د. أمجد فريد: الحل السياسي الصحيح لإيقاف الحرب هو ما يضمن وبشكل واضح إنهاء الوجود المؤسسي المستقل للدعم السريع
لم تخبرنا الدعم السريع ولا “تقدم” في اتفاقهما، عن الإجراءات التي سيتم اتخاذها من قبلهم لإخلاء مساكن المواطنين!!
“تقدم” تحاول فرض رؤيتها في قضايا ذات طابع سياسي مستعينة بغطاء وقف الحرب!!
أديس أبابا : القاهرة : الخميس11 يناير 2024 :راديو دبنقا
اجري الحوار : اشرف عبدالعزيز
أعرب المدير التنفيذي لمركز فكرة للدراسات والتنمية د. أمجد فريد عن تحفظاته على اعلان أديس أبابا الموقع في 2 يناير 2024 بين تنسيقية القوى الديمقراطية (تقدم) وقوات الدعم السريع وشكك فريد في التزام الدعم السريع بالتعهدات والالتزامات التي قطعت بها الدعم السريع بناء على الاتفاق وحملها مسؤولية اطلاق الشرارة الأولى للحرب بحسب ما افاد به التقرير المستقل لمرصد جامعة ييل الامريكية الذي كلفه منبر جدة التفاوضي بإنشائه.
وقال فريد: إن “تقدم” تحاول فرض رؤيتها في قضايا ذات طابع سياسي مستعينة بغطاء وقف الحرب. ولكن هذا يهزم المطلب الأساسي والشعار الذي اندلعت من أجله الثورة بالأساس وهو إخراج العسكر من ممارسة السياسة.
وفيما يلي نص الحوار
*بعيداً عن الهجوم الضار الذي درجت على شنه إزاء قوى الحرية والتغيير، ماهي تحفظاتك على اعلان أديس أبابا الموقع بين (تقدم) والدعم السريع؟
- الهجوم الذي اشنه على قوى الحرية والتغيير لا يأتي من فراغ، بل هو نتيجة لمواقف شائهه حسب رأيي يتخذها هذا التحالف في شكله الحالي، وهي تتعارض في رأيي مع مصالح الشعب السوداني. وقد جاء الاتفاق في ثلاثة أقسام وإحتوى على قضايا وتعهدات إنسانية صرفة لا يستطيع أحد الاعتراض على عناوينها، ولكن هل يمكن أن نشاهدها على أرض الواقع؟ الواقع يقول ان المليشيا تواصل في ارتكاب انتهاكاتها باستمرار وكأنها لم توقع او تتعهد بشيء في ذاك الاتفاق. إلتزمت قوات الدعم السريع بإطلاق سراح أسرى الحرب والمحتجزين لديها، والذين بلغ عددهم بحسبها 451 وتسليمهم للصليب الأحمر… واعتبر الاتفاق ذلك بادرة حسن نية، ولكن لم يوضح الاتفاق هوية هؤلاء المحتجزين! فالأمر واضح في تعريف أسرى الحرب، ولكن سكت الجميع عن تعريف هؤلاء المحتجزين، فلماذا تحتجز الميليشيا المواطنين وتعتقلهم في أسوأ الظروف في معتقلات قدرتها منظمات حقوقية بـ44 معتقلا تابع للدعم السريع في الخرطوم وحدها، وعلى أي أساس؟! ما علينا… فالاتفاق أقر بإطلاق سراحهم، ولا عزاء لشعارات دولة القانون أو المساواة في الحقوق والواجبات أو حماية الحريات العامة.
*هذه حرب ومجرد الجنوح لمثل هذه الاجراءات والالتزام بها يحسب لصالح (تقدم) والدعم السريع؟
- واين هو هذا الالتزام ؟! على سبيل المثال لم تخبرنا الدعم السريع ولا “تقدم” في اتفاقهما، عن الإجراءات التي سيتم اتخاذها من قبلهم لإخلاء مساكن المواطنين التي تستمر عناصر الميليشيا في احتلالها بعد أن نهبتها مرارا وتكرارا. هذا مجرد حبر على ورق وتمهيد لإعلان تحالف سياسي صريح.
