صلاح شعيب: الحركة الإسلامية: على هامش شائعة اغتيال بكري
21/10/2017 20:19
راديو دبنقا
تكاثفت أربع محن أمام الممسكين بزمام البلاد في بحر الأسبوعين الماضيين. فما إن هدأت الزفة حول موضوع فضيحة الدبلوماسي إلا …
صلاح شعيب
تكاثفت أربع محن أمام الممسكين بزمام البلاد في بحر الأسبوعين الماضيين. فما إن هدأت الزفة حول موضوع فضيحة الدبلوماسي إلا وارتدفت بشائعة قوية عن سماح نافذين في السلطة بسفر رجل أعمال اتهم بجرائم جنسية. ثم جاءت شائعة اغتيال بكري حسن صالح، والتي ما تزال ترن أصداؤها في الأثير، تزامنا مع إلغاء مؤتمر الحركة الإسلامية المزمع عقده هذه الأوان. هذا بخلاف انشغال الناس في وسائط التواصل جميعهم بنشر فضائح أطلقتها برلمانية عن نافذين في الحكومة وسببت حرجا بالغا في المشهد السياسي. وما يهمنا من كل هذا هو التطرق لبعض الرؤى التي جددت التحليلات حول غياب دور الحركة الإسلامية وسط هذه التخبطات التي تشهدها البلاد، وعلاقة هذا الغياب بالغبن الذي اعترى بعض تيارات الإسلاميين المتصارعة ما أدى لربطه بحادثة طائرة نائب الرئيس.
والحديث عن غياب الحركة الإسلامية يتخذ مناحٍ عدة. فهناك من يقولون من الإسلاميين الناقمين والمعارضين أيضا بوجود تبدل في سياسات الدولة ما يشئ بأن هناك خطوة لاحقة لضرب الإسلاميين. ويربط هؤلاء هذا الأمر بتحقق سيناريوهات عقب الأعوام التي تلت إعفاء علي عثمان ونافع وبلغت ذروتها في مخاصمة إيران إلى رفع العقوبات، إذ ترى جهات أن ما وراء هذا التطور في ظل التقارب الخليجي غموضا يخصم من رصيد الإسلام السياسي ولا يضيف إليه في خاتم المطاف. وبالنظر إلى كل هذه الفرضيات، وهناك أخرى كثيرة، فإن الحركة الإسلامية في رؤى بعض المعلقين أنها انتهت عمليا بجانب مشروعها، وكأن هذا يعني بالضرورة إعلان براءة الإسلاميين مما يجري في البلاد الآن أكثر من براءة تنظيمهم الهيكلي، على ما في ذلك من مشقة منطقية. ذلك على اعتبار أن هناك أهداف وراء هذه الكتابات بأن الإخوان المسلمين لا علاقة لهم بالسلطة الآن، وأن حركتهم التي يقودها الزبير محمد الحسن هُمشت ما يعني تبعا تهميشا للإسلاميين في الحكم. والأبعد من ذلك فإن هناك إسلاميين كثر يرون أن المؤتمر الوطني لا يمثل الحركة الإسلامية ويحملونه المسؤولية وفقا لذلك، ما يعني أيضا براءة الإسلاميين من رفع أثقال الدولة التي أرهقتهم بجانب تنظيمهم. وبين هذه الرؤى وتلك يلحظ المرء كأن هناك محاولات تستبق الغد القاتم للإسلاميين حتى ينجوا من المسؤولية. وعلى النقيض يبدو وسط هذه التكهنات كأننا مقبلون نحو تغيير جوهري في الحكم يدبر له من يدبر وسط الإسلاميين.
ولكن حتى الآن فالحركة الإسلامية هي الدولة والعكس صحيح. إنهما تؤام سيامي. هكذا تخلق بعد انحلال روح الحركة في جسد البلاد. أو على حسب قول الشاعر: "أصبحنا رغم البين روح واحدة في جسدين". فجسد الدولة يعرف الآن بماهية روح الحركة الإسلاموية. وجسد الحركة يسلم بسلامة روح الدولة السفينة التي تتجاذبها الأنواء. فمنذ سيطرة الإخوان المسلمين في السودان لم يتغير شئ في البنية الفلسفية للسلطة. ففقه السلطة ما يزال إسلامويا. كل الظروف التي عاشتها الدولة – الحركة، أو الحركة – الدولة، لا تعدو إلا أن تكون تنويعا لقبضة إسلاميين على السلطة. مدرسة نافع اللئيمة إزاء مدرسة غندور المتصنعة للوداعة. إنه تنويع يحمل بصمات أبناء الحركة الإسلامية، ولا بد أن تتمايز. ولكنها في آخر النفق تحكي عن فكرة صمدية. يتبادل أبناء الرعاة والمزارعين هؤلاء الكراسي، ولكنهم لم يتخلوا عن جوهر الإسلام السياسي. وبطبيعة أي اجتماع بشري فلا بد أن يأتلفوا ثم يختلفوا. يبتعد الترابي عن الحكم ولكن الذين ورثوه هم عماد تيار ضده من داخل بيت الجاك وليس خارجه. نحن ما نزال نتأثر بتشريعهم، وعملهم التنفيذي، ونوع قضائهم الناجز ضد الخصوم والساتر لعضويتهم. وإسلاميو الوطني والشعبي لا يختلفون في مقاصد الحكم هذه وإنما يختلفون حول تهميش بعضهم بعضا. وإذا أحسنا الظن في الذين يغردون الآن خارج السرب فإنهم يختلفون في تكنيك قيادة الاستبداد الذي اتفقوا جميعهم ليكون ميسم تجربتهم. فالاختلاف داخل الشعبي اليوم هو مماثل لاختلاف عضوية الوطني بعضها بعضا. اختلاف جوهره حصد السلطة.
