امتحانات الشهادة تعزز حالة الانقسام وسط السودانيين
أمستردام: 18 ديسمبر 2024: راديو دبنقا
مع اقتراب الموعد الذي حددته حكومة بورتسودان لتنظيم امتحانات الشهادة السودانية في 28 ديسمبر الحالي، يتصاعد الجدل في أوساط السودانيين بشأن هذا القرار. وفيما يرحب الكثيرون بتنظيم الامتحانات للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب حتى لا يفقد الطلاب عاماً إضافيا آخراً، يعتقد آخرون بأن تنظيم الامتحانات في ظروف الحرب والنزوح واللجوء امر مستحيل ويتضمن تمييزا بين الطلاب الممتحنين باعتبار الأقاليم التي يتواجدون فيها.
تحديد موعد إجراء الامتحانات
في نهاية شهر أكتوبر الماضي، أعلن وزير التربية والتعليم المكلف، أحمد خليفة، عن قيام امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة في موعدها المقرر في الثامن والعشرين من ديسمبر 2024 .
وبررت الوزارة اعلان تنظيم الامتحانات في هذا التوقيت لأن الحرب أدت إلى تأجيل الامتحانات لعامين كاملين. وأوضحت إن تأجيل الامتحانات جعل الطلاب وأسرهم يشعرون باليأس من الامتحان. كما أعلنت عن تنظيم امتحانات أخرى في مارس المقبل للذين لم يتمكنوا من الجلوس للامتحانات المقبلة.
موقف حكومة بورتسودان
ومضت حكومة بورتسودان في التحضير لإجراء الامتحانات في الولايات التي تسيطر عليها وفي المراكز الخارجية فقط، ودعت الطلاب في الولايات التي لن تجرى فيها الامتحانات للالتحاق بالمراكز المحددة في مناطق سيطرة الجيش.
وتجرى الامتحانات بشكل رئيسي في ولايات كسلا والقضارف وبورتسودان والشمالية، بينما تجري في نهر النيل،و النيل الأبيض، بصورة جزئية، بجانب مراكز محدودة في ولايات كردفان. وأمس الثلاثاء صادق نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار على انشاء مركزين للامتحانات في محليتي القرشي والمناقل بولاية الجزيرة. كما أعلنت ولاية الخرطوم تنظيم الامتحانات فقط في محلية كرري فيما تخلو ولايات دارفور الخمسة من أي مركز للامتحانات. وأعلنت الوزارة أيضا عن تنظيم الامتحانات في 15 دولة.
لكن مالك عقار، فاجأ الجميع وقبل أسبوعين من موعد عقد الامتحانات بالكشف عن قرار السلطات التشادية برفض السماح لحوالي 13 ألف طالب سوداني بأداء امتحانات الشهادة الثانوية السودانية على أراضيها، ما يضع مستقبل هؤلاء الطلاب في مهب الريح. وفي ذات السياق وجه مكتب تنسيق حكومة ولاية جنوب دارفور التلاميذ بالتوجه إلى ولاية نهر النيل لأداء الامتحانات مشيرا لاعتذار تشاد عن عقد الامتحانات في أراضيها.
لكن خديجة عبد الله، مسؤولة التعليم بمعسكرات شرق تشاد، أبلغت راديو دبنقا أنهم سمعوا عن أنباء متداولة في وسائل التواصل الاجتماعي حول منع الحكومة التشادية للامتحانات ولكن لم يصلهم حتى الآن اخطار رسمي بذلك. واعتبرت أن ذلك مصدر قلق للاجئين وقرابة 13 ألف طالب وطالبة كانوا يستعدون للامتحانات وسددوا الرسوم المطلوبة وتسلموا ارقام الجلوس الخاصة بهم.
نداء أخير من لجنة المعلمين
وبصفتها ممثلة لأحد الأطراف الرئيسية في العملية التعليمية، أطلقت لجنة المعلمين السودانيين ما أسمته بالنداء الأخير بتاريخ 13 ديسمبر 2024 ومع اقتراب الموعد المضروب لامتحانات الشهادة الثانوية السودانية. ونوهت لجنة المعلمين إلى حالة الانقسام الواضح بين السودانيين حول جدوى قيام الامتحانات في هذا الظرف، وهذا التاريخ، بذات الشكل المعلن.
وشدّدت لجنة المعلمين السودانيين على أنها تظل في جانب استمرار العملية التعليمية وما يصاحبها من عمليات، ولكن وفقا لشروط ومطلوبات ترى ضرورة توفرها، وإلا فالنتيجة ستكون كارثية.
