تصفية مدنيين في الحلفايا تثير الاستياء.. الجيش ينفي صلته والأمم المتحدة تدعو لتحقيق مستقل
امستردام: الخميس 3/أكتوبر/2024م: راديو دبنقا
تقرير: سليمان سري
أثار مقطع فيديو وجد رواجاً عالياً في مواقع التواصل الاجتماعي، صدمة واستياء المواطنين، كما لقي استنكاراً واسعاً من قبل منظمات المجتمع المدني والتنظيمات السياسية.
ويظهر في مقطع الفيديو الذي تم تصويره داخل إحدى البنايات بمدينة الحلفايا، مجموعة من المدنيين ملقيين على الأرض مضرجين بدمائهم، ومن حولهم مجموعة مسلحة ترتدي زي القوات المسلحة وآخرين بزي مدني، يهتفون بأعلى أصواتهم بالتكبير والتهليل واطلاق بعض الألفاظ النابية ويكيلون الشتائم والإساءات لضحاياهم باعتبارهم متعاونين مع قوات الدعم السريع.
المقطع المتداول لاينفصل عن المشاهد المرعبة السابقة من قتل وتمثيل بالجثث وبقر للبطون وغيرها، والتي لم يتوقف بثها من قبل طرفي الصراع، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حال سيطرة أي طرف منهم على منطقة ما جعلت المواطن يعيش في خوف ورعب لاستسهال عملية القتل بذريعة اتهام أي شخص بانتمائه أو تعاونه مع أي طرف.
الخبير يطالب بالتحقيق:
و أعرب الخبير المعين في السودان لدى مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، رضوان نويصر، أمس الأربعاء، عن قلقه إزاء التقارير التي تفيد بإعدام عشرات الشباب بإجراءات موجزة، من حي الحلفايا في الخرطوم شمال بحري، على يد القوات المسلحة السودانية ولواء البراء بن مالك.
ولواء البراء بن مالك هو أحد القوات التي تتبع للحركة الإسلامية ويقودها المصباح أبو زيد طلحة، و ظل يقاتل في صفوف القوات المسلحة في مواجهة قوات الدعم السريع منذ بداية الحرب.
وبينما أدانت قوات الدعم السريع، جريمة مقتل مدنيين بمدينة حلفاية الملوك على أيدي مجموعة ادعت أنها تتبع للعمل الخاص، واعتبرتها عقاب جماعي للمواطنين. نفت القوات المسلحة، الاتهامات واعتبرتها مجرد أكاذيب وتلفيقات من قبل قوات الدعم السريع وحلفائه. في حين دافع خبراء عسكريون الجيش نافين قيام عناصره بارتكاب مثل تلك الأعمال.
وطالب نويصر في تصريح صحفي، بإجراء تحقيق سريع وشامل ومستقل ونزيه في عمليات القتل ومحاسبة الجناة وفقًا للمعايير الدولية ذات الصلة. وأضاف: “حتى الحرب لها قواعد. يجب أن تتوقف الإفلات من العقاب”.
كما دعا نويصر القوات المسلحة وقوات الدعم السريع والحركات المسلحة والميليشيات المتحالفة معها إلى اتخاذ تدابير فورية لضمان حماية المدنيين في منطقة الخرطوم الكبرى، وسط تصعيد الأعمال العدائية والتقارير عن عمليات إعدام بإجراءات موجزة.
وحذر نويصر من أن “المعركة الجارية في الخرطوم الكبرى تعكس رعب الفترة الأولى من الصراع في أبريل 2023 وقد تؤدي إلى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين بين الأشخاص المحاصرين بجوار مواقع استراتيجية وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ونزوح جماعي”.
وأضاف الخبير أن “الفيديوهات المتداولة في وسائل الإعلام أظهرت جثث شباب يُزعم أنهم قُتلوا بناءً على الاشتباه في انتمائهم أو تعاونهم مع قوات الدعم السريع. ووصفه بالأمر الحقير ويخالف جميع معايير وقواعد حقوق الإنسان”.
