تجميد عضوية السودان: لقاء المواجهة ومحاولات احتواء الأزمة بين الحكومة والاتحاد الإفريقي ببورسودان

مبني مفوضية الإتحاد الأفريقي بالعاصمة الاثيوبية باديس ابابا - المصدر موقع الاتحاد الافريقي على الانترنت

امستردام: الثلاثاء: 8/ أكتوبر/ 2024م: راديو دبنقا
تقرير: سليمان سري
تحولت زيارة وفد مجلس السلم والأمن الإفريقي التابع للاتحاد الإفريقي إلى السودان، الخميس الماضي، إلى مواجهة حادة مع المسؤولين السودانيين ظهر ذلك من خلال التصريحات المنشورة، قدم فيها السودان احتجاجاته على مواقف وقرارات الاتحاد الإفريقي من الأزمة السودانية قبل وبعد الحرب.

فقد عبر رئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح البرهان خلال لقائه بالوفد عن رفضه وصف ماحدث في 25/أكتوبر/2021 بالانقلاب، وانتقد تجاهل الاتحاد الافريقي للازمة التي يعيشها شعب السودان لكنه رأى أن ذلك ناتج عن عدم معرفته بحقيقة هذه الأزمة.

واقر رئيس الوفد السفير المصري في إثيوبيا محمد جاد مندوبها الدائم في الاتحاد الإفريقي ورئيس مجلس السلم والأمن الإفريقي لهذه الدورة، بأن الإيضاحات التي قدمها البرهان لوفد المجلس ساعدت في تفهم أبعاد الأزمة السودانية وذلك في محاولة فيما يبدو لتخفيف حدة التوتر بين السودان والكتلة الإفريقية.

ويعول السودان على استعادة عضويته للاتحاد الإفريقي بعد تولي مصر رئاسة مجلس السلم والأمن الإفريقي لهذه الدورة، كونها داعمة لحكومة بورتسودان ومرت بذات التجربة بتجميد عضويتها في الاتحاد الإفريقي وسرعان ما استعادتها.

وضم الوفد عالى المستوى برئاسة السفير محمد جاد، وأديو بانكولي مفوض الشؤون السياسية والسلم، ومحمد بن عيش رئيس الآلية الإفريقية للسودان.

وجاءت زيارة الوفد الذي حضر إلى السودان بعد تسع سنوات من آخر زيارة ، وبعد عام ونصف من الحرب. وطرح اتحاد الافريقي مؤخرا خارطة طريق من عدد من النقاط تتمثل في التفكير في تسوية الحرب والنزاع في السودان واستكشاف موقف الحكومة من احتمال نشر قوات إفريقية، وبحث المتطلبات التي تمت بموجبها تجميد عضوية السودان في الاتحاد الإفريقي.

المبادئ الحاكمة:

واعتبر الدبلوماسي المتقاعد بوزارة الخارجية السفير علي يوسف أن تعليق عضوية السودان جاءت استجابة لمبدأ أساسي من المبادئ الحاكمة في نظام الاتحاد الإفريقيوقال السفير يوسف لـ”راديو دبنقا”: المبادئ الحاكمة للاتحاد الإفريقي تنص على أنه حال حدث تغيير لسلطة شرعية في الدولة بانقلاب عسكري، يتم تجميد عضوية هذه الدولة في الاتحاد الإفريقي إلى أن يحدث تغيير وعودة الأمور إلى نصابها.معتبرًا أن تجميد عضوية السودان في أعقاب أحداث 25/أكتوبر/2021م أدى لتعقيد العلاقة بين السودان والاتحاد الإفريقي.

ويعزي عدم تدخل الاتحاد الإفريقي من قبل في الشأن السوداني قبل حدوث المواجهة بالتوسط والقيام بأي دور وقائي بسبب تجميد عضوية السودان في الاتحاد الإفريقي، ويقول السفير يوسف إنَّ تطور الأحداث كان بمعزل من التأثير الذي يمكن أن يلعبه الاتحاد الإفريقي في الظروف العادية، عندما تكون العلاقات طبيعية بينه والدولة الإفريقية المعنية.

ويشير إلى أن من أهم واجبات الاتحاد الإفريقي كمنظمة إقليمية مرتبطة بشكل وثيق بالأمم المتحدة، الحفاظ على سلام وأمن الدول الأعضاء وبالتالي السلام والأمن الدوليين، في ظل الوضع الذي كان سائدًا. معتبرًا فقدان السودان لعضويته جعل دور الاتحاد الإفريقي محدود للغاية.

