ذكرى إعلان الاستقلال وثورة ديسمبر المجيدة: واقع السودان وتطلعات المستقبل

خريطة السودان من موقع خرائط قوقل

امستردام-19ديسمبر2024-راديو دبنقا
يصادف اليوم التاسع عشر من ديسمبر ذكرى إعلان الاستقلال من داخل البرلمان عام 1955، كما تتزامن هذه المناسبة مع الذكرى السادسة لثورة ديسمبر المجيدة التي أطاحت بحكم الإنقاذ الذي دام ثلاثين عامًا. كانت البلاد خلال السنوات الماضية تحتفي بهاتين المناسبتين بفعاليات متنوعة، إلا أن الحرب المشتعلة منذ منتصف أبريل 2023 ألقت بظلالها على الاحتفالات هذا العام.
ورصد راديو دبنقا إعلانات لعدد من الوقفات الاحتجاجية خلال اليومين المقبلين في عدد من دول العالم احتفاءاً بالمناسبتين وفي إطار المطالبة بوقف الحرب.

في هذا السياق، استطلع راديو دبنقا آراء عدد من السياسيين والناشطين حول أهمية هاتين المناسبتين وظروف البلاد الراهنة.

أعظم الثورات
وصف القيادي بحزب الأمة القومي، محمد عبد الله عبد السلام، ثورة ديسمبر بأنها واحدة من أعظم الثورات في المنطقة، وأوضح خلال حديثه لراديو دبنقا أن الثورة حملت آمالاً كبيرة في وضع السودان على الطريق الصحيح نحو النهضة والاستقرار. ولكنه أشار إلى أن الحاضنة السياسية للثورة، ممثلة في قوى الحرية والتغيير، ارتكبت خطأً بتحالفها مع اللجنة الأمنية، التي وصفها بأنها كانت تتربص بالثورة. ولفت إلى أن وجود عناصر النظام السابق المتجذرة داخل تلك المؤسسات جعل الثورة عرضة للانتكاس.

ورغم كل التحديات التي واجهتها الثورة، أكد عبد السلام أن المنعطفات الصعبة التي مرت بها ليست استثناءً، إذ تمر معظم الثورات بمراحل مشابهة، لكنها لا تموت. وفي ختام حديثه، أعرب عن تفاؤله بمستقبل السودان بعد الحرب الحالية، متوقعًا أن يعود السودان أكثر قوة وتماسكًا، خاصة بعد أن انكشف للجميع من يعمل لصالح الشعب ومن يسعى للتشبث بالسلطة والتسلط عليه.

تصاعد خطاب الكراهية
من جانبه، أشاد القيادي الاتحادي والناشط السياسي بجنوب دارفور عبد الله سولارا بنضالات الشعب السوداني التي أثمرت عن إعلان الاستقلال من داخل البرلمان في التاسع عشر من ديسمبر عام 1955م. وعبر عن أسفه البالغ للحالة التي وصلت إليها البلاد بعد مرور 69 عامًا على الاستقلال، مؤكدًا أن الحرب الحالية تُعد من أسوأ الحروب التي شهدها العالم في العصر الحديث.

وأشار سولارا إلى أن الذكرى الحالية للاستقلال تتزامن مع الذكرى السادسة لثورة ديسمبر المجيدة، بينما يعاني الشعب السوداني من أوضاع مأساوية بين نازحين ولاجئين، في ظل تصاعد خطاب الكراهية الذي يغذيه دعاة العنصرية والجهوية. ووجه عدة رسائل في هذه المناسبة، أبرزها دعوته الشعب إلى الترفع عن القبلية والجهوية والعنصرية، والعمل معًا لبناء وطن يسع الجميع دون استثناء. كما شدد على ضرورة تجاوز القوى السياسية لخلافاتها والالتزام بحوار وطني مسؤول يضع مصلحة السودان فوق أي اعتبار. وفي ختام حديثه، دعا إلى نبذ الكراهية وترسيخ قيم التسامح والوحدة الوطنية، مؤكدًا أن السودان يحتاج إلى جميع أبنائه لبناء مستقبل مستقر ومزدهر.