وحث نويصر جميع أطراف النزاع على احترام التزاماتهم بموجب القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، بما في ذلك التزامهم بضمان عدم حرمان أي شخص من الحياة تعسفاً.
الدعم السريع يدين:
من جانبه أدان المتحدث بإسم قوات الدعم السريع الباشا طبيق في حديث لـ”راديو دبنقا” الحادثة، وقال إنَّ هذه الجريمة التي ارتكبتها كتائب البراء التي وصفها بالمدعومة من الحرس الثوري الإيراني، مشيرا إلى تصفية أكثر من ثلاثين شابًا ظلوا يعملون لأكثر من 16شهرًا يقدمون الخدمات الغذائية للمواطنين .واعتبرها عقابًا جماعيًا للمواطنين ولم يستبعد أن تحدث مثل هذه التصفيات في أي منطقة دخلها الجيش ومن وصفهم بالجماعات الإرهابية والحركات المرتزقة.
وعدَّها جريمة ضد الإنسانية وقال: أقل ما توصف به أنها جريمة إبادة جماعية وإنتهاك صريح للقانون الدولي الإنساني، وتعبر عن سلوك هذه الجماعات التي وصفها بالإرهابية وهي جزء من الجرائم التي ارتكبتها هذه الجماعات من قبل مثل ذبح المواطنين وبقر بطونهم والتمثيل بها وأيضا القصف الممنهج للمدنيين بالطيران الحربي.
بينما امتدح قوات الدعم السريع ووصفها بالقوات المنضبطة مؤكدًا أنها تعمل على حماية المدنيين وفتح المسارات لتوصيل المساعدات الإنسانية للمحتاجين وتطبيق قواعد الإشتباك الخاصة بحماية المدنيين.
الجيش ينفي:
واعتبر المتحدث باسم القوات المسلحة، العميد نبيل عبدالله، أن ما يتم تداوله بشأن تورط الجيش في تصفية متطوعين بالعمل الإنساني بمنطقة بحري مجرد أكاذيب وتلفيقات درجت قوات الدعم السريع وأعوانها على ترويجها”.
واتهم نبيل في تصريح نقله موقع ”سودان تربيون”: تحالف القوى المدنية الديمقراطية “تقدم” بالوقوف وراء الحملة التي قال إنها تستهدف الجيش السوداني، وأشار إلى أن هذا التحالف يتبنى أكاذيب المليشيا المتمردة – في إشارة إلى قوات الدعم السريع – ويتجاهل الانتهاكات والفظائع التي يرتكبها حلفاؤهم ، بينما يروج الأكاذيب بشأن القوات المسلحة.
وعلى ذات السياق اعتبر الخبير العسكري اللواء د.معتصم عبدالقادر الحسن أن هنالك عدة روايات لمثل المقاطع، وقال إنّ هنالك رواية تنفي هذه الصور ونسبها إلى قوات العمل الخاص، وأخرى تقول إن هذه المقاطع قديمة، بيد أنه رأى بأن هنالك محاولات للترويج لمثل هذه الصور للإساءة للقوات المسلحة، ووصمها بانتهاكات الحرب وقوانين حقوق الإنسان.
دفاع عن الجيش:
ودافع الحسن في حديثه لـ”راديو دبنقا” عن القوات المسلحة وقال إنها مؤسسة عريقة تتخذ الإجراءات القانونية اللازمة تجاه المعتدين، واستبعد تلك الأعمال في هذه المناطق، مشيرًا إلى أن القوات المسلحة منتشرة على مستوى القيادة، حيث زار القائد العام الفريق عبدالفتاح البرهان تلك المناطق، مثل الحفايا والكدرو ومنطقة حطاب بمعية مساعده ونائب مدير جهاز المخابرات.
