تحذيرات من توسع الحرب في شرق السودان
أمستردام: 30 أكتوبر 2024: راديو دبنقا
على صفحتها على منصة فيسبوك، نشرت “الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة” يوم أمس الثلاثاء 29 أكتوبر 2024 بيانا صادرا عن “الأورطة الشرقية” تعلن فيه أنها نشرت قواتها في ولايات شرق السودان بالتعاون مع الجيش السوداني.
وأشار البيان إلى أن قوات الاورطة الشرقية بقيادة الجنرال الأمين داود محمود، تنتشر وتنفتح نحو الإقليم الشرقي، بعد عملية مشاورات فنية وعسكرية مع قوات الشعب المسلحة.
وتزامن ذلك مع نشر مؤتمر البجا بقيادة موسى محمد لقواته أيضا داخل الإقليم.
وفي ظل تأكيدات بأن هذه القوات نُشِرت بشكل أساسي في ولاية كسلا، ثارت المخاوف من أن يؤدي ذلك إلى حدوث مواجهات بينها وبين حركات “الكفاح المسلح” من إقليم دارفور التي ترابط في عدد من المناطق في شرق السودان، وذلك في ظل التوتر بين قيادة القوات المسلحة وقيادات حركات “الكفاح المسلح”.
كما يخشى المراقبون للأوضاع في شرق السودان من أن يؤدي ذلك إلى تأجيج الصراعات القبلية في ولايات شرق السودان بين المكونات الاجتماعية المتنافسة، مثلما تزداد المخاوف من تورط هذه المليشيات في حرب ضد قوات الدعم السريع ما يعني توسعها إلى مناطق جديدة وإضفاء طابع قبلي أهلي متصاعد على هذه الحرب.
مليشيات شرق السودان
رصد المراقبون خلال الأشهر الماضية وجود خمس مليشيات مسلحة، يمثل شرق السودان مسرحا لأنشطتها، لكنها تلقت جميعها تدريبها في معسكرات داخل الأراضي الاريترية، ما عدا “قوات درع السودان” التي تم تشكيلها وتدريبها داخل الأراضي السودانية وتعتبر قبيلة الرشايدة دعامتها الرئيسية ويتولى قيادتها مبارك أحمد بركي.
وبجانب قوات “الأورطة الشرقية” بقيادة الأمين داؤد، توجد أيضا “قوات تحرير شرق السودان” بقيادة إبراهيم دنيا، وقوات “مؤتمر البجا” بقيادة موسى محمد أحمد وقوات “الحركة الوطنية لشرق السودان” بقيادة محمد طاهر بيتاي.
وهذه الأخيرة لديها خلافات مع القوات المسلحة بسبب التوترات بين قيادتها والناظر محمد الأمين ترك، ناظر الهدندوة، وتتمركز قواتها في منطقة لوكاييب.
وأوضح خالد محمد طه، الكاتب والصحفي، في حديث لراديو دبنقا أن قوات مؤتمر البجا قديمة ويعود إنشاؤها إلى عام 1994 باسم “قوات مؤتمر البجا” وخاضت الحرب ضد نظام الإنقاذ إلى أن عادت في العام 2007 وفق “اتفاقية اسمرة لسلام شرق السودان”، التي تولى بموجبها موسى محمد أحمد منصب مساعد رئيس الجمهورية في تلك الحقبة.
وأضاف أن “مؤتمر البجا” كان له موقف سلبي من ثورة ديسمبر وأنه عاد للظهور بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021 واندلاع الحرب وأن هذه القوات تتلقى تدريبها ودعمها من اريتريا.
وعن كتيبة “الأورطة الشرقية”، ذكر طه أنها محاولة لاستدعاء اسم قديم كان يحمله أحد المكونات التي تأسست عليها “قوة دفاع السودان” التي تعتبر نواة الجيش السوداني الحالي مع الفارق بين الاثنين، ويقودها الأمين داؤود وتتلقى تدريبها وتسليحها من اريتريا.
وقال خالد محمد طه إن “قوات تحرير شرق السودان” تتلقى بدورها الدعم والتسليح من اريتريا وتتمركز قواتها في المناطق المحاذية للحدود ويقودها إبراهيم عبد الله الشهير بإبراهيم دنيا.
