تدمير برج الاتصالات… من المستفيد؟
أمستردام 22 يوليو 2024: راديو دبنقا
تداولت مواقع التواصل الاجتماعي، عصر يوم 20 يوليو 2024، معلومات عن احتراق برج الاتصالات، المطل على النيل الأزرق في حي المنشية بالخرطوم، جراء تعرضه للقصف. وفيما لم تصدر القوات المسلحة بيانا رسميا بهذا الشأن، سارعت قوات الدعم السريع لاتهام طيران الجيش بقصف المبنى وخصوصا أنه يقع في منطقة ظلت تسيطر عليها قوات الدعم السريع منذ اليوم الأول للحرب في 15 أبريل 2024.
وردّت عدد من الحسابات غير الرسمية المناصرة للجيش على اتهام الدعم السريع باتهام مضاد، حيث اتهمت الأخير بقصف المبنى انتقاما لمقتل المقدم البيشي، قائد قطاع سنار في قوات الدعم السريع، في قصف للطيران السوداني على أحد متحركات الدعم السريع في ولاية سنار.
مقاطع فيديو متناقضة
في مساء نفس اليوم، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو مدته 31 ثانية تم تصويره من سيارة تعبر كبري المنشية من الشرق إلى الغرب ويظهر فيه برج الاتصالات والنيران مشتعلة في عدد من طوابقه العليا، وقد بثته صفحة قناة الجزيرة المخصصة للسودان منسوبا لمواقع التواصل الاجتماعي. ومع مغيب شمس يوم 20 يوليو 2024، نشر الصحفي طارق التجاني، مراسل القناة التركية TRT مقطع فيديو مدته 40 ثانية تم تصويره من مسافة بعيدة في أحد أحياء شرق الخرطوم ويصور حسب رواية الصحفي طارق التجاني برج الاتصالات والذي لا تبدو عليه أثار حريق، كما أكد الصحفي أن المنطقة لم تشهد قصفا أو معارك طوال اليوم.
هل فعلا دمر برج الاتصالات
فريق دبنقا للتحقق عمل على مراجعة مقطعي الفيديو والأخبار التي تداولتها مصادر مستقلة عن هذا الحدث، كما تواصل فريق دبنقا للتحقق بعدد من المواطنين المتواجدين في أحياء الخرطوم شرق وتوصل إلى:
– أن برج الاتصالات يقع في منطقة تسيطر عليها قوات الدعم السريع بالكامل ومنذ اليوم الأول للحرب، لذلك يبدو من غير المنطقي أن تقوم بقصف منطقة تتواجد فيها قواتها.
– أن طيران الجيش سبق وأن قام بقصف أهداف مهمة مثل برج الاتصالات وبسبب تواجد قوات الدعم السريع، كما حدث في مصفاة الجيلي وبرج شركة النيل للبترول والقصر الجمهوري ومبنى جهاز المخابرات العامة وغيرها.
– تمارس قوات الدعم السريع في أحيان كثيرة عمليات قصف عشوائي على مناطق سيطرة الجيش وسبق أن سقطت قذائف مدفعية الدعم السريع في مناطق تقع تحت سيطرته وتسببت في خسائر وسط قواته.
– كل شهود العيان لم يستطيعوا الاقتراب من البرج، بل سجلوا ملاحظاتهم من أماكن بعيدة نسبيا ما عدا الشخص الذي صور مقطع الفيديو من كبري المنشية والذي يبدو واضحا من الصوت المرافق له وعلى محدوديته أنه من منسوبي قوات الدعم السريع.
حصيلة كل هذه الملاحظات والاتصالات تؤكد أن هناك حريق جزئي حدث في أحد أجزاء برج الاتصالات في طوابق متوسطة، لكن الحريق لم ينتشر في كل طوابق البرج ولم يحدث تدمير كامل للبرج كما حدث في حالتي برج شركة النيل للبترول وبرج المواصفات والمقاييس. ورغم أنه لم يتم حصر حجم الأضرار التي أصابت البرج جراء الحريق، لكن المؤكد أن المبنى لم يتم تدميره بشكل شامل وبغض النظر عمن يتحمل مسؤولية قصف المبنى وإشعال الحريق.
