رئيسة مبادرة (لا لقهر النساء): ما يحدث الآن ليس لأجل الوطن
أميرة عثمان لـ(راديو دبنقا):
*لا اجد مبررات لا لطرفي الحرب ولا للمدنيين الذي يعملون حالياً في الإطار السياسي، لماذا يمارسون هذه الممارسات؟ هل يعقل أن يكون ذلك من أجل أن يكونوا في وزارة أو سفارة أو منصب في الحكومة على حساب جثث السودانيين وخراب الدولة السودانية الكامل؟
شنت رئيسة مبادرة (لا لقهر النساء) المهندس أميرة عثمان هجوماً على الحراك النسوي وعلى المدنيين والعسكريين وسطرت انتقاداتها في مقال كتبته (المستجيرات من الرمضاء بالنار) ردايو دبنقا التقى برئيسة (لا لقهر النساء) وخرج بالإفادات التالية:
حوار: أشرف عبد العزيز
*نبدأ حوارنا بالمقال الذي كتبته رئيسة لا لقهر النساء المهندس أميرة عثمان بعنوان (المستجيرات من الرمضاء بالنار) والذي أثار حفيظة الجميع نساءً ورجالاً لما حواه من انتقادات للحراك النسوي لماذا كتبت أميرة هذا المقال وفي هذا التوقيت ؟
– المقال بعنوان (المستجيرات بالرمضاء من النار) وهو مقال موجه للحركة النسوية لعدم الاستجارة من الرمضاء بالنار.. كتبت المقال في هذا التوقيت حسب تقديراتي للراهن السياسي وواقع الحرب والوضع السيء للنساء، فكلما زاد الوضع العام سوءاً يكون أثره على النساء مضاعفا، ومؤسف جداً أن تكون الحركة النسوية غير قادرة على اتخاذ خطوات وهي صاحبة المصلحة العليا في إيقاف الحرب، وغير قادرة أيضاً على اتخاذ خطوات قوية تضغط من خلالها على طرفي النزاع بإيقاف الحرب. استفزتني هذه الأسباب لكتابة المقال. بالإضافة لموقف شخصي وهو متعلق بخالتي، التي أصيبت بنزيف في الدماغ وهي حالياً بالمستشفى، بالإضافات للسجالات في بعض القروبات النسوية عن الصراع حول الترشيحات للسفر للخارج للعمل في قضايا النساء. استوقفتني الحادثة وقلت في نفسي:” امهاتنا بموتوا بسبب الحرب من الإرهاق الصحي والقهر النفسي، ونحن كنساء مفترض تقع علينا مسؤولية ما يحدث ولدينا القدرة البتخلينا نكون متحدثات بالمآسي البتحصل للمرأة السودانية، مشغولات بالصراع أشياء لا تسمن ولا تغني عن جوع، وأشياء لا تفيد الحركة النسوية ولا تفيد النساء في المستشفيات والمغتصبات والموجودات بدور الإيواء”.
*الحديث في المقال تضمن نقداً للذات، وانتقادا حتى لأميرة نفسها، فيما يتعلق بعدم وجود جهود نسوية مبذولة لوقف الحرب ، بالنسبة لكم في (لا لقهر النساء) ماهي الجهود التي قمتن بها في الفترة الفائتة من أجل وقف الحرب؟
نحن في مبادرة لا لقهر النساء أطلقنا في شهر أغسطس حملة بعنوان (أرضاً سلاح نقولها نحن النساء) وبدأنا عملا قاعديا بمدني، وحدثت مشاكل واستنفار مضاد تجاه الندوة التي شرعنا في إقامتها، وصنفت مبادرة (لا لقهر النساء) كواحدة من المهددات الأمنية في ولاية الجزيرة. وواصلنا مساعينا وأصدرنا بيانات وأقمنا مؤتمرات صحفية، وصممنا ورش لمناقشة هذا الموضوع. لم نستطع إقامة الندوة، رغم أنها كانت تخاطب الأحزاب السياسية وطرفي النزاع، وكنا سنطرح من خلال الندوة أن المشكلة السياسية في السودان يجب حلها بعمل قاعدي، وليس بتحالفات فوقية، خصوصاً وانها ازدادت فوقية هذه الأيام وأصبحت بالخارج…” كنا طارحين إنو الناس تصارع من الداخل في الولايات المستقرة – نوعاً ما- سياسياً، رغم التضييق وصلف من الاستخبارات العسكرية الذي يواجهه المدنيين الممكن يشتغلوا لإيقاف الحرب”.
