عام على الحرب: حصار الأبيض من المهدي إلى حميدتي
حملة ساندوا السودان: اعداد وتحرير: راديو دبنقا
تقرير: أشرف عبد العزيز
اديس ابابا :١٨ أبريل ٢٠٢٤ – في العام 1882 تحركت قوات الإمام محمد أحمد المهدي من غدير صوب الأبيض، واستبسل محمد سعيد باشا في الدفاع عن الأبيض، وتراجعت قوات المهدي واستعصمت بالجنازرة وضربت حصاراً على مدينتي الأبيض وبارا، ولو لاحق سعيد باشا خصمه المهدي لما تمكن الأخير من الحصول على السلاح الذي تركه خلفه في غدير والذي غنمه بعد انتصاره على حملة راشد بك أيمن، ولما استطاع عرب الجوامعة الفتك بالتجريدة القادمة من الخرطوم لفك حصار الأبيض وسقوط بارا الذي كان مقدمة لسقوط الأبيض، حيث انهارت معنويات جند سعيد باشا، ووسط تجار الأبيض لدى المهدي ولبس جبة الدراويش هو وكبار ضباطه معلنين استسلامهم للمهدي الذي عفا عنهم.
وتختلف المقاصد والدوافع في الحصارين الذين فُرضا على الأبيض حاضرة شمال كردفان، فالمهدي كان يقاتل الاستعمار التركي أما القتال الدائر الآن في عروس الرمال فهو بين الجيش والدعم السريع اللذان كانا جزءا من حكومة واحدة ويأتمران بأمر قائد واحد.
وفي المقابل وجه الشبه بين الحصارين هو أن كلاهما هدف أو يهدف لتحقيق تقدم عسكري بإضعاف الخصم وتجويعه والانقضاض عليه، ونجح المهدي في ذلك وما زال الدعم السريع يحكم الحصار دون توغل أو سيطرة على الحامية (الفرقة الخامسة مشاة) والتي عرفت بقوة مراس جنودها واستبسالهم حتى عرفوا بـ (الهجانة أم ريش أساس الجيش).
انعكس حصار المهدي سلباً على حاكم كردفان محمد سعيد وقواته واضطرها للتسليم والآن حصار الدعم السريع للمدينة رفع من تكلفة الخدمات بشتى أنواعها.
الحصار الحالي كيف تم؟
عند بداية الحرب وإطلاق الرصاصة الأولى كانت قوات الدعم السريع تتمركز في معسكرها الرئيسي بمنطقة تعرف باسم الـ(13) وتقع غرب الأبيض، وهذا المعسكر استولت عليه قوات الدعم السريع بعد حل هيئة العمليات بجهاز الأمن والمخابرات الوطني، وكانت قيادات الدعم السريع تسكن في حي القلعة شرق الأبيض ولها عدد من المكاتب الإدارية داخل المدينة.
وما أن أطلقت الرصاصة الأولي للحرب حتى تحركت القوات من الـ(13) بقيادة (شيريا) وهجمت على مطار الأبيض ودمرت ثلاث طائرات من طراز (السوخوي) وكذلك شنت هجوماً على الفرقة الخامسة مشاه التي تصدت لثلاث هجمات متوالية من الدعم السريع لتغادر أسوار مدينة الأبيض.
بعد مرور شهر من استمرار المناوشات سيطرت قوات الدعم السريع على معسكر تدريب الفرقة الخامسة مشاة بجبل كردفان وهو يبعد 6 كيلومترات من المدنية، واستطاعت أيضاً بحكم وجود كثير من أفرادها في مناطق الدبيبات بولاية جنوب كردفان فرض سيطرتها على مدخل طريق (الأبيض – الدلنج) خاصة بعد (الكمين) الذي نصب لقوات (كافي طيارة) المساندة للجيش في منطقة الدبيبات. بذلك دانت معظم أحياء مدينة الأبيض الغربية الجنوبية لسيطرة الدعم السريع (السلام – الزريبة – الوحدة) فضلاً عن أن الأحياء المتاخمة للمطار شهدت وجوداً للدعم السريع، وهكذا رويدا تمدد انتشار الدعم السريع بفضل معسكراته بأم صميمة وجبل عيسى وسيطر على مدخل طريق الأبيض النهود، أما من الناحية الشمالية فقد فرضت قوات الدعم السريع وجودها من خلال سيطرتها على طريق (بارا – الأبيض) وعلى مصفى الأبيض للبترول.
وفي السياق ذاته أسهمت سيطرة قوات الدعم السريع على مدينتي الرهد وأم روابة في إحكام وتضييق الخناق على الأبيض.
