قصص الحرب: عاطف محجوب البحر من بورتسودان الى رواندا
امستردام : الخميس : 8 فبراير 2024 : راديو دبنقا
تقرير : إبراهيم حمودة
حين اندلعت الحرب في الخامس عشر من ابريل كان عاطف محجوب عبد الماجد، المعروف بعاطف البحر (مسرحي ومستشار بمنظمة الطفولة)، مشاركا في ورشة عمل في مدينة بورتسودان، وكان يأمل في أن يتمكن من العودة للخرطوم مساء نفس اليوم عقب انتهاء ورشة العمل.
يقول انه فوجئ بخبر نشوب الحرب وهو داخل فعاليات الورشة، وازداد قلقه حين علم ان الحرب اندلعت شرارتها في المدينة الرياضية على بعد كيلومترين من منزله بحي الازهري بالخرطوم. ويتضاعف القلق لشخص مثله أب لخمسة من البنين والبنات اثنان منهم بلغا سن الرشد والثلاثة ما زالوا في سن الطفولة.
حاول عاطف العودة في اليوم الثاني للخرطوم إلا أن مدينة بورتسودان نفسها شهدت في ذلك الوقت بعض المناوشات داخل المدينة وتوقفت حركة المواصلات تماما لتستأنف في اليوم الذي يليه. يسترجع ما حدث في تلك الأيام قائلا:
كان القلق شديد وسط افراد اسرتي في غيابي وكنت أشد من ازرهم بالحديث معهم باستمرار عبر الهاتف في محاولة للتهدئة من روعهم وبث روح التماسك وسطهم لحين حضوري.
من بورتسودان تمكن عاطف من الوصول لمدني بالباصات التي وصفها بالازدحام المصحوب بفوضى عارمة. الكل يحاول الخروج من المدينة وجهته مدني أو الخرطوم أو بقية المدن والقرى على طول الطريق من بورتسودان للخرطوم.
في اليوم الرابع من اندلاع الحرب تمكن عاطف البحر من الوصول لأسرته في الخرطوم بحي الازهري، اجتمع الشمل وتنفس الجميع الصعداء وانزاح حمل ثقيل من اكتافهم.
يقول عاطف انه لم يفكر في التو في خطة ما.. كان الشهر رمضان، أخذ صينية الإفطار لينضم لجيرانه ليأكلوا سويا كما هي العادة. حينها بدأت مضادات الطيران في إطلاق نيران كثيفة جفل منها عاطف ولكن جيرانه طمأنوه بأن الوضع (عادي).
في اليوم الذي يلي ذلك وفي ساعات الليل سقطت ثلاث دانات ثقيلة اصابت احداها منزل مجاور على بعد شارعين منهم. يقول عاطف انه ظل واسرته طوال الليل يكتمون انفاسهم تحسبا لسقوط الدانة الرابعة التي توقعوها والتي لم تسقط بقية الليل.
يقول: بعد هذا القصف بدأت اناقش اسرتي بشكل جدي في الخروج من الخرطوم. ويضيف:
كان امامنا خياران: منزل الاسرة الكبير في كسلا، أو منزل صهري في مدني وهو منزل كبير يسع الجميع. المشكلة الوحيدة كانت في اقناع والدي المريض المتقدم في العمر الذي رفض التحرك أو السفر خاصة وان له احفاد كثر سيبقون في العاصمة مع ابائهم وامهاتهم.
يذكر عاطف أن أكثر اللحظات ايلاما كانت في وداع والده قبل السفر مع اسرته قاصدا مدينة ودمدني. في لحظة السفر انقسمت الاسرة في الآراء حول استخدام سيارتهم الكبيرة ذات الدفع الرباعي أم السفر بالبصات السفرية أو إيجاد سيارة صغيرة؟
كانوا يعتقدون ان السفر بالسيارة ذات الدفع الرباعي تعرضهم للإيقاف من قبل الدعم السريع واحتمال مصادرة العربة وتركهم في الشارع. في نهاية الامر توصلوا لحل وسط. الأولاد الكبار سيقودون السيارة بصحبة بعض اصدقائهم ويقودون العربة خلف الحافلة التي استقلها عاطف والأطفال.
حين الخروج من مشارف الخرطوم ودخول حدود ولاية الجزيرة حصل الارتياح والاسترخاء الذي ظهر على وجوه الجميع خاصة الأطفال الذين تركوا أجهزة الهاتف التي كانوا يتابعون عبرها الموقف الأمني وأماكن الارتكازات والحوادث التي تحصل ويبلغ عنها الذين تعرضوا لها عبر السوشيال ميديا.. قال عاطف ضاحكا: من شدة الاسترخاء استسلمت احدى البنات لنوم عميق..
قبل ان يستقر المقام بعاطف البحر والاسرة في مدني حصل اجتياح قوات الدعم السريع للمدينة وفرار الالاف من المواطنين لجهات سنار والمدن والقرى الأخرى. يذكر عاطف هنا أنه واسرته أصبحا أمام واقع جديد ومعرفة جديدة، بأن الاستقرار في مدينة ما لا يعني الامن والاستقرار والطمأنينة، وأن الحرب يمكنها أن تنتقل من مدينة الى أخرى في لمح البصر.
يمكنه الذهاب لمدينة كسلا التي ذهب اليها بالفعل مع اسرته، ولكن هل يعني ذلك نهاية الحرب أو الاطمئنان الى أن الجميع سيكونون بخير هناك؟
تواصل عاطف عبر زملائه ومعارفه وشبكة أصدقائه من المنظمات التي عمل بها لمعرفة الخيارات الأمثل من أجل مواصلة العمل من اجل صيانة اسرته والانفاق عليها، ومن أجل محاولة تدبير مستقبل افضل لأطفاله الذين هم في سن الدراسة.
توصل من خلال تقييمه الى أن دولة رواندا هي الأنسب للإقامة والبحث عن فرص جديدة مقارنة بدول أخرى. عن طريق مطار بورتسودان هبط عاطف البحر في مطار عنتيبي بيوغندا ومنها الى العاصمة كمبالا ومن هناك استقل البص الى رواندا لينتهي به المطاف في العاصمة كيقالي حيث يستقر الآن ويواصل عمله مع ذات المنظمة التي كان يعمل بها، وتحدوه الآمال في أن يتمكن من فتح مكتب استشارات في مجال عمله.