سيطرة الدعم السريع على الميرم.. بوابة السودان نحو الجنوب
أمستردام: 4 يوليو 2024: راديو دبنقا
بعد معارك جيل مويه وسنار وسنجة والدندر في ولاية سنار، عادت الأنظار من جديد إلى ولاية غرب كردفان التي شهدت تصعيدا عسكريا واسعا خلال الأيام الماضية. فبعد أقل من أسبوعين من سيطرة قوات الدعم السريع على حاضرة الولاية، مدينة الفولة، نجحت قوات الدعم السريع صباح اليوم في السيطرة على مدينة الميرم في أقصى جنوب السودان.
انسحاب قوات الجيش
ويظهر مقطع فيديو مدته 39 ثانية، راجعه فريق دبنقا للتحقق، لحظات دخول قوات الدعم السريع لمقر اللواء 92 مشاة، التابع للفرقة 22 مشاة والتي يوجد مقرها في بابنوسة وبدون أن تحدث معركة كبيرة بين الجانبين. ويصور مقطع الفيديو بوضوح بوابة الدخول الرئيسية لمقر اللواء 92 مشاة والتي لا يظهر عليها أثار معارك ما يؤكد المعلومات بانسحاب قوات الجيش التي كانت في مقر اللواء 92 مشاة إلى داخل حدود دولة جنوب السودان. ولم يجد فريق التحقق أي أثر لنشر سابق لتاريخ اليوم لمقطع الفيديو ما يؤكد أنه جديد وتم تصويره صباح الخميس 4 يوليو 2024. ولم ترد معلومات بشأن سقوط ضحايا بين المدنيين ما يشير إلى محدودية المعركة.
وبسقوط الميرم تكون الفرقة 22 بابنوسة فقدت حتى الآن حتى الآن أربعة ألوية و ثلاث حاميات وهي اللواء 89 مشاة بابنوسة، و اللواء 90 مشاة هجليج، اللواء 91 مشاة الفولة، اللواء 92 مشاة الميرم وحاميتي “القرنتي و الحلوف”، وحامية المجلد العسكرية.مما يعني أن الفرقة 22 بابنوسة تم خنقها بصورة شبه تامة مع خلو المدينة من السكان.
وبسيطرتها على مدينة الميرم، تفرض قوات الدعم السريع سيطرتها الكاملة على جزء كبير من حدود السودان وجنوب السودان يمتد من حدود منطقة أبيي، المتنازع عليها بين البلدين، وحتى الحدود المشتركة بين السودان وأفريقيا مرورا بولايات شرق دارفور وجنوب دارفور وسط دارفور وغرب دارفور التي تسيطر عليها بالكامل ولديها حدود مع دولتي أفريقيا الوسطى وتشاد وأخيرا ولاية وشمال دارفور التي تتواجد فيها عسكريا ولديها حدود مع تشاد وليبيا ومصر.
الموقع الجغرافي والأهمية العسكرية
وتقع الميرم في الجزء الغربي من ولاية غرب كردفان وعلى بعد 60 كيلومتر فقط من الحدود مع جنوب السودان ويصل عدد سكانها إلى حوالي 65 ألف نسمة. ويحدها من جهة الشرق خور الميرم ومن الجنوب غابة انابقاتو التي تستغل أخشابها في الصناعات الخشبية. وتجاور محلية الميرم منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان حيث تبعد من مدينة أبيي بحوالي 107 كيلومتر لجهة الشمال الغربي. وأقرب مدينة سودانية كبيرة قريبة منها هي مدينة المجلد الواقعة على بعد 99 كيلومتر إلى الشمال من الميرم ويربطهما طريق بري غير ممهد تصعب فيه الحركة وخصوصا في فصل الخريف الحالي. أما الضعين، عاصمة ولاية شرق دارفور، فتقع على مسافة 218 كيلومتر لجهة الشمال الغربي.
والميرم هي مقر اللواء 81 مشاة والذي يتبع للفرقة 22 مشاة ومقرها في بابنوسة التي تبعد حوالي 128 إلى الشمال من الميرم. وظلت الحياة في المدينة مرتبط بجنوب السودان قبل وبعد الانفصال حيث يمر بها طريق السكة حديد الوحيد الذي يربط ما بين بابنوسة ومدن واو وأويل في دولة جنوب السودان. كما أن موقعها الجغرافي القريب من مدينة بانتيو، عاصمة ولاية الوحدة (257 كيلومتر) ومايوم جعل منها منفذ تجاري هام بين دولتي السودان وجنوب السودان.
