طفل نازح من بابنوسة إلى الفولة - راديو دبنقا

كمبالا: 26 يونيو 2024: راديو دبنقا

تقرير: عبد المنعم مادبو

في غضون أشهر قليلة عاشت بثينة حماد حمدان، وهي ام لثلاثة أطفال، تجربتين مأساويتين مع النزوح. فقبل ثلاثة أشهر، اجبرتها المعارك بين القوات المسلحة والدعم السريع في مدينتها “بابنوسة” على مغادرة منزلها قبل أشهر فرار بأطفالها الثلاث شرقاً الى مدينة الفولة التي تبعد حوالي 75 كيلو متر.

تقول بثينة انها استأجرت منزلاً في أحد احياء مدينة الفولة وبذلك تعتبر نفسها أكثر حظاً من الاسر التي تم ايواؤها في مركز مقر السجل المدني الذي تعرض يوم سقوط مدينة الفولة في ايدي قوات الدعم السريع لقصف بالطيران الحربي أدى الى مقتل واصابة عدد كبير من المتواجدين في المركز.

هجوم وشيك

بحلول ليلة الاربعاء الماضي، رابع ايام عيد الأضحى المبارك، وبدون اية مقدمات- كما تقول بثينة حماد- تسربت الى سكان مدينة الفولة معلومات تفيد بأنه بات من المؤكد ان المدينة ستشهد هجوماً صباح اليوم التالي “الخميس” من قبل قوات الدعم السريع. وبحكم أن بثينة تعرضت لموقف مشابه من قبل في مدينتها بابنوسة، قررت المغادرة فوراً، فحملت أطفالها الثلاثة وخرجت لتجد اعداداً كبيرة من الأسر اتخذت ذات القرار واتجهوا شمالاً سيراً على الاقدام الى ان طلع عليهم الفجر في منطقة “ادومة” التي لا تبعد كثيراً عن الفولة، وشبهت الموقف في حديثها لراديو دبنقا بما يشابه يوم الحشر، فالنساء والاطفال وكبار السن والشباب الجميع يهرولون حاملين من الامتعة فقط ما يحتاجونه للجلوس عليه “بطانية او فرشة”.

تقول بثينة لراديو دبنقا “قبل ان نستجمع قوانا لمواصلة المسير اندلعت الاشتباكات بين الطرفين فلم نستطع التحرك وقضينا اليوم كله منبطحين على الأرض لا قادرين نتناول طعام ولا شراب ولا حتى الذهاب الى الحمام، لجهة ان الاشتباكات شديد وقذائف المعركة تتطاير فوق رؤوسنا”.

غارات جوية

 بحسب شهود عيان فإن معركة الفولة لم تستمر أكثر من ساعة، تمكنت خلالها قوات الدعم السريع من بسط سيطرتها على قيادة الجيش والمدينة بأكملها. لكن بعد سيطرة الدعم السريع على المدينة، شن الطيران الحربي غارات عنيفة استمرت- بحسب الشهود- لأكثر من ساعتين ظلت فيها الطائرات تحلق في سماء المدينة وترمي براميلها المتفجرة. وتقول بثينة حماد بعد ما سقطت المدينة في يد الدعم السريع جاءت الطائرة الحربية بعد ساعة تقريباً وقصفت عدة مواقع فكان الرعب أكبر، لأنها كانت تقصف- كما يبدو- بدون اهداف محددة فأصابت وقتلت الكثير من المواطنين، واضافت: كنا كذلك منبطحين في الارض على مدى ساعتين وهي تقصف مواقع مختلفة في المدينة.

ويقول المواطن الضاكر عيسى- الذي حمل اسرته على مركبته “التكتك” وتوجه غرباً الى إحدى القرى- إن الطيران الحربي قصف عدة مواقع في المدينة لكن يا للأسف لم يصب إلا المواطنين. واشار الى انه استهدف مجموعة من المواطنين كانوا يشيعون أحد معاشيي القوات المسلحة الذين لبوا نداء قائد الجيش للانخراط في القتال يدعى “حبيب” مبيناً ان القصف أدى الى مقتل “الهادي حبيب”، ابن المتوفي الذي تشيع جنازته، وأصيب بقية المشيعين بجروح متفاوتة. وذكر الضاكر لراديو دبنقا أن الطيران قصف كذلك مبنى الجوازات الذي تقيم فيه بعض الاسر التي نزحت من مدينة بابنوسة قبل شهرين، ما أدى الى مقتل 15 نازح بينهم نساء واطفال.