هجانة (أم ريش):
في المقابل كما أسلفت عرف عن قوات الشعب المسلحة (الفرقة الخامسة مشاه) بأنها من أكثر الفرق شراسة وذلك لتجربتها الطويلة في حرب المشاة، ولذلك تعرف بـ(الهجانة أم ريش أساس الجيش)، ظلت قوات الهجانة تتصدى لمحاولات توغل قوات الدعم السريع متخذه لوقت طويل سياسة (الخندقة) والدفاع عدا تقدم محدود في محور شرق المدينة بمنطقة (خورطقت)، كذلك للفرقة الخامسة وجود في معسكر جنوب الصالحين، ولتأمين المدينة قامت بحفر خنادق في المناطق الشمالية والسوق الكبير وحي المطار فضلاً عن تعزيز دفاعاتها في مقر الفرقة الخامسة كما ظلت ترصد حركة قوات الدعم السريع على طريق (بارا – الأبيض) والمنطقة الشمالية والشرقية ووجهت بمساعدة سلاح الطيران كثير من الهجمات على أرتال من الدعم السريع في طريقها من دارفور نحو أمدرمان. يساند القوات المسلحة في الدفاع على المدينة قوات الشرطة وجهاز الأمن والمستنفرين.
“
مصادر المياه ومحطات الكهرباء:
تأثرت خدمات المياه والكهرباء نتيجة حصار قوات الدعم السريع بشكل كبير حيث تعاني المدينة من قطوعات في مياه الشرب، وكذلك شهدت قطوعات في الكهرباء لمدة أربعة أشهر على التوالي منذ اندلاع الحرب.
وتسيطر قوات الدعم السريع على مصادر المياه في جنوب الأبيض (ود البقة) وكذلك على المصادر الشمالية (أبار بارا) وتتحكم فيها تماماً، وكذلك تسيطر على محطة الكهرباء الرئيسة التي تقع بالقرب من جبل كردفان.
ولولا الجهود الأهلية والتي درج القيادي بحزب الأمة منصور زاكي الدين ورفاقه من الإدارة الأهلية لواجهت المدينة صعوبات في اصلاح أعطال الكهرباء وكذلك الحصول على مياه الشرب من المصادر مباشرة، ومع ذلك تفرض قوات الدعم السريع رسوماً على سيارات نقل مياه الشرب وارتفع سعر برميل المياه ليبلغ 3 ألف جنيه.
الخدمات الصحية:
تأثرت المؤسسات الصحية بقطوعات المياه والكهرباء وتوقفت معظم المراكز العلاجية لعدم توفر المياه والكهرباء وندرة الوقود فضلاً عن أن العاملة مثل مستشفى الضمان ازدادت فاتورة العلاج فيها.
وفي السياق ذاته فشلت حكومة الوالي عبد الخالق عبد اللطيف في توفير رواتب الأطباء اللذين دخلوا في اضراب لعدة أشهر بمستشفى الأبيض وزاد الأمر سوء تعرضهم لمضايقات من ضباط بالفرقة أحياناً، ولاعتقالات من جهاز الأمن كما حدث قبل أيام حيث أعلن أطباء مستشفى الجميح لغسيل الكلى الإضراب بسبب اعتقال جهاز الأمن لعدد من الكوادر الصحية وإطلاق سراحهم بعد وقت قصير. ويواجه القطاع الصحي صعوبات في الحصول على المستهلكات العلاجية ومواد المعامل لأن معظم الوارد يأتي للمدينة بالتهريب.
الحركة التجارية:
شهدت بورصة محاصيل الأبيض تراجعاً في أسعار البيع والشراء، وأرجع تجار بالبورصة حالة الكساد التي تشهدها وقلة الوارد من المحاصيل إليها إلى الحصار المطبق الذي تفرضه قوات الدعم السريع على المدينة وسيطرتها على مداخلها الشمالية والغربية والجنوبية.
وبحسب التجار، مفارقة الأسعار تعود إلى الجبايات التي تفرضها قوات الدعم السريع على المحاصيل الواردة إلى البورصة من مناطق الانتاج وإذا كان (الفول السوداني) سعره في مناطق الإنتاج في غبيش والفولة والنهود بولاية غرب كردفان في الموسم الماضي لا يتجاوز (320) ألف جنيهاً للقنطار الواحد بلغ سعره بالبورصة (700) ألف جنيهاً، وذلك بسبب الجبايات (الرسوم غير القانونية) التي تحصلها قوات الدعم السريع المسيطرة على الطريق المؤدي إلى مناطق الانتاج والتي تبدأ نقاط (ارتكازها) من منطقة (أم صميمة).
