تقرير: منبر جدة أسهم في تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية في السودان

اتفاق جدة

توقيع اتفاق وقف اطلاق النار قصير الأمد بين الجيش والدعم السريع في جدة – 20 مايو 2023– (المصدر: صفحة وزارة الخارجية السعودية على تويتر)

واشنطن: الثلاثاء 25 يونيو 2024 (راديو دبنقا)

نشرت مجلة “زي” الأمريكية على موقعها الإلكتروني تقريراً عزت فيه “تعميق إنقسامات البلاد بشكل كبير” إلى منبر جدة. وقالت إن نهج الوسطاء أسهم في إطالة أمد الصراع. وأضافت أن طريقة تعامل الوساطة مع القضية السودانية دفع الحركات المسلحة إلى التخلي عن موقف الحياة الذي اتخذته في البداية، بجانب اضعاف دور القوى المدنية ما أدى في النهاية إلى تدهور الوضع الأمني وعرقلة وصول قوافل الاغاثة.

الترجمة:

سعت وساطة جدة التي بدأت العام الماضي إلى حل الصراع في السودان لكنها بدلاً من ذلك على عمقت انقسامات البلاد بشكل كبير وأطالت أمد الصراع عن غير قصد. 

تم إطلاق الوساطة في مايو 2023 وسط تصاعد التوترات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ، وسعت الوساطة إلى حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية. وعلى الرغم من جولات التفاوض العديدة، تم تعليق المحادثات بشكل متكرر بسبب الانتهاكات المستمرة والاختلافات حول الشروط، مما أدى في النهاية إلى عدم التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار أو تسهيل ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية.

خسائر فادحة

بعد أكثر من عام، حول العنف المستمر المناطق الحضرية إلى مناطق حرب، ما أدى إلى خسائر فادحة في الأرواح ومستويات غير مسبوقة من النزوح. مع مقتل الآلاف من المدنيين وإصابة الكثيرين الآخرين، ونزوح الملايين من ديارهم، حيث يواجه السودان “واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في الذاكرة الحديثة”، مع عدم وجود حل متوقع للصراع.

إثر إعلان المبعوث الأمريكي الخاص للسودان عن خطط لاستئناف منبر جدة، يصبح من الضروري كشف عيوب الجولات السابقة من هذه المحادثات. لقد ساهم تصميم وبنية وساطة جدة في إطالة أمد الصراع بثلاث طرق مهمة.

أولاً، ركزت استراتيجية وسطاء جدة على تحقيق وقف لإطلاق النار وتنسيق الجهود الإنسانية. ودعوا على وجه التحديد قيادة القوات المسلحةوقوات الدعم السريع إلى إرسال فرق تفاوض إلى جدة. وذكر الوسطاء أن جدة لن تستضيف محادثات سياسية، حيث تخطط لإشراك المدنيين بعد إقرار وقف إطلاق النار. وعلى الرغم من هذه النية، أثرت الاستراتيجية بشكل غير متوقع على حياد الجماعات المسلحة في دارفور. فقد تخلى قادة من ثلاث فصائل مهمة – مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم ومصطفى تمبور، من بين آخرين – علانية عن مواقفهم الحيادية، بعد الحفاظ  على موقف الحياد لمدة ستة أشهر. 

لا تزال الساحة السياسية في دارفور خاضعة لسيطرة الجماعات المسلحة إلى حد كبير، على الرغم من العديد من اتفاقيات السلام على مدى العقدين الماضيين. وهذه السيطرة هي شهادة على التفاعل المعقد بين القوى العسكرية والسياسية داخل المنطقة، وهو ما لم يتصد له إطار جدة بعد بشكل فعال. إن غياب مجال سياسي مدني في دارفور، إلى جانب تركيز إطار جدة على القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، دون إشراك الجماعات المسلحة المحلية بشكل مباشر، شجع العديد من هذه الجماعات المسلحة على التخلي عن الحياد والانحياز إلى جانب القوات المسلحة السودانية أو قوات الدعم السريع. كان الدافع الرئيسي وراء هذا إعادة الاصطفاف هو رغبتهم في تأمين حصة في أي اتفاق سياسي مستقبلي في السودان، حيث يقدمونه على أنه الخيار الوحيد الممكن بالنظر إلى حدود الإطار. كان من الممكن أن يختلف تشكيل هذه التحالفات لو طور الوسطاء أو تواصلوا بفعالية بشأن استراتيجيات واضحة لإشراك الفصائل المسلحة في دارفور.

