رسالة إلى حمدوك، والوزراء: وظفوا الآلاف من الشباب الثائر ..
دعونا نقول أولا إن إعادة بناء الدولة تحتاج الآن، والآن وحده، إلى فتحكم آلاف الوظائف الحكومية لشباب الثورة كي يساعدوا في تنفيذ خططكم الإصلاحية. ذلك لأنكم جميعا تدركون أنه قبل دولة “المشروع الحضاري” كانت كوادر الخدمة المدنية مزيجاً من عمال، وموظفين، يتحدرون من خلفيات سياسية كثيرة. ولعل الأجهزة النظامية جميعها كانت تمثل التعدد السوداني، ولم يكن سؤال الأيديولوجيا، أو القبيلة، أو الجهة مهماً للتوظيف.
بقلم: صلاح شعيب
تحية طيبة:
دعونا نقول أولا إن إعادة بناء الدولة تحتاج الآن، والآن وحده، إلى فتحكم آلاف الوظائف الحكومية لشباب الثورة كي يساعدوا في تنفيذ خططكم الإصلاحية. ذلك لأنكم جميعا تدركون أنه قبل دولة "المشروع الحضاري" كانت كوادر الخدمة المدنية مزيجاً من عمال، وموظفين، يتحدرون من خلفيات سياسية كثيرة. ولعل الأجهزة النظامية جميعها كانت تمثل التعدد السوداني، ولم يكن سؤال الأيديولوجيا، أو القبيلة، أو الجهة مهماً للتوظيف. ولكن في السنوات الأخيرة للنظام السابقة انتهى هذا الجهاز الخدمي ليصبح ضيعة خاصة تسيطر عليها كادرات الحركة الإسلامية، وتكيفها بناءً على ايديولوجيا الإسلام السياسي من جهة، واستراتيجية مثلث حمدي من جهة أخرى.
والسؤال هو ما جدوى الإصلاح الاقتصادي إذا لم يحاصر المؤسسات الاقتصادية الإخوانية، وشركات الأمن، وملاحقة قادة النظام الرأسماليين الفاسدين الذين يدركون متى، وكيف، يَفشِلون سياسة وزير المالية الجديد؟ وأي معنى للإصلاح الإعلامي إذا كانت بنية النظام السابق تسيطر على الصحافة الورقية، والقنوات، وما يزال إعلاميو النظام يحفرون ضد التغيير عبر سطورهم الخبيثة؟ وما القيمة المرتجاة لإصلاح وزارة الخارجية إذا كان هناك أكثر من مئتي سفير من المعينين أيديولوجيا، وبعض الانتهازيين؟. وكيف نؤسس لعلاقات جديدة مع المجتمع الإقليمي والدولي بينما كادر الخارجية سيظل وفيا لما سميت الدبلوماسية الرسالية، والتي تعني خدمة ايديولوجيا الإخوان عبر الإقليم، والقارة، والعالم؟.
-٢-
مع بالغ التقدير لكم جميعا
لا نعتقد أن أي روشتات إصلاح للدولة ستعالج الخلل في ظل وجود كوادر الحركة الإسلامية في جهاز الخدمة العامة. ومهما بذل الوزراء الجدد من جهد للإصلاح فإنهم لن يفلحوا بدون تهشيم بنية التمكين الإخواني. وإذا كان التغيير الثوري قد فرض وجود وزراء من خارج جهاز الخدمة – ما عدا الدفاع والداخلية – فإن الإصلاح الشامل لخلق الدولة الوطنية يفترض وجود مسؤولين جدد في قمة المواقع الوزارية، أولئك الذين يوصون بإعفاء الكوادر الأيديولوجية المعوقة للتغيير، وذلك لخلق توازن فكري في عدد المنتمين لجهاز الخدمة العامة. بمعنى أن نعيد الدولة إلى سابق أوانها كجهاز يضم كل العمال، والموظفين، الذين ينتمون لفسيفساء التعدد السوداني.