حكومة مدنية:

وعبر السفير علي يوسف في إفاداته لـ”راديو دبنقا” عن اعتقاده بأن استعادة السودان لموقعه في الاتحاد الإفريقي على الرغم من أنه ضرورة لكن لايتم فقط بالمطالبة بذلك، ويرى أنه كان من المفترض أن يحدث تطور دستوري، حتى في ظل ما جرى من تغيير على مستوى السلطة في السودان.

واعتبر يوسف أن ما تمت الإشارة إليه في تصريحات السفير محمد جاد بأهمية وجود بيئة مناسبة يرتبط إلى حدٍ بهذا الشرط، ويؤكد على أن تكون هنالك حكومة مدنية وبمسؤوليات محددة وفقًا للوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية . ويعتقد أن ذلك كان سيساعد بخلق البيئة المناسبة التي تسهل اتخاذ قرار إعادة السودان إلى موقعه.

ويقول السفير إنَّ الولايات المتحدة كانت تنظر في البداية إلى أن ما حدث 25/أكتوبر، تغيير وليس انقلابًا، إلى أن استقال رئيس الوزراء بعد أن فشل في إقناع قوى الحرية والتغيير بأنه يسير في نفس الاتجاه السياسي واتهم بالخيانة واضطر للمغادرة وبعد استقالته لم تعد هنالك سلطة مدنية، ويضيف: صحيح مجلس السيادة استمر في عمله لكن دون أن تكون هنالك سلطة مدنية.

ويقول في تقديري أن الاتحاد الإفريقي يتعرض لضغوط كثيرة من القوى الدولية من أمريكا والاتحاد الأوربي، حتى من الدول الإفريقية التي تتعرض أيضًا لذات الضغوط للتحرك بصورة معينة تجاه السودان وما يحدث فيه، هذه الضغوط تؤثر على موقف الاتحاد الإفريقي من خلال تأثر مواقف الدول.

قرار منحاز:

ويعتقد أن الدبلوماسي السوداني علي يوسف في حديثه لـ”راديو دبنقا” أن من أهم ما قام به الاتحاد الإفريقي، صدور قرار من مجلس السلم والأمن الإفريقي في أبريل حول السودان، وحتى ذلك القرار كان واضحًا فيه انحياز للجهة التي مارست الضغوط على الاتحاد الإفريقي، وعلى دوله لاتخاذ مواقف محددة تجاه السودان.

كما يرى أن السودان في إطار تحرك تقوده دول هي لديها اهتمامات ومصالح كالولايات المتحدة تعمل وتنتقي ما تدعو له كإرسال قوات إفريقية إلى السودان، وهذه دعوة وجدت تجاوبًا من بعض الدول الإفريقية، وبعض هذه الدول تحدث عن إرسال قوات دولية وغير ذلك من الإجراءات قبل فترة. وهو موقف تم تنسيقه بصورة واضحة بين الأطراف التي اتخذته، وهو موقف فيه انحياز لقوات الدعم السريع.

غير أن السفير علي يوسف أن قيادة مصر لمجلس السلم والأمن الإفريقي لهذه الدورة والزيارة التي تمت لبورتسودان، الخميس، واللقاءات التي تمت مع المسؤولين السودانيين وعلى رأسهم رئيس مجلس السيادة، أحدثت تغييرًا كبيرًا في توجهات مجلس السلم. واعتبر أن الاتصالات التي قام بها السودان مع العديد من الدول الأعضاء في المجلس، يمكن أن يكون لها تأثير على موقف الاتحاد الإفريقي على نتائج تدخله ووساطته في السودان.

قرار سياسي وليس لائحي:

من جهته اعتبر المفكر الإسلامي والمحلل السياسي، الخبير في الشؤون الإفريقية البروفسير حسن مكي في حديثه لـ”راديو دبنقا”، أنه يمكن النظر لزيارة وفد مجلس السلم والأمن الإفريقي من زاويتين، الأولى أن مصر أصبحت رئيسًا لهذه الدورة وهي تعلم أن قرار تجميد عضوية السودان في الاتحاد الإفريقي قرار سياسي وليس لائحي أوقانوني. ومن الزاوية الثانية أن مصر تريد السودان أن يكون ظهيرًا لها.

ويجدد مكي، التذكير بأن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي حينما أطاح بالرئيس المصري السابق محمد مرسي، المنتخب ديمقراطيًا كانت هنالك ضغوط من جنوب إفريقيا وغيرها من الدول لتجميد عضوية مصر في الاتحاد الإفريقي، غير أنه يرى أن مصر كانت قوية فلم تجمد عضويتها.