وأشارت لجنة المعلمين السودانيين إلى تجاهل نداءاتها المتكررة بضرورة وقف إطلاق النار أثناء فترة الامتحانات والالتزام بمبدأ العدالة والشمول وبأن التعليم يجب أن يكون خافضا لصوت البنادق ومدخلا للسلام والتعايش.
وحذرت لجنة المعلمين السودانيين من أن عقد الامتحانات بهذه الصورة سيؤدي إلى حرمان 60% من جملة الطلاب الذين استوفوا شروط الجلوس للامتحانات قبل الحرب (570 ألف طالب) وأن هناك 8 ولايات ستحرم من الامتحانات بالكامل من أصل 18 ولاية وأن 6 ولايات ستجرى فيها الامتحانات جزئيا فيما ستتميز 4 ولايات هي ولايات البحر الأحمر وكسلا والقضارف والشمالية بإجراء الامتحانات بشكل كامل.
وحددت لجنة البيان 4 شروط ضرورية لنجاح تنظيم الامتحانات تتمثل في:
- إعلان وقف إطلاق النار أثناء فترة الامتحانات.
- فتح المسارات الآمنة لوصول الطلاب والطالبات والمعلمين لمراكز الامتحانات.
- ضمان وصول أوراق الامتحانات من وإلى مراكز التصحيح الكنترول والتجميع.
- ضمان جلوس كل الطلاب الذين يرغبون في الجلوس لهذه الامتحانات في مناطق يتم الاتفاق حولها.
ولكن مدير الإعلام في وزارة التربية والتعليم عبد الرحمن النجومي اتهم في بيان الذين يتحدثون عن حرمان أبناء دارفور من الجلوس الامتحانات بالسعي لعرقلة الامتحانات، و فرض هدنة أثناء فترة الامتحانات بهدف تعزيز قدرات الدعم السريع وإعادة تنظيم صفوفها .
من جهتها أكدت فاطمة محمد أدم أحمد، مدير تجمع الزهراء للمدارس الثانوية للبنات في نيالا، في حديث لراديو دبنقا أن الأحوال مستقرة وأنهم بدأوا المراجعة للامتحانات منذ وقت مبكر، لكن الجميع يعيشون أوضاع نفسية بسبب عدم وضوح الرؤية بشأن الامتحانات.
الأصوات المعارضة ترتفع
الكثير من الأصوات ارتفعت معارضة لتنظيم الامتحانات في ظل هذه الظروف. وكانت الحملة المشتركة لإيقاف الحرب قد أعلنت على لسان ناطقها الرسمي، سامي الباقر، عن توقف أكثر من 14 ألف مدرسة عن أداء رسالتها وتوقف أكثر من 17 مليون تلميذ وطالب، وعدم حصول المعلمين على رواتبهم، وأن كل ذلك يجعل من تبني خيار وقف الحرب هو الخيار السليم الذي تقبله الفطرة السليمة.
أما هيئة محامي دارفور وشركاؤها فقد طالبت بتذليل العقبات أو تأجيل عقد امتحانات الشهادة السودانية عن موعده المقرر في 28 ديسمبر 2024. وأكدت الهيئة وشركاؤها أن هنالك أكثر من 16 ألف طالبا من أبناء السودان ممن ينحدرون من دارفور يتهدد مستقبلهم التعليمي العقبات التي تحول دون تمكنهم من أداء امتحانات الشهادة السودانية لهذا العام بفعل طرفي الحرب الدائرة.
وحذرت من استخدام التعليم والامتحانات ضمن أدوات الحرب الدائرة التي لا تخدم أي مصلحة لأي طرف من الأطراف، كما أن قيام امتحانات الشهادة السودانية القومية دون النظر لمستقبل الطلاب بالمناطق المتأثرة بالحرب له آثاره الضارة بمستقبل وحدة البلاد.
ودعت الهيئة للنأي بموضوع تنظيم الامتحانات عن تجاذبات العلاقات الرسمية بين دولتي السودان وتشاد وكشفت عن نيتها تقديم مذكرة للرئيس التشادي لمطالبته بمواصلة جهود تذليل عوائق قيام امتحانات الشهادة السودانية بدولة تشاد للعام 2024.
