عبد العزيز آدم الحلو: المؤتمر الاستثنائي سيحدد الموقف من (تقرير المصير)

بدا رئيس الحركة الشعبية (شمال) عبد العزيز الحلو، أكثر تمسكاً بقراراته التي أحدثت زلزالاً داخل الحركة بعد عزل رئيسها ، مالك عقار وأمينها …

حوار/ شمائل النور

 

بدا رئيس الحركة الشعبية (شمال) عبد العزيز الحلو، أكثر تمسكاً بقراراته التي أحدثت زلزالاً داخل الحركة بعد عزل رئيسها ، مالك عقار وأمينها العام ورئيس وفدها التفاوضي ياسر عرمان، ويرى الحلو الذي تحدّث إلينا من أحد معاقله بجبال النوبة أنه أنقذ الحركة من مصير كارثي كان ينتظرها إذا ما استمرت القيادة القديمة في سياساتها (التنازلية)، لكن الحلو بدا مُطمئناً حينما تحدّث عن دعوته لـ (عقار وعرمان) لحُضُور المؤتمر الاستثنائي ومنحهما حق الترشح  بعدما أحكم قبضته على الحركة..

في هذا الحوار يجيب الحلو على كل الأسئلة، خلفيات الصراع، مُستقبل الحركة، المنطقتين، الحل القومي، الحرب السلام، تقرير المصير والسودان الجديد.. وإلى نص الحوار:

+++

هل استقرّت الأمور تماماً داخل الحركة الشعبية بعد قرارات مارس؟

الوضع الآن أفضل ممّا كان عليه الحال قبل مارس، وعضوية الحركة الشعبية هي التي قالت كلمتها.. ولا تزال هي التي تُحدِّد ما يفترض أن يكون.

عضوية الحركة أم مجلس التحرير؟

مجلس التحرير هو الممثل الشرعي لعضوية الحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال).

ماذا نُسمِّي الذي جرى في الحركة، أنتم تطلقون عليه تصحيحاً.. والطرف الآخر يَعتبره انقلاباً؟

القرارات التي صَدرت منذ مَارس نقلت الحركة الشعبية من محطة غياب المُؤسّسات التنظيمية والوثائق المُوجّهة والانفراد باتخاذ القرارات المُؤثِّرة إلى منصة التأسيس من جَديد.. والمؤتمر الاستثنائي القادم سيضع الأمور في نصابها الصحيح ويقدم الإجابات على كل الأسئلة.

هل اكتملت الترتيبات لعقد المؤتمر العام الاستثنائي.. ومتى حدّدتم موعده؟

الترتيبات لعقد المؤتمر تسير على قدمٍ وساقٍ وسيتم عقد المؤتمر في القريب العاجل.

متى بالضبط، وما هي أبرز أجندته؟

ريثما تنتهي اللجنة التحضيرية من الإعداد له، وأبرز أجندته ستكون مناقشة وإجازة المنفستو والدستور وبناء هياكل الحركة وانتخاب قيادة جديدة.

ماذا عن المنفستو؟

هنالك لجنة تَمّ تكليفها لوضع وصياغة المنفستو، وسيتم عرض المسودة على أعضاء المؤتمر الاستثنائي لإجازتها.

من هُم أعضاء هذه اللجنة، وما هي أبرز ملامح المنفستو الجديد؟

سبق أن أعلنا أسماء أعضاء اللجنة ونُشرت في وسائل الإعلام.. أبرز ملامح المنفستو هي التمسُّك برؤية السودان الجديد.

في استقالتك، ذكرت أنّ أحد أسباب الخلاف مع الطرف الثاني هي خفض سقف التفاوض بتقديم تنازلات جوهرية، رغم أنّ الحكومة ظلّت تصف مواقف الحركة الشعبية بالمُتعنتة، وفعلياً لم تُوقِّع اتفاقاً باستثناء اتفاق مالك – عقار.. ماذا تقصد بخفض سقف التفاوض؟

رئيس وفدنا التفاوضي السابق درج عادة على خفض سقوف مَطالب الحركة عبر تصريحاته المُتكرِّرة التي يقول فيها إنّنا لا نريد جيشيْن، وإنّ حق تقرير المصير ليس من مطالبنا دون مدعاة لذلك أو تفويض.. ولا شك أن تلك تنازلات كبيرة وفي قضايا جوهرية ومصيرية .

