عبدالمحمود أبّو: : نداءُ الإنسانية: “إلى أهلنا في دارفور

أناشدكم الله والرحم أن تقرأوا هذه الآيات بتمعُّن وتدبُّر، وتقارنوا مدلولها مع مايحدث في دارفور الآن من اقتتال ودمار؛ محصِّلته النهائية خسارة للجميع في الدنيا والآخرة، لاشك أنكم تدركون أنكم خُلِقتم لعمارة الأرض لا لخرابها ، ولإصلاح الدنيا لا لإفسادها ، ولصون الدماء لا لإهدارها، وللتعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان ؛ فأين نضع الذي يحدث في دارفور الآن ؟ والإجابة واضحة إنه يصنف في خانة الفساد والعدوان والدمار والهرج والمرج؛ الذي وصفه رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم بأن القاتل لايدري فيم قَتَل ولا المقتول فيم قُتِل!

قال تعالى:" وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا  كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15)وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً"[الإسراء:13-16]

صدق الله العظيم

أهلي وأحبابي في دارفور:

أناشدكم الله والرحم أن تقرأوا هذه الآيات بتمعُّن وتدبُّر، وتقارنوا مدلولها مع مايحدث في دارفور الآن من اقتتال ودمار؛ محصِّلته النهائية خسارة للجميع في الدنيا والآخرة، لاشك أنكم تدركون أنكم خُلِقتم لعمارة الأرض لا لخرابها ، ولإصلاح الدنيا لا لإفسادها ، ولصون الدماء لا لإهدارها، وللتعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان ؛ فأين نضع الذي يحدث في دارفور الآن ؟ والإجابة واضحة إنه يصنف في خانة الفساد والعدوان والدمار والهرج والمرج؛ الذي وصفه رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم بأن القاتل لايدري فيم قَتَل ولا المقتول فيم قُتِل!

أهلي وأحبابي :

تذكروا أن هذه الحرب بدأت بتدفُّق السلاح من دول الجوار نتيجة للصراعات الأهلية في تلك البلدان، ثم الصراع على المراعي والموارد، ثم الحرب بين الحكومة المركزية والثائرين من أبناء المنطقة الذين شعروا بالمظالم الواقعة عليهم، ثم تطوَّر الحال إلى الإقتتال بين القبائل التي يجمع بينها الرحم والجوار والعقيدة ؟! ألا يدل كل ذلك على أنّ هنالك مؤامرة مخططة ومدروسة لتدمير دارفور بأهلها؟

أهلي وأحبابي:

أنظروا إلى الحروب الدائرة من حولكم ماذا حقَّقَتْ لأهلها سوى توسيع دائرة الأحقاد، وتدمير البلاد، ونشر الفساد، وفتح الباب للتدخُّلات الأجنبية المُضِرَّة بالموارد والأخلاق.والعاقل من اتعظ بغيره! هل سألتم أنفسكم لماذا تتحاربون؟ أمن أجل الأرض؟ أم من أجل السلطة؟ أم من أجل التنمية؟ أم من أجل رفع الظلم ؟ أم من أجل كل ذلك؟ وهل حقَّقت الحرب أيًّا من تلك المطالب أم زادت الطين بِلَّة؟!

لقد حارب سلفكم من أجل نُصرة الدين ومن أجل العزة والكرامة للوطن وللإنسان، راجعوا خطاب السلطان عبدالرحمن الرشيد لخديوي مصر، تذكّروا الممالك والسلطنات التي قامت في دارفور وتوسعت حتى كردفان وسنار، تذكّروا البعثات التعليمية والتجارية لمصر، تذكروا محمل الحرمين الشريفين، تذكروا خليفة المهدي الذي حافظ على وحدة الوطن وارتفعت راياته في أركان الوطن الأربعة ودخلت قواته غندارعاصمة الحبوش؛ وانظروا إلى نموذج الجزيرة أبا؛ تلك المدينة التي تضم كل القبائل، والتي أعاد تأسيسها جدودكم مع الإمام عبدالرحمن؛ حيث انصهرت كل القبائل في مجتمع الأنصارية؛ فصار الكبير أبا، والمساوي أخا، والصغير إبنا؛ في نموذج متفرِّد للتَّعايُش السلمي، يجسِّد بحق المدينة الفاضلة التي تطلَّع إليها الفلاسفة! أليس هذا الإرث العظيم حافزا على تجاوز الصَّغائر والتَّسامُح ، وحقن الدماء من أجل العيش المشترك؟. بل قبل هذا وذاك قال تعالى: " وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً" إنه وعيد ترتعد له فرائص المؤمنين الذين هم من عذاب ربهم مشفقون.

أهلي وأحبابي:

آن الأوان لإيقاف هذه الحرب بينكم، والعمل على إزالة آثارها وذلك بالآتي:

أولا: إدراك أنّ إقليم دارفور: شعبا وأرضا وثروة من أغنى أقاليم السودان، وأن ما يجري فيه الآن ماهو إلا تنفيذ لمخطط يستهدف الإقليم بكل مُكَوِّناته، وأن هنالك جهات ماكرة تتاجر بسفك الدماء! وراءهم شياطين لايرقبون فيكم إلا ولاذمة ، والخاسر في النهاية إنسان دارفور ومن ورائه السودان.