تاريخ المبنى
برج الاتصالات يتبع لجهاز تنظيم الاتصالات والبريد وتم إنشاءه في العام 2010 حينما كان الجهاز يعرف باسم الهيئة القومية للاتصالات السودانية التي تأسست في العام 1996. ويطل المبنى على النيل الأزرق ويفصله عنه واحد من أهم شوارع الخرطوم، شارع النيل حيث القصر الرئاسي وعدد كبير من الوزارات والأجهزة الحكومية الرئيسية. وبني برج الاتصالات على أرض مساحتها 5 ألف متر مربع وهو يتكون من 29 طابق بارتفاع 110 متر ما يجعل منه أعلى مبنى في السودان. وثبتت على سطح المبنى سارية بطول 30 متر.
ويضم المبنى مكاتب جهاز تنظيم الاتصالات والبريد والذي حل بديلا للهيئة القومية للاتصالات السودانية في العام 2018، كما يضم مباني المركز القومي للمعلومات وعدد من الوحدات الفنية التابعة لجهاز تنظيم الاتصالات والبريد، وتم تداول معلومات قبل سنوات بأنه يضم أيضا مركزاً للتنصت على الاتصالات يتبع لجهاز المخابرات العامة ووحدات مماثلة تتبع لوزارة الدفاع. كما يستخدم جزء من المبنى بشكل تجاري حيث تتواجد فيه مقار ومكاتب عدد من المؤسسات والشركات الخاصة.
الموقع الاستراتيجي
ويحتل برج الاتصالات موقعا استراتيجيا على الطرف الجنوبي لشارع النيل والذي توجد فيه غالبية الوزارات والمؤسسات الحكومية الرئيسية. حيث يبعد برج الاتصالات بحوالي 6 كيلومتر شرق القصر الرئاسي المطل على النيل الأزرق، و 4 كيلومترات عن مقر قيادة القوات المسلحة و 5 كيلومترات عن مطار الخرطوم الذي يقع جنوب شرق مقر قيادة الجيش وعلى بعد 3 كيلومتر إلى الجنوب الغربي، يوجد مقر قيادة قوات الدعم السريع في حي الرياض والذي كان في السابق مقرا لهيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن والمخابرات السوداني في عهد نظام عمر البشير.
أخيرا، يحتل برج الاتصالات موقعا بين أهم جسرين يربطان العاصمة الخرطوم بشرق النيل والخرطوم بحري، حيث يقع البرج على بعد 500 متر إلى الشمال من كبري المنشية و4 كيلومترات إلى الجنوب من كبري كوبر الذي تسيطر القوات المسلحة على مداخله من الناحيتين، فيما تفرض قوات الدعم السريع سيطرتها الكاملة على كبري المنشية.
صراع الإرادات والتبعية
وبجانب موقع البرج، هناك مصدر آخر لأهميته يتمثل في الموارد الضخمة التي يتمتع بها الجهاز والذي قدرت عائداته في العام 2020 بحوالي 560 مليون دولار يتم تحصيلها من أنشطة قطع الاتصالات والذي وصل حجم أنشطته في ذلك العام إلى ما يعادل 1 مليار و 800 مليون دولار. كما أن البنية الفنية المتقدمة وتحكمه في وسائل الاتصالات خصوصا لجهة تعطيل الخدمة وتشغيلها جعل من مباني برج الاتصالات هدفا استراتيجيا. ويتولى الجهاز توزيع الموجات الإذاعية وترددات الاتصال الأمر الذي يوفر له عائدات إضافية.
وبعد أن كان يتبع لسنوات طويلة لوزارة الاتصالات، مثله مثل مؤسسات هامة وإيراديه كالطيران المدني، قرر المجلس العسكري الحاكم في أغسطس 2019 وقبل أيام من تشكيل الحكومة المدنية الانتقالية تحويل تبعية جهاز تنظيم الاتصالات والبريد إلى وزارة الدفاع بعد أن أقرت الوثيقة الدستورية أن يتولى المكون العسكري تسمية وزير الدفاع ووزير الداخلية. لكنه عاد وتراجع تحت ضغط الانتقادات الواسعة وحول تبعية الجهاز إلى مجلس السيادة.