بمعنى أنّ قضيتي (الجيش) و(تقرير المصير) خط أحمر؟

ورد مطلب تقرير المصير كجملة شرطية، أي السودان العلماني الديموقراطي الموحد.. أو حق تقرير المصير لكل الشعوب السُّودانية المُختلفة ليُقرِّر كل منها مُستقبله السِّياسي والإداري في حالة تمسُّك المركز بالقوانين الدينية.. أما الجيش الشعبي فهو يمثل الضمانة الوحيدة لتنفيذ أيِّ اتفاق سياسي مع الخرطوم.

هل تقرير المصير خيار استراتيجي أم تكتيكي؟

الإجابة على هذا السؤال تقع على عاتق المؤتمر القومي الاستثنائي.

بَاتَ طرح خيار تقرير المصير قريباً أكثر من ذي قبل؟

حق تقرير المصير لم يكن يوماً بعيداً عن أُطروحات الحركة الشعبية وأهداف ورؤى السودان الجديد لعلاقته بآليات تحقيق الوحدة العادلة والسلام الدائم.

أيضاً ذَكرت أنّ أحد أسباب الخلاف بينكم، ملف الجيش الشعبي.. هل فعلاً شرع الطرف الآخر في تنازلات جوهرية بشأن هذا الملف؟

المبادئ الخمسة في جولة أغسطس 2016م كانت تهدف لتسريح الجيش الشعبي والتخلُّص منه .

أيِّ مَبادئ؟

المبادئ الخمسة للترتيبات الأمنية التي وَردت في جولة أغسطس2016 م وَوافَقَ عليها رئيس وفد التفاوض السابق للحركة، تتعلّق بتجريد الجيش الشعبي من سلاحه.. أي تسريحه والتخلُّص منه.. ليخلو الجو لمليشيات المؤتمر الوطني لمُواصلة الاستبداد والإبادة.

الحكومة في الخرطوم رحّبت بقيادة الحلو للحركة واعتبرته أميل لتوقيع اتفاق.. هل تلقّيت أيِّ اتصالات من الخرطوم؟

بالتأكيد.. ولكن أيِّ اتفاق؟.. نحن نريد اتفاقاً يخاطب جذور الأزمة ويقود لتحقيق سلامٍ شاملٍ وعادلٍ.. يَضع حَدّاً لمسلسل الحروب الأهلية التي وسمت السودان منذ الاستقلال.. ويمنع إعادة البلاد إلى الحرب مَرّةً أُخرى.

هل بينك والخرطوم اتصالات مُباشرة؟

بيننا والخرطوم معارك في مسارح العمليات ليس إلاّ.

لكنك أعلنت وقف عدائيات لمدة ستة أشهر؟ هل هذا إبداء حُسن نوايا؟

يتهمنا الآخرون بأنّنا دعاة حرب.. ورأينا أن نقول ونؤكد غير ذلك.. وأننا مع الحل السلمي للقضية موضع الخلاف إذا توفّرت الإرادة لدى الطرف المُعتدي.

هل نتوقّع قبول المُقترح الأمريكي للمساعدات الإنسانية في أقرب جولة؟

المقترح الأمريكي ما زال في طور المبادرة، وهو مطروح على الطاولة للنقاش والتطوير.

لديّ معلومة أنك لا تمانع في التوقيع عليه، لأنّ الوضع الإنساني باتَ لا يُحتمل؟

هذه المعلومة غير صَحيحة، لأنّ الوضع الإنساني هذا العام أفضل من العام الفائت، وشُعوبنا مُنتجة لولا تقلبات المناخ أحياناً، ومبدأ الاعتماد على الذات عندنا ليس شعاراً فقط.. بدليل أنّنا مَوجودون حتى الآن رغم استخدام الخرطوم الغذاء كسلاحٍ، ومرور ست سنوات على سياسة الإبادة عن طريق القتل البطئ بالتجويع والحرمان من الدواء.

هناك وساطات من المُعارضة المُسلّحة للم شمل الحركة الشعبية.. إلى ماذا توصّلت؟

لم نسمع بهكذا مُبادرة.

وماذا عن وساطة سلفا كير؟

لم نسمع بها كذلك.

إلى ماذا تَوصّلَ وفدكم في المُشاورات مع الوساطة الأفريقية بأديس أبابا؟

ما تم في أديس ليست مُشاورات، وإنّما كان تنويراً للوساطة حول الوضع السياسي الراهن.

هل اعتمدتكم الوَسَاطة رسميّاً؟

الدعوة من قبل الوساطة لوفدنا تُؤكِّد ذلك.

