انحسار المعارك المباشرة والتركيز على القصف الجوي والمدفعي
ثلاث جبهات رئيسية للمعارك البرية
أمستردام: 17 أكتوبر 2024: راديو دبنقا
شهدت الأيام الخمسة عشر الأولى من شهر أكتوبر الحالي تصعيدا واسعا للعمليات العسكرية. وبعد هدوء استمر لأكثر من شهرين، عادت المواجهات البرية بين الجانبين بعد أن نفذ الجيش عمليات عسكرية على ثلاث جبهات رئيسية.
حيث نجحت القوات المسلحة بتاريخ 26 سبتمبر 2024 في عبور جسر الحلفايا من جهة أمدرمان والاستيلاء على مدخل الجسر من جهة الخرطوم بحري وتأمين هذا التقدم عبر السيطرة على أحياء الحلفايا والكدرو والسامراب. ويقول خبير عسكري وضابط متقاعد من الجيش السوداني طلب عدم الإفصاح عن هويته لراديو دبنقا أن هذه العملية اتاحت للجيش إيصال امدادات لقواته في معسكر حطاب بعد أن كان محاصرا من قوات المليشيا، فيما لم تستطع القوة البرية إجبار قوات الدعم السريع المرابطة في مصفاة الجيلي عن التخلي عن مواقعها، كما لم تنجح في التقدم جنوبا نحو أحياء بحري القديمة وفك الحصار عن معسكر سلاح الإشارة.
في ذات التوقيت، نجحت القوات المسلحة في عبور كبري النيل الأبيض من امدرمان والتمركز في مدخله من جهة الخرطوم، لكن هذه القوة رغم تمكنها من المحافظة على سيطرتها على مدخل الكبرى، إلا أنها فشلت في التقدم عبر شارع النيل شرقا نحو القصر الجمهوري أو حتى السيطرة بشكل كامل على الأبراج الرئيسية الموجودة في تلك المنطقة. وبشكل متزامن سعت القوات المسلحة إلى عبور جسر الفتيحاب، لكنها اضطرت للتراجع أمام كثافة نيران قوات الدعم السريع المرابطة في منطقة غابة السنط والابراج في منطقة المقرن. واعتبر الخبير العسكري والضابط المتقاعد من القوات المسلحة أن ذلك مرتبط في الأساس بالانتشار الكثيف لقناصة قوات الدعم السريع في المباني والأبراج العالية في منطقة المقرن، كما أن استخدام الطيران في هذه المنطقة المحدودة المساحة سيتسبب في خسائر كبيرة وسط قوات الجيش نفسها التي تحاول التقدم في المنطقة.
وبحسب مقاطع الفيديو التي نشرها موالون للجيش فإنه تمكن من السيطرة على برج زين ومسجد الشهيد وإدارة الكهرباء والمياه بالمقرن منذ بداية الاسبوع بينما تتمركز قوات الدعم السريع في بنك السودان وبرج الساحل والصحراء بالاتجاه المقابل.
وفي الاتجاه الجنوبي، قال سلاح المدرعات التابع للجيش السوداني اليومإنه تمكن من السيطرة على كامل منطقة “اللاماب بحر أبيض” بالقرب من سلاح المدرعات.
وأضاف السلاح “قواتكم تمضي بخطى ثابتة نحو بقية المواقع والأهداف وتتأهب لمعارك فاصلة مع العدو في منطقة الخرطوم”.
ورغم أن موالين للجيش نشروا مقاطع فيديو عن سيطرتهم على مجمع الرواد ولكن مصادر أخرى شككت في ذلك. وقالت إن وجود قوات الدعم السريع في مجمع الرواد أعاق تقدم الجيش نحو الرميلة ومنه إلى وسط الخرطوم.
الجبهة الثالثة هي محور سنار-كوستي حيث نجحت القوات المسلحة بتاريخ 5 أكتوبر 2024 في استعادة السيطرة على منطقة جبل موية، التي تعتبر منطقة حاكمة حسب تعبير الخبير العسكري والضابط المتقاعد من القوات المسلحة بالنظر إلى أنها سمحت بفتح طريق سنار-ربك وإيصال الامدادات للقوات المرابطة في قاعدة كنانة الجوية والفرقة 18 مشاة في كوستي ومتحرك الصياد في تندلتي.
