حصار المدن من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية
الدلنج: الجمعة 28 يونيو 2024: راديو دبنقا
تشهد مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان منذ يناير 2023م، حصارا مطبقا من كافة الجهات وأدى الى شل كافة مناحي الحياة في المدينة مما فاقم من الأوضاع الإنسانية لسكانها.
وتعرضت المدينة للحصار بواسطة الحركة الشعبية قيادة الحلو من الجهة الجنوبية للمدينة، حيث سيطرت على الطريق القومي الذي يربط بين مدينتي الدلنج وكادوقلى بينما تحاصر قوات الدعم السريع المدينة من الجهة الشمالية حيث قطعت الطريق الرابط بين مدينتي الدلنج والأبيض عند منطقة الدبيبات.
وبانقطاع طريق الدلنج الدبيبات، تصبح مدينة كادوقلى هي الأخرى تحت الحصار من الجهة الشمالية باعتبارها المنفذ الرئيسي للمدينة لجهة المركز. كما أن انقطاع هذا الطريق تسبب في توقف الحركة التجارية بين السودان ودولة جنوب السودان عبر معبر هجليج الحدودي في ولاية جنوب كردفان.
مواجهة ثلاثية:
وجاء الحصار بعد معارك شرسة بين الجيش الحكومي والحركة الشعبية من جهة وبين الجيش والدعم السريع من جهة أخرى ضمن سعي كل طرف للسيطرة على المدينة. وكانت اخر محاولة من الدعم السريع في يناير من العام الماضي، حيث توغل الى داخل المدينة إلا ان قوة الجيش المرتكزة بحامية الدلنج تمكنت من صدها.
وأدت المعارك التي دارت بين الجيش والدعم السريع والحركة الشعبية في مناطق التُكمة وهبيلا وحجر الجواد الى نزوح آلاف الاسر الى داخل مدينة الدلنج والمناطق المحيطة بالمدينة مما شكل ضغطا كبيرا على الخدمات الأساسية بالمدينة، فضلا عن تواجد الآلاف من نازحي لقاوة الذين وفدوا الى المدينة قبل حرب ابريل 2023م.
ارتفاع أسعار السلع الأساسية:
وتسبب استمرار الحصار على المدينة في ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الأساسية في سوق المدينة، حيث بلغ سعر ملوة الذرة 8 ألف جنيهاً، كيلو السكر 35 ألف جنيه، ملوة البصل 10ألف جنيه قطعة صابون الغسيل جنيه 600، جالون البنزين 35 ألف جنيه، جالون الجازولين 32 ألف جنيهاً.
وقال مواطنون ان أكثر المتأثرين بالحصار هي الأسر النازحة، حيث وصل بهم ضيق المعيشة أن إضطروا إلى اكل ورق الأشجار مثل التبلدى والهجليج (لالوب) كما أن الأطفال ينتشرون في الغابات لصيد الجراد.
وقال مزارعون إن الحصار والأوضاع الأمنية بشكل عام في محلية الدلنج الكبرى (الدلنج هبيلا دلامي) منعت المزارعين من الوصول إلى المشاريع الزراعية والمزارع الفردية، حيث تعرض عدد من المزارعين لاعتداءات من قبل مسلحين خلال الأسابيع الماضية راح ضحيتها 4 اشخاص على الأقل. وحذر المزارعون من كارثة إنسانية حقيقة إذا لم تتدخل الجهات المعنية على الفور لإيصال الإغاثة المنطقة.
كما تسبب الحصار في تردى الوضع الصحي في المحلية، حيث كشفت إدارة المستشفى خلو مخازن المستشفى من الادوية الأساسية والمنقذة للحياة إضافة الى المعدات الطبية.
ووفقا للسلطات بالولاية فان الحصص المخصصة للولاية من الإغاثة ما زالت موجودة في المخازن في بورتسودان وكوستي.
مجاعة مصنوعة:
وبشأن المدن التي تشهد حصارا ومن بينها مدينة الدلنج، الأبيض والفاشر، قال حافظ إسماعيل المدافع عن حقوق الانسان ومدير منظمة افريقيا العدالة ان المجاعة الحالية في السودان هي من صناعة الانسان وليست ناتجة عن ظروف طبيعية. مشيرا الى استخدام الغذاء كأداة من أدوات الحرب الأمر الذي يعتبر جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية.
وقال حافظ ان الحرب الحالية تسببت في ارتفاع كبير في أسعار السلع الضرورية وانه مع انعدام الموارد الكافية للمواطن وتوقف المرتبات لأكثر من عام، ظهرت حالات حادة من المجاعة نجمت عنها الكثير من الوفيات.