ثانيا: إن الفشل في إدارة التنوع على مستوى الدولة هو السبب المباشر لمايجري في الإقليم باعتباره يضم مكونات إثنية وثقافية متعددة صهرتها العقيدة والمصاهرة وحسن المعشر، الذي عُرِف به الإقليم وأهله سابقا؛ فالضيق بالآخر وإقصاؤه وحرمانه من حقوقه؛ انعكس سلبا على كل المُكَوِّنات الاجتماعية في السودان، وكان لدارفور نصيب الأسد من هذا الانعكاس السالب.

ثالثا: إدراك الجميع أن التنوع القبلي لايمكن إلغاؤه، فهو إرادة إلهية، وضرورة إجتماعية وواقع كوني، وأن الجميع أصلهم واحد يعود لآدم وآدم من تراب قال تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ".

في عام 2003م نظمت هيئة شؤون الأنصار زيارة لدارفور شملت:(نيالا، كاس، عدالفرسان، تلس، رهيدالبردي، برام، الضعين، عديلة، ودعة، خزان جديد، لبدو، شعيرية، نِتِّيقة، البان جديد) واتبعنا منهجا حيث نلتقي بالإدارة الأهلية، وبالمسئولين في الدولة لنسمع وجهة نظرهم حول الأحداث وأسبابها ووسائل علاجها، ثم نعقد لقاء مفتوحا مع المواطنين لنتحاور حول الأزمة؛ فلاحظنا أن الإشاعة تلعب دورا كبيرا في تعقيد الأمور، وأن الحوار قد أزال كثيرا من مظاهر الاحتقان وصحح المفاهيم.

والآن تعد الهيئة العدة لإرسال دعاة إلى دارفور في رمضان للتذكير بحرمة الدماء، وللتأكيد على الأخوة الإنسانية والدينية، نأمل التعاون معهم لإعادة رتق النسيج الإجتماعي.

رابعا: تكوين مجلس حكماء من زعماء القبائل والعلماء والتجار والشباب؛ يقوم بحوار شامل داخل القبيلة، وبينها وبين القبائل الأخرى؛ لتحديد نقاط الخلاف وحصر المظالم البينية، والمظالم العامة والعمل على إزالتها وفق الأعراف المتبعة التي كانت الإدارة الأهلية تعالج بها الأزمات في الإقليم. وتكوين مجلس حكماء من كل مكونات دارفور يسعى لإزالة المظالم العامة بالاتصال بالدولة والجهات المانحة إقليميا ودوليا وفق خطة مدروسة وممرحلة محكومة بزمن محدد.

خامسا: وضع خطة محكمة لجمع السلاح الذي انتشر بصورة مدمرة في الإقليم، لتكون الشرطة هي الجهة المسئولة مِنْ أَمْن المواطنين وحماية ممتلكاتهم، ويتم ذلك بالاتفاق بين الإدارات الإهلية وقيادة الشرطة لمنع أي تقصير أوتفلُّت. إن دارفور تحتاج إلى المدارس والجامعات لاإلى البنادق والذخائر، وتحتاج إلى المستشفيات لاإلى الدبابات، وتحتاج إلى التنمية لاإلى المدافع.

سادسا: تقوية الإدارة الأهلية وتوسيع سلطاتها مع توفير المعينات التي تؤهلها للقيام بدورها في حفظ الأمن وإعادة الإستقرار للإقليم المنكوب؛ وأن يتفق الجميع على معاقبة المجرم حتى وإن كان من الأقربين ورد المعتدي والتعاون على ردع الظالم.

سابعا: هنالك ضرورة ملحة للتَّنازُل من الجميع من أجل المصلحة العامة؛ فالتَّسامُح والعفو والإيثار من صفات العظماء .إن المال زائل، والأرض لله يورثها من يشاء، والدّية عند الكرام الإعتذار! وتذكروا يوما "لاينفع فيه مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم".

إن مشكلة الإقليم لاتحلها الحكومة المركزية ولا الحكومات الإقليمية ولا الاتحاد الأفريقي، ولا المجتمع الدولي؛ وإنما تُحَل من أهل دارفور إذا أدركوا المخاطر وعقدوا العزم وأرادوا الصلح ، فاعملوا على احتواء الأزمة وسارعوا إلى الخيرات لعلكم تفلحون.

هذا نداء صادق من قلب يَتَفَطَّر دماً للمأساة التي يعيشها أهلنا في دارفور، وهو شعور يُحِسُّ به كل سوداني غيور على كرامة الإنسان واستقرار الوطن.

قال تعالى: "  لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً" صدق الله العظيم.

اللهم أحقن دماء أهلنا في دارفور وهيِّء لهم من أمرهم رشدا، ووفقهم لمافيه صلاح حالهم في الدارين.

عبدالمحمود أبّو

الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار للدعوة والإرشاد

14 شعبان 1436هـ  الموافق  1يونيو2015م

Welcome

Install
×