من جهتها وضعت المبادرة الوطنية لإنقاذ امتحانات الشهادة السودانية ثلاث خيارات أمام قائدي الجيش وقوات الدعم السريع لتفادي حرمان أعداد كبيرة من الطلاب من الجلوس للامتحانات. الخيار الأول تأجيل الامتحانات لأجل مسمى يتيح للطلاب الاستعداد لأدائها مع تقديم البدائل الفنية التي تصون قوميتها خلال فترة التأجيل. الخيار الثاني تعميم الامتحانات في كل أنحاء البلاد بترتيبات فنية وضمانات أمنية من طرفي الحرب وأطراف أخرى. والخيار الثالث، في حال تعذر التأجيل ترتيب امتحانات لنفس الدفعة بترتيبات وشروط أكثر عدالة وأمنا تضمن قوميتها ونزاهتها.
وفي ذات السياق دشنت الشبكة الشبابية السودانية لإنهاء الحرب حملة “خلوهم يمتحنوا” للضغط على طرفي الصراع لضمان سلامة الطلاب والسماح لهم بالجلوس للامتحانات. مبينة إن عدد الذين سيجلسون للامتحانات لا يتجاوز ال 50 في المائة من العدد الكلي.
وطالبت الشبكة بفتح ممرات آمنة لجميع الطلاب للوصول إلى مراكز امتحاناتهم دون أي عوائق أو تهديدات.
كما طالبت بضمان عدم تعرض الطلاب إلى أيٍّ من أشكال الاعتداء أثناء ذهابهم إلى وإيابهم من مراكز الامتحانات.
معارضة من أطراف مؤيدة للجيش
معارضة تنظيم الامتحانات في ظروف الحرب الحالية لم تقتصر على معارضي حكومة الأمر الواقع في بورتسودان، بل امتدت لتشمل بعض من مؤيديها وفي مقدمتهم مبارك الفاضل، رئيس حزب الأمة. حيث اعتبر في تغريدة على منصة اكس القرار بتنظيم امتحانات الشهادة السودانية في ظل انتشار الحرب وعدم الاستقرار في معظم أنحاء البلاد قراراً خاطئاً يؤكد على ان القائمين على الأمر في بورتسودان لا وعي ولا اهتمام لهم بتداعيات الحرب على شعبهم.
وغرد مبارك اردول، رئيس التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية، على حسابه على منصة اكس ليكشف عن تلقيه اتصالات من في كردفان عموماً وجبال النوبة على وجه الخصوص بخصوص امتحانات الشهادة السودانية المزمع إقامتها في الايام القادمة معتبرا أن المسألة محتاجة لإعادة تقييم ودراسة بشكل دقيق من السلطات الحكومية في بورتسودان، خاصة في مسالة شمولها لكل الطلاب في البلاد والظروف التي تمر بها بعض المناطق، وأضاف: (فالولايات التي لا تستطيع الحكومة من وصولها بسبب الحرب والحصار ليس عدلاً أن يحرم طلابها من الجلوس او تفوت عليهم الامتحانات.)
أبعاد سياسية للامتحانات
ضمن المبررات التي قدمتها لدعم خططها للإعلان عن حكومة تنزع الشرعية عن حكومة الأمر الواقع في بورتسودان، تطرقت الجبهة الثورية إلى قضية التمييز بين المواطنين والتي تجلت بوضوح في إجراء الامتحانات في المناطق التي يسيطر عليها الجيش وحرمان مناطق أخرى منها. واعتبرت أن ذلك ينتقص من الحقوق الكاملة لكل المواطنين وأن المسؤولية الوطنية والأخلاقية للجبهة الثورية تفرض عليها عدم القبول بهذا الأمر كأمر واقع. بل أن أسامة سعيد، الناطق الرسمي باسم الجبهة الثورية، ذهب إلى حد ربط ذلك بمشروع دولة البحر والنهر وأن الامتحانات ستنظم فقط داخل حدود هذه الدولة.
الدعم السريع يرفض
لم تتردد قوات الدعم السريع في إعلان رفضها إقامة امتحانات الشهادة الثانوية نهاية شهر ديسمبر الجاري معتبرة أنها تأتي ضمن سياسات مدروسة تهدف إلى تقسيم البلاد. وأضافت في بيان، إن انطلاق الامتحانات في مناطق بعينها دون سائر ولايات البلاد يؤكد عدم الاكتراث لمستقبل مئات الآلاف من الطلاب في مختلف المناطق.
وطمأن البيان أبناء السودان في مختلف المستويات التعليمية أن حقوقهم محفوظة بموجب القوانين الدولية والمحلية، وبشر الطلاب وأسرهم بالشروع في اتخاذ التدابير والإجراءات التي تكفل حقوقهم وعودتهم إلى صروح التعليم وجلوسهم للامتحانات المؤجلة بشكل يحفظ التوازن والعدالة مع رصفائهم من الطلاب.
