ضحايا الاختفاء القسري.. ارتفاع في الإحصائيات مع توسع رقعة الحرب
امستردام: 2 يوليو 2024: راديو دبنقا
ظاهرة المفقودين أو المختفيين قسريًا تفاقمت منذ بداية الحرب حيث درج طرفي الحرب، الجيش والدعم السريع على احتجاز المدنيين ووضعهم في معتقلات بعيدًا عن الأطر القانونية ودون معرفة أسرهم الأمر الذي يشكل جريمة ترقى إلى جرائم الحرب، وتواجه أسر المختفيين قسريًا صعوبات بالغة في الوصول إلى معلومات عن ذويهم.
برنامج “في الميزان” استضاف عددا من المحاميين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
تعدد حالات الاختفاء:
المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان عثمان بصري ذكر لبرنامج “في الميزان” الذي يبث أسبوعيا في “راديو دبنقا”، أن الاحتجاز غير المشروع عرفته اللجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية، بأنه تدخل في حياة الإنسان بغير نص القانون، وفي القانون السوداني هو الاحتجاز غير المشروع ويعني تغيير اتجاه الشخص أو اعتراضه، هذا هو التعريف الموجود.
أما الاختفاء القسري، كما يوضح بصري، فهو اعتقال شخص أو احتجازه أو اختطافه، وكلها تعني أفعال غير مشروعة، ويرتبط ذلك بأن موظفي الدولة أو الأشخاص الذين يعملون بموافقة الدولة وعلمها، بعد أن يحتجزوا أو يختطفوا أو يعتقلوا الشخص ينكرون وجوده معهم ويحرمونه من الحماية القانونية.
ووفقًا لذلك يرى بصري أن الاحتجاز يبقى واحد من عناصر الاختفاء القسري التي تكتمل بإنكار الجناة لوجود الشخص معهم ويحرمونه من الحماية القانونية، واعتبر أن ذلك يؤدي إلى أن الشخص يصبح غير محمي بأي قانون ويبقى عرضة لأي انتهاكات تتم من قبل هؤلاء المختطفين، ويوضح بصري بأن لا فرق بين الاحتجاز غير المشروع والاختفاء القسري والاختطاف، فكلها عناصر الاختفاء القسري.
الأرقام أكبر من المعلنة:
الصحفي بـ”راديو دبنقا” عبدالمنعم مادبو طرح على المحامي أمير محمد سليمان، مدير البرنامج القانوني بالمركز الافريقي لدراسات السلام والعدالة، حول رصد وتوثيق حالات الاختفاء القسري بالسودان، والذي أشار إلى أنها مسألة ممتدة وقديمة منذ قدم التاريخ في السودان.
ويشير سليمان إلى أنه في الفترة الاخيرة بعد حرب 15 أبريل 2023م، ازدادت حالات الاختفاء القسري وفي كثير من الحالات يتهم فيها طرفي النزاع سواء كان الجيش أو قوات الدعم السريع، ويقول إن الناس يتحدثون عن وجود مراكز اعتقال غير معروفة وفي كثيرين من الناس نجحوا في أن يهربوا أو يطلق صراحهم من هذه المراكز تحدثوا عن ان هنالك انتهاكات كثيرة جدًا وأشكال التعذيب كثيرة والاهانة والمعاملة غير إنسانية وأن هنالك حالات وفيات أثناء الاعتقال.
ويرى المدافع الحقوقي أمير سليمان في حديثه لبرنامج “في الميزان” أن هذه الظاهرة تتطلب تدخل دولي عاجل كما تتطلب من طرفي الحرب الآن أن يعملوا على إنهاء هذه الظاهرة، مشيرًا إلى أن جريمة الاختفاء القسري تعتبر واحدة من الجرائم التي يمتد اثرها لغير الضحية تتجاوزه للأسرة ولزملائه في العمل لقبيلته، وحتى للمجتمع الذي يقيم فيه.
اختفاء النساء والأطفال:
وينتقل مدير البرنامج القانوني بالمركز الإفريقي لدراسات السلام والعدالة، للحديث إلى بروز ظاهرة الاختفاء القسري التي يقول بأن معظمها كانت محصورة وسط الرجال إلا أنها شملت الاطفال والذين يتم استهدافهم بغرض تجنيدهم عسكريًا، ويؤكد على أنها أصبحت ظاهرة موجودة.
كذلك يشير إلى أن ظاهرة الاختفاء القسري وسط النساء والفتيات قد تفشت في الآونة الأخيرة، وأنهن يتعرضن للكثير من الممارسات التي ترقى لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية منها العنف الجنسي، الاسترقاق والسخرة في المنازل، ويضيف قائلا: الدعم السريع تحديدًا متهم بارتكاب مثل هذه الجرائم ثبت ذلك في كثير من الحالات التي تم رصدها وتوثيقها.
ويقول إن هنالك ادعاءات كثيرة بأن الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش السوداني هي الأخرى تمارس الاعتقالات على أساس الهوية فعلى سبيل المثال يتم توقيف بعض المشتبه بانتمائهم لبعض القبائل التي تمثل حواضن اجتماعية لقوات الدعم السريع، وأي شخص ملامحه او قبيلته تتوافق مع قوات الدعم السريع، هذا الأمر يعرضه للخطر.
