الفنانون في مرمى الحرب: ضحايا الصراع المسلح في السودان
كمبالا: 27 نوفمبر 2025: راديو دبنقا
واجه الفنانون والمبدعون، عقب حرب منتصف أبريل 2023، موجة غير مسبوقة من الانتهاكات التي شملت القتل خارج نطاق القانون، الحرمان من الرعاية الصحية، والتعذيب أثناء الاحتجاز.
لم تقتصر الحرب على إزهاق أرواح أكثر من 55 فنانًا، بل دفعت الآلاف إلى النزوح داخليًا وخارجيًا، كما استُهدفت مواقع ثقافية وتاريخية بارزة، من بينها المتحف الوطني السوداني، الذي تعرض للنهب والتدمير، وفي حين اُستُغل بعض الفنانين لدعم أطراف النزاع، أظهر آخرون شجاعة بالوقوف ضد الحرب والدعوة إلى السلام.
سجل الانتهاكات
وفي تقرير بعنوان (دموع الجيتارات وصراخ المتاحف)، أعده المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام بالتعاون مع مركز الأبحاث الموسيقية السوداني، تلقى (راديو دبنقا) نسخة منه، سُلِّط الضوء على الانتهاكات التي تعرض لها الفنانون والمبدعون خلال النزاع.
استند التقرير إلى شهادات ميدانية، ومقابلات مع الضحايا وأسرهم، وتحليل المصادر المفتوحة، بالإضافة إلى صور الأقمار الصناعية التي أكدت تدمير الممتلكات الثقافية والفنية، كما ركز على المعاناة الإنسانية التي واجهها الفنانون، إلى جانب تدمير الممتلكات الثقافية والتاريخية.
تعددت أشكال الانتهاكات، حيث طال القتل خارج نطاق القانون كلا من، إبراهيم ميكو عازف لوحة المفاتيح (الكي بورد)، الذي تُوفي نتيجة غياب الرعاية الصحية بعد إصابته في مستشفى ود مدني، وبشير عبد المجيد، الملحن الذي فقد حياته بسبب نقص الخدمات الطبية.
كما شملت الاعتقالات التعسفية والتعذيب، كمال حسن كمال، عازف الإيقاع، الذي توفي نتيجة التعذيب في سجن سوبا بعد اعتقاله من قبل الدعم السريع. وينوه راديو دبنقا إلى أن لم يتمكن من الحصول على تعليق فوري من قبل قوات الدعم السريع أو الجيش أو غيرها من الجهات للرد على الاتهامات التي وردت في التقرير.
أسر الضحايا
وعانت أسر الضحايا من ألم الفقدان، كما أظهرت شهاداتهم الأثر العميق لغياب الفنانين على المجتمع. وتحدثت عائلة حمدان أزرق، المغني والملحن الذي قُتل إثر قصف استهدف حي العرب في أم درمان، عن دوره البارز في المجتمع الثقافي.
وقال أحد أقربائه في شهادته التى وردت في التقرير “كان حمدان يغني دائمًا عن السلام والوحدة. لم يكن يستحق أن يموت بهذه الطريقة. كنا نعتمد عليه معنويًا وماديًا، والآن نحن في حالة صدمة.”
كذلك، فقدت أسرة عبد الباسط، عازف لوحة المفاتيح، ابنها بعد سقوط قذيفة على منزله في مدينة بحري. قال شقيقه في التقرير “لم يكن عبد الباسط مجرد موسيقي، بل كان رمزًا للأمل لنا جميعًا. حياته انتهت بطريقة مأساوية وغير مبررة. هذه الحرب تدمر كل شيء، حتى الأرواح البريئة.”
أما الفنانة و الشاعرة شادن محمد حسين، التي كانت تدعو إلى السلام عبر منصات التواصل الاجتماعي، فقد قُتلت برصاصة قناص.
تحدثت والدتها قائلة “حتى أثناء نقلها إلى المستشفى، واجهنا عراقيل في نقاط التفتيش. كانت شادن دائمًا تؤمن بأن الكلمة أقوى من السلاح، لكن رصاص الحرب لم يرحم حتى الناشطين السلميين.”
الانتهاكات ضد الممتلكات الأثرية والفنية
لم تقتصر الانتهاكات على الأفراد فقط، بل طالت الممتلكات الثقافية والفنية أيضًا، فقد تعرض المتحف القومي للنهب والتدمير، حيث انتشرت مقاطع فيديو تُظهر عناصر يتبعون للدعم السريع داخل المتحف، حسب التقرير.
كما تضرر متحف بيت الخليفة في أم درمان، واقتحمت قوات الدعم السريع موقع المصورات الأثري، مما وضعه في خطر، كما ذكر التقرير. وتوقفت أنشطة المسارح الوطنية والمراكز الثقافية جراء القصف، أو بسبب استخدامها كقواعد عسكرية.
الفنانون المناهضون للحرب رغم الانتهاكات، واصل عدد من الفنانين استخدام منصاتهم للدعوة إلى السلام ومناهضة الحرب. من بينهم هؤلاء الفنان أبو عركي البخيت، الذي رفض الانحياز لأي طرف من أطراف الحرب رغم الضغوط، كما يقول التقرير. وعبر أبو عركي عن موقفه عبر اغنياته، مثل “يجب أن تتوقف”. ونظمت الفنانة نانسي عجاج حفلات خارجية لنشر رسائل السلام، فيما أطلق الفنان يوسف الموصلي عددا من الأعمال الداعية إلى السلام.
فنانون سقطوا في فخ الاستقطاب
على الجانب الآخر، وقع بعض الفنانين في فخ الانحياز لأطراف النزاع. حيث دعمت ندى القلعة وكامل إبراهيم سليمان الجيش عبر أعمال فنية، بينما أنتج إبراهيم إدريس أغاني تدعم قوات الدعم السريع، وقدم فنانون من دارفور وكردفان أعمالًا مستوحاة من التراث المحلي تعبيرًا عن تأييدهم لهذه القوات. هذه الانقسامات زادت من حدة خطاب الكراهية الذي اجتاح الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، وأثرت سلبًا على المشهد الثقافي والفني. اُختتم التقرير بتوصيات لتعزيز حماية الفنانين والمبدعين، وتأمين الممتلكات الثقافية والتاريخية من النهب والتدمير. وشدد التقريرعلى أهمية تعزيز حرية التعبير والإبداع، ودعم المبادرات الثقافية الداعية للسلام، مع ضرورة توثيق الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها، كما دعا إلى تعزيز الوعي الدولي بشأن تأثير النزاع على الإرث الثقافي السوداني، وحث المجتمع الدولي على التدخل لحماية المبدعين وصون التراث الثقافي.