هذه الحرب ليس فيها أي طرف مستفيد، كلنا مدمرين وكلنا ضائعين، مليشيا الدعم السريع هي مليشيا تم صنعها من الجيش نفسه، ورغم إننا كنا في الشارع بنقول (ما في مليشيا بتحكم دولة) كان نفس هذا الجيش بيضربنا في الشارع وبيعتقلنا وبيقتلنا من أجل هذه المليشيا.
الصراع الحالي هو ليس صراعا من أجل مصلحة الوطن ولا المواطن، هو صراع من أجل مصالح ذاتية وصراع من أجل حماية أنفسهم من الانتهاكات القاموا بيها والقاعدين يقوموا بيها وما زالوا. فكرة المبادرة كانت تقوم حول إنه يجب إيقاف هذه الحرب، لكن لظروف النزوح والشتات واللجوء، وكل يوم من ولاية لولاية ومن منطقة لمنطقة وسوء الوضع في السودان أثر على فعالية المبادرة، واصبحنا لا نستطيع أن نصارع من أجل الاستمرار في العمل الجماهيري، وجعل المبادرة تظهر بصورة ضعيفة جداً، بأن نصدر بيانات ونشجب وندين ونستنكر، وهذا يعتبر أضعف الإيمان.. ولا أرى أن هنالك عملا حقيقيا وفاعلا يمكن أن يخاطب أو يضغط على طرفي النزاع بإيقاف الحرب.
*من خلال المقال أشرت إلى ضرورة حدوث تغيير جذري يغير المعادلة داخل الأحزاب، التي وصفتيها بأنها متراجعة ومتأخرة فيما يخص العمل النسائي ؟
الاحزاب ليست متراجعة في العمل النسائي، الأحزاب السياسية متراجعة حتى فيما يتعلق بالعمل السياسي ذات نفسه، كل الأحزاب من أقصى اليمين لأقصى اليسار غير فعالة، “دا باعتبار إني بنظر لتقدم على أساس إنها عبارة عن منظمات مجتمع مدني ما بتعبر عن وجهة سياسية محددة بتستصحب آراء القواعد وآراء جماهيرها، كل الحاصل دا لا يعبر عن مصالح الجماهير”.
الصراع داخل الأحزاب الجماهيرية قاسي جداً ومحتدم، في المقال تحدثت عن أن النساء هربن من العمل داخل الأحزاب السياسية للعمل من خلال المنظمات والمجموعات الغير منظمة، لأنهم (زهجوا) من العمل السياسي، هربن من الأحزاب للمنظمات حتى لا يكن رهينة لها. المنظمات فكرتها هي العمل من أجل حل المشاكل الموجودة حالياً بدون معالجتها جذرياً. وهذا ما جعل النساء رهينات للداعمين والخبيرات الخارجيات. انتقلنا من أجندة أحزاب أنت غير قادر على تغييرها، إلى أجندة منظمات أنت أيضاً غير قادر على تغييرها فقط لتكون ممثل للنوع، وتجسد الحضور النسوي، وكأننا بعد نضال أكثر من70 عاماً، وبعد أن كنا متقدمين في العمل النسوي، نتحول لممثلين للنوع فقط. هذا أمر محبط جداً، خصوصاً وأنا مقتنعة تماماً بأن الحركة النسوية بها نساء واعيات قويات ممتلكات لناصية المعرفة.. لذلك يجب فتح الفرصة للجهود، ويجب أن يكون نقدا من الأدوات الأساسية للبناء السليم، وأن يتوقف النقد من أجل التقليل من الجهود المبذولة.. بالنسبة للتغيير الجذري في الأحزاب السياسية، حقيقي هنالك أحزاب ضعيفة جداً، ووضعها التنظيمي سيء، ووضعها البرامجي غير وواضح ولا تمتلكه الجماهير، هي فقط تصدر بيانات تدين وتشجب، لا يمكنني أن أستوعب أن هنالك أحزاب لها عشرات السنين، وفي لحظات تاريخية ومفصلية، يضع السودان بين أن يكون أو لا يكون، يكون كل عمل هذه الأحزاب في إصدار أوراق أو مذكرات او بيانات في السوشيال ميديا.