وأكد على أنه حال تم اتخاذ مثل هذه التصرفات عادة ما تحقق فيها وتتخذ الاجراءات المحاسبية والعقابية في حق الذين اتخذوها.
واعتبر أن الالتفاف الكبير حول لقوات المسلحة في مسرح العمليات وفي الأحياء التي تم تنظيفها تعبر عن دعم كبير لها، وقال إنَّ الجهات المضادة ومن وصفها بالمنهزمة تعمل على خلق شقة بين المواطنين والقوات المسلحة، وتابع كل الأخبار والصور والميدان تثبت الالتحام، وأن المواطنين يخرجون من مناطق قوات الدعم السريع إلى مناطق الجيش ويجدون فيها الأمان، مؤكدًا على أن أي تفلتات فردية من داخل القوات المسلحة أو أي جهة تتبع لها سوف تجد المحاسبة والمعاقبة من الجيش.
وشدد على أن أي جهة سواء من العمل الخاص أو مستنفرين أو من الأجهزة النظامية مسؤولة عن أعمالها والأفراد الذين ينتمون إليها تتم محاسبتهم ومعاقبتهم، وقال إنَّ أي حادث ميداني حتى وإن لم تظهر نتائجه إلى العلن تكون هنالك اتخاذ إجراءات تجاه مثل هذه الممارسات.
واعتبر أن مثل هذه الممارسات تضعفها أكثر مما تقويها وقال إنها تصرفات في إطار فردي لا وجود لها ولا تعليمات لها في داخل هذه الأجهزة النظامية.
ناتجة عن مرارات:
من جهته اعتبر الخبير العسكري اللواء ركن متقاعد، عبدالغني عبدالفراج عبدالله، القوات المسلحة وخلال تاريخها الطويل والعريض لاتعرف الحقد والتشفي وهي دومًا في نصرة المستضعفين وتشهد مسارح عمليات الجنوب بذلك حيث كانت القوات المسلحة تقوم بعلاج الجرحى ونقلهم للمناطق الآمنة.
وقال لـ”راديو دبنقا” إنَّ كل الحروب يوجد بها متفلتون، ورغم عدم الاقتناع بمقطع الفيديو إلا انهم ليسوا أكثر من ثلاثة أشخاص كما ظهر في مقطع الفيديو وقد تكون ناتجه عن مرارات طالت أسرهم.
ودلل على حديثه بأن قوات الدعم السريع صفت الكثير من الأسر والكثير َمن المعاشيين بدم بارد. واتهمها بارتكاب كثير من الفظايع وقال إنَّها صفت وقتلت الكثيرين وأذاقت من المرارات ما يكفي.
لكنه، استدرك قائلًا: في اعتقادي الشخصي لا يبرر ذلك الإسلام يحضنا على حسن معاملة الأسير لكن ما تم لانقره”، وقال لكنها الحرب لا مثاليات فيها والتفلتات في كثير من الأحيان يصعب السيطرة عليهم بحكم المرارت التي مروا بها أو شاهدوها.
وعبر الخبير العسكري اللواء عبدالغني عن اعتقاده بأن الشق الاخر تصرف شخصي وليس هناك قائد يميل لمثل هذه التصرفات، وقال بل العكس تمامًا ففي المعارك يا قاتل أو مقتول وفي كلا الحالتين تمر الأمور ويأتي السلام ويتصافي الجميع، كما أن الروح الوطنية وحب الوطن هي التي يجب أن تسود.
لكنه عاد وقال: “أحيانًا أسال نفسي هل قوات الدعم السريع كانت منضبطة وهل كان في قلوبهم رحمة، شاهدنا الكثير من قرى الجزيرة موت بالعشرات ومقابر جماعية هل خرج أيٌ من قادتهم لإدانة ما تم.. بل بالعكس تحريض على ارتكاب مزيد من المجازر لكننا ندين القتل بالدم البارد تحت أي مسمى”.