تباينات حول هدم دولة 56 وإجماع على بناء وطن متماسك وجيش محترف
كلما تقدمت الحرب الدائرة الان بين الجيش والدعم السريع في عمرها، بانت ملامح الاصطفاف حول معسكر داعم الجيش ومعسكر ينادي بضرورة انهاء دولة الاستقلال المسماة في أدبيات السوشيال ميديا بدولة 1956 الأمر الذي يعني ضرورة هزيمة الجيش وتفكيكه باعتباره رمزا للدولة ودعامة من دعاماتها الأساسية.
ولكن المناداة بهزيمة الجيش محاط بكم من الاحاسيس والعواطف الناجمة عن التربية وعن اختلاط حب الوطن بالجيش كحامي لهذا الوطن.
أجري برنامج “من جهة أخرى” الذي يبث صباح السبت من راديو دبنقا استطلاعا مبسطا حول فرضية ضرورة انهيار دولة 56 كمدخل لبناء السودان مرة أخرى على أساس الحرية والعدالة والمساواة وبجيش قومي محترف موحد. تم سؤال المشاركين في الاستبيان ان كانوا يوافقون على هذه المقولة. وذلك من أجل تلمس اتجاهات الرأي العام حول هذه القضية.
تبين من نتائج ان نسبة 36 بالمائة من المشاركين في الاستبيان تؤيد مقولة وجوب انهيار دولة 56 فيما اعترض عليها حولي 63 بالمائة.
وذكر عدد من كتاب مقالات الرأي أن انهيار هذه الدولة سيؤدي لفقدان مجموعات كبيرة في المركز والشمال للامتيازات التي توفرها لهم هذه الدولة وفقدان شبكة علاقاتهم التي يحققون من خلالها منافعهم في التوظيف والدراسة.
على هذه الخلفية تحدث راديو دبنقا لاثنين من المحللين السياسيين الأستاذ ماهر أبو الجوخ والأستاذ فائز الشيخ السليك.
الانهيار يعني التفكك واللا دولة
ابدى الصحفي فايز السليك عدم اتفاقه مع هذه المقولة موضحا بأن الانهيار التام للدولة سيؤدي للتفكك بطريقة يصعب معها لملمة أجزاء التراب السوداني. مقارنا هذا السيناريو بانهيار الاتحاد السوفيتي عندما انهارت اجزائه المكونة للاتحاد وانهارت متداعية مثل قطع الدومينو.
ودعا السليك للحذر في التعامل مع هذه المقولات. وأوضح السليك بأنه مع بناء دولة سودانية جديدة، ولكن كي نبني لا بد من تمرحل وتفكيك بوعي وذكاء. واستطرد قائلا: نحن لا نفكك ماكينة، عملية التفكيك هنا تتعلق بجغرافيا وتاريخ وثقافة وبشر لهم ذواتهم.
وأكد أن انهيار الدولة بشكل كامل سيقود الى حالة اللا دولة، ولكن بتنفيذ عملية التفكيك على النحو المشار اليه ستمكن من إعادة تشكيل الدولة ضمن مشروع وطني يعبر عن كل السودانيين.
واستشهد فايز السليك بتجربة أمريكا بعد الحرب الأهلية وكيف جلس الإباء المؤسسون وصاغوا وثيقة دستور للدولة الجديدة. ونادى بضرورة جلوس السودانيين في مؤتمر دستوري والعودة لمنصة التأسيس من أجل التوصل لصيغة تراعي قضايا التعدد من أجل تجنب الحروب مستقبلا.
تفكيك الجيش
وأشار بشكل خاص إلى عملية التفكيك التي تشمل القوات المسلحة وضرورة أن تمثل كل السودانيين على مستوى القيادة والقاعدة، وشدد على ضرورة الإسراع بعملية الهيكلة حال انتهاء الحرب بعيدا أي تأثيرات للخطابات العاطفية التي تستخدم مفردات عزتنا وكرامتنا.
وأقر بتخوفات من انهيار المؤسسة العسكرية التي اخذت مكانتها في وجدان السودانيين من خلال التربية والمشاريع الشاعرية التي تتغزل في رجال الجيش ودورهم في حماية الحدود. وأضاف بأن الكثيرين يرون عكس ذلك وان الجيش تحول لشبه ميليشيا في عهد حكم الإسلاميين ونحن بحاجة لإعادة هيكلته وتغيير عقيدته القتالية، كيف ننفذ ذلك وما هي الخطوط التي يجب أن ترسم في هذا الجانب؟ مشيرا للزمن الطويل الذي قضاه الجيش في السلطة في تاريخ السودان السياسي، لدرجة أن عينه ظلت دائما مركزة نحو السلطة واستلام مقاليد الأمور.
