رئيس الإمارات محمد بن زايد يستقبل وزير الخارجية التركي هاكان فيدان -وام

أمستردام: 30 ديسمبر 2024: راديو دبنقا
لغط كبير أثاره بيان وزارة الخارجية الصادر بتاريخ 29 ديسمبر 2024 ردا على بيان وزارة الخارجية الإمارتية الصادر قبله بيوم واحد بشأن المبادرة التركية للتوسط لحل الخلافات بين البلدين. وفيما يرى البعض أن بيان الخارجية السودانية كان ضروريا للرد على ما ورد في البيان الإماراتي، لكنه أصبح أكثر أهمية بعد تصريحات وزير الخارجية، السفير علي يوسف، لوكالة أنباء الأناضول التركية بشأن هذه المبادرة.

اردوغان يعرض وساطته على البرهان
في 13 ديسمبر 2024، وبعد أيام من نجاح الدبلوماسية التركية في إقناع اثيوبيا والصومال بتوقيع اتفاق يمهد لحل الخلافات بينهما عبر التفاوض، كشف إعلام مجلس السيادة الانتقالي عن إجراء الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، محادثة هاتفية مع القائد العام للجيش، الفريق عبد الفتاح البرهان.
ونقل إعلام مجلس السيادة السوداني، عن الفريق عبد الفتاح البرهان، إشادته بمواقف تركيا الداعمة للسودان، وجهودها من أجل السلام والاستقرار في المنطقة والإقليم، كما نقلت عنه ترحيبه بأي دور تركي لوقف الحرب في البلاد.
وتلقى السودانيون والمجتمع الإقليمي والدولي هذه المبادرة بالترحاب بالنظر إلى فشل كل جهود إيقاف الحرب في السودان وأن حل الخلافات بين أبو ظبي وبورتسودان والمرتبطة بدعم الإمارات لقوات الدعم السريع سيساهم دون شك في خلق أرضية جيدة لمفاوضات مستقبلية بين طرفي الحرب.
أكثر من ذلك، أن التحرك الدبلوماسي التركي في هذا الاتجاه هو الأول منذ المحادثة الهاتفية بين الفريق عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش، والشيخ محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات في شهر يوليو الماضي والتي لم تثمر عن اختراق في اتجاه حل الخلافات بين البلدين.
تصريحات وزير الخارجية
وانتهز السفير علي يوسف، وزير الخارجية، حوارا أجرته معه وكالة أنباء الاناضول التركية، ونشر بتاريخ 26 ديسمبر 2024، ليثمن الموقف التركي من الحرب في السودان بقوله “في هذه الحرب، وجدنا تفهما من القيادة التركية للأوضاع في السودان، وبُحثت المسائل المتعلقة بالحرب بصورة وثيقة جدا”، معتبرا أن عرض الوساطة بين السودان والإمارات، وهذه المبادرة سيكون لها مردود إيجابي على السودان حكومة وشعبا وقيادة. وأضاف وزير أن السودان تربطه “علاقات طيبة جدا” مع الإمارات، وشارك العديد من السودانيين في نهضتها. معبرا عن أمله في نجاح مبادرة الوساطة التركية بين السودان والإمارات.
هذا التوصيف للعلاقات بين السودان والإمارات سرعان ما أثار عاصفة في وسائل التواصل الاجتماعي من قبل مؤيدي الجيش والإسلاميين والذين لم يترددوا في اتهام الوزير بالضعف وتبني موقف لا يتفق مع الموقف الرسمي للدولة.
اضطر الوزير علي يوسف في نفس اليوم للتراجع بشكل مباشر عن هذه التصريحات في لقائه مع وفد جمعية الصحافة الالكترونية السودانية بمكتبه في بورتسودان. حيث أشار إلى أنه قصد أن هنالك تبادل دبلوماسي حتى الآن قائم بين السودان والإمارات، لخدمة السودانيين الموجودين في دولة الإمارات، وأن مثل هذه العلاقات الدبلوماسية دائما ما تقرب مساحات الحوار والتفاهم بعكس القطع الكامل للعلاقات، واستشهد بعدد من النماذج في العالم التي شهدت حروب فيما بينها ولم تقطع علاقاتها الدبلوماسية.

