صرخة استغاثة من الدلنج: شبح الجوع يحاصرنا
جنوب كردفان: أمهات يطعمون أطفالهن أوراق الأشجار
الدلنج 22 يوليو 2024 – تطلق صفية جبران إحدى السيدات المقيمات في مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان السودانية صرخة استغاثة جراء شبح الجوع الذي بات يحاصرها وجميع السكان في منطقتها وسط غياب تام لكآفة أشكال المساعدات الإنسانية.
ولم تجد صفية وبعض مواطني الدلنج غير ورق الأشجار ومخلفات غذائية تستخدم كأعلاف للحيوانات مثل “الأمباز” وهو متبقي الفول والسمسم بعد أن يستخرج منهما الزيت وذلك بعدما وجدت نفسها عاجزة عن شراء المواد الاستهلاكية بما في ذلك الذرة التي ارتفعت أسعارها بشكل كبير وصل إلى 4 أضعاف خلال الثلاثة أشهر الماضية وفق ما روته بحسرة لـ”سودان تربيون”.
وتعيش الدلنج وبعض مدن ولاية جنوب كردفان بما في ذلك عاصمتها كادوقلي، تحت ما يشبه الحصار الكامل فرضته خارطة السيطرة الميدانية لأطراف الحرب الثلاثة بولاية جنوب كردفان وهي الجيش وقوات الدعم السريع والحركة الشعبية – شمال، قياد عبد العزيز الحلو فقد تم إغلاق كافة المسارات الحيوية الامر تسبب في إعاقة إنسياب السلع الغذائية.
ومنذ إندلاع الحرب في السودان قبل أكثر من عام ظلت المناطق الغربية من ولاية جنوب كردفان خاصة كادوقلي والدلنج تعتمد في الإمداد السلعي على سوقي “النعام” في الحدود مع دولة جنوب السودان حيث تصل إليه البضائع من دولة جنوب السودان و”أم جمينا” في ولاية غرب كردفان، لكن مؤخراً فرض أطراف الصراع قيودا على الحركة وصلت حد مصادرة شاحنات البضائع وإستخدام العنف ضد التجار الأمر الذي دفعهم إلى الإمتناع عن جلب السلع مما قاد إلى ندرة وغلاء طاحن.
غلاء طاحن جعل صفية جبران وهي أم لخمس أطفال تجأر بالشكوى من صعوبات المعيشة بعدما صارت عاجزة عن شراء إحتياجاتها من المواد الغذائية فهي بلا أي مصدر للكسب المالي في الوقت الراهن.
أرقام فلكية
تقول جبران لـ”سودان تربيون” “هناك ارتفاع غير مسبوق في الأسعار بالدلنج، إذ بلغ سعر جوال الذرة 300 ألف جنيه، ووصل سعر الكيلو من دقيق القمح والأزرق 5 الاف جنيه، كما ارتفعت أسعار معظم السلع الاستهلاكية إلى ارقام فلكية لا يستطيع عليها المواطنين في ظل توقف الموارد ونفاد المدخرات”.
وتضيف “أغلب سكان الدلنج لاسيما النازحين في مراكز الإيواء لجأوا إلى أكل ورق الأشجار ومخلفات الامباز من أجل المحافظة على حياتهم. كل الطرق المؤدية إلى المدينة مغلقة .. نحن بحاجة إلى إنقاذ وتدخل سريع الناس هنا يموتون بسبب الجوع”.
ويقابل حالة الغلاء الطاحن انعدام في السيولة النقدية “الكاش” وهو ما يفاقم معاناة المواطنين، إذ يضطر المواطن إلى اجراء معاملاتهم التجارية عبر التطبيقات المصرفية في ظل تدهور خدمات الاتصالات والانترنت وفق صفية.
وتأوي الدلنج وهي ثان أكبر مدن ولاية جنوب كردفان بعد العاصمة كادقلي الاف النازحين الذين فروا إليها بسبب المعارك العسكرية في منطقة هبيلا، وهم يقيمون في عدد من مراكز إيواء تنعدم فيها ابسط مقومات الحياة ويتوقف معاشهم على جهود محدودة يقودها شباب في غرف الطواريء.
من جهتها تحكي مريم أرزق وهي نازحة في الدلنج بحسرة عن معاناتها في الحصول على الطعام من أجل إنقاذ أطفالها وقالت لـ”سودان تربيون” إنها تستيقظ يوميا بعد صلاة الفجر للوقوف في صف طويل داخل مركز للإيواء للحصول على كمية قليلة من “العدس” بالكاد لا تفي لشخص واحد”.
وتضيف “الأطفال الآن يشربون الشاي من دون سكر ويتناولون وجبة واحدة في اليوم. نحن نعاني اجسامنا انتهت ويجب أن تكون هناك حلول وإذا استمر هذا الوضع على ما هو عليه فإن الناس سيموتون جوعا في القريب العاجل”.
الواقع نفسه، ينطبق على زينب عسكر وهي مواطنة من الدلنج إذ تقول لـ”سودان تربيون” “هناك ندرة في السلع حيث تم إغلاق الطرق ولا يسمح بدخول أي مساعدات إنسانية أو قوافل تجارية”.
وتضيف أن كثير من المواطنين باتوا يتعمدون على أكل “الجلود” من أجل الحفاظ على حياتهم من الفناء وفي الوجبات الأخرى يعتمدون على أعشاب يتم استخراجها من الجبال تسمى بـ”عرق النبي” و”الكول” وهي نبة يتم تخميرها ومن ثم تجفيفها وتعتبر من الوجبات الشعبية في السودان.
