د. مرتضى الغالي: المؤتمر الوطني يقف على (مسافة واحدة) من المؤتمر الوطني! ..

ما لا يجب إغفاله في الإعلان عن إبعاد المؤتمر الوطني من السلطة الحكومية والوقوف على مسافة واحدة بين القوى السياسية، هو أن هذا الإعلان يمثل كذبة …

د. مرتضى الغالي(ارشيف)

بقلم: د. مرتضى الغالي

 

ما لا يجب إغفاله في الإعلان عن إبعاد المؤتمر الوطني من السلطة الحكومية والوقوف على مسافة واحدة بين القوى السياسية، هو أن هذا الإعلان يمثل كذبة كبرى و(استغفال عريض)!

فالمؤتمر الوطني ليس في حاجة لأن تكون رئاسة الجمهورية عبر إدارة الدولة عسكرياً بعيدة أو قريبة منه.. فهو في قلب الحكومة، وكل مؤسسات الدولة يجلس على رأسها أعضاء المؤتمر الوطني وكوادره وقياداته، ويشمل ذلك القوات النظامية وقيادات الجيش والشرطة والأمن والخدمة المدنية والمؤسسات العدلية، علاوة على المرافق العامة بكل أشكالها التجارية والصناعية والاجتماعية، وهياكل الوزارات بداية من الوكلاء وما دون ذلك من إدارات وأقسام ووحدات، والاتحادات النسوية والطلابية والشبابية وتنظيمات العمل والسفارات والكليات والمعاهد التعليمية والجامعات وكل التشكيلات والبيوتات التجارية والمالية والشركات والمصانع الحكومية والهيئات الاقتصادية والبنوك وكل ما يمت بصلة للتنظيمات والقطاعات العامة والخاصة؛ بما في ذلك الهيئات الدعوية وما يسمي بالدعاة والوعاظ و(علماء السودان).. بل حتى الهيئات الدينية والصوفية وهيئات المجتمع العاملة في مجال الثقافة والفنون والصحافة والنشر والمسرح …وهلمجرا

وينبغي ألا يفوت ذلك على الناس وعلى المعلقين والمراقبين خاصة البعيدين عن معرفة واقع التغلغل الحزبي والتمكين للجماعة في كل مفاصل الدولة، وقد فات ذلك على الكثير من دوائر الإعلام الخارجي الذي لا يعلم حقيقة ما جرى وما يجري في السودان بفضل أكاذيب يساهم في تعميمها بعض الإعلاميين الذين يعيشون في كنف المؤتمر الوطني ويجترئون على التمويه باستقلاليتهم..! ومعنى ذلك أن أي كلام عن إبعاد المؤتمر الوطني والجماعة من السلطة ووقوف الحكومة (قريباً أو بعيداً منهم) لا تعني شيئاً..وكل محاولات التباكي التي تصدر من جماعة المؤتمر الوطني لا تعدو أن تكون نوعاً من التمثيل الكذوب و(الدراما الهزلية)..جفت الأقلام وطويت الصحف..!

عاشت الأسامي!
وإذا فرغنا من الدراما، فإن مشهد الكوميديا يتمثل فيما جاء في الصحف من إتجاه المؤتمر الوطني لتغيير إسمه..!! هكذا يريد المؤتمر الوطني أن يغيّر المظهر مع بقاء المخبر اشتغالاً بالأوعية وليس بالمضمون..! والمفارقة أن المؤتمر الوطني نفسه كان نتيجة لتغيير أسماء الأوعية وتناسلها من مرحلة إلى أخرى فلم يغيّر ذلك شيئاً عن ما يوجد في بطن الوعاء..! ونوع هذا التفكير هو الذي يكشف طبيعة النوايا وطبيعة الاتجاه؛ فبدلاً من التفكير في تغيير الممارسات والسلوك والأفعال والنهج و(تغيير ما بالأنفس) يفكرون في تغيير الاسم..! وقد كان (المؤتمر الوطني) إسماً وعنواناً لكيان سياسي سابق على مؤتمرهم الوطني الحالي، ولكن غلبة السلطة هي التي انتزعت هذا الاسم من أصحابه فلم يُغنِ ذلك شيئاً ..وها هو المؤتمر الوطني بعد كل هذه السباحة ضد التيار يعود ليفكر في لفظ هذا الاسم..! ولو سألوا أصحاب الكيان القديم الذي كان يحمل إسم المؤتمر الوطني (المؤتمر السوداني الآن) وقالوا لأصحابه: بشرى لكم سوف يعود اسمكم القديم إليكم، لولوا فراراً وملئوا رعبا..!

هذه هي إحدى (الدروس المجانية) التي تؤكد أن العبرة ليست بالأسماء.. فلماذا يا ترى كان هذا الاتجاه نحو تغيير الاسم؟ ألا يعني ذلك (الاعتراف الضمني) بما ألحقه المضمون بالاسم..والفعل بالعنوان..؟ فما هو العيب في هذا الاسم.. وهو اسم جميل كان يعشقه القوم الذي انتزعوه من أهله.. فهم يحبون كلمة (الائتمار) كلمة شيخهم الأثيرة، ولا يفرقون كثيراً بينها وبين (التآمر)..كما أن الكلمة الأولى من هذا الاسم تحمل اسم كيان محبوب لدى السودانيين في بدايات الحركة الوطنية والثقافية وهو (مؤتمر الخريجين) والكلمة الأخرى هي (الوطني) وهل هناك أجمل من نسبة أي نشاط أو فعل للوطن؟! لكن الاسم لا يغني شيئاً عن الممارسة؛ فقد (تجرْبَن) كما يقول التعبير الشعبي بأدران جعلت منه نقيضاً لكل شيء جميل في حياة السودانيين.. إنها الممارسة التي تمت تحت خيمة هذا الاسم فجعلت القوم يفكرون في تغييره لكثرة (المحمولات السالبة) من الممارسات السيئة التي ناء بها على مر السنين.. وأصحاب هذه الممارسات يعلمون قبل الآخرين وقعها على الناس الذين اكتووا بما أفاضت به عليهم من الرزايا والبلايا والمحن والإحن، ولم يعرف الناس من هذا الكيان باسمه ورسمه هذا، غير المنغِّصات التي تراكمت حتى دمغت الاسم بكل نقيصة، وأصبح لا يوحي بأي معنى يشير من قريب أو بعيد إلى الثقة والخير أو استقامة الوطن على دروب التنمية والتعمير والعدالة والتساكن الوطني!

لقد ظل المؤتمر الوطني لثلاثين عاماً مُطلق الأيدي يفعل ما يشاء بالوطن وساكنيه، ولن يفيده التمويه بتغيير الاسم مع بقاء الوعاء بما حمل.. وكما يقول المثل "لا يمكن أن يتحوّل الغراب إلى أوزة لمجرد وضعه في الماء"..!

[email protected]


 

Welcome

Install
×