قيادة الطرفين:
وينوه المحامي والمدافع الحقوقي أمير محمد سليمان إلى أن شريحة الأسرى العسكريين، البعض يكون في حالة اختفاء قسري نتيجة للأسر، ويقول في هذا الصدد مفهوم أن اتفاقيات جنيف تتعامل مع مثل هذه الحالات والصليب الاحمر يقوم بدور في الإشراف على تسليم الأسرى وكذلك الطرفين يتعاملان معًا على حسب ما يتفقا عليه في عملية تبادل الأسرى.
وحول أعداد المختفين قسريًا يقول سليمان أن البعض يقول إنهم ألف ضحية وآخرين يتحدثون عن أنهم أكثر من ذلك، لكنه يرى أن الاحصائيات الموجودة للأسف غير دقيقة ويؤكد أنها أكبر من المعلن عنها، ويقول بالتأكيد المناطق التي يدور فيها النزاع ويتواجد فيها المتحاربين من الصعب الحصول على المعلومة الحقيقية فيها. ويشير إلى أن المخفيين قسريًا يمكن أن يكونوا عدة ألوف ويكون معظمهم من المدنيين وهؤلاء ليس لديهم أي ذنب ولا علاقة بالنزاع الحاصل بين الطرفين.
“وديتوهم وين”
الناشطة المدنية رانيا محمد المحامية عضو حملة “وديتهم وين” تحدثت عن دور المنظمات والمبادرات الوطنية في مكافحة ظاهرة الاختفاء القسري، وتشير إلى أن ظاهرة الاختفاء القسري تعد واحدة من الممارسات التي كان يتخذها النظام السابق، كسياسة قمع وسلاح دي ضد السياسين والمعارضين المدنيين. وتقول إن ظاهرة الاختفاء القسري انتشرت في شمال السودان ودارفور وجنوب السودان، وتضيف في فترة ثورة ديسمبر تحديدًا بعد فض اعتصام القيادة العامة ازدادت أعداد المفقودين بشكل كبير وتكدست الجثث في المشارح لأسباب كثيرة وذلك لتورط السلطات في الجريمة وعدم رغبتها في كشف الحقيقة ومحاسبة المتورطين وتباطؤها في الإجراءات القانونية.
وتشير المحامية والمدافعة الحقوقية رانيا محمد في حديثها لبرنامج “في الميزان”، إلى أن لجنة المفقودين التي انشئت لاحقًا بعد توقيع السودان على اتفاقية حماية جميع الاشخاص من الاختفاء القسري في 2021م، عانت كثيرًا في أنها تقوم بدور المنوط بها.
وتعتقد بأنه بعد حرب 15 ابريل 2023م ازدادت أعداد المفقودين بشكل كبير وكان لابد من تحرك الأجسام المدنية والحقوقية، وتشير إلى أن واحدة من تلك الأجسام تتمثل في حملة “وديتوهم وين” التي تضم أجسام حقوقية ومهتمة بالملف يصل عددها إلى ثمانية أجسام من ضمنها الجبهة الديمقراطية للمحامين، مبادرة مفقود، المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري، وأجسام إعلامية من بينها منبر المغردين وشبكة الصحفيين السودانيين، وأيضًا مبادرة لا لقهر النساء وشبكة صيحة وكذلك الفنانين التشكيلين السودانيين.
وتشرح رانيا بشكل مختصر، نشاط حملة “وديتوهم وين” بأنها قامت ببعض الإجراءات جزء منها كان إعلامي جزء قانوني، وتقول إنَّ الحملة قدمت مذكرة لمجلس حقوق الانسان والاتحاد الافريقي وساهمت أيضًا في تقرير الامين العام المقرر عرضه في نيويورك سبتمبر 2024م، وتضيف بأن الحملة ما زالت تواصل في أعمالها للكشف عن ضحايا الاختفاء القسري في السودان وأماكن إخفاؤهم وستواصل عملها في هذا الإطار. وتكشف عن خطة الحملة والتي تشمل في الفترة القادمة اجتماعات لها مع جهات اقليمية ودولية.
القانون الدولي:
وحول كيفية معالجة القانون الدولي لجريمة الاختفاء القسري يرى منعم ادم، مدير مشروع السودان لحقوق الانسان، أن جريمة الاختفاء القسري واحدة من الجرائم الموجهة ضد الاشخاص والجماعات وهي واحدة من الجرائم الدولية الكبيرة جدًا، التي انتبه لها العالم من زمن طويل لأنه تم ارتكاب كثير من الجرائم في سياق القانون الدولي.
ويقول في حديثه لبرنامج “في الميزان” إنه في السياق القانوني الدولي تم تصميم بعض الاتفاقيات الدولية وعددها كبير واهتمت بهذه الجريمة منذ زمن طويل، والاختفاء القسري يعرف بأنه هو اختفاء الأشخاص، أو اعتقالهم، أو احتجازهم أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية إذا كان تم على يد أشخاص موظفين أو يمثلون سلطة أو يمثلون جهة رسمية أو حصل لهذه المجموعات إرغام ضد إرادتها، يؤكد أن ذلك يمثل مخالفة دولية ونصت عليها معاهدات مختلفة.