واقع مؤلم
كما تحدث الناشط محمد عبد المنعم الريح (السليمي)، المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان، بمناسبة ذكرى ثورة ديسمبر المجيدة وذكرى إعلان الاستقلال من داخل البرلمان، مترحمًا على أرواح الشهداء ومتمنيًا الشفاء للجرحى والعودة الآمنة للمفقودين. وأعرب عن تحيته لنضالات الشعب السوداني عبر التاريخ من أجل استقلاله وحريته وكرامته.

وأشار السليمي إلى الوضع المؤسف الذي تعيشه البلاد في هذه الذكرى، حيث تشهد واقعًا مؤلمًا بدأ منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021، الذي أزاح السلطة المدنية وقاد البلاد إلى حرب ضروس. وأوضح أن هذا الوضع أدى إلى حمامات دماء ونزوح ولجوء، بالإضافة إلى حرمان أجيال من الأبناء والبنات من فرصتهم في التعليم.

انتقد السليمي الحكم الشمولي الذي أدى في السابق إلى فصل جنوب السودان، محذرًا من أن الواقع الحالي ينذر بمزيد من التشظي والانقسامات. وتساءل عن جدوى الاستقلال، مشيرًا إلى أن السودان استبدل مستعمرًا أجنبيًا كان يكبل الحريات وينهب الثروات بمستعمر وطني يمارس ذات النهج ويقتل أحلام الشعب.

وعزا الريح التدهور الذي تعانيه البلاد إلى عدم بلورة مفهوم الدولة منذ الاستقلال وحتى اليوم، محملًا المسؤولية لكل من حكم السودان، سواء عسكريين أو مدنيين. وأوضح أن إدارتهم أدت إلى غياب عدالة التنمية بين أقاليم البلاد، مما ساهم في تفشي الجهل وتدني الوعي، في حين انخرطت النخب في صراعات شكلت أساس الأزمة السودانية.

كما تحدث عن مظاهر الظلم والتهميش التي طالت قطاعات واسعة من الشعب، داعيًا إلى حوار واضح وشفاف بين أبناء الوطن للوصول إلى توافقات تضع شعارات ثورة ديسمبر المجيدة موضع التنفيذ، وهي حرية وسلام وعدالة. ودعا إلى وضع دستور دائم يضع حدًا للانقلابات العسكرية وإراقة الدماء، ويضمن محاربة الفساد والقبلية والجهوية، ويتيح التعليم للجميع. وفي ختام حديثه، أكد على ضرورة منح الشعب السوداني شيئًا جميلًا يعيش من أجله، بدلًا من أن يموت من أجل تحقيقه.

تزييف وتدليس
وفي مداخلة نشرها د. حافظ الزين، عضو الهيئة القيادية العليا ونائب أمين الأمانة الاقتصادية بتنظيم “قمم”، على ملتقى الأحرار بتطبيق واتساب، أكد أن الثورة السودانية الحقيقية التي أشعلت شرارة التغيير هي “ثورة 13 ديسمبر”، التي اندلعت من مدينة الدمازين وامتدت إلى بقية مدن السودان، وصولًا إلى الخرطوم في 19 ديسمبر 2018.

وهاجم الزين ما وصفه بـ”التزييف والتدليس” في نسب الثورة إلى تاريخ آخر، مشيرًا إلى أن الخرطوم، رغم مكانتها، اعتادت أن تنسب لنفسها نضالات المدن السودانية الأخرى. وأوضح أن الثورة بدأت في الدمازين الشامخة، مرورًا بسنار وعطبرة، قبل أن تصل إلى العاصمة.

وأشار الزين إلى أن هذا الفعل يكرس المثل الشعبي “الخيل تجقلب والشكر لحماد”، داعيًا إلى الاعتراف بدور المدن المهمشة في النضال ضد الظلم والاستعباد. واختتم حديثه بالتحية لثورة “13 ديسمبر” التي وصفها بالخالدة، مؤكدًا أن شعارات “حرية، سلام، وعدالة” ستبقى خيار الشعب السوداني لتحقيق مستقبل أفضل.

