خارطة طريق للمبعوث الأمريكي بنشر قوات دولية لحماية المدنيين
امستردام: السبت 5/ أكتوبر/ 2024م: راديو دبنقا
تقرير: سليمان سري
بدأ المبعوث الأمريكي إلى السودان توم بريللو بخطة جديدة بوضع خارطة طريق من شأنها الحد من التوترات ووقف النزاع الدائر في السودان، واضعًا الاهتمام الأكبر لحماية المدنيين، من الانتهاكات التي يتعرضون لها من قبل طرفي الصراع، القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.
وتأتي هذه الخطة في إطار سعي المبعوث الإمريكي الجاد في انجاح مهمته في وقف النزاع في السودان، بوقف اطلاق النار والضغط على الأطراف المتقاتلة للعودة لطاولة المفاوضات في أعقاب تعثر محادثات جنيف التي قاطعها الجيش السوداني.
ونقلت وسائل إعلام عن بيرييلو، الأربعاء، خلال لقائه بمجموعة من الصحفيين وممثلين من منظمات المجتمع المدني في العاصمة الكينية نيروبي، تصريحات عن فتح قنوات اتصال مع الاتحاد الأفريقي بخصوص تهيئته لإعداد وتجهيز قوات للتدخل، بهدف حماية المدنيين في السودان.
تزامنت تصريحات بريللو مع زيارة لوفد من مجلس السلم والأمن الإفريقي إلى العاصمة الإدارية بورتسودان، هي الأولى منذ العام 2015م، وانخراطه في سلسلة لقاءات مع المسؤولين السودانيين، ومن غير المستبعد أن تتطرق مباحثات الوفد مع المسؤولين لمقترح المبعوث الأمريكي بنشر قوات دولية لحماية المدنيين، خاصة أن استهداف المدنيين من الطرفين اصبح قضية معقدة شغلت الرأي العام الإقليمي والدولي ومشاهد الإعدامات الفورية والذبح وبطر البطون وغيرها من الجرائم والانتهاكات التي دعت للبحث عن آلية لحماية المدنيين.
وتباينت آراء خبراء استطلعهم “راديو دبنقا” حول تصريحات المبعوث الأمريكي وإمكانية نشر قوات دولية من قبل الاتحاد الإفريقي كما ظلت تطالب بذلك بعض منظمات المجتمع المدني، إلا أن هذا الخيار مواجه بتعقيدات كثيرة، خاصة وأن للسودان تجربة سابقة في نشر قوات دولية مازالت تخضع للتقييم، البعض يرى أنها كانت ناجحة والبعض الآخر يرى بغير ذلك.
تجربة ناجحة:
وبينما رأى الخبير الإعلامي والمتحدث الرسمي السابق لبعثة الأمم المتحدة في العراق د. خالد دهب، احتمال نجاح فكرة نشر قوات دولية أو إفريقية لحماية المدنيين، استبعد السفير المتقاعد بالخارجية السودانية، أبوبكر حسين أحمد احتمال نجاح فكرة نشر قوات دولية لحماية المدنيين في السودان وعزا ذلك لتباعد المواقف بين طرفي الصراع،
وقال د. خالد دهب لـ”راديو دبنقا”، أن فكرة استقدام قوات دولية لفض الاشتباك بين الأطراف المتنازعة، تجربة تمت في كثير من الدول بعضها نجح والبعض الآخر لم ينجح، مشيرًا إلى أن لكل دولة أو حرب ظروفه الخاصة.
وعبر عن اعتقاده بأن للسودان في الوقت الحاضر لاتوجد إرادة من قبل طرفي الصراع، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لوقف الحرب أو لوقف إطلاق النار وكل طرف يصر على حسم الصراع عسكريًا، ورأى استحالة أن يتحقق ذلك.
واعتبر أن فكرة نشر قوات دولية أو قوات إفريقية في هذه الحالة لحماية المدنيين قد تنجح في السودان، على الرغم من أن الكثيرين كانوا يرون أنها لم تنجح في دارفور، إلا أنه رأى بغير ذلك وقال إنّها نجحت إلى حد بعيد مدللاً على حديثه بأن الصراع في دارفور تقريبًا كان قد هدأ. ودلل على ذلك بأن أدى إلى جلوس الأطراف المختلفة مع بعض والوصول إلى اتفاقيات بعضها نجح وبعضها لم ينجح.
وعلى الرغم من رهانه على نجاح فكرة نشر قوات دولية لحماية المدنيين، غير أن دهب أشار إلى جملة من العوائق منبها بأن لابد من وضعها في الاعتبار، وقال إنَّ تلك العوائق تتمثل في كبر مساحة السودان “الشاسعة”، ورأى أن أي قوات دولية يتم نشرها في محيط جغرافي كبير يتطلب أن تكون بأعداد كبيرة حتى تستطيع أن تغطي تلك المناطق.