ويشير آدم إلى أن الاتفاقية المذكورة تمت صياغتها في العام 2006م ودخلت حيز التنفيذ في حوالي عام 2010م، وفي هذه الفترة تم التعريف المنضبط لمسألة الاختفاء أو الاخفاء القسري وتم تشكيل هيئة من الأمم المتحدة باسم مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة لجريمة الاختفاء القسري.
ويقول إنَّ هذه المجموعة تتبع للأمم المتحدة ومصنفه للنظر في جريمة الاختفاء القسري وهي تقبل الشكاوي والطلبات، من الأشخاص والمنظمات والهيئات المختلفة فيما يتعلق بأي ملابسات تتعلق بجريمة إخفاء أشخاص أو جماعات تحت هذه الاتفاقية.
ويقول إنَّ من أهم الاتفاقيات الدولية الاخرى هي ميثاق روما الذي نص على جريمة الاختفاء القسري باعتبارها واحدة من الجرائم ضد الإنسانية وتنص على أن المحكم لديه الحق في ملاحقة الأشخاص.
اتفاقية أمريكية:
ويرى أن هنالك اتفاقيه أخرى معنية بالقارة الأمريكية نصت على أن جريمة الاختفاء القسري تعتبر جريمة ضد الانسانية، ويجب منح الأشخاص أو الأسر الحق أولًا في المطالبة بإظهار حالة الأشخاص المخفيين قسريًا، ولديهم الحق في المطالبة بالتعويض وفي تنظيم التجمعات والعمل المشترك لكي يتحصلوا على معلومات كافية فيما يتعلق بالأشخاص المخفيين قسريًا.
ويعتقد أن هذه سبل الحق في التقاضي أو المطالبة بالحق في أن الشخص يجب أن يتم إظهاره أو الجهة التي أخفته يجب أنها تلتزم بالتعويض أو منح الأسر الحق في تحدد أيام لأنهم يعيدوا فيها الذكرى وغيره.
ويقول مدير مركز السودان لحقوق الإنسان منعم آدم دخلت طبعاً اجراءات أخرى متعلقة حتى في مسألة العدالة الانتقالية في بعض الأنظمة تم وضعها كواحدة من الركائز الأساسية لأنه إذا كان تمت عملية الإخفاء القسري للجماعات أو الأشخاص أن يكون لهم الحق في محافل للذكرى وينظموا أيام لذكرى الاشخاص المخفين قسرياً لحوادث محددة او لحقب زمنية محددة.
الاتفاقية الأوربية:
وفي رده على سؤال حول الدور الذي يمكن ان تلعبه المنظمات الدولية والإقليمية في علاج قضية المختفيين قسريًا، رد قائلًا بأن هنالك واحدة من أكبر الاتفاقيات الدولية التي نصت بشكل مفصل الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان والتي يرى أن جهات دولية كثيرة استفادت منها.
ويعتقد أن الاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان ربطت بين الاختفاء القسري بالحق في الحياة والحظر من التعذيب، والحد من الحرية والأمان والحق في أن الشخص ألا يتعرض للسخرة وغيره دي. ويعتبرها واحدة من الاتفاقيات المهمة جدًا ويقول إن القانون الدولي العرفي استهدى بالتاريخ المتعلق بالمعاهدات الدولية.
كما أن اتفاقيات جنيف والبرتوكولات الإضافية، كما يقول، نصت بشكل صريح في أغلب الفصول على أن الأشخاص يجب أن لا يعرضوا للاختفاء القسري ويصنفها كواحدة من الجرائم المعرفة في اغلب المعاهدات الدولية بانها جريمة ضد الانسانية لأنها تقع على الشخص من حوله من أسرته وأصدقاؤه محبيه.
المنظمات الوطنية:
يرى منعم آدم المحامي أن المنظمات الوطنية تلعب دورًا كبيرًا بالتعاون مع المنظمات الدولية والجهات المتخصصة في توفير المعلومات وأن المنظمات الوطنية على سبيل المثال لديها الحق في التواصل مع الاشخاص، وإجراء المقابلات وجمع المعلومات والتأكد من صحتها والتواصل مع الأسر. وهذه الطلبات يمكن تقديمها بالتعاون مع منظمات إقليمية أو دولية تشرع في مسألة تقديم الطلبات لمجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة أو الهيئات الأخرى حسب الحال.
ولا يرى أية غضاضة في أن يشكلوا مؤسسة مثلما حدث في تشكيل تجمع باسم، أسر شهداء ضباط 28 رمضان، فأسرهم شكلت هيئة كانت تطالب بشكل مستمر بالحصول على معلومات فيما يتعلق بذويهم الذين تم اخفاءهم قسريًا، معتبرًا أنه حق مشروع في أنهم يطالبوا بحقهم بشكل جماعي وأن يطالبوا بالتعويض وبالاعتذار أو الدخول في إجراءات تتعلق بالعدالة الانتقالية أو العدالة الوطنية.