ويشير إلى أن في السودان أصلاً تمت الإطاحة بحكومة عبدالله حمدوك لأنها لم تكن حكومة ديمقراطية منتخبة، وإنما تم تعينها من قبل المجلس العسكري الحاكم برئاسة البرهان ثم أطاح بها ثم جاء بها ثم أطاح بها.

حالة السودان مقبولة:

ويقول المحلل السياسي البروف حسن مكي لـ”راديو دبنقا”: إنَّهم في الاتحاد الإفريقي، يعرفون أن الأمور فيها “خيار وفقوس”، فعلى سبيل المثال في جمهورية تشاد، حسب الدستور أن يأتي رئيس المجلس النيابي “البرلمان” خليفة لرئيس الدولة إدريس ديبي، حال حدوث أي فراغ دستوري، ولكن جاء إبنه بانقلاب عسكري وأصبح هو رئيس الفترة الانتقالية ثم أجرى انتخابات شكلية ليكون رئيسًا، وهكذا في إفريقيا كلها.

وعلى ضوء ذلك، يعتبر الخبير في الشأن الإفريقي بروفسير حسن مكي أن حالة السودان من الناحية القانونية مقبولةً ومصر تعلم أنه لن يكون هنالك معترض غير جنوب إفريقيا الدولة الوحيدة التي تقام فيها انتخابات وديمقراطية حقيقية وحتى نيجريا فيها ديمقراطية لكن هنالك الأصوات تباع وتشترى وفيها تلاعب بالاوراق.

لكنه يؤكد على أن نيجريا مؤيدة لإعادة السودان، ويقول: فلذلك هذه مظاهرة لإعادة السودان للاتحاد الإفريقي خصوصًا أن العالم يتعامل مع السلطة وأن أمريكا والقوى الغربية الآن لن تعترض على عودة السودان للاتحاد الإفريقي، وهي الآن تعاود اتصالاتها سرًا بالسودان.

واعتبر المحلل السياسي البروفسير حسن مكي، أن الحرب في السودان مرت عبر ستة مراحل والآن قد دخلت أطوارها الأخيرة هذه وجهة نظر من الناحية المدنية، لكن من الناحية العسكرية يمكن أن يكون للعسكر تصور آخر. ويقول إنَّهم يعرفون ذلك، سواء أمريكا أوالاتحاد الأوربي، والاتحاد الإفريقي قبل أن يقال أنه عاد المنتصر لمقعده يريدون لملمة الجراح وإعادة السودان لمقعده.

تقصي أم قوات إفريقية:

من جانبه اعتبر الباحث والمختص في الشؤون الإفريقية د. عبدالوهاب الطيب البشير أن زيارة وفد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي بالرغم من أنها جاءت متأخرة بعد 9 سنوات من آخر زيارة وبعد عام ونصف من الحرب إلا أنها ذات أهمية.

ولم يستبعد البشير في حديث لـ”راديو دبنقا” أن يكون الوفد قد طرح مبادرة بنشر قوات إفريقية لحفظ السلام وحماية المدنيين في السودان، مقابل إنهاء الحرب واستعادة السودان لعضويته في الاتحاد الإفريقي، ويقول أيًا كانت هذه المبادرة أو التسوية تصبح منقصة وضعف في مجلس السلم والاتحاد الإفريقي نفسه.

وقلل الباحث والمختص في الشأن الإفريقي من تصريحات وفد مجلس السلم والأمن الإفريقي بأنه تفهم أبعاد الأزمة في السودان في هذا التوقيت، ويرى أنه كان على الاتحاد الإفريقي إرسال لجنة تقصي حقائق إفريقية بحيادية وشفافية تامة، لفهم أبعاد وحقائق الحرب حتى يتمكن من وضع السياسيات والاستراتيجيات واتخاذ القرارات بحيادية وموضوعية تامة.

ويحذر الباحث الأكاديمي من ما سماه بتسييس قضايا السلم والأمن التي يقول بأنها تستحق الوقوف والدراسة، ويشير إلى أنها ظهر منها مصطلح الأمننة في مدرسة كوبنهاجن، والسلام، ويرى أنه يجب دراسة ظاهرة تسييس السلام في السودان. واعتبر أن قضية السلام في السودان خاضعة لحسابات سياسية، وتسيس المصالح لفواعل الاتحاد الإفريقي التي يقول بأن لديه مأرب في السودان.

Welcome

Install
×