دعوة لتيار سياسي واجتماعي واسع
وفي تغريدة نشرها على صفحته في منصة X، وقف عليها راديو دبنقا أكد عمر الدقير، القيادي في قوى تقدم، أن السلام هو السبيل الوحيد لإنقاذ السودان وبنائه على أسس جديدة. وأشار إلى أن شعار ثورة ديسمبر “حرية، سلام وعدالة” لم يكن مجرد هتاف، بل تعبيرًا عن شروط الوجود الكريم وقطيعة مع ثلاثة عقود من الاستبداد والفساد.

وأوضح الدقير أن السودان، الذي يمتاز بالتنوع والتعدد ويحمل إرثًا من الأزمات، واجه صعوبات وعثرات في مسيرة الانتقال بعد انتصار الثورة، خاصة وأن النظام القديم لم يغادر المشهد بعد سقوط سلطته السياسية. وأضاف أن قوى الثورة نفسها لم تكن بمنأى عن الأخطاء، حيث تفرقت صفوفها وابتعدت عن خندقها الموحد، مما أفسح المجال أمام قوى الشد العكسي لتنظيم صفوفها واستهداف مسيرة الثورة.

وأشار الدقير إلى أن الحرب التي بدأت في 15 أبريل 2023، حولت السودان إلى أكبر حالة كارثة إنسانية يشهدها العالم اليوم، حيث حصدت أرواح الآلاف وشرّدت الملايين من ديارهم. وأكد أن إيقاف الحرب يستلزم وجود تيار سياسي واجتماعي واسع يعبر عن إرادة السودانيين الغالبة، ويعمل برؤية مشتركة وجهود موحدة لإسكات البنادق وإنهاء معاناة الشعب السوداني.
وأضاف الدقير تغريدته بالتأكيد على أن أحلام الشعوب في الحرية والكرامة لا تموت، وأن الزحف نحو غايات ثورة ديسمبر سيستمر مهما بلغت التحديات.

التزام بمبادئ الثورة
وفي ذات السياق أصدرت تنسيقية لجان المقاومة بمدينة الفاشر بيانًا بمناسبة ذكرى ثورة 19 ديسمبر المجيدة، أكدت فيه التزامها بمبادئ الثورة واستمرار النضال لتحقيق أهدافها رغم التحديات.

وجاء في البيان: “في هذا اليوم العظيم، نقف إجلالًا واحترامًا لذكرى ثورة 19 ديسمبر المجيدة، التي خطّها أبناء وبنات السودان بدمائهم الطاهرة وهتافاتهم الهادرة طلبًا للحرية والسلام والعدالة. إنها ذكرى تذكّرنا بقوة شعبنا وعزيمته التي لا تلين في مواجهة الظلم والقهر”.

وأشار البيان إلى التحديات التي تواجه ثورة ديسمبر، مؤكدًا أن محاولات إجهاضها من قبل مليشيات النظام البائد وأرزقيته لن تنجح. وأضاف: “ديسمبر قادم، ومن أتون الحرب سينهض، ليكن الهتاف الصامت أقوى من صوت الرصاص. يا شعبي قاوم الانتكاس”.

وتطرق البيان إلى الوضع المأساوي الذي يعيشه السودان حاليًا، مشيرًا إلى الانتهاكات المستمرة ضد المدنيين من قبل مليشيا الدعم السريع، خاصة في مدينة الفاشر ومعسكر زمزم للنازحين. واعتبر البيان أن هذه الجرائم تمثل “وصمة عار جديدة في جبين من يدّعون حماية البلاد”، مشددًا على ضرورة وضع حد لهذه الفوضى والانتهاكات.

ودعت لجان المقاومة المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في حماية المدنيين ودعم جهود الشعب السوداني لتحقيق قيم الثورة وبناء وطن ديمقراطي معافى.

واختتم البيان بتجديد العهد على المضي قدمًا في طريق الحرية والسلام، مؤكدًا أن “الحرية، السلام، والعدالة” ستظل شعارات الثورة وقضية الشعب السوداني

Welcome

Install
×