لكن غرفة طوارئ بابنوسة قالت إن الغارة الجوية التي استهدفت مركز السجل المدني بمدينة الفولة أدت الى مصرع حوالي 20 شخصاً بينهم اسرة مكونة من 8 اشخاص. وذكرت- في تعميم صحفي حصل عليه راديو دبنقا- أن نصف سكان مدينة الفولة اضطروا إلى النزوح بسبب تلك الاشتباكات، وقالت إن المدينة تستوعب 1618 نازحا في مراكز الإيواء من القادمين من بابنوسة، بينهم 324 طفلاً، و714 امرأة، بينما هناك آخرون يقيمون في المؤسسات أو تمت استضافتهم في منازل المواطنين.

قصف الطيران الحربي التابع للجيش على مناطق في مدينة الفولة، عاصمة ولاية غرب كردفان. ظهر الخميس 20/6/2024 ـ المصدر ـ صورة منقولة عبر مؤشر البحث قوقل.

شرب مياه الطين

استغرقت الرحلة من منطقة “أدومة” المجاورة لمدينة الفولة الى منطقة الأضية 23 ساعة رغم ان المسافة تقدر بنحو 40 كيلو مترا في اتجاه الغربا. وعزت الناشطة بثينة حماد ذلك الى أن الفارين بينهم اطفال ومسنين ونساء، وقالت في مساء ذات اليوم قررنا مواصلة سيرنا من منطقة أدومة الى الأضية مشياً على الاقدام وبذات المشاهد التي خرجنا بها من مدينة الفولة، كنا نساء واطفال وعجزة مشينا بأقدامنا مدة 23 ساعة.

وروت لراديو دبنقا حجم معاناتهم في الطريق حيث لا شئ يؤكل او يشرب، ولا توجد قرية في الطريق أو وسيلة نقل لتقلهم، واضافت “كل زول شايل طفل وبطانية او فرشة او اي حاجة ليجلس عليها في الطريق عندما يتعب من المشي”. وذكرت انه في ظل هذه المعاناة هطلت امطار فكانوا يشربون المياه الجارية في الطريق، وتابعت: كنا نشرب موية الطين كي تخفف علينا الجوع، لاننا طيلة ال 23 ساعة لم تدخل بطوننا غير مياه الامطار.

إعياء واغماء

تقول بثينة حماد انهم خرجوا من منطقة أدومة دفعة واحدة حوالي 21 أسرة، قدرت أعداد افرادها بنحو 80 شخص، لكنها أشارت الى ان اعداد النازحين من الفولة الى الأضية يصل إلى عدة ألاف حيث امتلأ بهم الطريق. واضافت “اثناء السير الى الأضية، واجهتنا عدد من حالات الاغماء لأمهات الاطفال، وكانت مشاهد محزنة لأم مستلقية في الارض في حالة اغماء وابنها يجلس بجوارها، فكنا نبحث في امتعة الناس عن سكر او ملح كي نسعفهن، وكذلك نستجدي اصحاب المواتر لايصالهن الى منطقة الأضية، فساعدونا بإسعاف 3 نساء، اما البقية فكنا ننتظرهن الى ان يفقن من الاغماء ومن ثم نواصل المسير.

تروي بثينة بأنها في ظل هذا الوضع، كانت تلعب دور ايجابي لدفع الاطفال والنساء الى تحمل التعب والاصرار على المسير، واضافت “ما تركنا بعض لأننا كنا في محنة تحتاج الى ان نسند بعضنا، فكنت أشجع الناس بالكلام الايجابي ونعطيهم دافعية ودعم نفسي كي يتحملوا ما يحدث” وتابعت: كنت اقول للأطفال انت بطل يلا أرح وللطفلة انت حلوة يلا ارح الى ان وصلنا”

في الأضية

على مشارف المنطقة خرج المواطنون لاستقبال الأسر التي اعياها المسير من الفولة الى الأضية، تقول بثينة حماد انهم وجدوا في مدخل الأضية سيارات تم تخصيصها لنقلنا الى داخل الاحياء، فاستقبلونا بحفاوة وقدموا لنا الماء والطعام، وأخذونا الى مركز ايواء في دار المعلمين، لكن بثينة اشارت الى ان الأسر التي وصلت الى المنطقة تواجه معاناة كبيرة حاليا حيث انهم لم يتمكنوا عندما خرجوا من حمل اي شيء من ليستعينوا به في حياتهم في الأضية، واضافت “السكن في دار المعلمين مزدحم شديد وليست بأيدينا أموال وخرجنا فقط بملابسنا التي في اجسادنا واحوالنا الان صعبة، وقالت انا الآن جئت الى السوق لأتواصل مع راديو دبنقا فوجدت بعض الناس يتسولون، واضافت: منظر محزن ان ترى شخصاً تعرفه من قبل كانت حالته جيدة، واليوم يتسول في السوق. واردفت: فتخيلوا نحن بقت فينا اثنين، “نزحنا من بابنوسة وقبل ما نشد حيلنا نزحنا تاني من الفولة” لذلك احوالنا الاقتصادية متدهورة وحالتنا النفسية صعبة شديد، لكننا متماسكون وبنقول الحالة عامة كل السودان.”

