حريق في إحدى مزارع النخيل بالولاية الشمالية ـ خاص راديو دبنقا

امستردام: الخميس: 10/ أكتوبر/ 2024م: راديو دبنقا

تقرير: سليمان سري

لا يكاد يمر شهر أو شهرين حتى يأتي خبر جديد عن وقوع حريق في مزارع النخيل في إحدى الجزر أو القرى في الولاية الشمالية.

تتسبب هذه الحرائق في خسائر مالية فادحة يصعب تعويضها من موسم أوموسمين.

خلال العام الحالي شهدت الولاية الشمالية أكثر من 20 حريقا، كان أغلبها في مناطق المحس.

وقع آخر حادثين الأسبوع الماضي، احدهما في جزيرة ارتقاشا بمحلية البرقيق واسفر عن فقدان اكثر من ألفي نخلة، والثاني في جزيرة دفوي بمحلية دلقو بالولاية الشمالية، وقد قضى على أكثر من 250 نخلة مثمرة وأكثر من أربعين من أشجار الفواكه.

وتتزايد حرائق النخيل في فصل الصيف، بسبب الإهمال في نظافة المزارع وطريقة التخلص من المخلفات، لكن مع تكرارها المستمر دون تفادي الأخطاء السابقة تصبح أخطاء شبه متعمدة.

ويتكبد المزارعون خسائر مالية فادحة، خاصة وأن التمور تمثل عماد اقتصاد أهل الولاية الشمالية، وأهم مصادرالدخل.

بدأت حرائق النخيل في الانتشار منذ بداية عقد الالفينات بصورة مكثفة، حيث تنتقل من قرية إلى أخرى ومن جزيرة إلى جزيرة.

ارتبطت هذه الحرائق بداية الامر بدوافع سياسية، حيث كان النشطاء من أنباء المنطقة يتهمون النظام السابق وعناصره من الإسلاميين بإشعال حرائق النخيل ردًا على مناهضة الأهالي لسدي كجبار ودال، لكن تلك الاتهامات لم تثبت صحتها وكثيرًا ما دونت البلاغات ضد مجهول.

التنازل للحكومة

ويعزو الخبير الزراعي والموظف السابق بمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAW) بروفسير داؤود حسين داؤود، في مقابلة مع “راديو دبنقا”، انتشار حرائق النخيل إلى عدة أسباب اجتماعية وبيئية واقتصادية.

ويشدد داؤود على أن الحل الوحيد لمعالجة مشكلة حرائق النخيل يتمثل في تطبيق التشريعات والقوانين، وعمليات النظافة السنوية فهو يرى أن المواطنين يجب عليهم التنازل عن نخيلهم لصالح الحكومة، ليس نهائيًا، بل لإعادة زراعتها بطريقة منظمة بأن تقوم بداية بعمل مجمع وراثي لكل الأصناف الواعدة.

ويفسر رؤيته بأن تقوم الحكومة بإزالة كل أشجار النخيل واستزراع سلالات جديدة لأصناف مختلفة من النخيل بطريقة علمية منظمة وبمسافات وفواصل متباعدة، ويعتقد بأن هذه هي الطريقة المثلى للحد من الحرائق، وتمكين سيارات الإطفاء من الدخول لمزارع النخيل، وتوقع أن تثمر تلك السلالات الجديدة في فترة قريبة خلال ثلاث أو أربع سنوات، مشيرًا إلى أن التربة والمناخ في السودان يساهمان في ذلك.

وكثيرًا ما تعجز قوات الدفاع المدني عن الوصول داخل حقول النخيل لعدم وجود طرق مفتوحة.

ويصف الخبير الزراعي النخلة بـ”الكنز” الحقيقي، لكنه في ذات الوقت يشعر بالاستياء لعدم اهتمام الدولة والمواطنين بما تنتجه النخلة من التمور، بل حتى من مخلفاتها التي يعتبر أن لها قيمة اقتصادية كبيرة ويستفاد منها في الصناعات الدوائية كما كان يمكن الاستفادة منها في صناعة الأسمدة.