*على ذكر (تقدم)، تقدم اتخذت قرارات وأعطت النساء نسب تمثيل، ولكن دائماً هنالك تبرير من المنظومات السياسية، المنظمات تمنح النساء فرص مشاركة ولكن يفشلن في ملء المقاعد؟
كما ذكرت لك، منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، والتي في مجملها تمثل (قحت)، وتمثل تقدم حالياً، عندما تتناول قضية تمثيل النساء، تقوم بتحديد نسبة مثلاً ٤٠%، دون أن تحدد (منو البجيبهم، ومنو البختارهم، وعلى أي أساس؟)، وفي النهاية بنكتشف إنهم بيقدموا نساء بمثلوا أجندتهم، ما بجيبو نساء مؤمنات بقضايا الحركة النسوية، ولا عاملات فيها، وحتى القضايا الوطنية العامة بنجد إنهن ضعيفات وغير قادرات للخوض فيها.. وجودهن مجرد عدد، بمعنى إننا من عشرة اديناكن تلاتة.. أو يقدموا نساء يمكن أن وصفهن بأنهن فوق كل المعايير وفوق كل المحاذير، فقط نساء موجودات، وكأنه ليس من حقك أن تسأل ليه موجودات ومن أجل شنو؟ وهؤلاء دائما نجد أن لديهن أوراق جاهزة سلفاً، ومعدات سلفاً لملء هذا الفراغ.. الزول الجابها بيكون عارف هو جابها لشنو، ومفروض تعمل شنو، وحتصل لشنو..هنالك (استركشر) strcture واضح مرسوم للمرأة المفترض تجي، مثال على ذلك وجود ابتسام سنهوري في الوثيقة الدستورية، ليس لديها أي علاقة بالحراك النسوي، ولا اجتمعت بالمجموعات النسوية لتعرف المشاكل التي تعنيهن..
*لكن هي شاركت في موضوع دستوري بصفتها قانونية؟
كان مفترض أن تجتمع بالنساء لتعرف الحاصل، وتقدر تستصحب مشاكلهن، لتتمكن من ادخالهن في الوسائل.. بنتفاجأ بشخصيات بنسمع بيها، ونشاهدها في التلفزيون كغيرنا، والموضوع ما شخصي، بل هو الوضع العام.