الطيران يرجح موازين القوى لصالح الجيش
التقدم الذي حققته القوات المسلحة على الأرض ارتبط بتكثيف الطيران الحربي لغاراته الجوية كما ونوعا لتشمل مناطق واسعة تسيطر عليها قوات الدعم السريع. وجاء ذلك متزامنا مع تداول معلومات عن حصول الجيش السوداني على طائرات مقاتلة من مصادر متعددة وبتمويل من عدد من الدول الداعمة للجيش. وتأكد الدور الحاسم لسلاح الطيران بعد أن اتهم قائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو، في خطابه بتاريخ 9 أكتوبر الطيران المصري بالتدخل في الحرب في السودان وأنه المسؤول عما تعرضت له قواته من خسائر في معركة جبل مويه. وخلا زيارته لقاعدة وادي سيدنا الجوية بعد تفقده للقوات في استعادت السيطرة على جبل مويه، أكد الفريق عبد الفتاح البرهان، القائد العام للقوات المسلحة، أن القوات الجوية لعبت دورا رئيسيا في استعادة السيطرة على بعض المواقع وفي مقدمتها جبل مويه.
حصيلة 15 يوما من القصف الجوي
في 5 أكتوبر 2024، شن الطيران الحربي غارة جوية عنيفة على مدينة “الكومة” الواقعة على بعد 76 كيلومتر إلى الشرق من مدينة الفاشر، وتسببت الغارة في مقتل 65 مواطنا من بينهم عدد كبير من النساء والأطفال. ومنذ بداية الحرب، شن الطيران الحربي أكثر من 30 غارة على المدينة التي نزح إليها أكثر من 45 ألف شخص هربا من القتال في الفاشر والمناطق المحيطة بها.
بتاريخ 6 أكتوبر 2024، شن طيران الجيش غارات جوية على منطقة صليعة، حاضرة محلية جبل مون بولاية غرب دارفور، ولم يتسن معرفة عدد الضحايا بسبب انقطاع الاتصالات في كل المنطقة.
كشفت غرفة طوارئ جنوب الحزام بجنوب الخرطوم عن مقتل 23 شخصا وإصابة 40 آخرين في قصف جوي شنه الطيران الحربي على السوق المركزي بالخرطوم ظهر يوم 12 أكتوبر 2024. شملت أحياء جنوب الحزام ومحيط المدينة الرياضية والسوق المركزي بجنوب الخرطوم. وأوضحت الغرفة في صفحتها على فيسبوك أن الجرحى جرى نقلهم إلى مستشفيات بشائر والرازي والراقي لتلقي العلاج، وبعضهم في حالة حرجة.
في ظهيرة يوم 13 أكتوبر 2024، شنّ الطيران الحربي غارات جوية على مدينة أبو حجار، شرق مدينة سنجة بولاية سنار، مما أدى لسقوط عشرات القتلى وجرحى. وقال مواطن من أبو حجار لراديو دبنقا إن القصف وقع في الساعة الثانية من ظهر الأحد واستهدف مدينة أبو حجار وعدد من القرى المجاورة بصورة عشوائية، وأشار إلى سقوط إحدى القذائف على صيوان عزاء مشيراً إلى مقتل وإصابة عدد كبير من المواطنين. ونشرت لجان مقاومة أبو حجار مقاطع فيديو تظهر أشلاء القتلى والجرحى وسط ارتفاع صراخ وعويل ذويهم.