وأتبعت قوات الدعم السريع هذا الرفض بإجراءات فعلية، حيث أكدت مصادر بمحلية بمدينة القطينة، في ولاية النيل الأبيض، أن قوات الدعم السريع منعت طلاب وطالبات الشهادة السودانية في القطينة من الدخول إلى مناطق الجيش التي توجد بها مراكز الامتحانات بعد وصولهم إلى القوارب التي تنقل الركاب إلى منطقة الشيخ الصديق غرب النيل، ومنها إلى مدينة الدويم، قامت بإعادتهم إلى مدينة القطينة.
وأعلن الإدارات المدنية في جنوب دارفور وغرب كردفان رفضها انتقال التلاميذ خارج ولاياتها للجلوس للامتحانات فيما أصدرت الإدارة المدنية بوسط دارفور قراراً بمنع التلاميذ من السفر إلى كوستي وعطبرة من أجل الجلوس لامتحانات الشهادة السودانية.
رأي متابعي راديو دبنقا
راديو دبنقا طرح من جانبه سؤال واستبيان على موقعه الالكتروني وصفحاتها على منصات التواصل الاجتماعي وتطبيق التراسل الفوري، واتساب.
السؤال: مارأيك في اجراء امتحان الشهادة السودانية في بعض مناطق البلاد دون غيرها؟ عرض على صفحة الفيسبوك لراديو دبنقا بتاريخ الثلاثاء 17 ديسمبر 2024 حوالي الساعة الثالثة والنصف ظهرا وحتى تاريخ اليوم الأربعاء 18 ديسمبر 2024 الساعة الحادي عشر صباحا،
ووصل السؤال إلى 12,240 شخصا، وبلغ العدد الكلي للتفاعلات 110 تفاعلا .
تم طرح استطلاع على منصة أكس تحت عنوان: هل ترى ان اجراء امتحان الشهادة الثانوية حاليا منصفة؟
بلغ انتشار الاستبيان 747 شخص ،وكانت إجابة 29.8% ب(نعم) ،وأجاب 63.8% ب( لا ) بينما اجاب 6.4% لا أدري
نفس الاستطلاع تم طرحه على منصة الفيسبوك حيث وصل الى 6,969 متابعاً، وشارك فيه 656 شخص، ووأجاب 56% ب(نعم) ، وأجاب 5% ب(لا ) بينما أجاب 39% لا أدري
كما تم نشر الاستبيان على الموقع الاليكتروني لراديو دبنقا و أجاب 50% ب (نعم )أجاب 50% ب( لا )
ماذا يقول جمهور راديو دبنقا؟
الخلافات في أوساط السودانيين تظهر بوضوح كذلك في أراء جمهور راديو دبنقا. على سبيل المثال، اعتبر أحد المعلقين أن إجراء الامتحانات هو “أفضل قرار ان شاء الله في فريق واحد أفضل من التجميد. قرارات ود الخليفة ملزمة ويجب المساعدة في انجازها واي طالب من 23 ما جلس يوم 28 يلحق مع ناس 24 في مارس القادم. اي تعطيل جريمة”.
فيما اعتبر معلق آخر أن “هذه الامتحانات غير منصفة وشغل سياسي وكيد لبعض الولايات عمل غير وطني”.
ويقول معلق آخر أن “الوضع كارثي وما باليد حيلة بعد مرور سنتين، وأن الحياة مستمرة والأفضل عقد الامتحانات في المناطق الآمنة لنحافظ على الأقل على جزء من أجيالنا بدلا من أن تضيع كلها برغم ما في ذلك من ظلم”.
وموسى عبد الرحيم صندل من جوبا يرى أن “عقد الامتحانات في جزء من البلاد يسبب ظلم لأبناء السودان غير القادرين على الوصول إلى مراكز الامتحانات ويهدد وحدة السودان. وشكك في معايير الاستقرار التي تجعل الامتحانات ممكنة في 6 ولايات فقط. واعتبر أن القرار الأمثل كان إخضاع الموضوع لمزيد من الدراسة ورهن الامتحانات بالاستقرار أو السماح بإجرائها في مناطق تسيطر عليها أطراف أخرى ولا توجد فيها اشتباكات ساخنة وكذلك في دول الجوار”.
أما أحمد عبود من ليبيا فيشدد على ضرورة “ان يمتحن كل طالب من داخل منطقته لأن البلد غير آمن، وإذا كان متاحا تحرك الطالب للامتحان في الشمالية، فلماذا لا يتم إحضار معلمين من مناطق سيطرة بورتسودان إلى المناطق الأخرى لإجراء الامتحانات فيها تحت إشراف الأمم المتحدة أو الإدارة الأهلية”.