التركيبة السكانية والأنشطة الاقتصادية
ويقدر عدد سكان المدينة بما يزيد عن 65 ألف نسمة ويضاف إليهم أعداد كبيرة من لاجئي جنوب السودان بالإضافة إلى آلاف النازحين الذين وصلوا إلى المدينة بعد اندلاع الحرب في 15 أبريل 2024 وتوسعها إلى ولاية غرب كردفان. وتتوزع المدينة بين عدد من الأحياء الرئيسية التي تقطنها غالبية من قبيلة المسيرية بجانب بعض المجموعات القبلية الأخرى، الأمر الذي يوفر لقوات الدعم السريع بيئة مناسبة في السيطرة على المدينة. حيث اعتاد سكان المنطقة ومنذ حرب جنوب السودان على القتال عبر المليشيات القبلية المختلفة والحركات المسلحة وشكلوا النواة الصلبة لقوات الدفاع الشعبي عند تأسيسها في نهاية الثمانينات قبل أن يعاد تأطيرها أيديولوجيا إبان حكم الإنقاذ (1989-2019).
وبجانب طبيعتها الساحرة، تعتبر الميرم منطقة زراعية بامتياز وتتصدر محاصيل الكركدي والبطيخ والدخن والذرة قائمة منتجاتها بالإضافة إلى تربية المواشي والأنشطة التجارية المرتبطة بموقعها الجغرافي المتميز. وبعد انفصال جنوب السودان، وفي ظل التوترات السياسية التي تلته، تحولت الميرم إلى معبر لتهريب المنتجات السودانية إلى جنوب السودان وتنخرط أعداد متزايدة من أبناء في هذه المنطقة حاليا بعد أن أصبحت المدينة بوابة لإدخال الأغذية والأدوية وغيرها من الاحتياجات للمناطق التي انقطعت خطوط إمدادها في مناطق جنوب دارفور وغرب كردفان.
كارثة إنسانية جديدة
وصول الحرب إلى الميرم تسبب في كارثة نزوح إضافية منذ بداية الأسبوع الحالي. حيث رصدت مصادر محلية نزوح أكثر من 65 ألف من سكان المدينة والنازحين ولاجئ جنوب السودان وأن غالبيتهم اتجهوا نحو البلدات المجاورة وعبرت أعداد منهم الحدود في اتجاه دولة جنوب السودان. ومن المؤكد أن الحاجة الأولى لهؤلاء النازحين الجدد ستكون المأوى عبر توفير المشمعات والخيام بالنظر إلى أن الفترة الحالية تشهد هطول أمطار غزيرة ولا توجد أي بنيات أساسية كافية لاستقبالهم، وتحديدا المدارس.
ويواجه النازحون مخاطر مرتبطة بتلوث مصادر المياه وتوقف كل المرافق الصحية في الميرم والمناطق المجاورة لها عن العمل في ظل المخاوف من انتشار الأوبئة والأمراض بسبب تجمع مياه الأمطار في برك راكدة قد تمثل المصدر الوحيد لمياه الشرب للفارين من الميرم.
الوضع العسكري
اندلعت المعارك في الميرم صبيحة الأربعاء 3 يوليو 2024 بعد أن فرضت قوات الدعم السريع حصارا على المدينة استمر أسبوعين. وأعلنت قوات الجيش السوداني بالأمس على لسان ناطقها الرسمي، العميد نبيل عبد الله، أن قواتها نجحت في صد هجوم قوات الدعم السريع واستطاعت دحرها بعد أن كبدتها خسائر كبيرة.
وتتضارب الروايات حول أسباب انسحاب القوات المسلحة بعد 24 ساعة من بدء المعارك. حيث تحدثت مصادر محلية عن اتفاق تم إبرامه بين الطرفين بواسطة قيادات أهلية محلية يؤمن لقوات الجيش خروجا أمنا نحو دولة جنوب السودان، في مقابل تسليم مقر اللواء 92 بدون معارك. وهناك وقائع تعزز هذه الرواية والمتمثلة في خروج القوة المنسحبة من المدينة المحاصرة وعدم تعرضها للملاحقة وهي في طريقها لجنوب السودان بالرغم من أنها قطعت مسافة 60 كيلومترا على طرق غير ممهدة قبل أن تعبر الحدود.
وفيما يقول مناصرو قوات الدعم السريع إنهم دخلوا المدينة عنوة بعد هزيمة قوة الجيش الموجودة هناك ودفعها للفرار نحو جنوب السودان، يتبادل مناصرو الجيش رواية أخرى تتحدث عن نقص كبير في الامداد والذخيرة مما صعب مهمة القوة في الدفاع عن المدينة، كما أن الطيران تأخر عن التدخل في الوقت المناسب وجاءت غاراته بعد فوات الأوان.
لكن مقطع فيديو مدته 1 دقيقة و 15 ثانية يشير إلى عكس هذه الرواية. حيث يصور مقطع الفيديو، الذي تأكد فريق دبنقا للتحقق من صحته، عدداً من جنود قوات الدعم السريع وهم يستعرضون ذخائر متنوعة (قذائف صاروخية للراجمات، قذائف مدافع الهاون، وذخائر الرشاشات الخفيفة والثقيلة) داخل مخزن تحت الأرض في داخل مقر اللواء 92 مشاة تركتها قوات الجيش قبل انسحابها من المدينة.