حرب السودان .. 300 يوم من الخراب والدمار !!
(راديو دبنقا ) : الخميس 15 يناير 2024
اديس ابابا – أشرف عبد العزيز
مضت 300 يوم منذ أن بدأت حرب مروعة في السودان، حيث اجتاح العنف المدمر البلاد وأسفرت عن مقتل 15 ألف حسب الإحصاءات الرسمية، وتشريد الملايين من الأسر. بدأت الحرب باشتباكات بين القوات المسلحة والدعم السريع في الخامس عشر من أبريل 2023م، وما يزال الجدال دائراً حول من أطلق الرصاصة الأولى، ونتيجة لتطورات العمليات العسكرية اتسعت الصراعات لتشمل مناطق أخرى في البلاد.
تبادل الاتهامات:
استيقظ السودانيون في ذلك الصباح الرمضاني على أصوات المدفعية والاشتباكات، لتعلن عن بداية حقبة جديدة من المعاناة، بادر كل طرف منذ اليوم الأول باتهام الطرف الآخر بأنه من بادر بإطلاق الرصاصة الأولى، واستخدم كل منهما كل أدواته الإعلامية سعياً نحو إثبات صحة ما يدعيان، عبر الفيديوهات والافادات المختلفة، حيث نشرت الغرفة الإعلامية للجيش السوداني مقاطع تظهر من خلالها قوات تابعة للدعم السريع تنتشر حول القصر الجمهوري في وقت مبكر من صباح ذلك اليوم، اعتمد أيضاً على حيثيات حصار قوات الدعم السريع لمطار مروي الواقع في شمال السودان، والتصريحات التي أطلقتها قيادة قوات الدعم السريع قبل اشتعال الصراع.
بالمقابل أطلقت قوات الدعم السريع حملات منذ اليوم الأول تتبنى فيها فرضية أن فلول النظام البائد وجماعات الحركة الإسلامية وكتائب المؤتمر الوطني هم من بادر بالاعتداء على قوات الدعم السريع المرتكزة بالمدينة الرياضية جنوب الخرطوم، وأن قيادات المؤتمر الوطني الهاربة من السجون هم من يقودون العمليات العسكرية، وأن الدعم السريع يسعى للقضاء على سيطرة الفلول على السلطة واستعادة الديمقراطية للشعب السوداني وغيرها من الخطابات التي انطلقت منذ اليوم الأول وما تزال الآلة الإعلامية لقوات الدعم السريع تروج لها.
خلال الفترة الماضية مرت الحرب في السودان بعدة تطورات ميدانية وسياسية وواجه الشعب السوداني عدد من التحديات وخاض حزمة من المعاناة والبؤس والتشرد، في الجانب العسكري، تمددت الحرب منذ انطلاقها لتشمل ولايات (الخرطوم، شمال كردفان، وجنوب كردفان، والنيل الأبيض، غرب دارفور، وسط دارفور، شمال دارفور، جنوب دارفور، وأجزاء من سنار).
أعلنت قوات الدعم السريع عن سيطرتها على أغلب المناطق العسكرية التابعة للجيش السوداني في الخرطوم، وأنها تحاصر قيادة سلاح المهندسين وتستهدف وادي معسكر وقاعدة سيدنا بأمدرمان، وتحاصر أيضاً مدرعات الشجرة بالخرطوم، كما سيطرت على ولاية الجزيرة وتقوم بمناوشات في منطقة الفاو بولاية القضارف. كما بث قائد قوات الدعم السريع تسجيلاً صوتياً في 11 فبراير 2024م، أعلن خلاله تحقيق بعض الانتصارات في المهندسين، وتحدث من خلاله عن رغبتهم في إحلال السلام، واستعادة الديمقراطية.
ظل الجيش السودان يستهدف المناطق التي تنتشر فيها قوات الدعم السريع بالطيران الحربي والمسيرات، والقصف المدفعي، والذي راح ضحيته عدد من المدنيين بحسب التقارير، في الوقت الذي انسحبت قواته من نيالا ومدني وجبل أولياء في مواجهات مختلفة..