*الاتفاق مضى إلى أكثر من ذلك وأعلن التزام الدعم السريع لفتح ممرات آمنة لوصول المساعدات الانسانية؟
- نعم مضى الاتفاق بعد ذلك ليعلن التزام الميليشيا بـ”فتح ممرات آمنة لوصول المساعدات الإنسانية وتوفير الضمانات اللازمة لتيسير عمل منظمات العمل الإنساني وحماية العاملين في مجال الإغاثة”، و”تهيئة الأجواء لعودة المواطنين/ات لمنازلهم في المناطق التي تأثرت بالحرب (الخرطوم، دارفور، كردفان، الجزيرة)”، و”تشكيل اللجنة الوطنية لحماية المدنيين من شخصيات قومية داعمة لوقف الحرب، تتولى اللجنة مهمة مراقبة إجراءات عودة المدنيين لمنازلهم وضمان تشغيل المرافق المدنية الخدمية والإنتاجية، وتعمل على تعبئة الموارد الداخلية والخارجية لتوفير الاحتياجات الإنسانية للمدنيين”، وغير ذلك… وهو ما يصح تسميته في أفضل الفروض بأنه محض كلام مجاني؛ فلم يضع البيان في اعتباره أن الميليشيا وعملياتها هي السبب الرئيس لتوقف عمليات الإغاثة الإنسانية. اوقف هجوم المليشيا على ود مدني قبل ايام قليلة العمليات الانسانية في كافة المنطقة بحسب ما اعلنه مكتب تنسيق المساعدات الانسانية، ناهيك عن ما اعلنه صندوق الغذاء العالمي قبل ٣ ايام من الاتفاق عن نهب عناصر الدعم السريع لمخازنه في الجزية والتي كانت تحتوي على مخزون غذائي يكفي لإطعام مليون ونصف سوداني على حافة المجاعة لمدة شهر كامل! كل هذا يتم التعامل معه بالتعمية والاستغفال السياسي! بل أصبح يتم على هذا مطلب خروج المليشيا من بيوت المواطنين التي يحتلونها بسؤال: “واين سيذهبون إذا خرجوا من بيوت المواطنين”…
- الاتفاق تحدث عن “تشكيل لجنة ذات مصداقية لكشف الحقائق حول من أشعل الحرب؟
- لكنه في المقابل تجاهل تقرير مرصد النزاعات الذي تم تمويله ورعايته بواسطة منبر جدة ، تحت إشراف جامعة ييل الأميركية ، فقلد أعلنت الخارجية الأميركية في بيان لها صادر بتوقيع الناطق الرسمي للخارجية الأميركية يوم 9 يونيو 2023 عن تبنيها وتمويلها للمرصد “Sudan Conflict Observatory”، الذي يتم تمويله من إدارة النزاعات وعمليات تحقيق الاستقرار بوزارة الخارجية الأميركية في سياق مفاوضات منبر جدة التي كانت تدور حينها. وقال الناطق الرسمي باسم الخارجية الأميركية يومها إن المرصد سيستخدم صور الأقمار الاصطناعية ويحلل البيانات مفتوحة المصدر لتحليل ورصد وتوثيق الجرائم والانتهاكات التي يرتكبها الطرفان بموجب التزاماتهما بحسب اتفاق جدة لحماية المدنيين الذي تم توقيعه بين الطرفين يوم 11 مايو 2023. صدر تقرير المرصد يوم 14 يوليو 2023 والذي احتوى على صور وتحليل للوقائع والأحداث بالإضافة إلى المعلومات التي تم تجميعها، لينص بشكل واضح وصريح على أن قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو هي التي بدأت الحرب في السودان يوم 15 أبريل 2023 في محاولة منها للاستيلاء على السلطة! هذا بالإضافة إلى ما شاهده السودانيون بأعينهم من أفعال الميليشيا في حربها البربرية ضد السودانيين والتي وصفها التقرير نفسه بأن الدعم السريع قد عاد فيها إلى استخدام الأساليب نفسها التي ظلت تستعملها الجنجويد منذ 2003–2004 في حرب دارفور. فما الذي تريده “تقدم” في اتفاقها مع الميليشيا؟ أم إن المصداقية التي يطلبونها هي أن تتم تبرئة الدعم السريع لتقر أعينهم؟
*رؤية تقدم واضحة هي وقف الحرب؟
كلنا نريد وقف الحرب، لكن ما تعمل عليه “تقدم” هي حماية المليشيا، “تقدم” تحاول فرض رؤيتها في قضايا ذات طابع سياسي مستعينة بغطاء وقف الحرب. ولكن هذا يهزم المطلب الأساسي والشعار الذي اندلعت من أجله الثورة وهو إخراج العسكر من ممارسة السياسة.
