تشكيل لجنة قضائية للنظر في قرارات إزالة التمكين تثير الجدل حول التوقيت والهدف (1ــ 2)

محمد الفكي في مؤتمر ازالة التمكين ـ مصدر الصورة ـ مواقع التواصل الاجتماعي

السبت 2/ نوفمبر/ 2024م: راديو دبنقا

تقرير: سليمان سري
أصدر رئيس القضاء السوداني عبدالعزيز فتح الرحمن عابدين، مؤخرًا، قرارًا بتشكيل لجنة من ثلاثة قضاة في المحكمة العليا للنظر في الطعون المتعلقة بقرارات لجنة إزالة التمكين وأي طلبات متعلقة بالأحكام الصادرة عن الدوائر القضائية المختصة.
القرار أعيد تجديده بتكليف اللجنة بذات المهام والصلاحيات برئاسة القاضي حامد محمد سعيد أبو دقن، تختص بنظر الطعون في القرارات الصادرة من لجنة إزالة التمكين وأي طلبات تتعلق بالأحكام الصادرة من الدوائر التي نظرت في تلك الطعون طبقًا لأحكام المادة 206 من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م وأي طلبات أخرى بشأنها، وحدد القرار مقر اللجنة في دائرة المحكمة القومية العليا بولاية البحر الأحمر.
استضاف برنامج “في الميزان” الذي يعده ويقدمه الإعلامي الصادق مصطفى زكريا عدد من الخبراء في الشأن القانوني للحديث حول جدوى وتوقيت القرار والهدف منه.
اللجنة ليست قضائية:
يقول الخبير القانوني د. نبيل أديب لـ”راديو دبنقا”: إنه وفقًا لقانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989، وإزالة التمكين، أن المادة 8 تنص على تشكيل لجنة من خمسة أشخاص تسمى لجنة الاستئنافات هذه اللجنة كانت هنالك مشكلة في تكوينها، لعدم استكمال عضويتها فقد كان هنالك إثنين من أعضائها من الذين تم تعينهم لم يشاركوا.

ويشير إلى أن هذه اللجنة قراراتها تخضع للطعن لدى لجنة قضائية يشكلها رئيس القضاء من ثلاث أشخاص هذا وفقًا للمادة 8 من قانون إزالة التمكين، حتى تعديل 2020 الذي تم إدخاله على قانون اللجنة لم يغير وضع اللجنة القضائية.

ويضيف أديب بقوله:”يبدو أن قرار رئيس القضاء وفقًا للمادة 8 من القانون يفهم منه أن اللجنة السابقة التي كان قد تم تشيكلها ويرأسها القاضي المعروف أبو سبيحة لم تعد قائمة، يشير إلى أن رئيس القضاء وفقًا لقانون إزالة التمكين يعين لجنة قضائية يتم الطعن أمامها من أحكام لجنة الاستئناف التي يستأنف إليها قرارات لجنة إزالة التمكين. ويعتقد بأنه بالنسبة لصحة هذا الوضع يتسق مع المادة 8 من القانون الذي تمت الإشارة إليه.
ويعيد الخبير القانوني د. نبيل أديب التذكير بأن قانون لجنة إزالة التمكين فيه عيوب كثيرة قال بأنه كان قد أشار إليها في وقتها ويضيف: لكن مسألة الاستئناف حسب ما هي موجودة فيها عيب أساسي عدم وجود لجنة استئنافات أصلًا.

ويقول أديب عندما تم الطعن للجنة القضائية السابقة قبلت الطعن باعتبار أنه عدم وجود لجنة استئنافات يتيح لها التصدي مباشرة لقرار لجنة إزالة التمكين. ويضيف: المسألة متعلقة بأنه هل لعدم تكوين لجنة الاستئنافات وهذه تكون من سلطات إدارية، تمنح لجنة الاسئنافات سلطة إصدار قرارات نهائية أم يجوز للجنة القضائية أنها تتصدى لتلك القرارات.

يجوز الاستئناف:

ويضيف:لكن في رأي أن اللجنة القضائية يجب أن تتصدى لتلك القرارات، لأنه مؤكد أن الأصل في القانون استئناف القرارات الإدارية إلى القضاء، مهما كانت هذه القرارات فيما عدا القرارات السيادية التي تصدر من أجهزة الدولة بأعتبارها أجهزة سيادية مثل قرار الحرب وماشابه ذلك.

في غير هذه الأحوال، كما يضيف أديب، يجوز استئناف قرارات لجنة إزالة التمكين، ويقول: هي ليست لجنة قضائية فهي لجنة شكلتها جهة الإدارة، مكونة من أشخاص وليس قضاة بالتالي وجوب أن يكون هنالك جهة يتم الطعن لها شئ أساسي في القانون حتى إذا لم يحدد القانون جهة قضائية للطعن فيها فإنَّ المحكمة الإدارية تكون مختصة للطعن في تلك القرارات باعتبارها قرارات إدارية.

