تغيير العملة..خطوة لتقسيم السودان أم محاولة  لمعالجة آثار الحرب؟

The new SDG1,000 banknote (Image: CBoS)

أمستردام- 11 نوفمبر 2024- راديو دبنقا
أثار إعلان بنك السودان المركزي بتغيير فئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه ردود فعل واسعة وسط الخبراء الاقتصاديين والمصرفيين والمواطنين خاصة في مناطق سيطرة الدعم السريع، وسط تصاعد المخاوف من أن يؤدي القرار إلى الانفصال الإداري والاقتصادي للبلاد.

ومنذ اندلاع الحرب، ظلت القرارات التي تصدر من الحكومة في بورتسودان، والإجراءات التي تتخذها قوات الدعم السريع، تثير المخاوف من أن تؤدي إلى تقسيم البلاد، ومن أبرز القرارات التي ظلت تطل برأسها بين الفينة والأخرى، الإعلان عن حكومة في بورتسودان والتي يمكن أن يقابلها  الدعم السريع بالإعلان عن حكومة موازية، كما أثار الاستئناف الجزئي للدراسة في المدارس والجامعات، والإعلان عن انعقاد امتحانات الشهادة السودانية في مناطق محددة ، أثار مخاوف مماثلة.
 

خطوة لتقسيم السودان
وفي أول تعليق لها،أعلنت قوات الدعم السريع رفضها قرار بنك السودان المركزي بتغيير فئتي الألف والخمسمائة جنيه.

واعتبرت في بيان القرار خطوة تمهيدية في سياق مخطط تقسيم السودان وفصل أقاليمه، مؤكدة أنها ستتصدى للقرار.

ودعت المواطنين لعدم التعامل بالعملة الجديدة باعتبارها غير مبرئة للذمة. وقالت إن القرار غير قانوني ويتنافى مع نظم الحماية المالية للأفراد في ظل الكوارث والحروب كما اعتبرته تهور اقتصادي لتحقيق أهداف سياسية معلومة.

ويقول الخبير المصرفي والمسؤول السابق في بنك السودان محمد عصمت إن قرار تغيير العملة يمكن أن يكرس لانقسام البلاد إلى منطقتين على أساس الجهة المسيطرة إ ( الحكومة والدعم السريع).

وأشار إلى أن للقرار أهداف خاصة ذات صلة بالحرب حيث يهدف إلى “قتل” النقد الموجود لدى الجمهور في مناطق سيطرة الدعم السريع.

وتشهد أجزاء واسعة من دارفور شحاً في السيولة النقدية مما أدى إلى ارتفاع عمولة التحويل من التطبيقات البنكية مثل بنكك إلى النقد إلى أكثر من 25 في المائة بينما تجاوز ذلك بكثير في بعض المناطق.

وفي ذات السياق، يرى المحلل المالي أحمد بن عمر، في مقابلة مع راديو دبنقا، أن قرار بنك السودان يمكن أن يؤدي إلى المزيد من التعقيدات السياسية مبينا أنه يكرس للانفصال الإداري ويمكن أن يؤدي إلى تشكيل حكومة برأسين او بنظامين ماليين مختلفين، واعتبر تغيير العملة خطوة تصعيدية موازية لما قامت به قوات الدعم السريع في وقت سابق من إيقاف تدفق السلع والبضائع إلى مناطق سيطرة الجيش ومصر.

وفي ذات السياق، يقول الدكتور حافظ الزين أستاذ الاقتصاد في عدد من الجامعات والمقرب من قوات الدعم السريع  مسألة تبديل العملة هي تمرين على الانفصال النقدي الذي يعقبه انفصال سياسي ثم انفصال جهوي .

معالجة الآثار السالبة
ولكن وفقاُ للبيان الصادر من البنك المركزي فإن قرار تغيير الفئات النقدية يأتي لمعالجة الآثار السالبة للحرب الدائرة بالبلاد، واتهم البنك قوات الدعم السريع بممارسة عمليات نهب واسعة لمقار بنك السودان المركزي وشركة مطابع السودان للعملة في الخرطوم، ونبه إلى انتشار كميات كبيرة من العملات مجهولة المصدر وغير مطابقة للمواصفات الفنية من فئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه الأمر الذي أدى إلى زيادة مستوى السيولة النقدية بشكل واضح وكان له الأثر السالب على استقرار المستوى العام للأسعار .

وأوضح بنك السودان المركزي أنه سيحدد لاحقاً عن تاريخ إيقاف التعامل بالطبعات الحالية من فئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه واعتبارها عملة غير مبرئة للذمة، داعياً المواطنين إلى فتح حسابات في المصارف.

واستجابة لبيان بنك السودان أعلن عدد من المصارف عن تسهيل إجراءات فتح الحسابات واستلام العملات النقدية من فئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه.

ووفقا لبيانات البنك المركزي، يتكون الجهاز المصرفي في البلاد من 38 مصرفا تفاصيلها: ( 16 بنك سوداني / 22 بنك مختلط ) ، ويبلغ عدد فروعها 833 فرعا و77 نافذة و73 مكتبا للتوكيل، وكانت الخرطوم وحدها تضم 435 فرعا تمثل 49% من قيمة الفروع في السودان .

وكشف تقرير سابق لبنك السودان المركزي عن توقف 70% من فروع المصارف في مناطق المعارك. وبعد عام ونصف من اندلاع الحرب، يزاول حاليا حوالي 427 فرعا في الولايات الآمنة أعماله أي ما يعادل نصف العدد الكلي للبنوك.

