زين العابدين صالح عبد الرحمن: الدكتور علي الحاج: أفكار خارج السياق ورسائل سياسية ..

إن اللقاء الذي أجرته ” قناة الجزيرة” مع الدكتور علي الحاج الأمين العام للمؤتمر الشعبي، يحمل الكثير من الرسائل التي حاول الدكتور…

بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن

 

إن اللقاء الذي أجرته " قناة الجزيرة" مع الدكتور علي الحاج الأمين العام للمؤتمر الشعبي، يحمل الكثير من الرسائل التي حاول الدكتور علي الحاج أن يرسل فيها رسائل متعددة، إلي جانب أن يقدم بعض الخطوط العام لمسار الحزب،الرسائل تريد أن تقول رغم إن الحزب سوف لا ينحرف عن الخط العام الذي رسمه الدكتور الترابي، و لكنه سوف ينتهج نهجا جديدا. و عادة إن الأستاذ المسلمي الكباشي مدير مكتب الجزيرة بالخرطوم لا يجري مقابلات سياسية لوحده، و يمكن أن يرتب و يحضر لها، و اللقاء الذي أجراه مع الأمين العام للمؤتمر الشعبي يؤكد إن اللقاء قد تم بإعاز من المؤتمر الشعبي، و إن الدكتور الحاج يريد أن يبعث برسائل مهمة في إتجاهات مختلفة للقوي السياسية، إن كانت في الحكومة ممثلة للحزب الحاكم "المؤتمر الوطني" أو لقوى المعارضة، و إن الموضوعات التي طرحت في اللقاء تشير لذلك.

