التوقيع على منحة بـ8 مليون دولار من الإمارات لمنظمة الصحة العالمية بجنيف الخميس 26/6/2024م ـ المصدر ـ وكالة الأنباء الإماراتية ـ وام

أمستردام: 27 يونيو 2024: راديو دبنقا
دخلت العلاقات بين السودان والإمارات مرحلة جديدة من التوتر بعد السجال الذي دار بين مندوبي البلدين لدى الأمم المتحدة في نيويورك خلال الجلسة التي خصصت لمناقشة الأوضاع في مدينة الفاشر في 13 يونيو 2024. وتتهم الخرطوم أبو ظبي بتقديم دعم عسكري ولوجستي ومالي لقوات الدعم السريع الأمر الذي يسمح لها بمواصلة الحرب. كما أن الإمارات تمارس نفوذها على عدد من دول الجوار وفي مقدمتها تشاد من أجل أن تفتح أراضيها لإيصال الدعم لقوات الدعم السريع.
قمة التصعيد في علاقات البلدين كان في شهر نوفمبر 2023 حينما خرج الفريق ياسر العطا، مساعد القائد العام للقوات المسلحة، علنا واتهم الإمارات وتشاد بتقديم الدعم لقوات الدعم السريع. حينها تبادل الطرفان طرد عدد محدود من الدبلوماسيين المعتمدين لدى العاصمتين وأبقيتا على التمثيل الدبلوماسي بينهما. وعاد الفريق ياسر العطا في شهر مايو الماضي ليكرر ذات الاتهامات بعد أن تقدم السودان بشكوى رسمية لمجلس الأمن بشأن التدخل الإماراتي في شؤونه الداخلية. كما رفضت حكومة بورتسودان علنا مشاركة أبو ظبي في منبر جدة بعد أن كان مقترحا مشاركة الإمارات ومصر في هذه المفاوضات باعتبار تأثيرهما على طرفي النزاع.
حملة علاقات عامة
ومن الواضح أن القيادة الإماراتية قررت الرد على الاتهامات السودانية بطريقة مختلفة الأمر الذي اعتبره البعض حملة علاقات عامة لتحسين صورة الإمارات وتقديم وجه إنساني لتدخلاتها في السودان. حيث بدأ اثنان من كبار الدبلوماسيين في وزارة الخارجية الإماراتية سلسلة لقاءات مع عدد من رؤساء المنظمات الدولية المعنية بالتعامل مع الوضع الإنساني في السودان يتم الإعلان من خلالها عن تقديم مساهمة مالية إماراتية لهذه المنظمات لتعزيز قدراتها على التدخل الإنساني في السودان.
ويرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الجميل الفاضل في حديث لراديو دبنقا إن الاتفاقات الإماراتية مع الوكالات الدولية لتقديم الدعم للسودان تندرج في إطار الصراع المفتوح ما بين الدولتين واعتبرها محاولة لإحراز نقاط وذلك في أعقاب تصاعد الأمر إلى مستويات عالية بعد الشكوى التي دفعت بها “حكومة الأمر الواقع إلى مجلس الأمن وقدمت ما اعتبرته ادلة.

وأكد إن الحالة العدائية هي السائدة بين البلدين، وإن محاولة التعامل الاماراتي مع الوكالات وتقديم العون قابلها مندوب السودان الحارث ادريس بشكل من الرفض حيث قال إن السودان ليس في حاجة لدعم اماراتي حيث يرى السودان انها ليست خطوة بريئة.

وقال إن الإمارات تسعى من جهة لتحسين صورتها التي تلطخت بالاتهامات بمساندة الدعم السريع، ومن ناحية أخرى فإنها تريد أن تحشر حكومة بورتسودان في “الزاوية الضيقة” وتضعها في موقف حرج في حال رفضها تقبل المساعدات التي تأتي عن طريق الوكالات الأممية خاصة في ظل شبح الجوع الذي يهدد ملايين السودان، أما في حال قبولها باستلام المساعدات فإن ذلك يعني إقرارها باهتمام الإمارات بالشعب السوداني. وبالتالي فإن الأمر سجال بين الدولتين وكل طرف يسعى لإحراز نقاط.

