يمل من صياغة الدساتير ثم يشبعها تعديلاً قبل أن يُجهز عليها. حتى الآن أنجزنا تسعة دساتير ونستعد للعاشر.. بمعدل دستور كل ست سنوات.. بينما قانون الشركات السوداني تأسس في العام 1925 ولا يزال في ريعان شبابه لم يطاله سوى تعديل واحد قبل سنتين..
الدولة الأقوى.. الولايات المتحدة الأمريكية أنجزت دستورها في العام 1789أي قبل أكثر من (230) عاماً.. وكان من سبع مواد فقط.. ومع ذلك لم يستبدل بدستور آخر.. كل الذي ظل يتواتر هو تعديلات تمليها حركة المجتمع وتطور الدولة.. حتى بلغت جملة التعديلات خلال كل هذه السنوات (27) فقط.. فمثلاً التعديل رقم (19) عام 1920 منح المرأة حق التصويت في الانتخابات.. بعد مظاهرات ونضال ومطالبة بحق المرأة في المشاركة السياسية.. وعلى هذا قس بقية التعديلات كلها تستجيب لمطلوبات حركة المجتمع وتطور الدولة..
يصبح السؤال الجوهري.. ما هي المطلوبات الحقيقية التي تفرض تعديل الدستور السوداني للعام 2005؟ وأتوقع الإجابة السهلة المباشرة (لأنه دستور انتقالي)..
ولعمري مثل هذه الإجابة هي أوضح دليل على أن وطننا السودان يكابد الحالة التي أبدع في وصفها شاعرنا الكبير الحسين الحسن في رائعة كابلي “حبيبة عمري”:
((هوَّمت حتى تبدّى أمامي ظلامٌ رهيب.. كفيفُ البصر))
فبعد (62) سنة من التهويم في الدساتير لا يتبدى أمامنا سوى ظلام رهيب كفيف البصر..
“الانتقالي” ليس الدستور.. بل الحالة التي عالجها الدستور في مواد بعينها كانت سهلة الانتقاء مُباشرة بعد انفصال الجنوب لعزلها وتعطيلها لاختصاصها فقط بتوصيف الحالة الانتقالية لوضع الجنوب في الدولة السودانية التي انتهت بالانفصال.. فالدستور لم يكن (انتقالياً) في جوهره.. فمثلاً الباب الثاني الذي أرسى مبادئ حقوق الإنسان الدستورية، لا يُمكن أن يكون انتقالياً فيرحل مع الجنوب إذا انفصل.. تلك حقوق ثابتة بالمواثيق الدولية قبل المحلية..
تماثل (وثيقة الحقوق) في الدستور الأمريكي وهي عشر مواد كانت أول تعديل في الدستور الأمريكي.. لم يطالب حينها أحد بإلغاء الدستور الأمريكي واستبداله بآخر لكثرة التعديلات، فاستمر الدستور رغم تعديله وهو لا يزال طفلاً يحبو بعد عامين فقط من إجازته..
عودة للسؤال.. ما هي موجبات استصدار دستور جديد؟
سهولة استحداث الدساتير عندنا تكشف إلى أيِّ مدىً إن هذه الوثيقة “الدستور” لا تعبِّر عن تطور المجتمع والدولة السودانية بل مطلوبات النظم الحاكمة لتمكين نفسها وتعزيز سرمديتها..
التيار