كما تشمل عملية التفكيك المؤسسات الأخرى مثل النيابة والقضاء والقطاع الدبلوماسي. كما تستهدف عملية التفكيك المركز عبر تعزيز الحكم الذاتي ونقل المدينة للريف وليس العكس بحسب المقولة الشهيرة للراحل جون قرنق.
نصيب الولايات والأطراف
وأوضح الصحفي فايز السليك في حديثه لدبنقا أن الولايات والأطراف يجب أن تأخذ نصيبها العادل من الثروات التي تنتج في الإقليم. مثلا البحر الأحمر يجب أن تستفيد من عائدات ميناء بورتسودان ومناطق تعدين الذهب يجب ان تحصل الولايات التي ينتج فيها على نصيب عادل يساهم في تطوير المنطقة وبنيتها التحتية ويدعم اقتصادها المحلي.
من ناحيته يوافق الصحفي والمحلل السياسي ماهر أبو الجوخ في حديثه لراديو دبنقا على أن أحد الشعارات التي ولدت في خضم الحرب التي اندلعت في 15 ابريل هو انهاء دولة 1956.
دولة التمكين الدينية
ويوضح في هذا المجال بأنه وبخلاف التصور النظري السائد عن دولة 56 التي كرست احادية الثقافة والهوية، فإن التحول الكبير الحاصل كان بانقلاب الإنقاذ في العام 89 والتي عملت على إقامة دولة التمكين الحزبي بأيديلوجية دينية وصارت مؤسسات الدولة هي مؤسسات حزب المؤتمر الوطني الحاكم. ادى ذلك على مدى فترة حكم الإنقاذ الى انهيار المؤسسات المنتجة. وصفها أبو الجوخ بأنها دولة شائخة متوسط اعمار موظفيها45 عام، وصار طابع الدولة العجز وقضاء حوائج المواطنين يستغرق أيام. كما أنا طابع المركزية جعل الخدمات والوصول اليها في غاية الصعوبة بدء من استخراج الشهادات وتوثيقها
الجيش أيضا اصابته ذات الشيخوخة التي اصابت الدولة السودانية فصارت إدارة الحرب التي انتهجها الجيش أيضا شائخة وغير مواكبة للواقع. مقابل ذلك يواجه الجيش قوات شابة وتتعامل بطريقة أخرى مع الحرب وادارتها.
غياب الدولة
أدت هذه الوضعية الى إصابة جهاز الدولة بالتكلس بحسب أبو الجوخ وصارت الدولة غير منتجة. ومنذ بداية الحرب في 15 أبريل غابت الدولة عن المشهد، لم تستطع بسط الامن في العاصمة وفي الأقاليم. لم تقدر على دفع المرتبات، ثم أعقب ذلك توقف خدمات الانترنت وبالتالي خدمات البنوك، إلى آخر مظاهر انهيار الدولة.
وأوضح ماهر أبو الجوخ في حديثه أن الذي ينتهي أو ينهار الآن ليس دولة 56 فهذه تعرضت للتجريف في العام 89 بعد انقلاب الإنقاذ الذي اختطف جهاز الدولة وحوله لجهاز حزبي. وهي دولة شائخة.
وعدد القضايا المنتظرة بعد نهاية الحرب ولخصها في إعادة بناء الدولة بشكل يغير نمط العمل والتفكير، سنعمل على انشاء دولة حديثه بمعنى الكلمة.
وأيضا لدينا قضية استيعاب الشباب في مؤسسات الدولة الجديدة واستخدام تقنية العصر والتخلص من المركزية، فواقع الحال يقول أن الناس بعد هذه الحرب سيحتاجون لسنوات قبل أن تستعاد ثقتهم في الخرطوم كمركز للدولة.
الجيش يهدد التحول الديمقراطي
أما عن اصلاح المؤسسة العسكرية فيكون بتفكيك التمكين داخلها كما يرى أبو الجوخ. مشيرا الى أن القوات المسلحة بشكلها وتركيبتها الراهنين تهدد الانتقال الديمقراطي. وبالتالي سيكون من المحتم إعادة بناء القوات النظامية بطريقة أخرى بحيث يكةون لديها مرونة ونوعية عالية في التعامل مع مختلق الحروب، يجب أن تكون قوات شابة ومحترفة.
وحول مصير الجيش والدعم السريع يقول الصحفي ماهر أبو الجوخ إن المنتصر في هذه الحرب منهما سيفرض ارادته وينتج سلطة سياسية متحكم فيها من قبله بشكل كامل سواء كان ذلك الجيش أو الدعم السريع. ودعا في هذا الصدد لدمج الطرفين في جيش واحد يخضع بالكامل للسلطة المدنية.
وختم حديثه بالقول: ” سنكون بصدد التوجه نحو انتقال ديمقراطي كامل بسلطة مدنية كاملة الصلاحيات وقوات نظامية قومية تأتمر بأمر السلطة المدنية. هذه هي رغبة السودانيين.