تحرك دبلوماسي/إعلامي
في 26 يونيو 2024، أعلنت أبو ظبي عن توقيع اتفاق مع منظمة الصحة العالمية تخصص بموجبه مبلغ 8 مليون دولار لتمويل أنشطة المنظمة في السودان. وعدت الوزارة هذه المساهمة جزء من التزام دولة الإمارات الأوسع والداعم لجهود منظمة الصحة العالمية في تقديم خدمات الرعاية الصحية الأساسية في المناطق المتأثرة بالصراع. وأبرمت دولة الإمارات والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين اليوم اتفاقية، تقدم من خلالها دولة الإمارات 20 مليون دولار أمريكي لدعم العمليات الإنسانية للمفوضية في السودان والدول المجاورة. ويهدف التمويل إلى تعزيز الظروف المعيشية وسلامة النازحين واللاجئين. ستساعد هذه المخصصات في تحسين المأوى والرعاية الصحية والخدمات الأساسية لآلاف النازحين في كل من السودان وجنوب السودان.
في 24 يونيو 2024، أبرمت الإمارات اتفاقاً مع برنامج الغذاء العالمي لتخصيص مبلغ 25 مليون دولار لدعم عمليات البرنامج في السودان عبر تقديم مساعدات غذائية تشمل “اللاجئين والمجتمعات المضيفة والنازحين داخليا والعائدين المتأثرين بالحرب في السودان وجنوب السودان. وبعد ذلك بيوم واحد، أعلنت الإمارات في يوم 23 يونيو 2024 عن توقيع اتفاق مع منظمة الأغذية والزراعة العالمية بقيمة 5 مليون دولار لمعالجة الأزمة الإنسانية في السودان ومواجهة خطر المجاعة الوشيكة. وتزامن ذلك مع الإعلان في نفس اليوم عن اتفاق مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية لتخصيص مبلغ 5 مليون دولار لدعم صندوق السودان الإنساني.
وتعد هذه الاتفاقيات جزءا من تعهد إماراتي بتقديم دعم بقيمة 70 مليون دولار أمريكي، خصصته الإمارات لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة في السودان، من خلال وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية. ويمثل بدوره، جزءًا من التزام دولة الإمارات في شهر أبريل الماضي في “المؤتمر الإنساني الدولي للسودان والدولة المجاورة في باريس والذي التزمت فيه دولة الإمارات بتخصيص مبلغ 100 مليون دولار لدعم التدخل الإنساني الدولي في السودان. ما يعني أن الاتفاقيات التي توقع هذه الأيام هي تنفيذ لتعهدات معلنة مسبقا.
وكشف مصدر إماراتي أن مجموع المساعدات التي قدمتها دولة الإمارات للسودان منذ اندلاع الحرب تصل قيمتها الكلية إلى 230 مليون دولار، فيما تتجاوز قيمة المساعدات التي قدمتها أبو ظبي للسودان خلال السنوات العشرة الماضية إلى 3.5 مليار دولار.

خلال توقيع الاتفاقية بين الإمارات ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في جنيف الخميس 26/6/2024م. وام


الدعم العسكري الإماراتي لقوات الدعم السريع
التحرك الدبلوماسي الإماراتي والذي صاحبته حملة إعلامية منظمة يستهدف دون شك تغيير الصورة الراسخة في أذهان الكثيرين داخل وخارج السودان بأن الإمارات تغذي استمرارية الحرب بدعمها غير المحدود لقوات الدعم السريع. كما أن مناشدة مجلس الأمن في قراره الأخير بشأن الفاشر كل الدول بالامتناع عن التدخل الذي يهدف إلى إثارة النزاعات وزعزعة الاستقرار في السودان، أضحت عامل ضغط على أبو ظبي بالنظر إلى أن القرار نفسه طلب من الأمين العام للأمم المتحدة تقديم إحاطة للمجلس بشأن تنفيذ عناصر قرار مجلس الأمن التسعة.
وكان تقرير لفريق خبراء الأمم المتحدة قد كشف عن وجود أدلة على قيام الإمارات بتمرير شحنات من الأسلحة إلى قوات الدعم السريع. كما أن العديد من المنظمات الدولية غير الحكومية ومراكز البحوث والصحف والمجالات العالمية نشرت تقارير مختلفة تؤكد استمرار هذا الدعم. ونفت أبو ظبي في أكثر من مناسبة هذا التدخل واعتبرت أن التقارير غير دقيقة وأن تدخلها يهدف فقط لمساعدة السودانيين في هذه الأزمة. وكان السودان قد اتهم في نهاية شهر أبريل الماضي بريطانيا بالحيلولة دون مناقشة الشكوى التي قدمها ضد الإمارات في مجلس الأمن.
عدم جدية حكومة بورتسودان
لكن مراقبون يصفون سياسة حكومة بورتسودان تجاه الإمارات بعدم الجدية، حيث لا تتناسب الإجراءات التي اتخذتها مع حجم الاتهامات التي تكيلها لحكومة أبو ظبي. حيث أكد وزير المالية، الدكتور جبريل إبراهيم، أن صادرات الذهب السوداني للإمارات ما زالت متواصلة وبطلب من التجار على حد قوله. ويعني أن الخرطوم تفضل هذه القناة مفتوحة في علاقات البلدين لأن الذهب يمثل المصدر الرئيسي لتمويل المجهود الحربي لحكومة بورتسودان بالرغم من أنها تعلم أيضا أن قوات الدعم السريع تقوم أيضا بتسويق الذهب الذي تستخرجه في السوق الإماراتي.
عدو ما من صداقته بد
واعتبر المحلل السياسي الجميل الفاضل في مقابلة مع راديو دبنقا إن استمرار التبادل الدبلوماسي وصادر الذهب السوداني إلى الإمارات في ظل تصاعد وتيرة العداء، أنه ارتباك في مركز اتخاذ القرار وتداخل للمصالح الشخصية والفردية مع عدم توفر بدائل لتسويق الذهب بما يوحي بأن الإمارات ” عدو ما من صداقته بد” ووصف استمرار التبادل الدبلوماسي مع تقديم السودان شكوى لمجلس الأمن مع حملات إعلامية مضادة وشكاوى لمجلس الأمن بأنه تناقض محير.