 عسكرة الخطاب المدني

ثانيًا، عيبًا كبيرًا في هيكل الوساطة في جدة هو البعد بين وقف إطلاق النار والمحادثات السياسية، حيث يفتقر إلى آلية لسد هذه العناصر. كان الإعداد الأولي السريع الذي تم إنشاؤه على عجل بعد ثلاثة أسابيع من بدء الصراع أمرًا مفهومًا. ومع ذلك، فإن الاستمرار في الاعتماد على هذا الشكل دون إحراز تقدم في خطة تسلسل سياسي قد همّش الجهات الفاعلة المدنية وأضفى شرعية غير مقصودة على قيادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. وقد أدى هذا إلى عسكرة الخطاب المدني، حيث تزداد الجهات العسكرية في تشكيل الأجندة المدنية. ونتيجة لذلك، تعكس معظم التحالفات السياسية الجديدة هذا الصوت العسكري، وتعزز السلطة والش الشرعية العسكرية.

 تسييس المساعدات 

أخيرًا، نتيجة مهمة لاستراتيجية وساطة جدة هي تسييس المساعدات لكسب شرعية فعلية. لقد قدم الوسطاء إجراءات ابناء الثقة تشمل منتدى إنساني تقوده الأمم المتحدة، انضمت إليه القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع مع منظمات دولية أخرى لتحسين إيصال المساعدات. ومع ذلك، وعلى الرغم من إعلانه في نوفمبر 2023، لم يعقد هذا المنتدى اجتماعه الأول حتى الآن. ومع ذلك، فإن مجرد إنشاء المنتدى، الذي يفتقر إلى إجراءات الرصد والمساءلة، شجع أطراف النزاع على تكثيف عملياتهم للسيطرة على المزيد من الأراضي مع الدخول في لعبة إلقاء اللوم. نتيجة لذلك، لا يعيق الأطراف المتصارعة وصول المساعدات فحسب، بل يستغلونها أيضًا لتعزيز شرعيتهم الدولية.

قوات الدعم السريع أعادت توجيه استراتيجيتها 

في البداية، كانت المعارك بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع تتركز على القواعد العسكرية وخطوط الإمداد والمواقع الرمزية مثل محطات التلفزيون والإذاعة. إلا أن قوات الدعم السريع أعادت توجيه استراتيجيتها منذ ذلك الحين نحو استهداف طرق توزيع المساعدات، ولا سيما مهاجمة الطريق الذي حددته الأمم المتحدة حديثًا والممتد من بورتسودان إلى الفاشر عبر عطبرة ومليط. ويعكس هذه التحول نية قوات الدعم السريع في فرض نفسها كسلطة فعلية من خلال السيطرة على تدفقات المساعدات إلى ما يقرب من مليون نازح داخليًا في شمال دارفور، وذلك بابتعاد عن استراتيجيتها السابقة المتمثلة في تجنب الاشتباكات واسعة النطاق مع الجماعات المسلحة في دارفور. الجدير بالذكر أنه طوال الصراع الذي دام عامًا، أنشأت قوات الدعم السريع، التي كانت قد امتنعت سابقًا عن إنشاء هياكل حوكمة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وكالة إغاثة وإنسانية خاصة بها.

التحديات

تجسد محادثات السلام في جدة التحديات المتأصلة في التوسط في نزاعات عميقة الجذور حيث يتنافس ممثلون متعددون، بمن فيهم المدنيون، على الاعتراف والنفوذ. ومع ذلك، يبدو أن استراتيجية الوساطة الحالية غير متماشية مع الديناميكيات الدقيقة على الأرض. في السودان، يواجه تحقيق السلام صعوبات جمة، مما يستلزم إعادة تقييم الاستراتيجيات لضمان تلبية احتياجات جميع السودانيين حقًا، وهو أمر ضروري لتحقيق الاستقرار الدائم.

Welcome

Install
×