بضائع بالدواب
ويقر تاجر في سوق الدلنج بعدم قدرة المواطنين على شراء السلع لارتفاع أسعارها ووصولها لأرقام خيالية وقال لـ”سودان تربيون” إنهم يخاطرون بحياتهم من أجل إيصال البضائع في ظل التشدد من قبل الحركة الشعبية وقوات الدعم السريع في الطرقات ومصادرتها لأي بضائع داخلة للمنطقة.
ويضيف أنهم باتوا يعتمدون على الدواب “الحمير” و”الأبل” والابقار في إيصال السلع وعبر طرق وعرة يسيرون لأكثر من 12 ساعة.
ويقول عثمان وهو موظف في الدلنج لم يتقاضى مرتبه لأكثر من ستة أشهر إنه أصبح يتسول في سوق المنطقة من أجل الحصول على وجبة لأطفاله البالغ عددهم سبع وأضاف “أصبحت عاطلا ولا توجد فرص للعمل حتى الأعمال الشاقة غير متوفرة وأكثر من ستة أشهر لم اتقاضى مرتبي فلم يكن أمامي خيار لإنقاذ أطفالي من الموت سوى التسول للحصول على الغذاء”.
وأشار بأن الحصار الذي تتعرض له الدلنج من قبل أطراف الصراع هو حصار جائر وغير مبرر ودعا المتحاربين إلى مراعاة الظروف الصعبة التي يعاني منها سكان المدينة وفتح الممرات والطرق من أجل أن تصل الإغاثة.
وتحصلت “سودان تربيون” على تقرير أعدته مفوضية العون الإنساني في محلية الدلنج أشار إلى وجود نحو 41.132 نازح وصلوا إلى المدينة منذ 15 أبريل 2023، هذا بالإضافة إلى نازحين يقيمون في المنطقة منذ العام 2011 والذين يقدر عددهم بنحو 49.752 الف نسمة. فيما يبلغ التعداد السكاني للدلنج نحو 189.371 الف نسمة.
وقال التقرير إن سكان البلدة والنازحين في حاجة إلى احتياجات عاجلة تتثمل في “الذرة، دقيق، زيت، بصل، عدس”، بالإضافة إلى تدخلات عاجلة في مجالات الصحة والمياه وفي برامج التغذية والامومة والطفولة.
وطالب التقرير بتوفير مواد إيواء متمثلة في “مشمعات، بطاطين، فرشات، أواني منزلية، ناموسيات، جركانات مياه، ملابس، خيام” ونادى بإجراء تدخلات في الدعم النفسي والتوعية بمخاطر الأسلحة والذخائر غير المتفجرة.
حصار جائر
ويقول الناشط في العمل الطوعي رضوان رجب لـ”سودان تربيون” إن ما فاقم الوضع الإنساني والاقتصادي في الدلنج هو ما تتعرض له المدينة من حصار وصفه بالجائر من قبل قوات الدعم السريع التي تضييق الخناق على البلدة من الناحية الشمالية والشرقية وتمنع مرور المساعدات الإنسانية والقوافل التجارية إلى الدلنج. ونوه الى أن الحركة الشعبية شمال قيادة عبدالعزيز الحلو تحاصر الدلنج من الجهة الغربية والجنوبية وأن عناصرها لا يسمحون بمرور الذرة والدقيق بحجة أنها سلع استراتيجية يحظر تداولها إلا في مناطق سيطرتهم.
وأشار إلى أن المدينة في الأشهر الماضية كانت تصل إليها المواد الغذائية من سوق منطقة “انجمينا” نحو 50 كيلو متر غرب الدلنج وهي منطقة واقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية وتابع “لكن خلال الثلاث أشهر الماضية رفض عناصر الحركة الشعبية نقل البضائع إلى الدلنج وبداؤا في مصادرة أي مركبة تحمل بضائع”. ورأى بأن ذلك أسهم في حدوث ندرة كبيرة وانعدام تام لبعض السلع.
ونبه إلى أن الدلنج خلافا لسكان المدينة الأصليين فإنها تستضيف سكان مناطق “هبيلا، التنقل، الظلطايا، قردود وطي، التكمة” جميعهم وصلوا إلى المنطقة بعد إستباحت قوات الدعم السريع قراهم ونهبها لأموالهم والمحاصيل الزراعية والمركبات.
وكشف عن وجود أزمة حقيقية في الدواء الذي انعدمت عدد كبير من اصنافه وهو ما يهدد بوفاة أصحاب الأمراض المزمنة، داعيا الأطراف المتنازعة إلى فتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية والسماح للقوافل التجارية بالوصول إلى الدلنج.
وفي يناير خلال العام الجاري تعرضت الدلنح إلى هجمات عنيفة من قبل قوات الدعم السريع التي سعت للسيطرة على الحامية العسكرية في المنطقة قبل أن يتصدى لها الجيش مسنود بعناصر من الحركة الشعبية لتحرير السودان قيادة عبد العزيز الحلو ومجموعات من المقاومة الشعبية، ولكن الهجمات على المدينة التي استمرت لأيام أجبر أعداد كبيرة من سكان الأحياء الطرفية للفرار لوسط المنطقة خوفا من الاستهداف الذي اخذ يأخذ أبعاد قبلية بسبب حالة الاستقطاب الحاد بين المكونات السكانية في الدلنج.
(#) إنتاج هذا المحتوى ضمن حملة #ساندوا_السودان التي أطلقها (منتدى الإعلام السوداني) والتي تهدف إلى لفت الانتباه إلى الكارثة الإنسانية وتدارك المجاعة ووقف الانتهاكات في السودان، وتنشر بالتزامن في منصات 27 مؤسسة ومنظمة صحفية وإعلامية مشاركة في الحملة.
#ساندوا_السودان
#Standwithsudan