د. صدقي كبلو: الصادر وما أدراك؟ ..

بررت السياسة الجديدة بأنها تشجع الصادر وتزيد عائد الصادرات وتحفز المنتجين من المزارعين الذين يزرعون سلع الصادر (القطن، الحبوب الزيتية والصمغ) …

د. صدقي كبلو(ارشيف)

بقلم: صدقي كبلو

  

خلط المفاهيم بين زيادة الصادرات وعائداتها وبين توريد وبيع الصادرات للبنوك

واهم من يظن أن المزارع السوداني يعاني من الوهم أو الغباش النقدي
دراسة تثبت أن مزارع الحبوب الزيتية يستجيب للأسعار الحقيقية وليست النقدية

تقديم
بررت السياسة الجديدة بأنها تشجع الصادر وتزيد عائد الصادرات وتحفز المنتجين من المزارعين الذين يزرعون سلع الصادر (القطن، الحبوب الزيتية والصمغ) على زيادة انتاجهم كما أنها ستحفز المصدرين على توريد عائدات الصادرات من النقد الأجنبي وبيعها وفقا لسعر السوق للبنوك.
وف رأيي أن في هذه المسألة وكيف طرحها خلطا في المفاهيم فلكل هدف من هذه الأهداف ألياته التي تحققه خلافا لتغيير سعر الصرف عدا بيع أو توريد المصدرين لعائدات الصادرات للبنوك، فلا علاقة مباشرة بين تشجيع الصادر وزيادة عائداته ولا تحفيز المنتجين الذين يزرعون سلع الصادر بتغيير سعر الصرف، وإذا وجدت علاقة غير مباشرة ليست بالضرورة هي علاقة إيجابية، وأن المسألة في كليتها تحتاج لدراسات تفصيلية وفرز الكيمان. وسنحاول في هذه المقالة أن نلقي الضوء على بعض العلاقات السببية بين هذه الأهداف أو النتائج التي تتوقعها الإجراءات الاقتصادية الجديدة بسعر الصرف حتى لا نبني آمالاً عظاماً، ثم نفاجأ بالعكس.

تشجيع الصادر
إن تشجيع الصادر يعني سياسة تهدف لزيادة الصادرات من خلال زيادة كميتها تحسين نوعيتها، تنوعها واقتحام أسواق تقليدية فقدت أو جديدة ستفتح وزيادة تنافسية سلع الصادر في هذه الأسواق. ولنترك جانب الإنتاج لوهلة ونتحدث عن الأسواق. فلو أخذنا سوق السمسم كمثال فإننا سنجد سوق في حركة ديناميكية عالية، حيث يأتي معظم العرض من أفريقيا وفي مقدمتهم تنزانيا فهو سوق نحن لا نسيطر على العرض فيه ونبيع وفقا للأسعر العالمية التي يحددها السوق وتعتبر آسيا خاصة الصين والهند وكوريا من أكبر المستوردين في العالم وتأتي بعدهم أوربا التي ينمو سوقها بوتائر عالية نسبة للثقافة الغذائية المتزايدة الانتشار عن فوائد السمسم الصحية وعن أنواع الغذاء الجديد التي يتم تصنيعها. وهذا يدعونا أن نستعيد أوربا كسوق تقليدي ولدينا من المصدرين من لهم علاقة متينة سابقة بالسوق الأوربي ويعرفون مداخلهم ومخارجه. ولكن تبقى الحقيقة أن السعر يتحدد عالميا وبالدولار وبالتالي لا أثر لتخفيض سعر الجنيه عليه، إلا إذا كنا قادرين على المنافسة بتقديم سعر أقل من السعر العالمي ولا حاجة لنا لذلك. نحتاج فقذ أن نقدم سلعة تنافس من حيث الجدوى. إن الحديث عن أن زيادة الحصيلة بالعملة المحلية ستؤدي لزيادة الإنتاج، السمسم أو غيره فهذا ما سنناقشه فيما يأتي من حديث.