الغارة الأعنف خلال هذه الفترة هي التي تعرضت لها مدينة نيالا بتاريخ 14 أكتوبر 2024، حيث شن الطيران الحربي التابع للقوات المسلحة السودانية غارة جوية مساء الإثنين أسقط خلالها أكثر من عشر قذائف في عدة مواقع في المدينة. وقال مواطنون من حي المطار شرقي المدينة لراديو دبنقا ان الطائرة الحربية حلقت في سماء المدينة لأكثر من 55 دقيقة أسقطت خلالها حوالي ثمانية براميل في حي المطار. وأشاروا إلى أن القذائف الثماني لم تحدث ضررا سوى تدمير منزل واحد بالحي، لكنها خلَّفت حالة من الرعب والهلع وسط سكان المدينة طيلة فترة تحليقها. فيما ذكر مواطن آخر من حي الرحمن المجاور للمطار، لراديو دبنقا، ان الطائرة الحربية اسقطت حوالي ثلاث قذائف حول المطار، مضيفا أنه لا يعلم شيئا عن الاضرار التي تعرض لها المطار. وأضاف أن الطائرة اسقطت عدة قذائف في الأحياء الجنوبية للمدينة بالقرب من مدرسة نيالا الفنية. وتعرضت نيالا الى عشرات الغارات الجوية من قبل طيران القوات المسلحة منذ ان سيطرت قوات الدعم السريع على المدينة في 26 اكتوبر من العام الماضي، مما أدى الى مقتل مئات المواطنين. فيما تعرَّض مطار المدينة الى أربع غارات جوية خلال الاسبوعين الماضيين، أدت الى تدمير اجزاء واسعة منه، وتزامنت تلك الغارات مع تواتر انباء عن هبوط طائرات مجهولة في المطار.
وعادت الطائرات الحربية التابعة للجيش السوداني لتقصف من جديد تمركزات قوات الدعم السريع شرق وجنوب مدينة الفاشر يومي 13 و 14 أكتوبر 2024 ولم يتم التبليغ عن سقوط ضحايا في بين المدنيين في هذه الغارات.
في 15 أكتوبر 2024، قصفت طائرة حربية تابعة للقوات المسلحة السودانية عدة مواقع بمدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور، شملت مطار المدينة وعدد من الاحياء. وبحسب شهود عيان تحدثوا لراديو دبنقا ان الغارة الجوية لم تخلف خسائر في ارواح المواطنين، وقالوا ان الطائرة التي نفذت الهجوم الجوي يبدو من صوتها انها حديثة. وقال الصحفي علاء الدين بابكر، المقيم في الجنينة، إن الطائرة الحربية بدأت تحليقها عند الساعة التاسعة والنصف مساء على ارتفاع عالٍ. ورجّح أن تكون طائرة حديثة وليست مثل الطائرات الحربية عالية الصوت التي شنت غارات على الجنينة من قبل، مشيرا إلى انخفاض صوت محركها وتحليقها على ارتفاع عالٍ، مقارنة بالطائرات السابقة. واشار علاء الدين الى الطائرة اسقطت ثلاث قذائف في منطقة شرق مطار الجنينة الذي يقع في الجزء الشمالي الشرقي للمدينة. وقال مسؤول الاعلام بمكتب رئيس الادارة المدنية للولاية محمد عثمان لراديو دبنقا ان الغارة الجوية على مدينة الجنينة خلفت خسائر مادة وبشرية متمثلة في (حالات اجهاض وسط النساء الحوامل) اضافة الى الآثار النفسية وحالة الرعب وسط النساء والاطفال، مشيرا الى ان هناك أضرار لم تُحصر.
نتائج محدودة على الأرض
وحول تأثيرات تكثيف الطيران لغاراته الجوية على ميزان القوى على الأرض، أكد الخبير العسكري والضابط المتقاعد من القوات المسلحة أن الجيش نجح عبر غارات الطيران في إيقاع خسائر كبيرة في صفوف قوات الدعم السريع، لكن كلفة هذه الغارات وسط المدنيين والمنشئات والأعيان المدنية بدورها كبيرة وأصبحت مصدر إدانات للقوات المسلحة من قبل القوى المدنية في الداخل والمنظمات الدولية والدول المعنية بالملف السوداني. ويضيف أنه وباستثناء استعادة السيطرة على منطقة جبل مويه، لم تسمح هذه الغارات بتحقيق انتصارات كبيرة واستعادة مناطق من سيطرة الدعم السريع. وأشار إلى أن حرب أكتوبر 1973 وحربي العراق الأولى والثانية وحرب أفغانستان وحرب اليمن أكدت أن التفوق الجوي والاستخدام الفعال لسلاح الطيران لا يسمح منفردا بحسم المعارك وهناك ضرورة لتقدم قوات للسيطرة على الأرض مستفيدة من الغطاء الجوي الذي يوفره الطيران القتالي.
