جبل عدولة: معركة إعلامية في انتظار المعركة العسكرية
أمستردام: 11 يوليو 2024: راديو دبنقا
خلال الأيام القليلة الماضية، تبادلت القوة المشتركة لقوى الكفاح المسلح وقوات الدعم السريع نشر مقاطع فيديو لتواجد قواتهم في منطقة جبل عدولة بولاية شرق دارفور وسيطرتهم على هذه المنطقة.
حيث أكدت القوة المشتركة التي تقاتل بجانب الجيش السوداني أنها دخلت إلى منطقة جبل عدولة وأحكمت سيطرتها عليها بتاريخ 8 يوليو 2024 ما سيمهد الطريق أمامها لتهديد مدينة الضعين، عاصمة ولاية شرق دارفور، والمعقل القوي لقوات الدعم السريع.
من جانبها، وزعت قوات الدعم السريع مقطع فيديو لعدد من قادتها المحليين يؤكدون فيه أنهم موجودون في منطقة جبل عدولة وأنهم حضروا ولم يجدوا القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح.
من يسيطر على المنطقة؟
فريق دبنقا للتحقق راجع مقطعي فيديو من المقاطع الرائجة. المقطع الأول للقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح، وهو مقطع طويل مدته 5 دقائق و34 ثانية ويظهر مجموعة من القوة المشتركة في منطقة تجمع، ادعت انها جبل عدولة. ولاحظ الفريق أن مصور مقطع الفيديو عمل جاهدا على عدم إظهار التضاريس الطبيعية للمنطقة حتى يصعب تحديد موقع القوة. كما أن كل المشاهد التي تم تصويرها لا تظهر أي مناطق مرتفعة أو جبلية وهي الصفة الأساسية للمنطقة. واستطاع فريق دبنقا للتحقق تحديد موقع هذه القوة والتي تجمعت في الطرف الشمالي الشرقي لمنطقة جبل عدولة ولم تفرض سيطرتها على هذه المنطقة الوعرة بالكامل كما تقول.
مقطع الفيديو الثاني مدته 1 دقيقة و20 ثانية ويظهر 3 من قادة الدعم السريع ومن خلفهم سيارة بيضاء رباعية الدفع. ومثلما فعلت القوة المشتركة، حصرت الكاميرا التصوير في القادة الثلاثة وامتنعت عن إظهار البيئة المحيطة للحيلولة دون تحديد موقع قوة الدعم السريع. واستطاع فريق دبنقا للتحقق أن يحدد موقع التصوير في المناطق الجنوبية الغربية لجبل عدولة وأن القوة تحركت من مدينة نيالا الواقعة إلى الشرق.
الموقع الاستراتيجي لجبل عدولة
ويمثل جبل عدولة منطقة حصينة يصعب الدخول إليها في حال وجود قوة تدافع من داخلها بسبب طبيعتها الوعرة ويتبع إداريا لولاية شرق دارفور. وتتشكل المنطقة من كتلتين صخريتين متوازيتين تمتدان من الشمال إلى الجنوب وتوجد بينهما منطقة سهلية منخفضة. ويقع جبل عدولة على الطريق بين الفاشر والضعين، عاصمتي ولايتي شمال دارفور وشرق دارفور. حيث يبعد جبل عدولة بمسافة 143 كيلومتر جنوب شرق الفاشر و 116 كيلومتر شمال الضعين، بينما تعتبر نيالا، عاصمة جنوب دارفور، أقرب مدينة كبيرة لجبل عدولة حيث تبعد حوالي 115 كيلومتر إلى الجنوب الشرقي.
وتعتبر منطقة جبل عدولة منطقة حاكمة في مثلث الفاشر-نيالا-الضعين، وقد استخدمتها الحركات المسلحة في دارفور كملجأ حصين في سنوات حرب دارفور الأولى (2002-2018) وكانت مسرحا لمعارك عنيفة بين الجيش السوداني والحركات المسلحة في يوليو 2017. كما أن المناطق الجنوبية من جبل عدولة شهدت معارك عنيفة إبان الصراع الدامي بين المعاليا والرزيقات في أغسطس 2013. ويمكن الدخول إلى المنطقة من ثلاث محاور مختلفة: أم كتكوت، أم سعونة، ودعة.
الأنشطة الاقتصادية
تعتبر منطقة جبل عدولة والمناطق المحيط بها من أكثر المناطق خصوبة في تلك المنطقة وتتميز بإنتاج الفول السوداني كمحصول رئيسي بجانب عدد آخر من المحاصيل من بينها الذرة الرفيعة. وتنتشر في المنطقة كذلك أنشطة التعدين الأهلي للذهب مع تداول معلومات حول وجود احتياطي كبير من اليورانيوم في المنطقة. كما أن المنطقة جاذبة للرعاة والرحل بسبب مراعيها الخصبة الأمر الذي مثل مصدر نزاعات بينهم والمزارعين في المنطقة.
لماذا الآن؟
العديد من التساؤلات تدور بشأن لماذا عاد جبل عدولة إلى دائرة الأضواء في هذا التوقيت بالذات؟ راديو دبنقا طرح هذا السؤال على ضابط سابق في القوات المسلحة السودانية طلب عدم الكشف عن هويته، حيث أكد على الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة وربط ذلك بثلاثة عوامل.
أولها، أن قوات الحركات المسلحة لديها معرفة جيدة بالمنطقة ويمكن أن تمثل بالنسبة لها رأس جسر في تنفيذ عمليات عسكرية نحو ولايتي جنوب وشرق دارفور في حال نجحت في فك الحصار عن مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور.
ثانيها، أن الجيش والحركات المسلحة يسعيان وبكافة الطرق لتخفيف الحصار على مدينة الفاشر التي تتعرض للهجوم من ناحيتي الشرق والجنوب الشرقي، وبالتالي فإن تواجد قوات على بعد 130 كيلومتر من ارتكازات الدعم السريع جنوب شرق الفاشر يمثل عامل ضغط على قوات الدعم السريع.
ثالثها، أن قوات الدعم السريع لن تسمح بتهديد مدينتي نيالا والدويم عبر تواجد قوات معادية على بعد أقل من 100 كيلومتر من حدود عاصمتي جنوب وشرق دارفور وبالتالي هي لن تسمح بسيطرة قوات الجيش والحركات المسلحة على منطقة جبل عدولة.
معركة عدولة ما زالت في بدايتها ومسرحها حتى الأن مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، لكن المعركة العسكرية على الأرض لم تبدأ بعد وستكون بحق في حال وقوعها معركة مفصلية وحاسمة في فرض السيطرة على شرق وجنوب دارفور.