وينبه الخبير القانوني د. نبيل أديب المحامي أن محكمة استئنافات الطعون الإدارية تكون مختصة بالتقرير في الاستئنافات المقدمة إليها. وقطع بقوله: لكن لايجوز أن تترك اللجنة بدون طعون.
وحول الدافع وراء اصدار رئيس القضاء لهذا القرار قال أديب: ليس لدي علم مكتمل بوجود طعون أو عدمه ولكن يبدو لي أن مادفع رئيس القضاء بتشكيل لجنة قضائية هو ظهور طعون لم يتم تناولها بواسطة اللجنة السابقة.

لا يجوز لرئيس القضاء:
لكن عضو لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وإزالة التمكين “المجمدة” المحامي وجدي صالح قطع بأنه لايجوز للقضاء أن يقضي في أي منازعة إلا بناءً على تقديم طلب من أي طرف من أطراف النزاع.
وأوضح صالح في مقابلة مع “راديو دبنقا” أنه وفقًا لسلطات قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، الأصل أن القانون أعطى اللجنة الصلاحيات والسلطات والتي بموجبها كانت تعمل وتصدر القرارات، سواء كانت المتعلقة بانهاء خدمات العاملين بالخدمة المدنية، أواسترداد الأموال العامة وأعطى اللجنة سلطات هي التي كانت تمارسها في إصدار القرارات.
وأعاد صالح التذكير بأن اللجنة لم تكن قرارتها نهائية بموجب القانون لذلك وضعت درجة استئنافية نصت عليها في القانون وهي لجنة الاستئنافات، هذه اللجنة قراراتها التي تصدر عنها يمكن الطعن فيها أمام دائرة يشكلها رئيس القضاء تنظر في هذه الطعون المقدمة في القرارات الصادرة من لجنة الاستئناف وتعتبر بعد ذلك القرارات الصادرة من السلطة القضائية نهائية.
ويشير إلى أنه في حالة عدم اكتمال لجنة الاستئنافات ويقر بأنها كانت الأشكالية التي واجهت عمل اللجنة التفكيك، ويقول إن اللجنة كان لديها سلطة في قانون 2020 اعطى اللجنة صلاحيات في أن تراجع القرارات التي أصدرتها بناء على أحد المتضررين.
ويؤكد صالح إنَّ اللجنة نظرت في طلبات مراجعة عديدة وبتت فيها بالرفض أو الاستجابة بالغاء قرارات لجنة التفكيك، كما أصدرت قرارات للمراجعة من تلقاء نفسها بعد ما تبين لها أنها وقعت في خطاء سواء كان في المعلومات أو في التقديرات.
قرار بطابع سياسي:
ويؤكد عضو لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وإزالة التمكين وجدي صالح أن كل القرارات التي صدرت عقب 25 أكتوبر2021 سواء كانت بتجميد عمل لجنة ازالة التمكين والتي لازالت مجمدة أو غيرها ذات طابع سياسي.
واعتبر أن قرار رئيس القضاء الأخير سياسي ويقول أن سلطة الانقلاب اصدرت قرارات بموجبها ألغت القرارات الصادرة من لجنة التفكيك وتحالفت مع الذين صدرت في مواجهتهم قرارات لجنة التفكيك.
ويؤكد على تسييس القرارات القضائية بأنه تم إلغاء القرارات الصادرة من لجنة إزالة التمكين، في مواجهة القيادات والمدراء في الخدمة المدنية وإعادتهم للعمل وتكليفهم بمهام قيادية ويقول: هم الذين يقودون الجهاز التنفيذي الآن، وبالتالي هذه القرارات التي تتم ليست لديها علاقة بالقانون ولا بالسلطة القضائية والاجراءات التي يجب أن تتبعها”.
ويضيف: “كلنا نعلم عدم استقلالية هذه الأجهزة العدلية ولاالسلطة القضائية في ظل الظروف الحالية، سواء كان في مرحلة ما بعد الانقلاب، وازدادت هذه الضغوط على هذه السلطات حتى في ظل هذه الحرب والتي أصبحت موجهة.
ويستبعد صالح المحامي أن يكون المقصود من القرار ليس مسألة التعويض، ويقول القرار الذي يصدر هو إلغاء القرارات التي تمت بمجوبها مصادرة أموال المخالفين، لكن القرار الذي يصدر إلغاء القرارات حتى الدائرة القضائية في المحكمة العليا التي يشكلها رئيس القضاء لايجوز لها أن تتجاوز حدود إلغاء القرار الصادر من لجنة التفكيك لأنها ليست درجة من درجات التقاضي، وليست قائمة في الأساس على قانون القضاء الإداري، وإنما تعمل بموجب قانون التفكيك فهو قانون إجرائي وموضوعي في آنٍ واحد.
وخلص وجدي صالح إلى القول أن كل الاجراءات التي تتم الآن مخالفة لقانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، ويقول: بالتالي حتى الأحكام الصادرة والاختصاص القائم في هذه الدائرة غير صحيح لأنها غير مختصة ويعزي رأيه إلى أنه لم تصدر قرارات من لجنة الاستئنافات، وهي لاتنظر في القرارات الصادرة من لجنة الاستئنافات وليست القرارات الصادرة من لجنة التفكيك. وتابع: “فكل ما يتم هو عبث وليس له علاقة بالقانون ولايجد له سندًا في أي موروث، لأنه المعروف كقاعدة قانونية ثابتة الخاص يقيد العام”.
ويشدد القول بأن: قانون التفكيك خاص وليس له علاقة مباشرة بالقانون الإداري وليس له علاقة بالإجراءات المتبعة في الطعون الإدارية وإنما إجراءاته منصوص عليها وطرق الطعن منصوص عليها كل ذلك في قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو.