التدخل عنوة:
وأعتبر استاذ الإعلام في الجامعات والمعاهد العليا د. خالد دهب في حديثه مع “راديو دبنقا” أن القوات الدولية حين تدخل بين الأطراف المتقاتلة لحماية المدنيين، وهو الهدف الرئيسي من نشرها، فإن لم تكن هنالك إرادة من الأطراف المتحاربة ولم يخضعوا لشروط وقف اطلاق النار وعدم المساس بالمدنيين يصبح من الصعب أن تنجح في القيام بواجبها في حماية المدنيين.
كما نوه إلى أن القوات الدولية ليس الهدف من نشرها الاشتباك مع المتحاربين بينما دائمًا الغرض منها هو حماية المدنيين وفك الارتباط أو الاشتباك بين الأطراف المتحاربة، وذلك يتم عبر اتفاقيات لكنه رأى من الصعب أن تنجح ظل الوضع الحالي.
غير أنه رأى أن هنالك خيار آخر بأن تدخلت عنوةً واستطاعت أن تقوم بحماية لبعض التجمعات التي تضم المدنيين، بيد أنه استدرك قائلًا: “آخذين في الاعتبار توسع رقعة الحرب في السودان، فإنه من الصعب جدًا اعتماد هذا الخيار”.
تراجع الاهتمام بالسودان:
اختلف الدبلوماسي المتقاعد بالخارجية السودانية، السفير أبوبكر حسين أحمد مع رأي الخبير الإعلامي د. خالد دهب، مستبعدًا نجاح فكرة نشر قوات دولية لحماية المدنيين في السودان وعزا ذلك لتباعد المواقف بين طرفي النزاع، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مشيرًا إلى أن الأول يصر على تنفيذ مقررات جدة، بينما يتحدث الآخر عن الديمقراطية والتحول السلمي وإعادة المدنيين إلى السلطة.
وقال السفير أبوبكر لـ”راديو دبنقا” أن الأوضاع الدولية جعلت الاهتمام بالحرب في السودان تنحسر كثيرًا، وتابع: أعني بالأحداث الدولية الحرب في غزة ومن قبلها الحرب الروسية ـ الأوكرانية، وأخيرًا الحرب بين إسرائيل وحزب الله في لبنان”.
واعتبر أن كل تلك الأحداث جعلت المجتمع الدولي لايلقي بالاً للأوضاع في السودان ولايعطيعها ما تستحقه من الأهمية ويعتبرها أقل أهمية مع الأحداث الجارية والمتزامنة معها.
وجدد التأكيد بعدم نجاح فكرة نشر قوات دولية خاصة إذا كانت تلك القوات إفريقية، مشيرًا إلى أن السودان مازالت عضويته مجمدة في الاتحاد الإفريقي منذ انقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر 2021م.
مواجهة وفد مجلس السلم:
واعتبر أن وفد مجلس الأمن والسلم الإفريقي خلال زيارته الحالية إلى بورتسودان إذا حاول طرح مقترح نشر قوات لحماية المدنيين، مع من وصفهم بـ”حكومة الأمر الواقع”، كما يقولون، فإنَّ أول شئ سيتبادر إلى الذهن أنهم سيواجهون الوفد بضرورة رفع تجميد عضوية السودان في الاتحاد الإفريقي، مشيرًا إلى أنهم أعلنوا عنه أكثر من مرة على رؤوس الأشهاد وقال إنَّهم لايعتبرون أن ما حدث انقلابًا شيئًا يستحق التجميد.
وقال الدبلوماسي المتقاعد بوزارة الخارجية السودانية أبوبكر حسين إنَّ الأوضاع في السودان مآساوية بسبب هذه الحرب وأن الأوضاع الإنسانية متدهورة كثيرًا، وضحاياها هم المدنيين.
ورأى أن السودان يحتاج إلى عون دولي لتوزيع الإغاثات لكنه استدرك قائلًا بأن الطريق ليس ممهدًا لتوصيل المساعدات الإنساني للمحتاجين، وقال إنَّ كل طرف يدعي سيطرته على مناطق معينة يحاول يفرض وجهة نظره حول كيفية مسار هذه المواد الإغاثية لتصل إلى مستحقيها وهم المدنيين الأبرياء.
ورهن تطبيق تلك الإجراءات يتطلب تجرد طرفي النزاع، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع من انتماءتهم الضيقة والنظر إلى حاجة مواطنيهم للعون، وقال إنَّ هذه هي المعضلة يتساوى فيها المواطنين في دارفور وفي مناطق أخرى في كل أنحاء السودان لكن بدرجة أقل.
ومثل هذه المسارات لتوصيل القوافل الإغاثية تستدعي أن يتفق الجانبان بخصوصها بحيث لاتتعرض للاعتداء أو النهب كما يحدث في بعض المناطق. وعبر عن تطلعه في أن “يرعوي الجانبان”، على حد قوله، ويستجيبون للرجاءات الدولية ويحسون بمعاناة مواطنيهم وأن يلجأوا إلى التفاوض للتوافق على آلية معينة تؤدي إلى تخفيف المعاناة عن المواطنين في المناطق التي تدور فيها الحرب، مذكرًا بأن هذه الحرب أولى المتضررين هم المدنيين الأبرياء.