اشتركت في القتال في صف القوات المسلحة السودانية عدد من المجموعات المسلحة، على رأسها كتيبة البراء بن مالك المحسوبة على الحركة الاسلامية، إلى جانب إعلان قوات طمبور وحركتي تحرير السودان بقيادة مني اركو مناوي والعدل والمساواة السودانية بقيادة جبريل ابراهيم، في مؤتمر صحفي عقد في بورتسودان عن دعمهم وانحيازهم للجيش السوداني.
مساعي التفاوض لحل الصراع في السودان:
أطلقت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية مبادرة لحل الأزمة السودانية في شهر مايو، أطلقوا عليها اسم (منبر جدة التفاوضي)، انعقدت عدة جوالات أعلن من خلالها الطرفين عن التزامها بوقف إطلاق النار في أكثر من جولة ولكن بدون أن يلتزما بذلك، وتم التوقيع على (إعلان جدة) والذي اشتمل على:
● يؤكد الجيش وقوات الدعم السريع ضرورة السماح بالمرور الآمن للعاملين في المجال الإنساني.
● الالتزام بسيادة السودان، والحفاظ على وحدته وسلامة أراضيه.
● مصالح وسلامة الشعب السوداني أولوية رئيسية.
● حماية كافة المرافق الخاصة والعامة في السودان، والامتناع عن استخدامها للأغراض العسكرية.
● اعتماد إجراءات بسيطة لجميع الترتيبات المتعلقة بعمليات الإغاثة الإنسانية في السودان.
● الالتزام بالإعلان لن يؤثر على الوضع القانوني أو الأمني أو السياسي للأطراف الموقعة عليه.
استؤنفت المفاوضات بين الجيش والدعم السريع في 27 أكتوبر الماضي، بعد توقفها أكثر من 4 أشهر برعاية أميركية سعودية، وانضم إليهما ممثل مشترك للاتحاد الافريقي والهيئة الحكومية للتنمية في دول شرق أفريقيا “إيغاد”، واتفق الطرفان على إجراءات لبناء الثقة والتزامات كان من المفترض أن يذهبوا بعدها للاتفاق على وقف لإطلاق النار. ولكن بعد أقل من أسبوعين أعلن الميسرون المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة عن تعليق المفاوضات بسبب عدم التزام الطرفين بما اتفقا عليه، وخرج كل طرف يكيل الاتهامات للطرف الآخر.
مبادرة الإيغاد:
عرضت إيغاد التوسط لإنهاء الحرب بين قائدي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بطرق تشمل استضافة اجتماع مباشر، وهو ما وافق عليه الجانبان، قبل أن تتراجع عنه الخارجية السودانية سريعاً.
حيث أفاد بيان الخارجية السودانية، بأن البرهان، وجه رسالة إلى رئيس جيبوتي ورئيس الإيغاد إسماعيل عمر غيله “أبلغه فيها قرار حكومة السودان تجميد عضويتها في المنظمة”.
وفي البيان الختامي للقمة، كررت الإيغاد دعوتها طرفي النزاع في السودان إلى “وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار وكذلك وقف الأعمال القتالية لإنهاء هذه الحرب”.
دعت الهيئة الحكومية للتنمية بشرق إفريقيا “إيقاد” إلى عقد قمة للمنظمة في أوغندا، لبحث الوضع في السودان، فيما أعلنت وزارة الخارجية السودانية أنه “ليس هناك ما يستوجب” عقد قمة، وفي المقابل أبدى قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) قبوله الدعوة.