*ما السبب في وجود (لا لقهر النساء) خارج تقدم؟
نحن في (لا لقهر النساء) قدمت لنا دعوة لاجتماع من ما يسمى بالمنصة، وهي ضمن التحالفات العديدة التي ظهرت بعد الحرب للتنظيم والترتيب لإيقاف الحرب. لم أذكر المنصة في المقال، تفاجأنا بأن تحولت الدعوة من اجتماع المنصة لاجتماع أديس أبابا دون أن يكون لدينا علم بماهية هذا الاجتماع، وما هي أجندته المطروحة، ومن هم حضور هذا الاجتماع.. وماهي آليات وأدوات إدارة الاجتماع؟ ولهذا السبب اعتذرنا عن العمل في المنصة، وبالتالي لم نتمكن من حضور الاجتماع، بالإضافة لموقفنا من الخطوات التي اتخذتها تقدم تجاه قوات الدعم السريع فيما بعد لا تمثلنا ولا تعبر عننا، وموقفنا واضح من المليشيات وكل حملة السلاح، وقللناها من قبل (لم يعد السلاح مطيةً للوصول للسلطة في الدولة السودانية إذا أردت الوصول للسلطة في السودان ليس هنالك خياراً سوى صناديق الاقتراع بعد فترة انتقالية يتم خلالها وضع دستور وعقد مؤتمر دستوري للدولة السودانية، حتى نصل لانتخابات فيها عمل ديمقراطي سليم. موقفنا من كل حملة السلاح من جيش وقوات نظامية ومليشيات وحركات مسلحة موقف مبدئي، انتهى العهد الذي نكافئ فيه كل من يحمل سلاح ويقتل المواطنين بتنصيبه وزيراً أو رئيساً.. يجب أن تعلق المشانق لجنرالات الدم.
*هل تشاركون وفي كيانات وتحالفات تعمل على وقف الحرب، أم أنكم تعملون بمفردكم؟
نحن لا نعمل لوحدنا، لكن ليس هنالك عمل واضح يمثل القواعد النسوية، كلها أنشطة فوقية تقام الورش وتفتح المناقشات، ولكن هنالك سكرتاريات من الداعمين والخبيرات الخارجيات، هن من بضعن الهيكل الكامل وخطط العمل والتصورات، ورسم مسار العمل “يمشي وين، ويجي من وين”، مالم نتخلص من هذه المشكلة لن يكون هنالك عملاً حقيقياً يستصحب مشاكل المرأة السودانية في كل الدولة..
*خلافات القوى السياسية نتاجها عجزها في مواجهة عدد من القضايا، وكانت سبب فشل الفترة الانتقالية، والآن نفس هذه الخلافات تقف حجر عثرة أمام توحيد جهود القوى السياسية لوقف الحرب، في تقديرك، ماهي الجهود التي يمكن أن تبذل لتوحيد الجهود بين القوى السياسية لوقف هذه الحرب؟
الجهاد الأكبر، جهاد النفس والأطماع الشخصية، فكل ما يحدث حالياً لا يصب في مصلحة الجهات التي نمثلها، ولا في مصلحة المواطن السوداني.. والأدهى والأمر أنها كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءاً.. فالجميع يحرص على أن يكون أحد المفترسين الذين يسعون للانقضاض على هذه الجثة، ويحرص على أن يكون له نصيب من هذه الجيفة، وحتى لا أكون قاسية في وصف ما يحدث لكن أشبه بأنك تأكل في جثة هامدة، ودم الشهداء ودم السودانيين البموتوا يزكم الأنوف. حقيقة لا أجد مبررات لا لطرفي الحرب ولا للمدنيين الذي يعملون حالياً في الإطار السياسي، لماذا يمارسون هذه الممارسات؟ هل يعقل أن يكون ذلك من أجل أن يكونوا في وزارة أو سفارة أو منصب في الحكومة على حساب جثث السودانيين وخراب الدولة السودانية الكامل؟ وانتشار السلاح في يد كل من هب ودب، الأمر الذي سيكلفنا كثيراً لاستعادة الدولة السودانية مرة أخرى.. الصراع الحالي ليس له علاقة بالوطن، وليس هنالك خيار سوى أن نجاهد جميعاً انفسنا، ونصارح بعضنا.. وأن يتم نقد حقيقي لكل التجربة منذ ٢٠١٨، وبعد أن قدمت قوى الحرية والتغيير نقد للأخطاء التي صاحبت أداءها خلال الفترة الانتقالية وعدم وجود مؤتمرات والتجاوزات التي تمت، وعادت لتشكل جسم اسمه تقدم بنفس السياسات ونفس الشخصيات، فليس العيب في ارتكاب الأخطاء ولكن العيب في الاستمرار في الخطأ وتكرار ذات الأخطاء السابقة.