في استقالتك، خاطبت بشكلٍ خاصٍ أبناء النوبة، الأمر الذي صوّر للرأي العام أنّ الحركة انتقلت من حركة شعبية لتحرير السودان إلى حركة جبال النوبة؟

المنبر الوحيد والمُؤسّسة الوحيدة المُتاحة في ذلك الحين للبت في مثل هذه الخلافات الجوهرية والمصيرية كان هو مجلس التحرير لإقليم جبال النوبة – جنوب كردفان، وفيما بعد اتخذ مجلس تحرير إقليم النيل الأزرق خَطوات مُماثلة، وتوِّجت كل تلك الخطوات بموقف الجيش الشعبي.

أيضاً ذكرت في استقالتك أن أسباباً تتعلّق بالإثنية حالت دون اتفاق أبناء النوبة على أن تمثلهم؟ ما يُفهم منه أن الإثنيات تمثل فيصلاً في حسم صراعات الحركة؟

هنا يجب أن نُفرِّق بين الإثنية والاثننة.. القبيلة والقبلية.. الإثنية واقع في مُجتمعاتنا وظاهرة حميدة ولم يتم تجاوزها بعد.. لأنّها مَا زالت تمثل اللبنة الأساسية في بناء المُجتمع الإنساني عندنا، وأكثر من ذلك هي وعاءٌ ثقافيٌّ تقع عليه مسؤولية تربية وتنشئة الأطفال والأجيال وفق منظومة قيم مُحدّدة تجعل من الانسجام والسلام الاجتماعي أمراً مُمكناً، ولكن من ناحية أخرى فإنّ اثننة القضايا لأغراض سياسية أو لتحقيق مكاسب غير مشروعة هي المشكلة.

بمعنى؟

عدم انتمائي لإثنية النوبة لم يكن مشكلة في حد ذاته، لأنني ناضلت معهم لأكثر من ثلاثين عاماً على أساس رؤية السودان الجديد والتي لا تفرِّق بين عضوية الحركة على أساس الإثنية أو الدين أو اللون.. وكل شئ كان (عسل على لبن).

وماذا حدث.. هل انتهى عهد العسل واللبن؟

الذي حدث أن البعض اختار الانحراف عن الرؤية ومبادئ السودان الجديد.. وقُمت بالاعتراض على ذلك.. لكنهم لجأوا للاثننة والقبلية من أجل تمرير أجندتهم التي تتعارض وأهداف العضويْة.. ومنهم من هم ليسوا بنوبة اثنياً.. عليه فإنّ الرؤى والمبادئ والأهداف هي الفيصل في العلاقات بين العضوية داخل الحركة وليس الإثنية.. ويكفي للتدليل على صحة ما أقول.. إن ثلاثتنا كضباط تنفيذيين في قمة قيادة الحركة، لم يكن بيننا من هو (نوباويٌّ).. ولفترة ست سنوات ما وجدنا إلاّ كل احترام.. ولم يحتج أحد إلاّ عندما بدأ بعضنا في الانحراف عن خط الحركة.

ألا يخشى الحلو أن ينقلب عليه أبناء النوبة؟

كما قلت، فإنّ الالتزام بالرؤية والمبادئ والأهداف هو الفيصل وليس الانتماء الإثني، إضافةً إلى أنّ مؤسسات الحركة الشعبية هي التي تَنتخب وتعزل وفق معايير مُرتبطة للالتزام بالرؤية والخط دون الالتفات للخلفية الإثنية، وإلاّ فكيف يتسنى لنا تفسير قرار مجلس تحرير النيل الأزرق بعزل مالك عقار من الرئاسة وهو إثنياً واحدٌ منهم.. وفي الجَانب الآخر اختيار مَجلسي تَحرير جبال النوبة – جنوب كردفان والنيل الأزرق لشخصي وتَكليفي بقيادة فترة الانتقال، كل ذلك يُؤكِّد أنّ عُضوية الحركة الشعبية هي فوق ترهات الإثنية والقبلية والمناطقية الضيِّقة، بل تلتزم رؤية ومبادئ السودان الجديد التي تقوم على أُسس الوحدة في التنوع وقيم المُساواة.

هل انتهى عهد عرمان وعقار في الحركة؟

أرجو توجيه هذا السؤال لهما، ما تَمّ مُؤخّراً هو إجراءات إصلاحية، وهم يرفضون الإصلاح بوقوفهم ضد مطالب الشعب وتطلعاته.