إن مصلحتنا كبيرة في نجاحكم أخي د. حمدوك، وكذلك نجاح وزرائك المختارين بعناية قوى الحرية والتغيير، وبعنايتك الخاصة. ولكن هذا النجاح يتطلب وجود مستحقات موضوعية لا بد من بذلها. وعليه نعتقد أن صحة بيئة العمل تمثل أكثر من تسعين من المئة لشروط النجاح. فالخراب الذي خلفه نظام الإنقاذ عميق، وينبغي ألا نستسهل إمكانية تفاديه بإجراءات إصلاحية لا تأخذ في الحسبان مخاطر هذا الجيش الجرار من المتمكنين ايديولوجيا على حكومتكم، والبلاد عموما. وكذلك يجب ألا يتم تسفيه الأحلام الثورية الراديكالية لخلق إصلاح نوعي للدولة بناء على ما يتيحه الإعلان الدستوري من صلاحيات كبيرة لمجلس الوزراء لتثوير القطاع العام والخاص بمعاني الفعل الوطني الناجز. وما دام المجلس يملك سلطة مطلقة لتحقيق الإصلاح في كل الوزارات فينبغي عليك بوصفك رئيسا للوزراء تفويض سلطاتك للوزراء عبر تبني مقترحاتهم لكيفية إعادة بناء ما خربه النظام، والاستعانة بالشباب الثائر. وحاجتك إلى ذلك القرار الثوري النوعي الآن بتوظيف هولاء الآلاف من الكفاءات الشبابية الثورية في الوظائف الحيوية للدولة تمليه ضرورة إعانتك معنويا، وعمليا، وكذلك إعانة شركائك الوزراء. إذ لا يوجد الآن في الوزارة من مسؤولي الثورة غير الوزير.
-٣-
أخي الكريم د. حمدوك، ووزراؤك الكرام:
نعم، أنتم – حتى هذه اللحظة – تمثلون وحدكم الفئة التي تسعى داخل جهاز الدولة لإعادة الأمل إلينا لخلق دولة المؤسسات التي استشهد من أجلها بعض ثوار الانتفاضات السودانية، ولا يوجد حول الوزراء الأماجد سوى بعض المستشارين المؤمنين بأهداف الثورة. ولعل هذا العدد الضئيل غير كافٍ لتنفيذ خططكم لهزيمة قوى الاستبداد التي تتحين الفرص لإفشال خططكم. فهؤلاء الوزراء الاكفاء، بلا شك، محتاجون تماما لوكلاء جدد، ورؤساء أقسام موثوق فيهم، وعدد كبير من الموظفين الثوريين الذين يكونون حلقة الوصل بين قمة الهرم الوزاري، وقاعدته. ورغم أن أمر التعيين يحتاج لبضع أيام نتيجة للبروقراطية المعهودة في الأجهزة الحكومية، ولكننا نعيش أوضاعا ثورية تتطلب منكم السرعة في اتخاذ القرار، والإنجاز، خصوصا أن هناك قضايا عاجلة تحتاج إلى البت العاجل سواء المتعلقة بالاقتصاد، أو التجارة، أو الخارجية، أو الإعلام، إلخ.
الحقيقة التي لا تحتاج الى تأكيد في هذا الخصوص هي أن غالب السودانيين يعلقون آمالهم الكبيرة على نجاح حكومتكم الحالية في تحقيق الأهداف الأساسية لثورة الشعب السوداني. ومهما بلغ النقد المر تجاهك، وبعض الوزراء، وهم لم يكملوا بعد أسبوعا في العمل، فإن هذا يدل على عشمهم الضخم فيكم، والحرص على مشاهدة اللبنات الأساسية الثورية الصحيحة لإنهاء مظهر وجوهر النظام القديم. ولذلك لا بد من طمأنة هذه الجماهير التي تريد رؤية نقلة نوعية للتخلص من الآلاف من جيوب النظام القديم، وإحلالها بشباب الثورة المخلص. ومكر المتآمرين، والنفعيين، لا يتمثل في عيساوي فقط.