وذكرت الخارجية السودانية في بيان أن الخرطوم ظلت “تتعاطى بإيجابية مع كل المبادرات وبشكل خاص جهود الإيقاد في الوصول إلى سلام في السودان إلا أن الإيقاد لم تلتزم بتنفيذ مخرجات القمة الأخيرة في جيبوتي بلقاء رئيس مجلس السيادة وقائد التمرد، ولم تقدم تبريراً مقنعاً لإلغاء اللقاء الذي دعت له الإيقاد بتاريخ 28 ديسمبر 2023، بحجة أن قائد التمرد لم يتمكن من الحضور لأسباب فنية في الوقت الذي كان يقوم فيه بجولة لعدد من دول الإيقاد في ذات التاريخ”.
وأضافت الوزارة أن حكومة السودان ترى “أن ليس هنالك ما يستوجب عقد قمة لمناقشة أمر السودان قبل تنفيذ مخرجات القمة السابقة”، كما جددت التأكيد على أن ما يدور في السودان هو “شأن داخلي، وأن استجابتنا للمبادرات الإقليمية لا تعني التخلي عن حقنا السيادي في حل مشكلة السودان بواسطة السودانيين”.
“تقدُّم” تدعو الطرفين للقاء لمناقشة وقف الحرب:
شهدت العاصمة الأثيوبية أديس أبابا في الأول من يناير 2024م اجتماعاً بين وفد من تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدُّم» بقيادة الدكتور عبد الله حمدوك، ووفد من قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”. طرحت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية خلال الاجتماع خارطة طريق وإعلان مبادئ، كما تم الاتفاق على تشكيل لجنة فنية مشتركة بين الطرفين لتدارس خارطة الطريق وإعلان المبادئ السياسي.
ووقعت قوات الدعم السريع في السودان وتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية على إعلان أديس أبابا، واتفق الجانبان على تشكيل لجنة مشتركة للوصول لإنهاء الحرب وبناء سلام مستدام.
حيث أكدت رشا عوض، المتحدثة باسم “تقدم” في وقت سابق أن التواصل سيستمر مع القوى السودانية المختلفة، مشيرةً إلى أن تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “لم تتلق حتى الآن استجابة من هذه الأطراف، بمعنى أنهم لم يحددوا موقفهم من قبول الدعوة أو رفضها، باستثناء الدعم السريع الذي قبل الدعوة وتم الاجتماع معه”.
الأمم المتحدة: لقاء البرهان وحميدتي بجنيف
قال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث في تصريحات أدلى بها خلال مؤتمر صحفي إن الطرفين وافقا على عقد اجتماع يرجح أن يكون في سويسرا لبحث مسألة إيصال المساعدات الإنسانية، وأعربا عن سعادتهما بالخطوة. ووجهت الأمم المتحدة وشركاؤها نداءً لتوفير 4.1 مليار دولار، لتلبية الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحا للمدنيين داخل السودان وأولئك الذين فروا إلى البلدان المجاورة، فيما يتواصل الصراع الذي اندلع في منتصف أبريل 2023.
وبحسب بيان مشترك –الأربعاء الماضي – قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ومفوضية شؤون اللاجئين إن نصف سكان السودان – أي حوالي 25 مليون شخص – أصبحوا بحاجة إلى المساعدة الإنسانية والحماية بعد مرور عشرة أشهر على اندلاع الصراع.
أكبر أزمة نزوح في العالم:
تعرضت المدن والقرى لهجمات متكررة، مما أسفر عن دمار هائل وتشريد العديد من السكان الأبرياء. بالإضافة إلى ذلك، شهدت المناطق المتضررة من الحرب نقصاً حاداً في الإمدادات الغذائية والمساعدات الطبية، مما تسبب في تفاقم الأزمة الإنسانية.
إن السودان بحاجة ماسة إلى دعم الدول العالمية والمنظمات الإنسانية لتقديم المساعدة اللازمة للمدنيين الذين يعانون من آثار الحرب. يجب على الحكومة والمتمردين التعاون من أجل تحقيق السلام والاستقرار في البلاد، وضمان حماية حقوق الإنسان وإعادة بناء البنية التحتية المدمرة.
