تصعيد عسكري محسوب، أم معارك مفتوحة؟
أمستردام: 3 ديسمبر 2024: راديو دبنقا
شهدت المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع تصعيدا على عدد من جبهات القتال خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية.
وبادرت القوات المسلحة بمهاجمة عدد من المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع ونجحت في استعادة بعض من هذه المواقع حسب ما ورد في تصريحات الفريق ياسين إبراهيم، وزير الدفاع، في مؤتمر صحفي عقده في مقر جهاز المخابرات العامة في بورتسودان.
كما وزع مناصرون للجيش، في مواقع التواصل الاجتماعي، عدداً من الفيديوهات التي تؤكد تقدم القوات المسلحة وتحقيقها انتصارات على الأرض.
من جانبها، أعلنت قوات الدعم السريع أنها نجحت في صد الهجمات المتزامنة على عدد من المناطق ووزعت عدداً من التسجيلات المصورة التي تبرهن على ذلك، فيما ادعت أيضا سيطرتها على منطقة حدودية مع جنوب السودان في محلية الجبلين بولاية النيل الأبيض.
الجيش يأخذ زمام المبادرة
وفي رده على سؤال من راديو دبنقا عن سبب هذا التصعيد وهل يؤشر ذلك إلى نهاية أي أمل في التوصل إلى حل تفاوضي، ربط ضابط متقاعد من القوات المسلحة، فضل حجب اسمه، التصعيد الحالي بثلاث عوامل رئيسية اتاحت للقوات المسلحة أخذ زمام المبادرة العملياتية.
وأضاف أن أول هذه العوامل هو حصول القوات المسلحة على معدات عسكرية بكميات كبيرة، فيما استبعد أن تكون هذه الأسلحة نوعية لصعوبة الانتقال من استخدام سلاح إلى آخر أثناء الحرب لأن الأمر يحتاج لتدريب وتعود على استخدام المعدات الجديدة.
وأوضح الضابط المتقاعد أن الأسلحة البرية التي تم رصدها في مناطق العمليات هي نفس الأسلحة التقليدية التي ظلت تستخدمها القوات المسلحة في كل حروبها السابقة، فيما تم استبعاد المدرعات والدبابات الثقيلة من العمليات القتالية بالنظر إلى أن الحرب تدور داخل المدن ولجأ الجيش إلى استخدام المركبات الخفيفة (التاتشر) مثله مثل قوات الدعم السريع، فيما تستخدم المعدات الثقيلة في الدفاع عن المناطق العسكرية الرئيسية لمنع تقدم قوات الدعم السريع إليها.
ويؤكد الضابط المتقاعد، أن العامل الثاني والذي مثل فارقا نوعيا هو تعزيز الجيش لاستخدام قدراته الجوية من طائرات مقاتلة ومسيرات، وهو ما تفتقده بالكامل قوات الدعم السريع، وحتى المسيرات التي تمتلكها هي مسيرات محدودة الأثر بسبب مداها المحدود وعبوتها الحربية الضئيلة.
وتابع قائلا إن الطيران نجح في ضرب مناطق تجمعات قوات الدعم السريع وكذلك في تقليص خطوط الإمداد الطويلة التي تمر من دارفور إلى وسط السودان وبالتالي قلل من قدرات الدعم السريع على المبادرة بالهجوم.
وأشار إلى أن العامل الثالث والأخير يتمثل في استثمار الجيش لفترة الخريف التي تراجعت فيها العمليات وقلت قدرة الخصم على الحركة في تدريب أعداد كبيرة من المقاتلين وخير دليل على ذلك مشاركة قوات تتبع لمصطفى طمبور في كل المعارك الأخيرة وبأعداد كبيرة.
هجمات متزامنة
في الساعات الأولى من يوم 2 ديسمبر 2024، بدأت القوات المسلحة هجوما على خمس جبهات رئيسية هي الحلفايا، حجر العسل، مصنع سكر غرب سنار، أم القرى، وأم روابة.
وطرح ذلك على الفور تساؤلات حول ما إذ كانت هذه الهجمات المتزامنة هي جزء من هجوم شامل ومستمر أم أنها ذات أهداف محدودة وستتوقف بمجرد تحقيق أهدافها. واستشهد الكثيرون بالهجوم المماثل الذي شنته القوات المسلحة في نهاية شهر سبتمبر الماضي ونجحت فيه في عبور كبري النيل الأبيض والحلفايا وسيطرت على أراضي محدودة على الضفة الأخرى للنيل (المقرن والحلفايا) من دون أن تكون قادرة على التقدم لإجلاء قوات الدعم السريع عن مناطق سيطرتها في الخرطوم والخرطوم بحري.
أما قوات الدعم السريع، فقد أعلنت عن استيلائها على منطقة التبون الحدودية مع جنوب السودان.
