الباحثة والكاتبة في مجالات البيئة والنزاعات والهجرة، إيمان سيف الدين ـ المصدر ـ خاص راديو دبنقا

أمستردام: الجمعة 5 يوليو 2024: راديو دبنقا
هل تقود التغييرات المناخية إلى اندلاع الحروب والنزاعات وتكثيف الهجرة الداخلية والخارجية؟ هذا السؤال بدأ يطرح في السودان منذ اندلاع الحرب في إقليم دارفور في العام 2002 بعد أن وصفها بعض خبراء المناخ والجغرافية السياسية بأنها أول حرب يمكن اعتبار التغييرات المناخية أحد أسبابها الرئيسية. ويطرح ذلك التساؤل حول إمكانية ملاحقة الجرائم البيئية قانونيا سواء على المستوى المحلي أو الدولي طالما أنها أصبحت أحد الأسباب الرئيسية للنزاعات.
في هذا الإطار، أوضحت الباحثة والكاتبة في مجالات البيئة والنزاعات والهجرة، إيمان سيف الدين، في حديث لبرنامج ملفات سودانية يذاع يوم غد السبت 6 يوليو 2024، أن المحكمة الجنائية الدولية هي محكمة مختصة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم العدوان. وعند مطالعة هذه الجرائم في نظام روما الأساسي سنجد أن الهجوم الذي يسفر عنه ضرر كبير جدا أو خسائر كبيرة جدا في الأرواح، تنظر المحكمة من بين أشياء أخرى، للمساحة التي تتم فيها الجريمة حتى تعتبرها جريمة تلاحق وفق القانون الدولي ومن اختصاص المحكمة الدولية.
الجرائم البيئية تعيق حل النزاعات
وأشارت الباحثة في مجال البيئة إلى أن الحرب في دارفور تشمل حاليا كل مناطق الإقليم، وفي نظام روما الأساسي تم تحديد أن الخسائر في الأرواح بين المدنيين وإحداث الضرر وإذا كان الضرر واسع النطاق أو طويل الأمد، بمعنى أن تأثيراتها تأخذ وقتا طويلا قبل أن تظهر. وأخيرا شدة الضرر على البيئة الطبيعية. ومعظم السكان في إقليم دارفور هم من المزارعين والرعاة، أي أنهم يعتمدون في حياتهم على الأرض. وبسبب الحرب يعيش الغالبية منهم في معسكرات بعد أن اضطروا للنزوح عن ديارهم، وتحول الحرب دون عودتهم لأراضيهم واستئناف نشاطهم الاقتصادي كما في السابق. وعندما تترك الأراضي الزراعية لسنوات طويلة دون زراعة، تتعرض التربة للانجراف وتصبح استعادة قدراتها على الإنتاج أمر غاية الصعوبة. هذا مثال بسيط على كيفية تأثير التهجير القسري جراء الحرب وعلى المدى الطويل على صلاحية أراضيهم للزراعة والضرر الذي تحدثه ونتائج ذلك على عودة السكان بعد انتهاء النزاع.
وضربت ايمان سيف الدين في حديثها لراديو دبنقا مثالا بغابة “كندوة” في جنوب مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور والتي تعرضت للإزالة بالكامل ما قاد لتدمير البيئة النباتية وكذلك الحيوانية حيث كانت فيها حيوانات برية وطيور وغيرها. وستظهر نتائج هذه الإزالة والتغيير المناخي بعد فترة من الوقت عبر تقليل نسبة الرطوبة في الجو وطقس معتدل بجانب الغطاء النباتي الذي اختفى كليا. وهذه أيضا يمثل جريمة بيئية كاملة الأركان.
اختصاص المحكمة الجنائية الدولية
وشددت الباحثة والكاتبة أن المحكمة الجنائية الدولية يمكنها تكييف نفسها لملاحقة هذه الجرائم في ظل وجود نصوص قانونية تسمح بذلك بالرغم مما يعاب على قوانين المحكمة الجنائية الدولية في غياب الدقة في تحديد الضرر الذي يمس البيئة، لكن في مجمل النصوص يمكن أن نقول أنه طالما ارتكبت جرائم حرب في مكان ما، فبالضرورة أن هناك جرائم بيئية مصاحبة تتعلق بصورة عامة بالأحوال المعيشية للسكان في المنطقة المعينة وفي مقدمتها حرمان السكان من الغذاء والدواء، ويفهم من ذلك رغبة المتحاربين في إهلاك المواطنين وتجويعهم وتشريدهم. هذا الفعل مدرج في نظام روما من ضمن أفعال الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
ومضت ايمان سيف الدين في حديثها لبرنامج ملفات سودانية الذي يذاع يوم غدا السبت أن ذلك يتيح للمحكمة الجنائية الدولية أن تدرج في اختصاصها مجموعة من الأفعال المرتبطة بالبيئة الطبيعية وذات العلاقة بالخطورة الجسيمة على حياة المواطن. وحتى تشرع المحكمة الجنائية الدولية في النظر في القضايا البيئية في دارفور، هناك اعتبارات لا بد من أخذها في الاعتبار وفي مقدمتها مستويات التشريع المختلفة في السودان، ما بين الاتحادي والولائي والمحلي وخصوصية دارفور التي يوجد بها مستوى إقليمي وفق اتفاق جوبا للسلام. ويخلق ذلك تداخلا في تحديد المسؤوليات بين الدولة والإقليم والولايات الخمس في دارفور.
فرق تحقيق متخصصة
وأضافت الباحثة في شؤون البيئة أن القضايا البيئية تتطلب درجات تحقيق وقياس مختلف، حيث يجب التعامل مع الجزئيات المختلفة للجريمة البيئية كما هو الحال في التلوث المرتبط بتعدين الذهب. كما يفترض أن تكون فرق التحقيق على صلة بالدراسات البيئية والتحليل البيئة ويفرض ذلك على المحكمة تعيين محققين لهم علاقة بالتخصصات البيئية ومعرفة جيدة بالبيئة في السودان واعتماد أخذ العينات من التربة أو من الماء أو الهواء في المناطق المتأثرة والرصد والتدقيق للجرائم البيئية.
واختتمت ايمان سيف الدين حديثها لراديو دبنقا بمطالبة المحكمة الجنائية الدولية بضرورة مساعدة السودان في إنشاء المحاكم المتخصصة في الجرائم البيئية، ليس فقط في إقليم دارفور وإنما في كل السودان، لأن السعي لإحداث استقرار سياسي واقتصادي وتنموي، فلا بد من المحافظة على البيئة لأن ذلك هو المنطلق الأساسي لحياة المواطن في السودان.

Welcome

Install
×