أسباب اجتماعية
واعتبر في المقابلة مع “راديو دبنقا” أن الأسباب الاجتماعية تتعلق بهجرة المواطنين من الولاية الشمالية من مناطق انتاج التمور، للخرطوم ولدول المهجر، حيث لم يعد عليها اعتماد كما في السابق، لعدم تغطيته لاحتياجات الأسر.

وأضاف أن المواطنين فروا من المنطقة، وتركوا مزارعهم مهجورة، تنتشر فيها الحشائش والأشجار اليابسة متراكمة مما يساهم في سرعة اشتعال الحرائق.

ويرى أن هنالك خسائر كبيرة تقع على الأسرة والمزارع، مشيرا إلى الاحباط الكبير الذي يصيب المزارع عند فقدان النخيل الذي ظل يرعاه منذ عشرات السنين.

ويشير إلى الاضرار النفسية التي يمكن أن تلحق بالمزارع لارتباطه بالنخيل حتى لو لم يحقق له عائد مادي، حيث يمثل النخيل للبعض ذكرى لآبائه واجداده.

واضاف أن الحرائق تسبب كذلك أضرارا للجهاز التنفسي من أزمة والتهابات وغيرها.

أسباب اقتصادية

ويضيف داؤود أن هنالك أسبابا اقتصادية للحرائق تتمثل في عدم الاستفادة من مخلفات النخيل مثل الجريد القديم، التي لم يعد لديها قيمة اقتصادية.

ويتابع قائلا إنه كانت هناك محاولات كثيرة لتحويلها إلى سماد لكن لم تكلل بالنجاح.

ويرى داؤود أن المواطنين زاهدون في تطوير هذه الموارد.

ويشير في هذا الصدد إلى تجربة أهل مدينة غزة الذين استطاعوا إعادة تدوير مخلفات النخيل، وإنشاء مصنع لانتاج مناديل الورق، على الرغم من أنهم لا يملكون أكثر من 300 ألف نخلة في حين يمتلك السودانيون قرابة الـ 20 مليون نخلة.

اسباب بيئية

وعن الاسباب البيئية لحرائق النخيل، يقول بروفسير داؤود إن نواة التمر تحتوي على ما وصفها بالزيوت الطيارة التي يمكن أن تنفجر بعد وقت من سقوط التمرة على الارض في حال اشتداد درجات الحرارة.

ويرى داؤود أن من الضروري تفعيل القوانين والتشريعات الخاصة بمنع نشوب الحرائق.

وأشار في هذا الصدد إلى أن سلطات الاستعمار الانجليزي وضعت قانونا يلزم المزارع بالقيام بمهام محددة في النظافة والعناية بالنخيل.

ويؤكد بروفسور داؤود أن حرائق النخيل تؤثر على البيئة ويمكن أن تؤدي إلى التصحر.

النخلة “كنز”

واعتبر أن الكثيرين لايعرفون أن هذه النخلة، التي يصفها بـ “الكنز” الحقيقي، لايجب التفريط فيها.

ويقول إنه في حال اتبع المنتجون التقنيات الزراعية فإن المخلفات الناتجة من النخلة يمكن أن تكون لها قيمة اقتصادية كبيرة.

وأشار داؤود إلى أن كل مخلفات النخلة يصل وزنها إلى حوالي 26.2 كيلو جرام، معتبرا الامر خسارة كبيرة في حال إهدار هذه المخلفات.
ويؤكد أن النخلة يمكن أن تستعيد حيويتها ووضعها السابق بعد عام أو عامين، إذا لم يكن الحريق كاملا ولم يصل الأوعية الداخلية.

ويعبر داؤود عن اسفه لعدم امتلاك السودان مصانع للاستفادة الاقتصادية القصوى من النخيل.

ويشير في هذا الصدد إلى أن السعف المنتج من مخلفات النخيل وغلاف النخلة “الطلع” يدخلان في الصناعات الدوائية.

Welcome

Install
×