تشجيع المنتج
حكى لي الراحل البروفسير إبراهيم حسن عبد الجليل (الذي رحل عن دنيانا يوم الأحد 24 أكتوبر 2018)، أنه في نقاش مع أحد سيوخ الحسانية عن ارتفاع أسعار أبقارهم، قال له الشيخ دون أن يتوقف للتفكير لحظة " يا بروفسير كيف عائز أسعارنا ما ترتفع والحاجات البشرية ارتفعت، نحن بنبيع بقرنا دي عشان نشتري سلعكم البتجيبوها لينا من الخرطوم، دحينا أسعاركم ارتفعت، انتو دائرين تستغفلونا ولا شنو". وهذه الحكاية تلخص تماما ما توصلت له في بحثي لنيل الماجستير من جامعة الخرطوم من خلال دراسة العرض والأسعار للحبوب الزيتية في كردفان عبر أسواق النهود، الأبيض، أم روابة، الرهد، ود عشانا وتندلتي، ووجدت أن سوق الأبيض يمثل كل أسواق كردفان في حركتها، فقمت عبر نماذج رياضية مستعملا الاقتصاد القياسي بحساب ما يسمى بمرونة العرض بالنسبة للتغييرات في الأسعار ووجدت أن مزارع كردفان يستجيب للسعر الحقيقي وليس السعر المالي، أي أنه لا يعاني أي وهم أو غباش نقدي أو ما يسميه الاقتصاديون بالإنجليزي (Money Illusion) مما يعني أن الزيادة النقدية للأسعار وحدها لا تحفز المنتج التقليدي في كردفان لزيادة انتاجه (عرض الحبوب الزيتية في حالة الدراسة).
ونحن نعرف أن تخفيض سعر الجنيه، يعني تخفيض قوته الشرائية وبالتالي لن يؤدي لزيادة الأسعار الحقيقية للمنتجين، خاصة أن التغيير النقدي في الجنيه لن يصل كله للمنتج بوجود سماسرة ومصدرين! وهذا يتطلب أن يكون تشجيع المنتجين من خلال حزمة من السياسات الاقتصادية تجعل دخله الحقيقي يرتفع بارتفاع الأسعار.

زيادة الإنتاج لا تعتمد على السعر فقط
وأظنه غني عن القول إن زيادة الإنتاج لا تعتمد على السعر فقط، فهي تعتمد على زيادة المساحات المزروعة وهنا يدخل السعر الحقيقي وتقليل تكلفة الإنتاج ومدخلاته كعاملين أساسيين، ويعتمد على زيادة الإنتاجية ويدخل السعر والتقنيات والبذور المحسنة وسبل الري كعوامل مهمة في زيادة الإنتاج. وهذا يدعونا للتعامل المتكامل مع مسألة الإنتاج بدل أن نشتري وهم الأسعار النقدية وننتظر زيادة في الإنتاج لا تأتي إلا بالتخطيط الزراعي المتقن وبتنفيذ حزمة من التقنيات لزيادة إنتاجية الأرض والتي تساهم في تقليل التكلفة، ولا سبيل إلا ذلك إذا كانت هذه الحزمة من التقنيات أغلبيتها مستورد لأن ذلك سيزيد التكلفة نسبة لانخفاض الجنيه وزيادة أسعار الدولار.