وكشف التجار عن أسباب أخرى للكساد الذي يسود البورصة تمثلت في قطوعات الكهرباء المستمرة التي أعاقت انتاج مصانع الزيوت فضلاً عن الندرة في الجازولين وغلاء أسعاره، ومغادرة المستثمرين الهنود وغيرهم من اللذين كانوا يعملون في شراء محاصيل الفول والصمغ العربي.
وقالوا إن سعر قنطار السمسم يبلغ الآن (56) ألف جنيهاً والصمغ العربي (120) الف جنيهاً والكركدي (55) ألف جنيهاً، أما الذرة فإنتاجها هذا العام بولاية شمال كردفان ضعيف جداً لعدم زراعتها من قبل المزارعين وتأتي للبورصة من القضارف وسعر الأردب (90) ألف جنيها، وذلك لأن قوات الدعم السريع تفرض على كل عربة قادمة للأبيض عن طريق أم روابة أو بارا (300) الف جنيهاً ومما أثر على حركة التجارة أيضاً انقطاع الاتصالات.
ويرى التجار أن حركة التجارة مستمرة حيث تسمح قوات الدعم السريع بدخول البضائع إلى الأبيض مشيرين إلى أن الرسوم التي تتحصل عليها تزيد من أسعارها.
وفي السياق ذاته تسمح القوات بالبصات السفرية بالحركة في طريق الأبيض كوستي.
وكذلك سمحت لقوات حركة تحرير السودان بقيادة مناوي بالعبور لتوصيل الإغاثة في دارفور ودخلت المدينة كثير من البضائع بصحبة قافلة الإغاثة.
أوضاع النازحين ومراكز الإيواء:
احتدام المعارك وتركيز القصف المدفعي للجيش على الأحياء الغربية التي تتواجد فيها قوات الدعم السريع جعل المواطنين ينزحون منها لمدراس الأحياء الشرقية، كذلك المواجهات القبلية في جنوب كردفان جعلت مواطنين ينزحون منها إلى الابيض بعضهم استقر في مناطق سيطرة الدعم السريع في الجنوب الغربي وبالقرب من مصادر المياه الجنوبية، وجزء آخر توغل إلى داخل المدينة وسكن في مدارس حي فلاتة، وتعاني معسكرات من رداءة الخدمات الصحية وعدم الاهتمام الحكومي وغياب المنظمات الانسانية ولا تنشط بها غير مجموعات قليلة من الشباب.
تعهدات واستنفار:
في اللقاء الذي جمع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو مع تنسيقية القوى الديمقراطية (تقدم) برئاسة د. عبد الله حمدوك تعهد حميدتي بعدم هجوم قواته على الأبيض والفاشر، وهذا يعني أن استراتيجية الدعم السريع هي حصار الابيض ومواصلة ذلك مهما كانت التكاليف التي بلغت مداها بعد سقوط مدني على يد قوات الدعم السريع حيث تفاقمت معاناة المواطنين بعروس الرمال فقد كانت معظم احتياجاتهم تصلهم من مدني والقضارف فيما تتعالى الأصوات منذرة بفشل الموسم الزراعي الصيفي وبالتالي حدوث مجاعة.
وتحتضن الأبيض أكبر سوق للصمغ العربي وهي السلعة الوحيدة التي سمحت الولايات المتحدة بتصديرها إلى واشنطن خلال توقيعها عقوبات اقتصادية على حكومة البشير وذلك لأهميتها الاستراتيجية التي يتسامع الناس أن الدعم السريع سيمنع تصديرها هي الأخرى والماشية كواحدة من أسلحته في الحرب على حكومة البرهان.
تبقى الأبيض مدينة استراتيجية بالنسبة للدعم السريع وذلك لموقعها الرابط بينها والطرق المؤدية لدارفور حيث يأتي الإمداد اللوجستي للدعم السريع، هل ستعيش في هذا الحصار المطبق أم تنتفض (الهجانة أم ريش) وتتقدم لفك حصار عروس الرمال؟
(#) تم إنتاج هذا المحتوى ضمن حملة #ساندوا_السودان التي أطلقها (منتدى الإعلام السوداني) والتي تهدف إلى لفت الانتباه إلى الكارثة الإنسانية وتدارك المجاعة ووقف الانتهاكات في السودان، وتنشر بالتزامن في منصات 27 مؤسسة ومنظمة صحفية وإعلامية مشاركة في الحملة.
#ساندوا_السودان
#Standwithsudan