أدت الحرب التي اندلعت في أبريل في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى نزوح 7.1 مليون شخص، وفق ما أعلنت الأمم المتحدة، واصفة إياها بـ”أكبر أزمة نزوح في العالم”.
وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوغاريك إن المعارك التي دارت بالجزيرة وسط البلاد أرغمت 300 ألف شخص على الفرار و”هذه العمليات ترفع عدد النازحين إلى 7.1 مليونا”، بينهم 1.5 مليون لجأوا إلى البلدان المجاورة.
ومنذ اندلاع الحرب فر نحو 500 ألف نازح إلى ولاية الجزيرة، أغلبهم من العاصمة الخرطوم التي كانت مركزا للقتال، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
ودمر الصراع في السودان كل مقدرات البلاد وأدى إلى مقتل ما يصل إلى 12 آلاف شخص، وفقا للأمم المتحدة، غير أن النشطاء ومنظمات الأطباء يقولون إن العدد الحقيقي أعلى بكثير.
خطر الانزلاق في حرب أهلية:
منذ بداية الحرب، تكررت الانتهاكات على المواطنين، والتعدي على أملاكهم وممتلكاتهم من منازل وعربات وذهب وتلفونات، فقد خلالها المواطنون الطمأنينة والأمان، وفقدوا كرامتهم وتبارى طرفا الصراع في إظهار سيطرتهم من خلال حجم المعاناة التي يتسببوا فيها جراء هجماتهم ومضايقاتهم، تم اعتقال أعداد كبيرة من المدنيين من الجانبين، وازدادت خلالها التصنيفات العنصرية والجهوية في مناطق سيطرة كل طرف، مما ساهم في حشد خطابات الكراهية والعنصرية بين السودانيين.
بعد إعلان “الدعم السريع” سيطرته على ولاية الجزيرة وعاصمتها (ودمدني)، ازداد الرفض الشعبي لتوسيع الصراع إلى مناطق أخرى في البلاد، عقب أعمال النهب والسلب والاعتداءات المنسوبة إلى “الدعم السريع” بولاية الجزيرة، ازدادت الدعوات لتسليح المواطنين في الولايات خارج دائرة الصراع وقد قوبلت حملات التسليح الشعبية بدعم من قيادة الجيش السوداني، المحللون السياسيون حذروا من مخاطر الحرب الأهلية جراء انتشار السلاح بيد المواطنين.
ففي 5 يناير 2024م، قال البرهان إن “الشعب السوداني كله يقف مع الدولة ومع قواته المسلحة ويحمل السلاح للدفاع عن الوطن”، مضيفا: “نحن لن نتوانى في تدريب وتسليح كل قادر على حمل السلاح”، كما أكد أنه “من حق كل مواطن أن يدافع عن نفسه وداره وماله وعرضه لأن المرتزقة استهدفوا المواطنين ونهبوا ممتلكاتهم وهجروهم من منازلهم وحاربوهم بكل وضاعة”.
كان هذا التصريح حافزاً لإطلاق حملة (المقاومة الشعبية) واعتبره محللون بمثابة اعتراف رسمي وإعلان عن ميلاد لمجموعات مسلحة جديدة بإشراف الدولة. تعقد الوضع في السودان ويمكن ان تنزلق البلاد لحرب أهلية واسعة، خصوصاً وأن هذه الحملات صاحبتها تصريحات من بعض ولاة الولايات في الولايات التي يسيطر عليها الجيش السوداني استهدفت مواطنين على أساس مناطقي وعرقي، واستهدفت (لجان المقاومة والتغيير) وقوى سياسية داعمة للثورة التي انطلقت في ديسمبر 2018.
على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه السودان خلال الثلاثمائة يوم التي عاشها تحت رحمة البنادق إلا أنه لا بد من إيجاد حلول سريعة وفعالة لإنهاء هذه الحرب المدمرة وبناء مستقبل أفضل للشعب السوداني.