زيادة عائد الصادرات لا يتم بزيادة حجمها فقط
لعله صحيح تماما أن أحد طرق زيادة عائد الصادرات هو زيادة حجمها من خلال زيادة الإنتاج ولكن ليس ذلك هو الطريق الوحيد، فتحسين نوعها وطريقة عرضها يزيد من عائداتها ولكن المهم هو الانتقال من بيعها خام إلى بيعها بعد تجهيزها وتصنيعها، فاللحوم أكثر عائدا من الماشية الحية خاصة عندما تصنف اللحوم نفسها حسب الأجزاء المختلفة وتعد للبيع النهائي للمستهلك. والحبوب الزيتية أفضل عصرها وبيعها كزيت (خام أو مكرر) وأمباز وهكذا. وتثبت دراسات عديدة متخصصة أن عصر السمسم يضاعف عائده على الأقل مرة ونصف. ونحن نملك بعض هذه الصناعات التجهيزية فلدينا مسالخ حديثة ولدينا طاقة عصر تبلغ مليون طن بينما استهلاكنا 250 ألف طنا وفقا لأحد أساتذة مركز الدراسات الإنمائية بجامعة الخرطوم. وهذا يمكن أن يقال عن القطن فلدينا على الأقل ثلاثة مصانع للغزل في الجزيرة والخرطوم وبورتسودان. بل يمكن غزو الأسواق الأفريقية بالأقمشة القطنية الملونة.

توريد عائد الصادرات وبيعها للبنوك
إذن لم يبق معنا من إنجازات سياسة الصدر إلا تحفيزها للمصدرين لتوريد عائداتهم وبيعها للبنوك التجارية، وهو إجراء استبدل وفقا لسياسة الحكومة بحرية التجارة الإجراءات واللوائح الإدارية والتي كانت تسود في السودان منذ زمن الإنجليز بإجراء ينحاز للمصدرين والبنوك والنظام المصرفي، وكان لا بد للحكومة أن تصل لهذا الإجراء نسبة لفشلها في اتخاذ سياسة اقتصادية ومالية ونقدية صحيحة تحافظ على سعر الجنيه السوداني وفقا لسعر البنك، والأمثلة كثيرة:
1-
الحكومة أهملت الإنتاج وتحفيز المنتجين وهم المصدر الأساسي للنقد الأجنبي فتدهور انتاج القطن، أكبر مصدر للنقد الأجنبي لسياسات الحكومة تجاه الزراعة المروية عموما ومشروع الجزيرة على وجه الخصوص، وأهمل انتاج القطن المطري، خاصة في جبال النوبة والزراعة الآلية، ولم تستخدم عائدات البترول لإعادة تحديث وتأهيل القطاع الزراعي والآن يحدث نفس الشيء لعائدات الذهب.
2-
لم تستخدم الحكومة سياسة أو قرارات ذات بال لتحجيم الطلب على النقد الأجنبي بربط الأحزمة على بطون الأغنياء حتى يقلص الطلب على البضائع المستوردة وقد ألغت حتى ما أتخذ من قرارات من قبل حكومة بكري فيما يتعلق بالسلعة ال 19 بحجج واهية عن تعطيلها لصادر يفوق قيمة الواردات عن طريق منع الثلاجات التي تأتي بالفاكهة والخضر المجمدة وحتى لو كان ذلك صحيحا فكان يمكن أن تسحب بعض السلع كالفاكهة من القائمة ويستمر الحظر ويمتد لسلع أخرى.
3-
الحكومة لم تر في منع الاستيراد بدون تحويل قيمة سوى فائدة نقل سوق النقد بالداخل ولك ذلك القرار مقرونا بسلطات الترخيص التي سحبت من بنك السودان الآن كان من الممكن يجعل في يد قرار ماذا نستورد كأولوية يخصص لها النقد الأجنبي
لو طبقت بعض هذه السياسات لما أحتاج البنك المركزي لأجراء جذب المصدرين عن طريق الإجراءات الجديد لأن الدولار كان سينخفض، بل ان السوق الموازي كان ستقلص فوجوده بالخارج كان أساسا لتمويل واردات غير مرغوب فيها. والمسألة الأساسية الآن ماذا نحن فاعلون بالنقد الأجنبي الذي سيتوفر من عائد الصادرات؟ هل سنسمح أيضا، عبر آلية السوق، للبنوك أن توجهه وفقا الطلب ومن يدفع أكثر للدولار؟ لو فعلنا ذلك نكون يا ابزيد لا غزينا ولا شفنا الغزو!!

[email protected]

Welcome

Install
×