المحامون .. بين مطرقة الجيش وسندان الدعم السريع
الخرطوم: 17يونيو2024: راديو دبنقا
يواجه المحامون والمدافعين عن حقوق الانسان في السودان سلسلة من الانتهاكات الجسيمة والممنهجة على أساس المهنة، ويعمل المحامون في بيئة عمل وظروف صعبة وقاسية مع قوانين تجافي المواثيق الدولية ومحاكم تفتقر لشروط العدالة وقضاء منحاز إلى السلطة التي يتواجدون فيها سواء كان ذلك في المناطق الخاضعة للجيش السوداني أو الدعم السريع حسب ما افاد محامون ونشطاء مدافعون عن الحقوق راديو دبنقا
ومع ذلك كما يقول محامي (لم يتخلوا عن موكليهم والظهور نيابة عنهم أمام المحاكم ويصارعون للحفاظ على ميزان العدالة، فوجودهم يبعث على الاطمئنان في نفوس موكليهم ويؤكد حرصهم على اكمال الدورة العدلية، من نيابة وقضاء إلى جانب عمل المحاماة.
لكن دفاعهم عن بعض المتهمين في القضايا ذات الطابع السياسي مثل اتهام البعض بتأييد قوات الدعم السريع أو التخابر معها، وضعهم هم أنفسهم، كمحاميين، تحت دائرة الاتهام، هذا بجانب الملاحقات من قبل السلطة بالتهديد والخطف والاعتقال والمحاكمات ببلاغات كيدية والاختفاء القسري والاغتيال.
هذه الانتهاكات دفعت كثير من المحاميين الذين تحدثوا لـ”راديو دبنقا”، إلى العزوف عن المهنة والاتجاه لمهن أخرى، والبعض الاخر فضل الهجرة واللجوء لدول الجوار واخرين دخلوا في عزلة وحالة اخفاء قسري وأكثرهن من المحاميات، تركن العمل والبقاء في المنزل حفاظًا على حياتهن وحياة ذويهن.
القضاء الواقف:
يقول المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان أمير محمد سليمان في مقابلة مع “راديو دبنقا” في تعريف مختصر إن مهنة المحاماة من المهن القديمة وتسمى بالقضاء الواقف في السودان وواحدة من المهن التي تتسم بالشرف والنزاهة، ويضيف “إنَّها جزء من أضلع العدالة الثلاثة من ضمنها القضاء والنيابة والمحاماة وأن هذه المهنة تعرضت لهزة كبيرة مثل باقي المهن الأخرى.
ويشير سليمان إلى أنه منذ بداية الحرب لوحظ أنه هنالك أعداد كبيرة جدًا من المحامين الذين اختفوا بشكل قسري بعيدًا عن أسرهم ولم يعرف مكان تواجدهم نتيجة لاختطافهم من قبل أحد طرفي الحرب. كما أن بعض المحامين تعرضوا للقتل.
اتهام المحامي:
يؤكد المحامي والمدافع الحقوقي أمير محمد سليمان أن المحامي بطبيعة عمله يقوم بأداء واجبه مشيرًا إلى أن هذه السلوكيات كلها أدت إلى عزوف عدد كبير من المحامين عن الظهور، نيابة عن الأشخاص الموجهة إليهم التهم بمعاونة الدعم السريع.
ويعيد التشديد على أن من شروط المحاكمة العادلة يجب أن يكون القاضي الذي يطبق القانون مستقلًا ومحايداً، لكنه يقول ان هذا الشرط ينتفي في الكثير من المحاكم حاليا حيث ان القاضي الموجود في المناطق العاملة تحت سيطرة القوات المسلحة يكون تحت ضغوط كبيرة جدًا، وأنه يجب عليه أن يدين الأشخاص الذين يعرضون أمامه، خصوصًا إذا وجهت لهم تهم التعاون مع العدو “الدعم السريع” بالنسبة للقوات المسلحة.
ويشير إلى أن القاضي سيكون عقيدته تجريمية وسيوجه اتهامات للأشخاص ويدينهم بعد ذلك. ويؤكد بقوله: “رأينا الكثير من الأحكام صادرة في مواجهة الناشطين وبعض الناشطات بالحكم بالإعدام بتهمة مخالفتهم للدستور ومحاربتهم للدولة السودانية”.