محور الحلفايا، الهدف سلاح الإشارة
رغم الهجمات المتكررة من قبل قوات الدعم السريع، إلا أن القوات المسلحة نجت في الاحتفاظ بمواقعها في مدينة الحلفايا التي كانت قد استولت عليها في 25 سبتمبر الماضي.
ومن الواضح أن نجاح القوات المسلحة في تثبيت أقدامها في الحلفايا بالرغم من تواجد قوات الدعم السريع في السامراب إلى الشرق والجيلي إلى الشمال وشمبات الأراضي في الجنوب.
وبعد أن كان هدف هذه القوات في بداية مهمتها تحرير مصفاة الجيلي، لكنها في هجوم صبيحة 2 ديسمبر اتجهت جنوبا على محوري شارع الشهيد مطر من الشرق (الإنقاذ سابقا) وشارع الشهيد طيار الكدرو غربا (المعونة سابقا) حتى وصلت إلى شارع مستشفى البراحة.
ورصد المراقبون انسحاب كامل لقوات الدعم السريع من المحورين الرئيسيين وانتشارها داخل الأحياء السكنية في السامراب ونبتة وشمبات الأراضي الأمر الذي أعاق تقدم القوات المهاجمة.
وتسعى قيادة القوات المسلحة منذ الأسابيع الأولى للحرب للتقدم على هذين المحورين نحو الجنوب لفك الحصار الذي تفرضه قوات الدعم السريع على مقر سلاح الإشارة في حي كوبر ومن ثم عبور النيل الأزرق عبر كبري الحديد وكبري كوبر للالتحام مع القوات التي تدافع عن مقر القيادة العامة للجيش والمحاصر منذ اليوم الأول للحرب.
محور حجر العسل، محاولة فاشلة أخرى
تقع بلدة حجر العسل على بعد 75 كيلومتر إلى الجنوب من مدينة شندي حيث مقر الفرقة الثالثة مشاة للجيش السودان، بينما تبعد حوالي 52 كيلومتر إلى الشمال من مدينة الجيلي الواقعة في الطرف الشمالي لمدينة الخرطوم بحري والتي توجد فيها مصفاة الجيلي الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع.
وفي 29 سبتمبر الماضي، سحبت القوات المسلحة وحداتها المرابطة في حجر العسل في اتجاه مدينة شندي بعد أن تعرضت المنطقة لهجمات متكررة وقصف مدفعي عنيف من قوات الدعم السريع الأمر الذي أتاح للأخيرة فرض سيطرتها على المنطقة وأصبحت تهدد بشكل مباشر مدينة شندي.
كما أنها قطعت الطريق أمام محاولات الجيش للتقدم جنوبا لتضييق الحصار على قوات الدعم السريع التي تسيطر على مصفاة الجيلي.
ورغم احتفاء مناصرو الجيش صبيحة يوم 2 ديسمبر باستعادة الجيش السيطرة على البلدة على الطريق الرابط بين الخرطوم وعطبرة، إلا أن ذلك لم يدم لوقت طويل حيث اضطرت قوات الجيش للتراجع مرة أخرى نحو مدينة شندي.
وتداولت المواقع الموالية لقوات الدعم السريع صباح الثلاثاء 3 ديسمبر مقاطع فيديو لقوات الدعم السريع داخل بلدة حجر العسل.
مصنع سكر غرب سنار، استعادة السيطرة على الولاية
في نهاية شهر يونيو الماضي، نجحت قوات الدعم السريع وضمن هجوم واسع في ولاية سنار في فرض سيطرتها على منطقة جبل مويه ومدينة سنجة عاصمة الولاية، فيما فشلت كل محاولاتها لطرد قوات الجيش من مدينة سنار.
واستطاع الجيش السوداني في بداية شهر أكتوبر الماضي استعادة منطقة جبل موية، ومن ثم نجح في استعادة السيطرة على مدينة سنجة في الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر بعد أن انسحبت منها قوات الدعم السريع.
وضمن خططها لاستعادة السيطرة على كل ولاية سنار، شنت قوات الجيش صبيحة 2 ديسمبر 2024 هجوما واسعا على مصنع سكر غرب سنار، واستمرت المعارك حتى الساعات الأخيرة من مساء الاثنين قبل أن ينجح الجيش في طرد قوات الدعم السريع من المنطقة ويفتح الطريق أمام التواصل مع قواته المتواجدة في منطقة المناقل.
لكن الملفت، أن وزير الدفاع، ياسين إبراهيم، تحدث في مؤتمره الصحفي يوم 2 ديسمبر عن انسحاب قوات الدعم السريع من المنطقة في الوقت الذي استمرت فيه المعارك لساعات بعد ذلك.
ويقع مصنع سكر غرب سنار على مسافة 23 كيلومتر إلى الشمال الغربي من مدينة سنار، وقد شيد المصنع عام 1976 بطاقة إنتاجية تصل إلى 110 ألف طن سنويا من السكر الأبيض المصنع من قصب السكر الذي يزرع على مساحة تبلغ 35 ألف فدان.