لجنة شكلها السيادي:
وفي ذات السياق يشدد عضو لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وإزالة التمكين، عروة الصادق في حديثه لـ”راديو دبنقا” لتقييم مشروعية قرار رئيس القضاء السوداني المكلف بتشكيل لجنة لمراجعة قرارات لجنة التفكيك، نجد أنه ليس لرئيس القضاء السلطة القانونية لتشكيل مثل هذه اللجنة، ولا ينص قانون التفكيك ولا أي من القوانين السودانية على صلاحيات لرئيس القضاء في هذا الشأن.

ويقول: ليس هناك نصوص قانونية تسمح له بالتدخل في قرارات لجنة سبق تشكيلها من مجلس السيادة المحلول منذ انقلاب أكتوبر 2021م، وقد جمد رئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح البرهان تكوين لجنة استئناف قرارات التفكيك واستعاض عنها بلجنة سابقة.
ويرى أن الغرض من هذا التكوين الجديد إعادة النظر في تلك القرارات لأسباب سياسية أو اقتصادية، لكنه يرجح أنها اقتصادية بقوله: فالحوجة كبيرة لتسييل عقارات ومؤسسات مالية تم استردادها لصالح وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي وهناك عقبات حجز وتجميد تحول دون التصرف فيها، ويظن رئيس القضاء أنه بهذه اللجنة يمكن أن يصدر قرارات بمرجعية قضائية تكون نهائية لإرجاع الأصول والأموال المستردة لصالح التنظيم المحلول”.

وبعتقد عضو عروة الصادق أن توقيت هذا القرار زمانًا ومكانًا يؤكد أن “سلطة الأمر الواقع في بورتسودان” تتخذ القرارات القضائية والإدارية تأثرًا وتأثيرًا على الظروف السياسية السائدة، ووضع الحرب، ويقول: إنَّ عودة رئيس القضاء لتشكيل لجنة جديدة بعد تجربة سابقة برئاسة أبو سبيحة تؤكد أن هناك تغير في الأولويات السياسية أو الاقتصادية للدولة، مما يستدعي إعادة النظر في بعض القرارات السابقة، وتسريع استعادة ما سماه بمنهوبات الحزب المحلول لقيادته التي عادت للبلاد.
ويرى أن هناك ضغوط سياسية من جهات مختلفة لإعادة النظر في قرارات لجنة التفكيك، كما أن هناك اعتقاد بأن لجنة أبو سبيحة ارتكبت بعض الأخطاء الإجرائية التي تستدعي تصحيحها و”ترقيعها” وهناك رغبة في إعادة النظر في بعض القضايا التي لم يتم البت فيها بشكل نهائي من قبل اللجنة السابقة.


البرهان أعاق حق الطعن:
يعيد عروة الذكير بالقول: كما أسلفت لم يتم إنشاء لجنة الاستئنافات لتقديم آلية قانونية لاستئناف القرارات التي تصدرها لجنة التفكيك. وبالتالي، أعاق البرهان حق الطعن على القرارات التي قد تكون مخالفة للقانون أو الإجراءات، ويقول: ظلنا حتى الانقلاب ننادي بضرورة تكوين لجنة الإستئناف التي كانت تعد ضمانة قانونية للمواطنين الذين تضرروا من قرارات لجنة التفكيك، حيث تتيح لهم فرصة لتقديم أدلتهم وإعادة النظر في القضية، وعندما لم يتم تكوين اللجنة أنشأت اللجنة ما عرف بلجنة المراجعة وصارت اللجنة تراجع من تلقاء نفسها القرارات الخاطئة، ويضيف: لكن قصد البرهان بعدم تشكيل لجنة الاستئنافات إلى اتخاذ قرارات نهائية دون المرور بالإجراءات القانونية اللازمة، ليشكك في صحة ويثير تساؤلات حول شرعية هذه القرارات.
يعتقد عضو لجنة إزالة التمكين عروة الصادق أن التكوين الحالي أغراضه سياسية في المقام الأول ومالية في المقام الثاني، لأنه لا يوجد منظومة قضائية فاعلة في البلاد ومجمل قرارات اللجنة لا تقع تحت سلطات بورتسودان، والتصرف فيها سيكون ورقي وفي الغالب، بمثابة عطاء من لا يملك لمن لا يستحق، وهو منهج “حكومة الأمر الواقع” في هدم كل ما له علاقة بالثورة، وبعد أن قطع ابوسبيحة منتصف الطريق باستعادة الفلول في هياكل الحكم والسلطة، هاهو رئيس القضاء يستكمل آخر حلقات استعادة أموال منهوبة لصالح الحزب المحلول.

Welcome

Install
×