أسباب نظرية
من الناحية النظرية  يرى محمد عصمت إن الدول تلجأ إلى عمليات تغيير العملة في حال انتشار عمليات تزوير العملة بصورة واسعة تفوق المعدلات المعروفة، وأشار أيضا إلى أن من بين الأسباب رواج السوق السوداء لاستخدام العملة خاصة فيما يتعلق بتجارة المخدرات، وتجارة الأسلحة، والاتجار بالبشر والأعضاء، وعمليات التهريب، كما يمكن أن تلجأ الدول لتغيير العملة بسبب سياسات اقتصادية وتجارية خاصة بها. ويقول أيضا إن من بين الأسباب ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير مما يؤدي إلى تدني قيمة العملة وفقدان قيمتها، أو تزايد عمليات تهريب الأموال إلى خارج البلاد عن طريق استخدام الذهب والعملات الأجنبية كمخازن قيمة. كما أن بعض الدول تلجأ لتغيير العملة في حال افلاسها وعدم قدرتها على سداد التزاماتها. ونبه إلى أسباب أخرى فرعية مثل خروج الكتلة النقدية خارج الجهاز المصرفي.

آثار  متوقعة

يرى المحلل المالي أحمد بن عمر أن القرار يمكن أن يؤدي إلى نتائج ايجابية من بينها انخفاض عرض النقود وضبط جزء من عمليات الطباعة ولكنه في ذات الوقت يمكن أن يؤدي إلى المزيد من التعقيدات السياسية  والانفصال الإداري ، ودعا دعا لضبط المؤسسات المالية والإدارية حتى لا تتسبب في تعميق  التعقيدات.

من جانبه قلل الخبير المصرفي محمد عصمت من تأثير تغيير العملة على الوضع الاقتصادي في البلاد، ويضيف (من ناحية اقتصادية لا اظن انها ستسهم في تحسين الوضع الاقتصادي). مؤكدا في الوقت ذاته أن تغيير العملة لا يمكن أن يؤثر إيجابا إلا في حال استقرار البلاد.

ولم يستبعد عصمت أن يؤدي القرار إلى آثار لحظية ايجابية في بداياته ولكنه استدرك قائلاً إن الأمر لن ينسحب الأمر على مجمل الحالة الاقتصادية في البلاد. ورهن تعافي الاقتصاد  بوقف الحرب وتحريك عجلة التنمية .

وأكد إن هناك كتلة نقدية ضخمة ظلت خارج نطاق الجهاز المصرفي منذ 30 عاماً بسبب التدهور المستمر وعدم الاستقرار السياسي.


من جهته يرى الدكتور حافظ الزين أن الفئة أو الفئات الجديدة لن تأتي بجديد وسوف تكون كسابقتها من حيث قيمتها الاقتصادية التبادلية في ظل معدل التضخم الحاد والجامح قبل وبعد الحرب .

ويواجه الاقتصاد السوداني مستويات تضخم عالية تجاوزت نسبة 300% حسب أحدث التقديرات، في ظل تداول 95% من الكتلة النقدية المقدر حجمها بنحو 900 تريليون جنيه، خارج النطاق  المصرفي.

تحديات في مناطق سيطرة الدعم السريع
يقول الخبير المالي أحمد بن عمر لراديو دبنقا إن تغيير العملة سيؤدي إلى خروج دارفور وكردفان من نطاق التعامل بالنقد.

ويتفق محمد عصمت مع احمد بن عمر بشأن تأثير القرار على الأوضاع في دارفور وكردفان مشيرا في الوقت نفسه إلى صعوبة التكهن بحجم التأثير.

ويضيف عصمت ” تلجأ الولايات الحدودية في شرق السودان وغربه أحيانا إلى التبادل السلعي باستخدام عملات البلدين  منوها إلى الفرنك والجنيه في التجارة الحدودية بين دارفور و تشاد وافريقيا الوسطى وذلك بعد توقف تجارة المقايضة .

سيناريوهات 

ويتوقع محمد عصمت أن الفئات الجديدة يمكن أن تتسرب إلى إقليمي دارفور وكردفان لصعوبة التحكم في حركة الأموال إلا في حال الاستقرار الاقتصادي والسياسي والنقدي.

ويشير ايضا إلى امكانية أن يلجأ الدعم السريع إلى خيارات منها جعل العملة السودانية المتداولة مبرئة للذمة والاستمرار في استخدامها . 

ويتفق أحمد بن عمر مع محمد عصمت في امكانية استمرار الدعم السريع في التعامل بالنقود الورقية التي ألغتها الحكومة في بورتسودان، وأشار إلى أن بعض التجار ظلوا يستخدمون الفرنك في التعامل مع تشاد وافريقيا الوسطى بسبب شح السيولة .

واعتبر الدكتور حافظ الزين خطوة تبديل العملة بمثابة انتحار اقتصادي مبينا أن قوات الدعم السريع ستستفيد من هذه القرارات في حال تطبيقها عبر تنفيذ  خطط  تتعلق بالاقتصاد النقدي واقتصاديات الحرب لمواجهة الحرب النقدية .

خلاصة القول يتفق الخبراء على أن جميع القضايا الاقتصادية والاشكاليات المصرفية لا يمكن أن معالجتها إلا بإيقاف الحرب، وإحلال السلام، وقيام حكومة مدنية.

Welcome

Install
×