ويواجه المصنع العديد من المشاكل منذ سنوات بسبب عدم تحديث آلياته ونقص قطع الغيار وعدم توفر التمويل الكافي للعمليات الزراعية.
محور أم القرى، الطريق إلى مدني
في صبيحة يوم 2 ديسمبر 2024، تحركت قوة عسكرية من الجيش وبرفقتها قوة كبيرة من قوات الكفاح المسلح من منطقتي الفاو والخياري في اتجاه أم القرى الواقعة على بعد 45 كيلومتر إلى الشرق من مدينة ود مدني.
وتعتبر هذه أول عملية للجيش في هذه المنطقة بعد انسحابه من مدينة تمبول الواقعة إلى الشمال من مدينة ود مدني على الضفة الشرقية للنيل الأزرق عقب إعلان انضمام ابوعاقلة كيكل وقوات درع البطانة للجيش في 20 أكتوبر الماضي.
وشهدت المنطقة بعدها حملات واسعة من قوات الدعم السريع بحجة مطاردة العناصر الموالية لأبو عاقلة كيكل، لكنها في واقع الأمر قامت بانتهاكات وجرائم واسعة ضد المدنيين الأمر الذي أدى إلى مقتل أكثر من 1500 شخص ونزوح عشرات الألاف شرقا في اتجاه القضارف وحلفا الجديدة.
وأعلن وزير الدفاع، ياسين إبراهيم، في مؤتمره الصحفي عن استعادة الجيش السيطرة على أم القرى.
ويرى المراقبون أن هذه الخطوة تأتي في إطار تضييق الحصار على مدينة ود مدني، حيث يتوقع أن تتجه قوات الجيش نحو الشمال لتقطع طرق الامداد القادمة من منطقة شرق النيل التي تتمركز فيها قوات كبيرة للدعم السريع.
محور أم روابة، فك حصار الأبيض
بعد محاولتين سابقتين فشل خلالهما متحرك الصياد في التقدم نحو مدينة أم روابة، نجح المتحرك صبيحة الثاني من ديسمبر في التحرك من تندلتي، حيث يرتكز منذ أكثر من 9 أشهر في اتجاه مدينة أم روابة على الطريق البري الذي يربط مدينة كوستي بمدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان.
واصطدمت القوة بوحدة متقدمة لقوات الدعم السريع في منطقة ود عشانا الواقة على بعد 26 كيلومتر إلى الغرب من تندلتي على الطريق البري السريع.
بالمقابل، تحركت قوة اسناد من قوات الدعم السريع من مدينة أم روابة لتعزيز القوة المتمركزة في ودعشانا (45 كيلومتر)، وتحركت قوة أخرى من منطقة العباسية لقطع الطريق أمام تقدم متحرك الصياد نحو أم روابة.
ولم تتضح حتى ساعة كتابة هذا التقرير معالم المعركة، لكن المؤكد أن نجاح الجيش في استعادة السيطرة على أم روابة سيعزز كثيرا من قدرته على فك حصار مدينة الأبيض وإيصال الامدادات إلى الفرقة الخامسة مشاة (الهجانة) التي تدافع عن المدينة الواقعة على بعد 136 كيلومتر من مدينة أم روابة عبر الطريق البري السريع.
الدعم السريع يسيطر على التبون
المنطقة الوحيدة التي كان فيها زمام المبادرة العسكرية لقوات الدعم السريع في يوم 2 ديسمبر 2024، هي منطقة التبون في ولاية النيل الأبيض.
التبون هي منطقة حدودية مع جنوب السودان وتقع على بعد 10 كيلومترات تقريبا إلى الشمال من الحدود المشتركة بين ولاية النيل الأبيض ومقاطعة الرنك في جنوب السودان.
وتبعد التبون حوالي 39 كيلومتر عن مدينة الجبلين، وحوالي 98 كيلومتر إلى الجنوب من مدينة ربك عاصمة ولاية النيل الأبيض.
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي الموالية لقوات الدعم السريع مقطع فيديو لعناصرها أمام لافتة مقر كتيبة المشاة التابعة للقوات المسلحة، التي بدت خالية ولم تظهر آثار معارك، ما يرجح انسحاب القوة العسكرية المحدودة التي كانت متواجدة هناك.
وتحركت قوة الدعم السريع التي هاجمت المنطقة من منطقتي الدالي والمزموم التي تجمعت فيها قواتها التي انسحبت من ولاية سنار بعد معارك الدندر وسنجة.
وتتيح السيطرة على هذه المنطقة بسط نفوذ قوات الدعم السريع على كل المناطق الحدودية المتاخمة لجنوب السودان في ولايات دارفور وجزء من الحدود مع ولايات غرب وجنوب كردفان، ما عدا مناطق سيطرة الحركة الشعبية شمال وولاية النيل الأبيض وولاية النيل الأزرق.