كل الأفكار التي يحملها الإسلامي قبل الوصول إلى السلطة بقيت هي رغم هول التجربة. لم نجد من الإسلاميين من أصدر كتابا ناقدا لجوهر الفكرة بينما خلت مراجعات أكثر المتطرفين منهم ضد المؤتمر الوطني من الكفران بالفكرة. كل ما قرأنا من كتب، ومقالات، لمن يصدرون من موقع الإصلاح يتناولون التكتيك المتبع في تنفيذ المشروع. ولكن لا أحد ينتقد الفكرة التي أفضت بهم وبنا إلى هذا الواقع البئيس. وما الذي يتوقعه المرء في الأخ المسلم غير أن ينتهي إلى ما انتهى إليه إما قاتلا، ومغتصبا، وفاسدا، أو مستثمرا في الصين، أو جاسوسا مندسا وسط الشرفاء، ولو كان قد خلا من كل هذه الموبقات فإنه لن يجهر بتخليه عن الفكرة، أللهم إلا قلة. فالحقيقة أنه ليست هناك صورة مثالية يمكن أن نفترضها لمن يتبنى فكر البنا وسيد قطب فلا منجاة له من حلم الوصول للسلطة وإنتاجقهر السلطة. هؤلاء هم الإخوان المسلمون عندما اختبرتهم الدولة، أو اختبروها. وصحيح، وليس صحيحا، في الوقت نفسه أن الدولة ابتلعتهم. لم تبتلعهم الدولة كون أن فكرهم مسمد برغبة للاستحواذ على مصادر الدولة لتحقيق فكرة نشر لواء الإسلام الذي يعرفونه وحدهم. وابتلعتهم الدولة لكون أن ديناميكية المتسلط لا بد أن تستجيب لمقتضى إرادتها.
فعلى عكس ما يردده إسلاميون الآن حتى صدقهم معارضون مستنيرون فإن محاولة القول إن الذين يحكمون البلاد مجرد لصوص وليسو إخوان الحركة الإسلامية فهذا قول اعتباطي. فالدولة العميقة في الخدمة المدنية، والقطاع الخاص، ينشط في قيادة تحريكها إسلاميون، لا أنصار سنة. أما نسبة الانتهازيين الذين وظفتهم الحركة الإسلامية في تنويعاتها للحكم فهم قد أسهموا في تثبيت دعائمه. ولا ندري سبب الشكوى من بكري والذي حمل روحه يومذاك من أجل التمكين. أهو دوره المميز في الحركة الإسلامية أم مأمون حميدة الذي يعد مثالا عالميا في انتهاك شفافية الحكم؟. والسخف هنا يتجلى في محاولة الفصل بين العسكريين وبقية المهنيين، إذ أننا ندرك أن من فقه الحركة أن تتكامل أدوار عضويتها. وليس صحيحا ما عده الدكتور التيجاني عبد القادر اكتشافا بأن ثالوث الأمن والجيش والسوق يتحكم في البلاد. فهؤلاء إخوانه بالرضاعة من بزة الفكرة. اقتضى التمكين أن تسيطر الحركة على هذا الثالوث الذي أشار عالم الاجتماع بن خلدون الى أهميته في تمكين شوكة الحاكم. وبينما كان التيجاني ينام في بيته مستأمنا بأنه لن يصحى بخبر انقلاب كان زملاؤه يمددون في هنائه حتى يحلم بليلة القدر. وما هو الفرق بين رجل الأمن، ووزير الخارجية، أو الكاتب الصحفي، أو الطالب، داخل منظومة الإسلاميين، ألا هم المتناوبون في الأدوار لصالح الاستحواذ على السلطة.؟
إن صحت شائعة اغتيال بكري أو لم تصح، فهي كإشاعة مظهر من مظاهر صراع الإسلاميين حول السلطة. ومهما يكن من أمر فإن تطورات الأسبوعين الماضيين تمثل بصورة عامة إفرازا طبيعيا لحكم الإخوان المسلمين سواء حكموا البلاد بحركتهم، أو بأشخاصهم. إنهم يتحملون المسؤولية كاملة أمام شعبهم الذي أذاقوه مر الذل، الهوان، وشاركوا جميعا في تحطيم مكتسبات البلاد. وفي كلا الحالتين لا يغنينا غياب الحركة الإسلامية، أو انحلالها في جسد الدولة العميقة، من القول إن مسؤولية إهدار دماء السودانيين وحدها يتحملها كل فرد ظل نصيرا للحركة الإسلامية وجهازها السلطوي الذي يتبادل عضويتها بين قيادته الحين والآخر.