وحسب معلومات تحصل عليها راديو دبنقا فإن إبراهيم دنيا يبدي الكثير من التحفظات على القتال مع الجيش السوداني في المرحلة الحالية.
الخروج من الحياد
العديد من المؤشرات ترجح أن تلعب قوات “الأورطة الشرقية” الدور الأكبر من بين كل مكونات شرق السودان في دعم الجيش السوداني، فقد أكملت تدريب الدفعة الثانية من قواتها “قاش 2” لتنضم إلى الدفعة الأولى المعروفة باسم “قاش 1”.
وترابط هذه القوات داخل حامية الجيش في الجزء الشمالي من مدينة كسلا.
ويطرح ذلك تساؤلات حول ما إذا كان الأمين داؤود قد قرر الخروج من حياده المعلن في الحرب، خصوصا أنه كان جزءا من مكونات الجبهة الثورية التي تضم حركتي العدل والمساواة وحركة تحرير السودان – ميناوي وهو حليف قديم لهما منذ تشكيل تحالف “نداء السودان”.
كما أن “الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة” هي واحدة من مكونات “الكتلة الديمقراطية” التي أعلنت تأييدها للقوات المسلحة منذ اليوم الأول للحرب، وخرجت غالبية مكوناتها العسكرية عن الحياد وتقاتل باسم القوات المسلحة.
ومن غير المستبعد أن تكون الزيارة التي قام بها، في نهاية شهر سبتمبر الماضي، الأمين داؤود وعدد من قيادات “الأورطة الشرقية” إلى امدرمان ولقائه بمساعد القائد العام للجيش، الفريق ياسر العطا، قد لعبت دورا في تغيير المواقف خصوصا بعد ما تردد عن السماح له بفتح عدد من المكاتب في ولايات شرق السودان الثلاث ووعود بتزويده بأسلحة ومعدات ومخصصات لجنوده.
وقد سعى راديو دبنقا للتواصل مع قيادة الأورطة الشرقية، لكن لم نتلق ردا على اتصالاتنا.
حرب المجتمعات
وحول مدلولات إعادة نشر هذه القوات في هذا التوقيت بالذات، اعتبر خالد محمد طه في حديثه لراديو دبنقا أن نشر هذه القوات لأول مرة يعني استيعابها في العمليات الأمنية والعسكرية الخاصة بالحرب الراهنة، بالرغم من إطلاق صفة إعادة النشر على هذه العملية، لكن الواقع أنه توريط لها في الحرب، على حد وصفه.
ووصف ما يحدث بأنه يتم في إطار تبديل البيادق العاملة مع الجيش وتحويلها من الحركات المسلحة الدارفورية إلى المليشيات القبلية من شرق السودان.
وعبر طه عن قناعته بأن هذه المليشيات ستدخل الحرب بجانب الجيش السوداني، لكنه استدرك قائلا إن هذه الحرب لم تعد حربا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بل هي آخذة في التحول إلى حرب مجتمعات ضد مجتمعات.
وحذر من أنه في حال حدوث ذلك فإن قوات الدعم السريع ستتحول إلى منظمة غير قابضة على تابعيها، وسيتحول الجيش أيضا إلى مظلة غير مسيطرة على تابعيها.
وحذر الكاتب والصحفي من أن السودان مقبل في المرحلة القادمة على حرب المجتمعات وأن الاصطفاف القبلي يسير بصورة خطيرة ومثيرة للإنزعاج، وقد يتحول هذا الامر من شرق السودان كمنطلق إلى مناطق أخرى، خصوصا مناطق جنوب ولاية سنار وولاية النيل الأزرق القريبة من الشرق.
وأضاف أن قبائل شرق ووسط السودان الممتدة حتى العمق الارتيري، مثل البني عامر والشكرية الموجودة على جانبي الحدود ولديها تحالفات قديمة، قد تعود إليها خصوصا بعد ما حدث من انتهاكات في مناطق شرق الجزيرة بعد تسليم أبوعاقلة كيكل نفسه وانضمامه للقتال بجانب القوات المسلحة.
وأضاف أن ذلك يعني أنه لن يكون في مقدرة الجيش والدعم السريع إيقاف حرب المجتمعات، حتى لو توصلوا لاتفاقات.