مناشدات للمنظمات

في ظل هذا الوضع الذي تعيشه آلاف الأسر في عدة مناطق بولاية غرب كردفان، يقول المواطنون إنه لا توجد اي منظمة انسانية تعمل لإغاثة ومساعدة المتضررين من الحرب او تقدم لهم شيء من الخدمات الأساسية. وقالت بثينة حماد وهي ناشطة مجتمعية منذ ان اندلعت حرب 15 ابريل وانتقلت الى الولاية لم تأت أية منظمة لمساعدة المواطنين المتضررين رغم مناشداتنا المتكررة، لكنها اشارت الى وجود محاولات من منظمات وطنية كانت موجودة في الولاية قبل اندلاع الحرب، لكن محاولاتها ليست بحجم المعاناة التي يعيشها المواطنون الذين يواجهون الحرب والموت والجوع والمرض- على حد قولها-.

بينما يقول محمد اسحق- وهو ناشط في مجال الاعلام في منطقة “ام جاك” التي استقبلت هي الأخرى عشرات الأسر النازحة من الفولة- إن اعداد النازحين الذين وصلوا المنطقة كبير جداً، في وقت أطلت فيه أزمة السكن برأسها بعد ان امتلأت مراكز الايواء، وأكد أن الوضع في “ام جاك” يحتاج الى تدخل المنظمات لتقديم المساعدات للنازحين.

فيما أكد أحد المقربين من قوات الدعم السريع بمدينة الفولة، بكري ابوريا، لراديو دبنقا ان الولاية فعلاً محتاجة الى تدخل المنظمات الانسانية ومنظمات المجتمع المدني لإغاثة المتضررين من الحرب، لكنه اشار الى ان هناك اجتماع عقد أمس الثلاثاء ضم عدداً من المنظمات وقيادة الدعم السريع لبحث امكانية عودتها للعمل في الولاية. وقال إن الدعم السريع ما عنده مشكلة مع اية مؤسسة او منظمة تريد ان تعمل، انما المشكلة بين الجيش والدعم السريع لا دخل للمجتمع بها، واتهم بكري القوات المسلحة بإغلاق طريق “النهود- الفولة” حتى لا تصل المواد الغذائية والبضائع الى المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، مبيناً اذا تم القبض على تاجر يحمل بضائع من النهود الى الفولة يتم تغريمه 2 مليون جنيه حتى لا يحاول مرة أخرى، ووصف الامر بأنه عقاب لمواطن غرب كردفان.

اعدام “الشفشافة”

بعد سيطرة قوات لدعم السريع على مدينة الفولة اصدرت حكومة غرب كردفان بياناً قالت فيه ان قوات الدعم السريع مارست عمليات نهب لأسواق المدينة وممتلكات المواطنين. وقال أحد المواطنين إنه خرج من المدينة خوفاً من قصف الطيران وممارسات “الشفشافة” الذين ذكر انهم يتسورون المنازل ويعرضون الاسر الى الاهانات، لكنه اشار الى ان هناك بعض الاسر بدأت تعود الى الفولة بعد الاجراءات الصارمة التي اتخذتها قوات الدعم السريع في التعامل مع “الشفشافة” وقال- وفقا لشهادات مواطنين في المدينة- إن قوات الدعم السريع اضطرت الى استخدام الرصاص الحي للتعامل مع عصابات النهب “الشفشافة” في المدينة فأعدمت اعداداً منهم حتى استقر الوضع.

في الاثناء أكد بكري ابوريا أن سوق مدينة الفولة عاد للعمل وفتحت المحلات ابوابها، وتمت مناشدة قوات الشرطة للعودة للعمل، وهناك اتجاه لعودة النظام القضائي، واضاف “الان الوضع في المدينة بات مستقراً، وأن قوات الدعم السريع لا تتلاعب في مسألة الأمن ولا تسمح بأعمال السرقات والنهب وغيرها، وأي شخص يتم ضبطه وهو يسرق او ينهب سيقدم للعدالة مباشرة وفقا لقرارات صارمة جداً- على حد قوله-.

Welcome

Install
×