الإمارات ترد ببيان
في خضم هذا الجدل في أوساط المؤيدين للقوات المسلحة بشأن المبادرة التركية، أصدرت وزارة الخارجية الإماراتية بيانا بتاريخ 28 ديسمبر 2024 رحبت فيه بالجهود الدبلوماسية لجمهورية تركيا الصديقة لإيجاد حل للأزمة الراهنة في السودان، والتي تمثل أيضاً أولوية لدى دولة الإمارات، مشيرةً إلى أن هذه الجهود تعكس التزام تركيا العميق بدعم السلام والاستقرار في المنطقة، والمساهمة في تعزيز العلاقات بين الدول، وأن دولة الإمارات على أتم الاستعداد للتعاون والتنسيق مع الجهود التركية وكافة الجهود الدبلوماسية لإنهاء الصراع في السودان وإيجاد حل شامل للأزمة.
وأكدت وزارة الخارجية في بيانها على موقف دولة الإمارات الواضح والراسخ تجاه الأزمة، إذ أنّ تركيزها الأساسي انصبّ ولا يزال على الوصول إلى وقف فوري لإطلاق النار ووقف الاقتتال الداخلي الذي يجري في جمهورية السودان بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية في أسرع وقت، وعلى معالجة الأزمة الإنسانية الكارثية من خلال تقديم الدعم الإنساني والإغاثي العاجل للشعب السوداني الشقيق.
لكن الفقرة الأخيرة في البيان الإماراتي هي دون شك التي أثارت الغضب في بورتسودان. حيث اعتبر البيان أن غياب القوات المسلحة السودانية عن محادثات السلام الأخيرة التي شاركت فيها دولة الإمارات إلى جانب عدد من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية عبر منصة ALPS في جنيف يعد تجاهلاً صارخاً لمعاناة الشعب السوداني الشقيق، وعدم الرغبة في التعاون والانخراط في محادثات السلام لإنهاء الأزمة وتحقيق السلام الدائم. وشددت على أهمية الحوار والتفاوض كسبيل وحيد لإنهاء الصراع وتأمين عملية سياسية وإجماع وطني نحو حكومة بقيادة مدنية، داعية كافة الأطراف المعنية للعودة إلى طاولة الحوار والمشاركة الفعالة في جهود إحلال السلام في السودان.
رد الخارجية السودانية لم يتأخر
جاء رد وزارة الخارجية السودانية سريعا وفي اليوم التالي مباشرة للبيان الإمارتي. حيث وصفت البيان الإماراتي بأنه “محاولة للهروب من الحقيقة التي بات العالم بأسره يعرفها بأن الإمارات مسؤولة بشكل مباشر عن كل الدماء التي أريقت وتراق في السودان، وما لحق بشعبه من تقتيل وتشريد وفظائع، وما تعرضت له بنياته الأساسية ومؤسساته الوطنية من تدمير لأنها راعية قوات الدعم السريع التي ترتكب كل تلك الجرائم”.
واعتبر بيان “أن الادعاءات الجوفاء والكاذبة في البيان بأن الإمارات تعمل من أجل السلام في السودان لن تجدي نفعاً في وجه هذه الوقائع الدامغة، وفي تطاول واستخفاف بالعقول، يتهم البيان القوات المسلحة السودانية بالتجاهل الصارخ لمعاناة الشعب السوداني، لعدم مشاركتها فيما أسمى بمحادثات جنيف. لقد كان أوضح علامات عدم جدية وجدوى هذه الاجتماعات مشاركة الإمارات فيها. ولم يكن مفاجئاً تصعيد المليشيا لمجازرها ضد المدنيين، مباشرة بعد تلك الاجتماعات، لأن راعيتها اعتبرت صانعة سلام، ونالت هي اعترافاً وثناءً شجعها على مواصلة جرائمها”.
وحدد البيان رؤية وزارة الخارجية للدور المناط بالوساطة التركية أن تلعبه “ينبع من أن الإمارات طرف في العدوان الذي يتعرض له، وأن أي جهد لإقناعها بأن تكف أذاها عن السودان وشعبه يستحق التشجيع والتعاطي الإيجابي معه، خاصةً وأن تركيا محل ثقة وتقدير السودان. والمطلوب هو أن تتوقف الإمارات عن تزويد المليشيا بالأسلحة والمرتزقة وأن توجهها بوضع السلاح وعندها سيتحقق السلام”.