واوضح ان طرفي الحرب – القوات المسلحة والدعم السريع يقومان بمنع وصول الإغاثة الى المناطق التي تقع تحت سيطرة الطرف الاخر، كما ان العصابات المسلحة (المتفلتين) الموالية لطرفي النزاع تقوم بقطع الطرق ونهب الإغاثة معتبرا ذلك جريمة ترتقي الى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وشدد على ضرورة ادانة المتسببين في هذا الجرائم وتقديمهم الى العدالة حتى إذا انتهت الحرب.
الاثار المستقبلية للحرب
قال حافظ ان الحرب ستقود الي اثار وخيمة على المدي البعيد خاصة على الفئات الضعيفة مثل النساء والأطفال وكبار السن كما ستؤدى الى اثار اقتصادية سلبية بسبب فقدان المجتمعات المحلية لقدراتها على الإنتاج.
الحلول الممكنة العاجلة لإغاثة المدن المحاصرة:
قال حافظ ان على طرفي الحرب الجيش والدعم السريع اعلان وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، ورفع الحصار عن هذه المدن والمناطق المأهولة بالسكان فورا والسماح للمنظمات الإنسانية خاصة برنامج الأغذية العالمي بتمرير المعونات بدون اعتراض ونهبها، منوها الى صعوبة تحقيق ذلك خصوصا في ظل وجود اعتراض من بعض الجهات على مقترح الاتحاد الأفريقي الأخيرة.
وشدد حافظ على أنه في حال تعذر لجوء الاتحاد الأفريقي الى البند الرابع من القانون التأسيسي وإيقاف الحرب بالقوة، فسيكون عليه الاستعانة بالمجتمع الدولي في تنفيذ ذلك بمنع تحرك قواتهما بريا وجويا باعتبار ذلك مهدد للأمن والسلم الإقليمي والعالمي، حيث يواجه أكثر من 20 مليون شخص أوضاع إنسانية كارثية.
وأشار حافظ الى نماذج مشابهة لما يحدث الان للمدن المحاصرة ويمكن تطبيقها ومنها عملية شريان الحياة التي طبقت في حرب جنوب السودان واتفاقية سويسرا الخاص بجبال النوبة في العام 2002 م والتي سمحت بمرور الإغاثة الى المتضررين آنذاك وأنقذ الكثير من الأرواح ونبه الى تلك التجارب اثبتت حسن النوايا التي قادت طرفي الحرب الحركة الشعبية والحكومة السودانية الى توصل الى اتفاقية السلام الشامل.
وحول القرارات والعقوبات التي أعلنتها الجهات الدولية بشأن الحرب في السودان وفك الحصار عن المدن المأهولة بالسكان: قال ان العقوبات المفروضة على الشخصيات وعلى حسابتهم البنكية لا تجدي وذلك بسبب عدم استخدام هذه الشخصيات الأنظمة الحسابية العالمية التي تتأثر بالعقوبات كما انهم يستطيعون اتباع طرق ملتوية للتحايل على القيود المفروضة عليهم مثل التحويلات المالية عبر أسماء شخصيات أخرى واستخدام الكاش وشدد على ضرورة تشديد العقوبات على هذه الشخصيات ومحاصرة مصادر استيراد السلاح.
خلفية:
الدلنج إحدى مدن ولاية جنوب كردفان وتعتبر رئاسة لمحلية الدلنج التي تحمل نفس الاسم وتقع في الجزء الشمالي الغربي للولاية.
الموقع الجغرافي:
تقع مدينة الدَلَنْج على ارتفاع 688 متر (2,254 قدم) فوق سطح البحر وعلى بعد 498 كيلومتر (309 ميل) جنوب الخرطوم عاصمة السودان وعلى بعد 130 كيلومتر شمال من مدينة كادوقلي عاصمة الولاية وعلى بعد 160 كيلومترا الى الجنوب من مدينة الابيض حاضرة ولاية شمال كردفان. يربط مدينة الدلنج بالعاصمة القومية طريق قومي معبد يبلغ طوله 498 كيلومترا يمتد من العاصمة القومية مروراً بكوستي والأبيض الى الدلنج. كما تقع الدلنج على بعد 60 كيلومترا جنوب مدينة الدبيبات وهي محطة كبيرة للقطارات القادمة من الخرطوم الى نيالا بغرب السودان حين كانت السكة الحديد تربط حواضر الولايات الكبرى في الشرق، والغرب، والشمال، والجنوب.
