مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة»، هذا هو كل ما يمكن أن يقال عن المفاوضات التي…
بقلم: محجوب محمد صالح
مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة»، هذا هو كل ما يمكن أن يقال عن المفاوضات التي انطلقت هذا الأسبوع بين وفد وزاري من دولة جنوب السودان ونظرائهم في الخرطوم، لكن حصيلة هذا اللقاء لم تزد عن خطوة واحدة على طريق طويل، إذ انتهى الاجتماع بالتأكيد على اتفاقيات سابقة تم التوقيع عليها قبل أربع سنوات، ولم تتحول إلى عمل على أرض الواقع حتى الآن، كما تم تشكيل لجان مشتركة جديدة لكي تدرس تفاصيل التنفيذ في اجتماعات قادمة تلتئم خلال أسبوعين أو ثلاثة.
ربما كانت أهمية الاجتماع تتمثل في أنه أول جهد خارجي تقوم به حكومة (الوحدة الوطنية)، التي جاءت في أعقاب حرب أهلية كارثية في دولة الجنوب الوليدة، أودت بحياة الآلاف وشردت أضعافهم، وما زال أغلبهم يعيشون في المنافي أو في معسكرات النزوح في الداخل، وقد جمعت الحكومة الجديدة كل الأطراف المتصارعة في تلك الحرب التي فرقت بينهم بأنهار من الدماء.
الاتفاقيات التي وعد اجتماع الخرطوم بتنفيذها اتفاقات قديمة تم التوقيع عليها قبل أربع سنوات، وتم التوصل إليها عبر وساطة من الاتحاد الإفريقي، لكنها لم تنفذ؛ تلكأت الحكومتان في تنفيذها قبل حرب الجنوب الأهلية، ثم جاءت الحرب فأوقفت العمل بالاتفاقات وانشغل الناس بالقتال.
بلغ عدد الاتفاقات التي وقعت في سبتمبر عام 2012 تسع اتفاقات، شملت العديد من القضايا المشتركة، وحاولت أن ترسي قواعد للتعاون الثنائي، وأن تجد حلولاً مقبولة للطرفين للقضايا العالقة منذ انفصال الجنوب، وفى مقدمتها ترسيم الحدود، وحسم الخلاف حول بعض المواقع الحدودية، وخلق منطقة عازلة منزوعة السلاح بين البلدين، وفتح عشرة معابر لاستمرار التبادل التجاري والحراك السكاني بين البلدين وتحديد الضوابط، إضافة لمعالجة مشكلة أبيبي، وتجاوز الخلافات حول متطلبات إجراء الاستفتاء الذي يحدد مصير تلك المنطقة حسبما هو وارد في اتفاقية السلام، وهناك خلافات عميقة حول الكثير من هذه القضايا كان يفترض أن تحسم عبر مناقشات تفصيلية تدور بين ممثلين من الطرفين، غير أن شيئا من ذلك لم يتحقق –ولم ينفذ بشكل كامل سوى اتفاق عبور النفط الجنوبي إلى الموانئ السودانية– وحتى قضية النفط بدأت الآن تواجه إشكاليات حول قيمة الرسوم التي يدفعها الجنوب بعد تدني أسعار النفط.
لذلك فإن اجتماع الأمس لا يشكل سوى بداية لمشوار طويل من المحادثات الثنائية بين البلدين، حول قضايا شائكة ومعقدة، وسيتوقف إحداث أي تقدم في المحادثات القادمة على مدى قدرة الحكومة الجديدة على تجاوز صراعاتها الداخلية المترتبة على الحرب الأهلية، وتوحيد صفوفها واستقرار عملها، وعلى مدى تجاوب حكومة الشمال معها، ومن المبكر التكهن بما سيحدث بالنسبة لحكومة الجنوب التي تواجه أزمة مالية حادة، وتهديدات أمنية داخلية عميقة، ومليشيات منفلتة، وسلاح منتشر –وفوق هذا وذاك مرارات موروثة بين القادة السياسيين في الجنوب– ولعل هذا هو السبب الذي جعل محادثات الخرطوم تركز على الجانب الأمني، وعلى خلق المنطقة منزوعة السلاح ونشر الجيشين فيها، وحتى هذا الجانب من شأنه أن يواجه صعوبات عديدة ولا نتوقع أن تحسم قضاياه بسهولة، إذ إن كلا الحكومتين تهتمان بهذا الجانب، وتتبادلان الاتهامات حول دعم كل طرف لمتمردي الطرف الآخر، وكلاهما يريد أن يضمن مساندة الطرف الآخر له، لكن الحديث عن الأمن المتبادل سيفتح بالضرورة كل الملفات الأخرى الصعبة والشائكة!