لكنّك تَرفض عَودتهما للحركة؟

هذا ليس بصحيح.. لأنّ عبد العزيز ليس هو الذي رفض عَودتهم، لكن مُمثلي الشعبين في المنطقتين هُم الذين عزلوهم بقرارات بذلت للجميع لقراءتها، ذلك بعد أن منح مجلس تحرير جبال النوبة الفرصة لعقار لقيادة فترة الانتقال حتى المؤتمر القومي، ولكنه ركلها وأصدر قراراته الفوقية الديكتاتورية والتي ولدت ما ولدت من مآسٍ في النيل الأزرق، إلاّ أنّ ممثلي شعب النوبة في القيادة العسكرية ومجلس التحرير فوّتوا عليه الفرصة ولم يسمحوا بتكرار النموذج السيئ الذي نفّذه في النيل الأزرق بالجبال. أما من جانبي أنا، فقد عرضت عليهم الفرصة لحضور المؤتمر الاستثنائي للمُشاركة، بل وحق الترشح لتبوء أي موقع من المواقع القيادية في هياكل الحركة الشعبية.

هل يشعر الحلو أن ما فعله هو الصحيح؟

كما ذكرت آنفاً، أنّ ما تم يمثل مُمارسة ديموقراطية داخل مؤسسات الحركة الشعبية من أجل الإصلاح وتقديم مُعالجات للخلل التنظيمي الذي أصابها بالشلل.. وما تَمّ كذلك قطع الطريق أمام الاستمرار في تقديم التنازلات مقابل لا شئ.. وهو الأمر الذي كان سيقود إلى نتائج نهائية كارثية على مُستقبل المُهمّشين وعلى عملية التحول الديموقراطي في البلاد كَافّة، وقد تَمّ كل ذلك برغبة وإرادة أعضاء الحركة الشعبية، وما يهمنا دائماً هو رغبة ورأي عضوية الحركة وجماهيرها.

تقصد أنّ الرئيس والأمين العام للحركة يعملان ضد حُقُوق المُهمّشين؟

هذا ما قاله ممثلو الشعبين في المنطقتين.

البعض يحمل عليك، أنك قرّرت مسح نضالات الرفاق بجرة قلم؟

الإنسان هو الذي يكتب لنفسه سجلاً ناصعاً من النضالات، وأيضاً هو الذي يمسح بنفسه نضالاته بما يتخذ من مواقف في وقتٍ مُحدّدٍ.

عقار لا يزال مُسيطراً على النيل الأزرق؟

هذا غير صحيح البَتّة.

ذكر مالك عقار أنك وعقب عودتك من إحدى زياراتك للولايات المتحدة كُنت تُناقش كادر الحركة عن إمكانية تقسيم السودان إلى خمس دول؟

لم يسبق أن مررت بموقف استدعى أن أتحدث أو أتناول مسألة كهذي إطلاقاً من قبل.. ولكن طالما أثار البعض هذا الموضوع.. فأرجو أن ألفت نظرك إلى أنّ الأمر لا يحتاج لمقولة من فلان أو علان للتبشير به.. لأنّ أقوال وأفعال المؤتمر الوطني لوحدها كفيلة بتحقيق ذلك، تمسك المؤتمر الوطني بسياسات السودان القديم القائمة على الإقصاء والتهميش للآخر المُختلف، عملاً بمبدأ الأحادية الثقافية والتفوق المزعوم، يكفي لتفتيت السودان إلى أربعمائة دولة وليس خمس فقط.. خَاصّةً في ظل تعلق المؤتمر الوطني بأهداف السلطة والتعامي عن قراءة حقائق الواقع العياني الماثلة أمامه، ورفضه لتحكيم صوت العقل.. وبهذه المُناسبة تحضرني مقولة مُوفّقة للأستاذة رشا عوض في 2012م وتقول: “السودان إما أن يتجدّد أو يتبدّد”.. والسودان ليس استثناءً.. وليس أقوى من الاتحاد السوفيتي السابق بترسانته من السلاح وقنابله الذرية، أو يوغسلافيا وفطنة وذكاء تيتو.. العبرة بالعدالة وتحكيم صوت العقل وليس بالغطرسة وهوجاء المواقف.

ما هي رؤيتك لقيادة الحركة الشعبية مُستقبلاً؟

رؤيتي دائماً هي مُطابقة ومماثلة لرؤية وتطلعات أعضاء الحركة الشعبية لتحرير السودان.

أيهما على رأس أولوياتك.. حل قضية المنطقتين أم الحل القومي الشامل؟

قناعتنا، أنّه لا يُوجد حلٌ لقضية السودان في المنطقتين إلاّ في إطار الحل الشامل للأزمة السودانية.

(نقلا عن صحيفة التيار).

Welcome

Install
×