الدعم السريع يستخدم المسيرات بشكل محدود
وفي مواجهة التفوق الجوي للجيش، تسعى قوات الدعم السريع لاستخدام المسيرات الانتحارية لتغطية عدم امتلاكها لأي قدرات جوية قتالية حقيقية. وقد حاولت قوات الدعم السريع بتاريخ 6 أكتوبر 2024 الهجوم بثلاث مسيرات على قاعدة كنانة الجوية بولاية النيل الابيض التي لعبت دورا حيويا في جبهة عمليات جبل مويه. ونجحت الدفاعات الجوية للجيش في إسقاطها قبل أن تبلغ هدفها. واعتبر الخبير العسكري والضابط المتقاعد من القوات المسلحة الذي طلب عدم الكشف عن هويته أن فعالية القدرات الجوية لقوات الدعم السريع مشكوك فيها ولن تكون قادرة على إحداث أي خسائر كبيرة في صفوف قوات الجيش أو المنشئات في المناطق الواقعة تحت سيطرته. وعزا الخبير العسكري ذلك إلى بدائية هذه المسيرات مما يجعل أمر رصدها ميسرا وكذلك ومحدودية عبوتها الحربية ما يقلص من قدرتها التدميرية.
الاعتماد على القصف المدفعي
في مواجهة هذا الواقع الجديد، المتمثل في تعزيز الجيش لقدرات طيرانه القتالي وانتقاله من مرحلة الدفاع عن مقراته إلى الهجوم لاستعادة السيطرة على الأرض، لجأت قوات الدعم السريع لخيار القصف المدفعي على المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش باستخدام راجمات القذائف الصاروخية ومدافع الهاون وكلاهما يتميز بعدم الدقة في التعامل مع الأهداف.
بتاريخ 4 أكتوبر 2024، قصفت قوات الدعم السريع أحياء الثورات وأمبدة وأمدرمان القديمة ما تسبب في سقوط 3 قتلى و 7 جرحى وسط المدنيين تم نقلهم إلى مستشفى النو لتلقي العلاج حسب تقرير لوزارة الصحة في ولاية الخرطوم.
لكن جل عمليات القصف المدفعي لقوات الدعم السريع تركزت في الأيام الخمسة عشر الأولى من شهر أكتوبر على مدينة الفاشر. حيث اعلنت غرفة طوارئ معسكر ابو شوك للنازحين عن مقتل 10 اشخاص واصابة 4 آخرين جراء القصف المدفعي لقوات الدعم السريع على المعسكر مساء الاحد 6 أكتوبر ونشرت الغرفة اسماء القتلى العشرة والجرحى الذين سقطوا بسبب قصف الدعم السريع للمعسكر بعد ساعات من الهدوء الذي شهدته مدينة الفاشر. وأشارت الغرفة إلى أن بين الضحايا قتيلة واحدة وثلاثة أطفال، وثلاث مصابات.
وجددت قوات الدعم السريع قصفها المدفعي لمدينة الفاشر في يومي 13 و 14 أكتوبر، وتركز القصف على شمال وغرب المدينة. وقال أحد المواطنين من الفاشر لراديو دبنقا إن القصف المدفعي استهدف بصورة عشوائية الاحياء الشمالية خاصة حي الصحافة وأبو شوك الحلة، كما تم قصف سوق المواشي في الاتجاه الجنوبي للمدينة، وأشار إلى سقوط قتلى وجرحى لم يتم حصرهم.
وكانت وزارة الصحة الإتحادية اتهمت قوات الدعم السريع بقصف المستشفى السعودي في الفاشر يوم الأحد 13 أكتوبر مما أدى لمقتل أحد الكوادر الطبية. وقالت الوزارة في بيان إن قوات الدعم السريع استهدفت المستشفى بأربع قذائف مخلفة اضرار كبيرة في أقسام المستشفى. من جانبه قال وزير الصحة والرعاية الاجتماعية بحكومة إقليم دارفور، بابكر حمدين، إن قصف المستشفى السعودي أدى إلى جرح 15 من المرضى والعاملين وهي بذلك تستهدف تعطيل الخدمة.