كيف؟
استمرار تحالف “تقدم” في الترويج لسردية الواقع البديل التي تحاول الميليشيا صناعتها والدفاع عنها لا يضعه بشكل مباشر في خانة التواطؤ مع الميليشيا في حربها، لكن القسم الثاني من اتفاق أديس أبابا يكشف التحالف المضمر بينهما، فهذا القسم احتوى على قضايا سياسية مباشرة. مثل شكل حكم الدولة وترتيبات إعادة هيكلة وإصلاح القطاع الأمني وحتى إعادة بناء أجهزة الخدمة المدنية. وهي قضايا ذات طابع سياسي مدني ينبغي أن يتم الحوار فيها بين الساسة المدنيين في المقام الأول وهم الذين لا يمثلهم تحالف “تقدم” بأي حال من الأحوال. وإذا كان يمكن قبول تبرير “تقدم” وسعيه للالتقاء بقادة الميليشيا في إطار سعيهم لوقف الحرب، فما شأن هذه القضايا بوقف الحرب! الشاهد أن “تقدم” هنا يحاول فرض رؤيتها في قضايا ذات طابع سياسي مسبق مستعينا بغطاء وقف الحرب. ولكن هذا يهزم المطلب الأساسي والشعار الذي اندلعت من أجله الثورة وهو إخراج العسكر من ممارسة السياسة. إضافة إلى أنه يهزم هدفهم المعلن في السعي للتقريب بين الطرفين في سياق وقف الحرب، إذ إنه يقرر في قضايا سياسية بشكل مسبق ويعلن اتفاقه عليها مع طرف ويسعى لفرضها على الطرف الآخر.
*من خلال وجهة نظرك ماهي الرؤية الأمثل لوقف الحرب؟
- الحل السياسي الصحيح لإيقاف الحرب هو ما يضمن وبشكل واضح حل الميليشيا وإنهاء وجودها كمؤسسة مستقلة، وليس دمجها في قيادة الجيش الواقع الآن يقول إن الميليشيا تأخذ السودانيين كرهائن لتنفيذ مطامحها السياسية، وإن “تقدم” قد انخرطت معها الآن (خوفا أو طمعا) في شرعنة هذا الاختطاف.
إن أطروحة الحل السياسي لوقف الحرب هي الأطروحة الوطنية الصحيحة. وإيقاف هذه الحرب المجنونة يجب أن يكون هو الهدف الوطني الوحيد لكل حادب في هذا الوقت. لكن الحل السياسي لا يعني تسليم البلاد للميليشيا وفق منهج “الحكم لمن غلب”، بل ينبغي أن يكون الحل السياسي الصحيح الذي يعالج جذور المشكلة وأسباب الأزمة، وهي تعدد المؤسسات العسكرية في البلاد وانخراطها في السياسة وفسادها.
هذا الامر يبدأ بإجبار الطرفين على وقف اطلاق النار والفصل بين القوات المتحاربة بمراقبة دولية بواسطة اطراف تستطيع فرض التعهدات الانسانية والسماح بوصول الاغاثة الانسانية، قم بعد ذلك يتم اطلاق عملية سياسية شاملة بمشاركة المدنيين وبدون مشاركة الجيش ولا الدعم السريع للاتفاق على القضايا السياسية. ام مفاهيم مثل التعاطي الايجابي مع القوات المتقاتلة او الاتفاقات السياسية مع الاطراف المتحاربة، فهي مجرد سعي وراء السلطة وتوسل لها بسلاح المتحاربين.