وقال أن المشكلة الثانية تتمثل في أن المتهمين لا يتاح لهم مقابلة محامييهم، ولا يتاح للمحامين أن يظهروا عنهم في المحاكمات، حتى لو ظهر المحامين فإنهم يكونوا تحت الضغط وتحت تأثير الرأي العام وتأثير الجهة المتنفذة المسيطرة على المنطقة.
ويرى أنه طالما دافع المحامي عن شخص متهم بالخيانة، يصبح هو أيضًا خائنا في نظر العامة وبعد فترة ستوجه له أصابع الاتهام بأنه متعاون مع العدو” قوات الدعم السريع”. وينبه إلى أنه بالرغم من أن المحامي يجب أن يقوم بمهمة الدفاع عن أي شخص يواجه مشكلة قانونية ومنصوص عليها في ميثاق مهنة المحاماة.
الاستئناف:
ويعتقد المحامي والمدافع الحقوقي أمير محمد سليمان في المقابلة مع “راديو دبنقا” أنه من الضروري أن تتاح للمحاميين فرصة الاستئنافات لمحاكم أعلى واعتبر أنه حق من حقوق المحاكمة العادلة، ويرى أن الشخص حتى لو أدين أمام محكمة أول درجة لديه حقوق في أن يستأنف لمحاكم أعلى، ويشير إلى أن القاضي قد يخطئ في الحكم ويتم تصحيحه أو مراجعته من المحاكم الأعلى وأعرب عن أمله بأن هذه واحدة من التوصيات التي تمنى أن الحكومة تلتزم بها.
ولفت المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان أمير محمد سليمان إلى أن كل الذي ذكره يجب ألا يعفى قوات الدعم السريع أيضًا من المسؤولية، ويؤكد بقوله: شاهدنا أن هنالك مجموعة من المحاكمات تمت رغم أنهم يقولون اننا انشأنا محاكم ونيابات خاصة وشرطة لكن لم يمارسوا عملهم بشكل رسمي. ويضيف هناك بعض التقارير ومقاطع فيديوهات مبثوثة في الوسائط الإعلامية، تشير الى أن هناك محاكمات جزافية وإعدام لأشخاص وكشوفات بأسماء وحتى تصميم أماكن للإعدام داخل بعض المنازل ودعا سليمان، في هذا الخصوص على قيادة قوات الدعم السريع التحقيق في تلك المزاعم وإذا كانت هي مزاعم حقيقية يتم محاسبة الأشخاص الذين ارتكبوا الانتهاكات لأنها تمثل قتلا خارج نطاق القضاء وتعبر جريمة ضد الإنسانية.
المحامون رأس الرمح:
يؤكد المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان عبدالله محمد إبراهيم وجود نماذج اخري كثيرة للانتهاكات التي تعرض لها المحامين مثل حالة المحامي محمود يوسف الذي تعرض لاعتقال من قبل الاستخبارات العسكرية في مدينة أمدرمان، وخميس محمد الذي تم اعتقاله من منطقة أمبدة من قبل قوات الدعم السريع وتم إخلاء سبيلهما لاحقًا.
ويقول عبدالله الشهير بـ”نقة” لـ”راديو دبنقا”: أن هنالك أكثر من عشرة محاميين ومدافعين عن حقوق الإنسان تم قتلهم في إقليم دارفور منذ بداية الحرب، ويشير إلى أن المحامي نجم الدين وأحمد محمد عبدالله الذي تم اختطافه من منزله في نيالا وقتله بواسطة قوات الدعم السريع وعشرات الانتهاكات التي ظل يتعرض لها المحامين في الخرطوم وولاية الجزيرة وبقية الولايات الأخرى.
ومن بين المخفين قسريًا المحامي هيثم محمد عبدالله السنهوري الذي ظل في حالة احتجاز غير مشروع في سجون الاستخبارات العسكرية في مدينة شندي بولاية نهر النيل، مع وزوجته وأبنته ذات الثلاث أعوام، واكد ان الاتصال انقطع مع أسرته في مدينة شندي أثناء رحلته من الخرطوم إلى موطنه في كرمة النزل بمحلية دنقلا، بالولاية الشمالية.