في أية تغيير إذا كان عبر الإجراءات الديمقراطية و جاء بقيادات جديدة، أو كان تغيرا ثوريا، يمكن للشخص أن يعرف كنه التغيير و إتجاهاته و حدوده من خلال الفكرة الرئيسية للتغير، أي إلي أين يسير الاتجاه الفكري، أو إلي أية مدي يمثل الفكر قاعدة لهذا التغيير. و في سؤال للدكتور هل فشل مشروعكم في السودان؟
أجاب الدكتور: مشروعنا لم يفشل، وهو جهد بشري، والبرامج تختلف، والبشر يخطئون، وبرنامجنا يحتاج مراجعة، وأنا أنظر للنقد نظرة إيجابية والبعض ينظر لنقد أنفسنا كنوع من الكيد، وننقد أنفسنا حتى نتوب لله، ونحن لا ندعي الكمال، وسنعمل على المرجعات، ولكن المراجعة لا تأتي إلا بالحرية. إن قول الدكتور الحاج إن التجربة تحتاج إلي مراجعات، و هو قول جديد، و لكنه مهم في نفس الوقت، و هذه المراجعات تعتمد أساسا علي العناصر التي تشتغل بالفكر، و تاخذ المنهج النقدي طريقا لها، و هي المنقصات في الأحزاب السياسية، و أية مراجعة بالفعل تحتاج إلي حرية ليس حرية مرتبطة بالدولة، إنما الحريات المفقودة داخل الأحزاب السياسية, التي تمنع عضوية الحزب من التعليق علي قرارات القيادة، أو نقد إجتهادات الكارزمة داخل المؤسسة السياسية ، كما إن الحرية التي أشار إليها الدكتور الحاج و تفشيها في الدولة، هي تعتبر "كعب أخيل" عند الحركة الإسلامية، ليست فقط في السودان، إنما في تياراتها خارج السودان، و تجربة الإنقاذ تؤكد العلاقة المفقودة بين الحرية و الحركة الإسلامية، فإذا لم تجري الحركة الإسلامية بكل تياراتها في السودان مراجعات فكرية حول قضية الحرية، تصبح الحديث عنها لم يخرج عن المناورات السياسية، و لكنها في النهاية إشارة إن المؤتمر الشعبي سوف يشهد تغيرا في القواعد التي تحكمه كمنظومة فكرية، و هي تمثل إنذارا لصراع بين عقليات مختلفة في رؤيتها السياسية.
و حول إجابته علي سؤال: إذا لم يفِ الحزب الحاكم بمطالب الحرية لظروف ما هل سيعود المؤتمر الشعبي من موقع المحاور إلى موقع المعارض خاصة أن معارضة الشعبي عرفت بالشراسة؟
يقول الدكتور (سنعود لقواعدنا ومؤسساتنا وهيئة الشورى، هي التي تقرر ذلك وبدون شك، فإن قضية الحرية عندنا قضية محورية ليس للمؤتمر الشعبي فقط، بل لكل الشعب السوداني، والحرية مطلوبة لكل الشعب السوداني بالداخل والخارج، ومطلوبة لكل إنسان يزور السودان وحول ماذا سنفعل في حالة النكوص عن الحريات؛ فالموسسات هي التي تحدد وأنا أستطيع أن أقطع برأيي، وأنا لا أقف متفرجاً حتى لا تنفذ مخرجات الحوار، بل أسعى بكل ما أوتيت من قوة مع كل القوى السياسية مشاركين ومعارضين وممتنعين عن الحوار من أجل إجازة موضوع الحريات، وهذه مسألة لكل الشعب السوداني وليس لحزب من الأحزاب، يجب أن نرفع المستوى قليلاً وأن لا نربط المسألة بحزب معين، نعم اصطلينا بعدم إتاحة الحريات بأشياء كثيرة ولكنها أصبحت أشياء من الماضي وأصبحت تاريخاً نستفيد منه في المستقبل، ونرجو أن نستفيد من كل المآسي التي حدثت لنا ولغيرنا ) هذه الأشياء ليست هي من الماضي، إنما هي معضلة أساسية يعيشها الفرد و المجتمع و الأحزاب حتى الآن. و هذه القضية تؤكد النقص الفكري و الاجتهاد داخل الحركة الإسلامية حول قضية الحرية و نظام الحكم، و العقليات التي تحكم الآن، و لديها موقف مناهض للحرية، هي عقليات تربت و تثقفت داخل المنظومة الإسلامية، و لم تأتي من خارجها، إذا القضية ليست متعلقة بالنظام إنما هي متعلقة حتى بالأفكار التي يحملها السيد الأمين العام، و حتى الأن لم يقدم أجتهادا فكريا يؤكد التحول الذي حدث في أفكار حزبه، و الحديث حول الحرية أنما هو حديث سياسي، و لكنها رسالة للحزب الحاكم لتغير شيئا من قناعته، فالسؤال هل سوف يفعل؟
و حول موقف المؤتمر الشعبي من عدم إجازة وثيقة الحريات؛ جاء سؤال " قناة الجزيرة"هل ستعلقون مشاركتكم في الحكومة بإجازة مخرجات الحوار الوطني المتعلقة بالحريات؟ قال الدكتور علي الحاج ( نعم، وأعتقد أن الحريات وإجازة الحريات التوقيع عليها من السيد رئيس الجمهورية بالنسبة لنا هي مسألة أكبر من المشاركة في السلطة، وهذا يكفي بأن نكون مع النظام ونحمي النظام لأن البلاد بها حرية لأن، الحرية نفسها تحتاج لحماية، وحماية الحرية لا تأتي من الأجهزة الأمنية والعسكرية، بل تأتي من المواطن) و في هذه الإشارة يأتي التناقض، و يكشف الدكتور الحاج إن الحرية التي يتحدث عنها حرية ضمن النظام القائم عندما يقول " بأن نكون مع النظام و نحمى النظام" و هي إشارة تؤكد علي بقاء النظام الشمولي القائم، مع تزينه ببوكيهات ما تسمي بالحرية، الحرية لا يمكن أن تنمو و تعيش في النظم الديكتاتورية و الشمولية، و رغم ذلك يريد الدكتور الحاج أن يقنع الناس إن النظام الشمولي يمكن أن يقبل بعطاء الحرية للآخرين، باعتبار إن الدكتور الحاج نفسه في كل مداخلاته لم يتحدث عن التحول الديمقراطي، إنه ما يزال يقف علي قناعة الحركة الإسلامية بنظام دولة الحزب. فالحرية ولدت و نمت في نظم ديمقراطية، و إية بيئة أخرى دون الديمقراطية لا تساعدها علي البقاء، و معنى ذلك إن الدكتور يريد أن يسير النقد و المراجعة في ذات نظام الحزب الواحد مع تغيير في الوجوه فقط.
و في إجابة علي سؤال: أنتم كإسلام سياسي في هذا المرجل الإقليمي والدولي كيف تنظرون لموقعكم في هذا المرجل؟ يقول الدكتور الحاج (الموقع صعب، والموقف صعب أيضاً، والحركات الإسلامية تحتاج لمراجعات بما في ذلك الحركة الإسلامية السودانية، وهنالك مراجعات للحركات الإسلامية في المغرب وتونس، وتغيرت النظرة للإسلام، ومازال الوقت مبكرًا لأقول ماذا نفعل، ونحن ندرس الحركات الإسلامية، وموضوع الإرهاب ونسعى بقدر الإمكان أن نصل لحل أفضل) الملاحظ إن النخبة الإسلامية السودانية أقل إجتهادا و مراجعة حول قضايا السياسة، و في تاريخ مسيرتها كانت تعتمد علي مفكر واحد هي كارزمة الدكتور الترابي و هي التي تقود الحزب، و لكن غير مشاع فيها عمليات الاجتهاد الفقهي و الفكري كشكل جماعي يعطي أنطباعا إن الاجتهادات الفكرية سوف تسير في طريق تعميق الثقافة الديمقراطية، و هذه الثقافة هي التي تشيع قضية الحرية من خلال الممارسات الديمقراطية و حق الجميع في الاجتهاد، و قضية الديمقراطية و الحرية في فكر قوي الإسلام السياسي هي قضية تعاني من الغبشة و الضعف. و إن التجربة في السودان و في مصر رغم قلة فترتها، لكن كانت قضية التمكين هي أعلي الأجندة عند هؤلاء، و التمكين و الولاء هو الذي أضر بمؤسسات الدولة، و أضر بالتنظيم نفسه.
الملاحظ إن إشارات أو رسائل الدكتور الحاج رغم تمسكها بقضية الحرية، و لكن هذه القضية لا تمنع من مشاركة المؤتمر الشعبي في السلطة، لآن القواسم المشتركة أكبر من الاختلافات، وإن نظام الحزب الواحد أو الحزب القائد هو القاعدة التي تؤسس لعملية الاجتهاد، أي يجري الاجتهاد و المراجعة و النقد داخل أسوار الحزب الواحد و ليس النظر في نظاما بديلا، و مادام القاعدة الفكرية واحدة تصبح عملية الاختلافات في الشعارات يمكن تجاوزه بمساومة أيضا أن تغير بعض الشعارات دون أن يحدث شيء علي الأرض، و خاصة إن حزب المؤتمر الشعبي ماتزال العقليات التاريخية هي الأكثر تأثيرا، فحركة التغيير و التجديد داخل المؤسسة لم تدخل في صراع فكري يمس جوهر القضايا، إنما هي أيضا محصورة في الشعارات، و حتى الحريات عند التيار التجديدي أيضا الحوار و الجدل حولها لا يخرج من قاعدة الحزب القائد.
نعلم إن قضية الديمقراطية لا تتحقق بين ليلة وضحاها، إنما هي إجراء طويل يتطلب الجهد و المثاقفة، كما هو معلوم تاريخيا إن التحول من النظم الديكتاتورية و الشمولية إلي النظام الديمقراطي هو طريق طويل ملئ بالمطبات و العوائق و لكن لابد من السير فيه، و مواجهة كل هذه التحديات بالفكر و الحوار، باعتبار أن أهل المصالح الخاصة ليس موجودين في الجانب المقابل و الضد، إنما أيضا موجودين بين الذين يرفعون شعارات الديمقراطية، و هؤلاء أكثر ضررا لعملية التحول الديمقراطي، و هناك البعض الذين يناضلون من أجل الديمقراطية و يريدون تحقيقها مبرأة من كل عيب في فترة و جيزة أو بقرار، و هؤلاء أيضا أشد خطرا علي عملية التحول الديمقراطي. فالحرية لا يمكن أن تأتي بقرارات، أو أن تمنحها عقليات لا تؤمن بها، فالعقليات الشمولية إذا لم تغير قناعتها الفكرية لا تصنع واقعا جديدا و لا تمنح حرية، و الدكتور علي الحاج يعرف تماما إن الحرية لا يمكن أن تتطور و تترسخ كثقافة و سلوك في المجتمع، من خلال ثقافة شمولية تنازع بقائها، فإذا كان الأمين العام بالفعل يريد أن تكون هناك إجتهادات و مراجعات و سيادة للمنهج النقدي، عليه أن يتحدث بذات اللغة التي تؤدي لذلك، أي الحديث عن عملية التحولات الجوهرية في نظام الحكم الذي يؤسس للحرية دستورا و ثقافة. أما حديثه عن المراجعات و النقد لحرية دون معرفة النظام الذي يحتضنها تصبح مواصلة لذات سياسة المناورات التي لا تقود إلا لفشل. و نسأل الله حسن البصيرة.
نشر في جريدة إيلاف بالخرطوم

Welcome

Install
×