وتتحدث قيادة الجيش كثيرا عن إيجاد سوق بديل للذهب السوداني، وهو أمر يظل صعبا في ظل هيمنة دبي على أسواق الذهب الإقليمية وصوبة تسويق الذهب السوداني في زمن الحرب في البورصات العالمية. عامل آخر، تظل الإمارات وخصوصا إمارتي أبو ظبي ودبي منصة مالية لا بديل لها للمؤسسات الحكومية السودانية وفي مقدمتها منظومة الصناعات الدفاعية ومنذ سنوات العقوبات الدولية على نظام البشير. كما أن عدد كبير من رجال الأعمال المرتبطين بحكومة بورتسودان وفي مقدمتهم الإسلاميين يعملون منذ سنوات طويلة انطلاقا من دبي التي تمثل حتى الآن ملاذا أمنا لأنشطتهم واستثماراتهم وأموالهم.

الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الجميل الفاضل ـ المصدر ـ صورة مأخوذة من مطقع مرئي خلال استضافته على شاشة قناة النيل الأزرق


عوامل لا يمكن تجاهلها
إذا استندنا لأرقام العام 2022 وهو العام الأخير قبل الحرب، نجد أن 31% من واردات السودان مصدرها دولة الإمارات وأن 45% من الصادرات السودانية وجهتها دولة الإمارات ومنها لأسواق العالم. ومن المؤكد أن الحكومة في بورتسودان تأخذ هذه الأرقام في الاعتبار عند اتخاذ قرارتها.
يضاف إلى ذلك، أن هناك أكثر من 200 ألف سوداني يقيمون في دولة الإمارات حاليا وأن نصفهم من النساء والأطفال ولا ترغب حكومة بورتسودان إلى تحول هؤلاء إلى ورقة ضغط في يد الحكومة الإماراتية. لذلك أبقت بورتسودان على سفارتها وسفيرها في أبو ظبي بالرغم من أن قطع العلاقات الدبلوماسية أو طرد السفراء هو واحد من التقاليد المتعارف عليها في مثل هذا النوع من الأزمات.
ورغم تراجعها قليلا خلال الأيام الماضية بوقف منح إقامة الكوارث، لكن حكومة أبو ظبي ظلت على الدوام وفي مسعى أيضا يرتبط بتحسين صورتها أمام الرأي العام السوداني والدولي إلى اعتبار السودان دولة كوارث ونزع وبالتالي السماح لمواطنيه بالحصول على إقامة الكوارث والتي استفاد منها عشرات الألاف من السودانيين الهاربين من جحيم الحرب.

عمليات تأمينية
ويرى الجميل الفاضل إن دولة الإمارات تعمل في اتجاهين الأولى لتحسين صورتها التي تلطخت بالاتهامات بمساندة الدعم السريع، أما الاتجاه الثاني فهو العمليات التأمينية التي يندرج تحتها إيقاف اصدر إقامات كوارث جديدة للسودانيين وذلك في إطار التحسب للتهديدات التي أطلقها مساعد القائد العام للجيش ياسر العطا والتي تفيد بأنهم قادرون على استهداف أعدائهم داخل أراضيهم وأضاف” هي تخوفات ربما تبدو مشروعة في ظل الحرب الدبلوماسية بين البلدين.

كل هذه العوامل، تجعل من الصعب التنبؤ بما سيؤول إليه حال العلاقات بين حكومة بورتسودان وحكومة أبو ظبي، الشيء المؤكد أن مصالح كلا البلدين تمنعهما من التصعيد أكثر فأكثر. فالإمارات تتمتع بهامش مناورة معقول يحول دون تحملها مسؤولية اتخاذ قرار بالقطيعة الكاملة مع السودان، فيما الخرطوم لم يعد أمامها خيارات كثيرة للتعبير عن غضيها من الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع، سوى بالمبادرة بإعلان القطيعة وخصوصا أن ضغوط حلفائها تذهب في هذا الاتجاه.

Welcome

Install
×