محاكمة آخر بالإعدام
ويعتقد المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان عبدالله محمد ابراهيم أن المحامين واجهوا كآفة أشكال الانتهاكات تتعلق بالخطف والاعتقال والتصفية والاغتيال فهنالك ملاحقات قضائية تطال المحاميين تضاف لتلك الانتهاكات ببلاغات كيدية من بينها محاكمة المحامي عيسى رجب بمحكمة القضارف والذي صدر في حقه حكمًا بالإعدام.
وتعليقًا على هذه القضية يرى عبدالله أن هنالك اشكالات في أوجه مختلفة تتعلق بمحاكمة المحامي الذي صدر في حقه حكم بالإعدام، ويقول في المقابلة مع “راديو دبنقا” إنَّ أولها اجرائية متعلقة بالتكيف القانوني للمواد نفسها الخاصة بالمحاكمة الاجرائية واضاف (ما توفر لدينا من معلومات ان القبض والتحري تم عبر الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش السوداني.) وتابع (هذا خطأ لأن القانون نص على أن سلطة القبض والتحري يتم عبر الشرطة الجنائية وبأمر من النيابة، وليس من حق الاستخبارات العسكرية أن تقوم بإجراءات القبض، وتكون الشاكي الخصم والحكم واكد ان المحاكمة نفسها مخالفة لنص المادة 48 من قانون المحاماة التي تنص على أن أي محامي لا يجوز القبض عليه إلا بعد أخذ الإذن اللازم من نقابة المحامين أو اللجنة التسييرية لنقابة المحاميين.
وانتقد المحامي والحقوقي عبدالله سرعة المحاكمة في قضايا تتعلق بالمؤبد والإعدام، ووصف العجلة في المحاكمة في الوقت الراهن بأنها تصفية حسابات مع الخصوم.
الكل لا يريدنا
من جانبه يعتقد عضو اللجنة التسييرية لنقابة المحاميين السودانيين وعضو لجنة محامي الطوارئ محمد عبد المتعال جودة، أن استمرار استهداف المحامين يأتي في إطار استهداف كل الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
ويؤكد أن الاستهداف بات من الطرفين ويقول لـ” راديو دبنقا” نحن كمحامين وكمدافعين على الحقوق والحريات مرتبطين بقضايا أهلنا كلها في ظل هذه الحرب فنواجه استهداف من الطرفين،) وتابع: (الكل لا يريد وجودنا .. الكل لا يريدنا أن يكشف خبايا الجرائم والانتهاكات التي تقع هنا وهناك،) وذكر أن هنالك عددا كبيرا من المحامين تمت تصفيتهم وآخرين محاصرون ومفقودون في مناطق الطرفين.
ولفت المحامي والمدافع الحقوقي أن ملف الانتهاكات وسط المحاميين كبير وأن هنالك حصر يتم لهذه الانتهاكات، مؤكدًا حرصه على تقديمه بشكل متكامل في تقرير ينشر في حينه، لكنه شدد على عدم تجاوز هذه الانتهاكات.
وتعهد جودة بعدم السماح بالإفلات من العقاب واعتبر أن ذلك يمثل بالنسبة لهم تحدي ومسؤولية
ويشير إلى أن وفاة المحامي صلاح الطيب في قرية العزازي بولاية الجزيرة بعد اعتقاله بواسطة الاستخبارات العسكرية، التابعة للجيش السوداني على سبيل المثال لا الحصر، وإخفاء أمر وفاته لفترة زمنية طويلة، حتى من أسرته بأنه سلوك يؤكد الاستهداف الكامل للمحامين.
تغليف الانتهاكات:
اعتبر عضو اللجنة التسييرية لنقابة المحاميين السودانيين وعضو لجنة الطوارئ محمد عبد المتعال جودة المحامي، محاكمة عيسى رجب المحامي الذي يواجه عقوبة الإعدام، بانها سياسية كيدية وتغليف للانتهاكات القانونية وعمل ممنهج باستخدام القانون كسلاح يستخدمه طرفا الحرب
ويشير إلى أن هنالك تجريما لكل من قال لا للحرب وكل من طالب بالعودة للتفاوض، ومن دعا بالعودة للحكم المدني الديمقراطي ومن انتقد سلوك القوات المسلحة أو الدعم السريع في الانتهاكات التي يرتكبانها.