مهمة صعبة للوسيط التركي
على ضوء هذه المعطيات، طرح راديو دبنقا السؤال حول مستقبل الوساطة التركية على دبلوماسي سوداني طلب عدم الكشف عن هويته. حيث بادر الدبلوماسي بالقول إن الدبلوماسية التركية يجب أن تأخذ كل تعقيدات هذه الأزمة في اعتبارها إذا أرادت لوساطتها أن تمضي إلى الأمام.
أول هذه التعقيدات وفق الدبلوماسي السوداني هو كيفية التعامل مع الرؤى المختلفة للسودان والإمارات في فهم الدور التركي. فمنذ البداية ربط الفريق عبد الفتاح البرهان ما بين المبادرة وقضية وقف الحرب وليس حل الخلافات مع الإمارات حسب ما جاء في بيان مجلس السيادة. وهو ما تتفق معه أبو ظبي عندما تتحدث في بيانها عن استعدادها للتعاون مع الجهود التركية لإنهاء الصراع في السودان.
ويلاحظ الدبلوماسي السودان أن الطرفين يختلفان ايضا في كيفية الوصول لهذا الهدف، حيث ترى الدبلوماسية السودانية أن الطريق إلى ذلك يمر عبر كف الإمارات يدها عن التدخل في الصراع السوداني ووقف دعمها العسكري والمالي لقوات الدعم السريع. بالمقابل، تحمل الإمارات القوات المسلحة مسؤولية إجهاض الجهود الدولية السابقة وتدعوها للعودة إلى مائدة التفاوض.
التجاذبات بين الحلفاء في بورتسودان
ويمضي الدبلوماسي السوداني بعد ذلك قائلا إن تركيا يجب أيضا أن تأخذ في اعتبارها الخلافات في داخل كابينة القيادة في بورتسودان في الاعتبار. فالإعلان عن المبادرة التركية كشف عن أن هناك أطراف في بورتسودان ترفض أي محاولة لوقف الحرب عن طريق التفاوض. وظهر ذلك بوضوح في ردود الفعل العنيفة على تصريحات وزير الخارجية والتي اضطرته لمحاولة تصحيحها.
فالإسلاميون حسب ما يقول الدبلوماسي السوداني يرفضون أي حل سياسي متفاوض عليه قبل أن يضمنوا موقعهم في تركيبة السلطة المستقبلية. صحيح أنهم لم يرفضوا المبادرة بالكامل هذه المرة كما سبق وأن فعلوا مع مبادرات سابقة مثل مبادرة الإيقاد ومبادرة جنيف، لكن وجود الرئيس رجب طيب اردوغان وتركيا خلف هذه المبادرة يحد من قدرتهم على رفضها وبالتالي فهم يبحثون عن مبررات لقتلها دون أن يتحملوا المسؤولية.
ويذكر الدبلوماسي السوداني بأن هناك تيار وسط العسكريين، تيار قوي ومؤثر بوجوده على الأرض وتحالفه مع الحركة الإسلامية، يرفض أي مفاوضات مع دولة الإمارات التي يحملها مسؤولية كل النجاحات التي حققها الدعم السريع في هذه الحرب. هذا التيار الذي يعلو فيه صوت الفريق ياسر العطا، مساعد القائد العام، يرفض بدوره أي حل سياسي/دبلوماسي لأزمة الحرب ويعمل على حسمها بالوسائل العسكرية رغم كل الصعوبات التي تواجه ذلك.
تساؤلات حول مستقبل المبادرة
وفي انتظار وصول المبعوث التركي إلى بورتسودان خلال الأيام القادمة، طرح الدبلوماسي السوداني العديد من التساؤلات بشأن مستقبل المبادرة التركية. فإذا كانت المبادرة التركية هي مبادرة لوقف الحرب كما يتعامل معها طرفاها، هل يمكن استبعاد قوات الدعم السريع عنها بشكل كامل أم أنها في مرحلة ما يجب أن تستوعب قوات الدعم السريع. وهل يمكن أن يتم تطبيق اتفاق يصل إليه الطرفان عبر الوساطة التركية بدون أخذ كل الأطراف الموجودة على الأرض في الاعتبار، ليس فقط الدعم السريع وإنما المجموعات العسكرية التي تقاتل مع الجيش بشكل خاص.
ويخلص الدبلوماسي السوداني بأن الوساطة التركية، حتى في حال نجاحها، قد تمهد لمفاوضات بين طرفي الحرب من أجل إيقافها، لكنها دون شك لن تقود إلى إيقاف الحرب بشكل مباشر

Welcome

Install
×