مناخ المنطقة:
تقع المنطقة في الحد الفاصل بين حزامي السافانا الفقيرة والغنية حيث تتكاثر الأشجار الكبيرة المعمرة والكثيفة كلما اتجهت جنوبا ناحية كادوقلي. وتظهر ملامح السافانا الفقيرة كلما اتجهت صوب مدينة الأبيض حيث الكثبان الرملية الحمراء وشجيرات الهشاب الى مناطق أفقر ينمو فيها شجر المرخ والعشر الذي يطبع المناطق شبه الصحراوية. الفصل المطير يبدأ من يونيو وينتهي بنهاية سبتمبر.
سكان مدينة الدلنج:
تضم مدينة الدلنج كل الأجناس الموجودة بالسودان، لكن القبائل الرئيسية بالمدينة هم النوبة وقبيلة الدلنج صاحبة الاسم إضافة الى الحوازمة (عدلان ودار شلنقو ودار بتى ودار بخوته.. الخ)، المسيرية والفلاتة. خارج هذه المجموعات الكبيرة تضم مدينة الدلنج أسرا كبيرة وسكان من جميع انحاء السودان من اقصى الشمال والشرق والوسط والغرب وتعتبر نموذجا للاختلاط والتعايش.
الأنشطة الاقتصادية بالمدينة:
الزراعة والرعي تمثلان الأنشطة الأساسية لسكان المنطقة إضافة للنشاط التجاري، حيث تلعب مدينة الدلنج حلقة الوصل بين شمال كردفان ووسط وباقي السودان وبين الأجزاء الواقعة إلى الجنوب مثل كادوقلي عاصمة الولاية وما جاورها من أرياف وقرى. كما تعمل شريحة كبيرة في دواوين الحكومة وفي القطاع الخدمي في التعليم والصحة. إضافة للحامية العسكرية القديمة في المدينة.
وتقع مشاريع هبيلا الواسعة الممتدة للزراعة الآلية في هذه المنطقة ويزرع فيها السمسم والذرة بأنواعها والذرة الشامية إضافة للمحاصيل الزراعية الأخرى.
في وقت سابق نشطت زراعة القطن وأقيم بالدلنج محلج كبير للاقطان يحلج الاقطان الواردة من مشروع خور أبو حبل الزراعي، ولكن تدهورت هذه الزراعة وتغيرت المنطقة بحكم التغييرات المناخية والإهمال الذي تعرضت له مثل هذه المشاريع.
جامعة الدلنج:
عرفت الدلنج في السابق بمعهد التربية الذي أخرج اجيالا من معلمي المرحلة الابتدائية والذي تحولت مبانيه لاحقا الى جامعة الدلنج المعروفة لدينا الآن. بالقرب من الجامعة وفي مواجهتها يربض جبل أبو نمرة الشهير والذي سمي بهذا الاسم لأن معهد التربية بالدلنج الذي أخذت محله الجامعة الآن كان يسجل ذكرى تأسيسه كل سنة على مساحة ملساء من الصخرة البازلتية الضخمة المواجهة للشارع الرئيسي الذي يربط الدلنج بمدينة الأبيض.
وتضم الجامعة التي خلفته في الموقع مقر الإدارة وكل من كلية التربية وكلية المعلمين وكلية الزراعة وكلية تنمية المجتمع.
المستشفيات والمراكز الصحية:
يوجد بالمدينة مستشفى الدلنج الملكي ويعمل فيه عدد من الاخصائيين والاطباء والصيادلة والكوادر الطبية الأخرى ومستشفى الأم بخيتة بالإضافة للمستشفى العسكري كما يوجد عدد من المراكز الصحية موزعة على احياء المدينة.
المدينة عبر التاريخ:
برزت مدينة الدلنج إلى الفضاء السياسي السوداني في العام 1881، مع انطلاق الثورة المهدية في السودان ضد الاستعمار التركي – المصري، بزعامة الإمام محمد أحمد المهدي، حيث اعتصم ورابط رفقة قواته في جبال النوبة، لتمثل الدلنج قاعدة انطلاق وتقدّم عسكري لجيوش المهدية ضد القوات الاستعمارية وبعدها، ما بين عامي 1912 – 1913، انطلقت مقاومة أخرى، وهذه المرة ضد الاستعمار البريطاني، بزعامة السلطان عجبنا، قبل أن تتمكن سلطات الاستعمار من إلقاء القبض عليه وإعدامه. والسلطان عجبنا هو والد مندي التي شاركته في المقاومة والتي يتغنى الناس بشجاعتها حتى تاريخ اليوم.